موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الاصطلاحات الصوفية

ملخص من المعجم الصوفي من تأليف الدكتورة سعاد الحكيم

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


552. - الاستقامة

نلاحظ ان هناك نوعين من الاستقامة عند ابن العربي ،

استقامة أولى: يتفق بها مع من سبقه من مفكري الاسلام.

واستقامة ثانية: ينفرد بها تناسب مذهبه ومنهاجه الفكري.

***

الاستقامة بالمعنى الأول، هي استقامة على الشرع والمنهاج المحمدي، اي

على الصراط المحمدي، الذي يؤدي إلى النجاة في الآخرة، وهي استقامة لم يخرج بها ابن العربي عمن سبقه من المفكرين المسلمين 2.

يقول:

“ خطّ رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وسلم ) خطا، وخط عن جنبتي ذلك الخط خطوطا، فكان ذلك الخط شرعه ومنهاجه الذي بعث به. وقيل له: قل لامتك تسلك عليه ول تعدل عنه، وكانت تلك الخطوط شرائع الأنبياء التي تقدمته، النواميس الحكمية الموضوعة، ثم وضع يده على الخط، وتلا: وان هذا صراطي مستقيما. فاضافه اليه ولم يقل صراط اللّه 3. .. هذا معنى الاستقامة المتعلقة بالنجاة “ ( ف 2 / 217 ).

يلاحظ من هذا النص كيف ان الاستقامة هي السير على الصراط المحمدي للوصول إلى النجاة بالنفس في الآخرة.

* * * *

الاستقامة بالمعنى الثاني: تطلبها حكمة اللّه 4، وهي نعت الهي وكوني سار في كل كون - فالاستقامة: ظهور حقيقة المستقيم، واستقامة الشيء: ما خلق له.

( 1 ) نورد هنا نصا يبين كيف ان الاستقامة نعت الهي وكوني بسند قرآني

يقول:

“ اعلم وفقك اللّه، ان اللّه أخبر نبيه ورسوله عليه السلام، في كتابه أنه قال :” إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ “[ 11 / 56 ]

فوصف نفسه بأنه على صراط مستقيم. ..

ثم إنه ما قال ذلك الا بعد قوله :” ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها “[ 11 / 56 ]

فما ثم الا من هو مستقيم على الحقيقة “ “ ( ف 2 / 217 ).

يظهر هذا النص كيف ان الاستقامة على الحقيقة تعمّ كل كون، لان الرب على صراط مستقيم وكل دابة ناصيتها بيده، فتتبعه في الاستقامة ،

كما يقول في الموضوع نفسه:

“ فينسب الاعوجاج والاستقامة للماشي بالممشي به، لا إلى من مشى به.

والماشي بالخلق انما هو الحق، وذكر انه على صراط مستقيم، فالاعوجاج قد يكون استقامة في الحقيقة، كاعوجاج القوس، فاستقامته التي أريد لها اعوجاجه.

فما في العالم الا مستقيم، لان الآخذ بناصيته هو الماشي به، وهو على صراط مستقيم. .. “ ( ف 2 / 563 ).

( 2 ) “. .. فكل شيء في استقامة حاصلة. فاستقامة النبات، أن تكون حركته

منكوسة. واستقامة الحيوان، أن تكون حركته افقيه.

وان لم يكن كذلك، لم ينتفع بواحد منهما، لان حركة النبات ان لم تكن منكوسة حتى يشرب الماء، بأصولها، لم تعط منفعة. ..

وكذلك الحيوان لو كانت حركته إلى العلو، وقام على رجلين مثلنا، لم يعط فائدة الركوب وحمل الأثقال على ظهره. ..

فاستقامته [ الشيء ] ما خلق له، فهي الحركة المعتبرة التي تقع به المنفعة المطلوبة. ..

فما ثم الا استقامة لا سبيل إلى المخالفة. .. اعوجاج القوس استقامته لما أريد له.

فما في الكون الا استقامة “ ( ف 2 / 217 - 218 ).

“ فان القوم جهلوا معنى الاستقامة في الأشياء ما هي، فالاستقامة [ في ] الدائرة أن تكون دائرة صحيحة، بحيث ان يكون كل خط يخرج من النقطة إلى المحيط منها، مساويا لصاحبه، وسائر الخطوط. كما أن الاستقامة في الشكل المربع والمثلث 5، ان يكون متساوي الأضلاع بتساوي الزوايا، كما أن الاستقامة في الشكل المثلث المتساوي الساقين، ان يكون متساوي الساقين. وكل شيء لم يخرج عما وضع له فهي استقامته “. ( ف 3 / 65 ).

“ العارف من عرف الاستقامة في الاعوجاج “ ( إشارات القرآن ص 65 ).

يظهر من هذه النصوص نظرة ابن العربي إلى الأشياء بعين حكمة، مراعي المراتب الكونية، فهو لا ينطلق من مفهوم عام سابق للاستقامة، بل كل شيء يعطي حقيقته، التي هي عين استقامته 6. فاعوجاج القوس استقامته.

كما نلاحظ ان الاستقامة هنا، على صعيد الوجود، لا علاقة للأخلاق والشرع بها كما هو المفهوم العام لهما.

وهذه النظرة من الخطورة بمكان، لأنها إظهار لحقيقة المستقيم، فإن كان الكائن شريرا فاستقامته عين اظهار شره 7، ولكن ابن العربي يسرع إلى الخروج من المأزق الفكري بهذا الدعاء:

“ جعلنا اللّه ممن لم يعدل عن استقامته 8 الا باستقامته 9 آمين بعزته 10 “ ( ف 2 / 218 ).

..........................................................................................

( 1 ) يعرّف صاحب لطائف الاعلام الاستقامة ق ق 23 - ب

كالآتي:

“ الاستقامة - هي روح يحي بها الاعمال ويزكو بها الأحوال.

الاستقامة على ثلاثة أقسام:

استقامة العامة هي الاجتهاد في الاقتصاد في الاعمال. ..

استقامة الخاصة هي استقامة الأحوال بان يشهد الحقيقة كشفا لا كسبا. ..

استقامة خاصة الخاصة هي ترك رؤية الاستقامة والغيبة عن مطلب الاستقامة بمشاهدة قيام الحق بذاته. . "-

( 2 ) يراجع بشأن الاستقامة:

- الرسالة القشيرية ص 94 - 95، طبع مطبعة محمد على صبيح بمصر.

- كما ويعرف القشيري الاستقامة في كتابه “ منثور الخطاب في مشهور الأبواب “ نشر الدكتور قاسم السامرائي في مجلة المجمع العلمي العراقي. المجلد الثامن عشر 1969 م. ص 276 - 277 كما يلي:

“ الاستقامة: وقوف بلا انتفاء وعكوف على الصفاء، إقامة على بابه بايثار محابه، بذل الروح على السدّة وتبديل الروح بالشدة، ان لا تتصرف بالكرامة ولا تلتفت إلى الملامة، اتمام الصحبة بدوام الكرامة “.

- التمكين في شرح منازل السائرين، تأليف محمود أبو الفيض المنوفي. حيث يشرح كلام الهروي في الاستقامة ودرجاتها، وفي كونها روح تحيابها الأحوال كما تربو للعامة عليها الاعمال وبرزخ بين وهاد.

- اما الكمشخانوي فيقول عن حقيقة الاستقامة في كتابه جامع الأصول م يلي:

“ ( واما حقيقة الاستقامة ) ففي اللغة ضد الاعوجاج، وفي اصطلاح أهل الحقيقة هي الوفاء بالعهود كلها، وملازمة الصراط المستقيم. والصراط المستقيم رعاية حد التوسط والعدل في كل الأمور. .. ( وقال الشبلي ) هي [ الاستقامة ] ان تشهد الدنيا قيامة. .. ( وقال ) أبو علي الدقاق ؛ الاستقامة لها ثلاثة مدارج أوله التقويم وهو تأديب النفس، وثانيها الإقامة وهي تهذيب القلوب، وثالثها الاستقامة وهي تقريب الرب “ [ جامع الأصول ص 101 طبع دار الكتب العربية الكبرى بمصر 1331 ه ].

( 3 ) “ حدثنا أبو سعيد ( عبد اللّه بن سعيد )، ثنا أبو خالد الأحمر، قال: سمعت مجالدا يذكر عن الشعبي. عن جابر بن عبد اللّه قال: كنا عند النبي ( صلى اللّه عليه وسلم ) فخط خطا. وخط خطين عن يمينه. وخط خطين عن يساره. .. ثم وضع يده في الخط الأوسط فقال “ هذا سبيل اللّه “ ثم تلا هذه الآية( وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ )[ الانعام / 153 ] “ ( سنن ابن ماجة تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي طبع عيسى البابي الحلبي 1952 م. ج 1 ص 6 رقم الحديث 11 ).

( 4 ) يجعل ابن العربي “ الحكمة “، من اسمه تعالى “ الحكيم “، هي الحاكمة في عالمنا هذا الحسي.

وأكثر ما نلمسها في البديهيات العقلية. ونستطيع ان نقول إن عالمنا هو “ عالم الحكمة “ على حين تظهر “ القدرة “ حاكمة في عوالم ثانية مثل “ ارض الحقيقة “، التي تتحقق فيها كل ما يرفضه العقل. مثلا: دخول الجمل في سم الخياط. ونستطيع ان نسمي هذا العالم في مقابل “ عالم الحكمة “: “ عالم القدرة “.

انظر “ ارض الحقيقة “.

( 5 ) يريد المثلث المتساوي الأضلاع.

( 6 ) لمفهوم العام السابق للاستقامة هي الاستقامة بالمعنى الأول، لان الشرع المحمدي هو طريق واحد من تحقق به تحقق بالاستقامة، اما مراعاة المراتب الكونية فقد أدت بابن العربي إلى القول بان طرق الاستقامة لا تحصى، لأنها اظهار لحقيقة المستقيم والحقائق تتعدد بتعدد الكائنات.

“ وطريق الاستقامة لا تتقيد مراتبه ولا تنضبط. .. لن تحصوا طرق الاستقامة فإنها كثيرة “ ( ف 2 / 219 ).

( 7 ) ان الفعل نفسه يصدر من شخصين مختلفين يؤدي إلى نتائج مغايرة والسبب في ذلك هو الشخص محل الفعل. “ فالوعي “ هو ما يميز بين شخص وآخر، فإن كان الفعل ذنبا “ ثبت “ للانسان في “ عينه الثابتة “ فلا مفر له منه، ولكن مراقبته لوقوع الفعل ووعيه للمخالفة، هو استقامة.

يقول ابن العربي:

“ فمن ازداد علما ازداد حكما، فانظر فيما أمرت به أو نهيت عنه، من حيث إنك محل لوجود عين ما أمرت به أو نهيت عنه. ..

فمتعلق الامر عند صاحب هذا النظر ان يهيء محله بالانتظار، فإذا جاء الامر الإلهي

.. . فينظر اثره في قلبه أولا فان وجد الإباية قد تكوّنت في قلبه فيعلم انه مخذول، وان خذ لأنه منه لأنه على هذه الصورة في حضرة ثبوت عينه التي أعطت العلم للّه به. ..

فلا نزال نراقب حكم العلم فينا من الحق، حتى نعلم ما كنا فيه، فإنه ل يحكم فينا الا بنا. .. ومن كان هذا حاله في مراقبته وان وقع منه خلاف ما امر به، فإنه لا يضره ولا ينقصه عند اللّه فان المراد قد حصل الذي يعطي السعادة وهو المراقبة للّه في تكوينه. .. وهذا سر القدر لمن فهمه. ..

فمن كان هذا حاله فقد فاز بدرجة الاستقامة. .. “ ( ف 4 / 182 ).

راجع “ امر الهي “ “ عين ثابتة “.

( 8 ) استقامة هنا المقصود منها “ حقيقته “ ابن العربي نفسه.

( 9 ) الاستقامة هنا تعني “ الشرع الإلهي “.

( 10 ) هذا العدول عن “ حقيقته “ إلى “ الشرع الإلهي “ هو في الحقيقة فناء، اذن الاستقامة من المستقيم بالشرع الإلهي فناء.

يقول :” المستقيم الذي قامت قيامته * من غير موت ولا يدري به أحد

وليس يعرفه من امر خالقه * من الخلائق لا أهل ولا ولد “( ف 4 / 182 ).


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!