---

69. البرزخ

في اللغة:

“ البرزخ: الحاجز بين الشيئين، والبرزخ ما بين الدنيا والآخرة، من وقت الموت إلى البعث.

فمن مات فقد دخل البرزخ. .. برازخ الأعيان: ما بين أوله

واخره، أو ما بين الشك واليقين “ ( أقرب الموارد. الشرتوني. مادة برزخ ) .في القرآن:

وردت لفظة “ برزخ “ في القرآن في ثلاثة أماكن ؛ بالمعنيين اللغويين السابقين:

 - الحاجز بين الشيئين :” مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ بَيْنَهُما بَرْزَخٌ 1لا يَبْغِيانِ “ ( 55 / 20 ).

 - البرزخ ما بين الدنيا والآخرة .” وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ “( 23 / 100 )عند الشيخ ابن العربي 2:

* استعمل الشيخ ابن العربي “ البرزخ “ بمعناه الديني، الذي يوحي بالمكان: البرزخ عالم نفارق اليه بالأجساد في حال الموت، ونفارق اليه بالأرواح أو الأنفس في حال النوم. فهو عالم خيال متجسد - وهو المنزل الأول من منازل الآخرة 3.

يقول الشيخ ابن العربي:

“( 1 )فالعموم عند كشف الغطاء بالموت وانتقالهم إلى البرزخ يكونون هنالك، مثل ما هم في الدنيا في أجسامهم سواء، الا انهم انتقلوا من حضرة إلى حضرة أو من حكم إلى حكم. .. “ ( ف 3 / 288 ).

“. .. المريض إذا نام، لا شك ان النائم حيّ، والحسّ عنده موجود والجرح الذي يتألم به في يقظته موجود، ومع هذا لا يجد العضو الما، لان الواجد للألم قد صرف وجهه عن عالم الشهادة إلى البرزخ. .. فارتفعت عنه الالآم الحسية وبقي في البرزخ. .. فإذا استيقظ. .. وهو رجوع نفسه إلى عالم الشهادة. .. “ ( ف 3 / 75 ).

“ ( 2 )فان الدنيا بالانسان حامل، والهرم شهر ولادتها، فتقذفه من بطنه إلى البرزخ وهو المنزل الأول من منازل الآخرة فيتربى فيه كما يتربى المولود إلى يوم البعث. .. “ ( ف 4 / 282 ).

* * *

* عندما يستعمل الشيخ ابن العربي لفظ “ برزخ “ غير معرّف.

يقصد به حقيقة أو مرتبة لها عدة صفات:

هي مرتبة الجامع الفاصل بين عالمين أو حالين أو مرتبتين أو صفتين. .. هما في الواقع متناقضان.

 - وهذا البرزخ الجامع الفاصل، استفاد الشيخ ابن العربي صفته “ الفاصلة “ من المعنى اللغوي للكلمة، وأضاف صفته “ الجامعة “ الايجابية التي انفرد بها. فالبرزخ عنده يقابل الطرفين المتناقضين بذاته، يجمع في ذاته حقيقتهما ويقابلهما بوجهيه دون ان ينقسم بل يبقى في وحدته 5.

يقول الشيخ ابن العربي:

“. .. فان الكمال في البرازخ 6 أظهر منه في غير البرازخ، لأنه يعطيك العلم بذاته وبغيره، وغير البرزخ يعطيك العلم بذاته لا غير، لان البرزخ مرآة للطرفين، فمن ابصره ابصر فيه الطرفين. .. “ ( ف 3 / 139 ).

“ وبين كل موطنين من ظهور وخفاء يقع تجلي برزخي. .. ليحفظ هذا البرزخ وجود الطرفين، فلا يرى كل طرف منها حكم الطرف الآخر، والبرزخ له الحكم في الطرفين. .. فالعالم بين الأبد والأزل: برزخ به انفصل الأبد من الأزل، لولاه ما ظهر لهم حكم ولكان الامر واحدا لا يتميز. .. “ ( الفتوحات 3 / 108 ).

“ فحقيقة البرزخ ان لا يكون فيه برزخ. .. فيكون بذاته عين كل ما يلتقي به فيظهر الفصل بين الأشياء، والفاصل واحد العين. .. “ ( ف 3 / 518 ).

لن نستطيع ان نعدد البرازخ عند الشيخ ابن العربي فهذا ما لا يمكن ابدا، لان كل جامع فاصل بين مطلق امرين هو: برزخ.

فعالم المثال: برزخ بين عالم الأرواح المجردة وعالم الأجساد. وعالم النبات: برزخ بين الحيوان والمعدن، والنفس:

برزخ بين حكمي الفجور والتقوى 7. .. والخيال: برزخ لأنه لا موجود ول معدوم، ولا معلوم ولا مجهول. ولا منفي ولا مثبت 8.

وسنكتفي بان نورد نصا للشيخ ابن العربي يتناول أحد أنواع البرازخ وهو الثبوت.

فالثبوت: برزخ بين الوجود والعدم. وقد اخترنا الثبوت لما له من الأهمية عند الشيخ الأكبر 9 يقول:

“ فما من متقابلين الا بينهما برزخ لا يبغيان، اي لا يوصف أحدهما بوصف الآخر، الذي به يقع التميز. .. فهو كالحال الفاصل بين الوجود والعدم، فهو لا موجود ولا معدوم، فان نسبته إلى الوجود وجدت فيه منه رائحة لكونه ثابتا، وان نسبته إلى

العدم صدقت، لأنه لا وجود له. .. ثم إن هذا البرزخ الذي هو الممكن بين الوجود والعدم سبب نسبة الثبوت اليه مع نسبة العدم، هو مقابلته للامرين بذاته. .. “ ( ف 3 / 47 ).

****

عندما يستعمل الشيخ ابن العربي لفظ “ برزخ “ معرفا غير مضاف، يشير به إلى “ حقيقة الانسان “ التي جمعت بذاتها الصورتين: الحقيقة والخلقية، فكانت نسختين ذات نسبتين: نسبة تدخل بها إلى الحضرة الإلهية، ونسبة تدخل بها إلى الحضرة الكونية. فهي برزخ بين العالم والحق - وهي “ مرتبة الانسان الكامل “. “ فالبرزخية “ هنا وظيفة الانسان الكامل 10، الحد الجامع الفاصل 11 بين الظاهر والباطن. . بين الحق والعالم.

يقول الشيخ ابن العربي:

“ ( 1 )فكأنه [ الانسان ] برزخ بين العالم والحق، وجامع لخلق وحق، وهو الخط الفاصل بين الحضرة الإلهية والكونية، كالخط الفاصل بين الظل والشمس وهذه حقيقته. “ ( انشاء الدوائر - ص 22 ).

“ وأنشأه [ الانسان ] برزخا جامعا للطرفين. .. “ ( عقله المستوفز - ص 42 ).

“ ( 2 ) فان الحضرة الإلهية على ثلاث مراتب: باطن وظاهر ووسط، وهو م يتميز به الظاهر عن الباطن وينفصل عنه، وهو البرزخ 12، فله وجه إلى الباطن ووجه إلى الظاهر، بل هو الوجه عينه فإنه لا ينقسم.

وهو الانسان الكامل اقامه الحق برزخا بين الحق والعالم 13 فيظهر بالأسماء الإلهية فيكون حقا، ويظهر بحقيقة الامكان فيكون خلقا. .. “ ( ف 2 / 391 ).

..........................................................................................

( 1 ) - يقول سهل التستري في شرح البرزخ في هذه الآية: “ وهو [ البرزخ ] العصمة والتوفيق “ ( التفسير العظيم ص 97 ).

- اما القشيري فيكتفي في الآية نفسها بالمعنى اللغوي يقول: “ برزخ اي حاجز بقدرته لئلا يغلب أحدهما الآخر، أراد به البحر العذب والبحر المالح. .. “

( لطائف الإشارات ج 6 ص 75 )

- كما يراجع كتاب “ الغريبين “ غريبي القرآن والحديث للهروي ( ت 401 ه ) ص ص 155 - 157، حيث شرح اللفظ في القرآن، وفي حديث لعلي بن أبي طالب رضي اللّه عنه حيث قال: “ انه صلى بقوم فأسوى برزخا “.

( 2 ) راجع بخصوص معنى “ البرزخ “ في التصوف:

- اصطلاحات الصوفية. للقاشاني. مادة “ برزخ “.

- لطائف الاعلام. مادة “ برزخ “

- تعريفات الجرجاني ص 45.

- دائرة المعارف الاسلامية ( الطبعة الفرنسية ) مادة برزخ.

- مطلع خصوص الكلم. القيصري ص 21.

- الأجوبة عن الانسان الكامل ص 22 أ.

- شفاء السائل لتهذيب المسائل.

فهرس المصطلحات: “البرزخ الجامع” "برزخ العلم "

- رسالة اصطلاحات الصوفية. عز الدين عبد السلام بن غانم المقدسي. مخطوط الظاهرية رقم 5524 ورقة 79 أ.

- رسالة الأجوبة عن الانسان الكامل. مخطوط الظاهرية رقم 6824 ورقة 220 - 220 ب

- الكشاف. للتهانوي ص ص 114 - 115. مادة برزخ.

( 3 ) يراجع بخصوص المعنى الأول لكلمة “ برزخ “ عند الشيخ ابن العربي:

- الفتوحات ج 1 ص 5

- الفتوحات ج 3 ص 12، 188، 270، 353، 433، 250، 204 [ ليل البرزخ ].

- فصوص الحكم ج 1 ص 213.

- الفتوحات السفر الرابع. فقرة 15، 189، 330، 352، 528، 595، 598، 600، 624، 636، 637.

( 4 ) انظر الفتوحات ج 2 ص 46.

( 5 ) يراجع بخصوص المعنى الثاني. للبرزخ عند الشيخ ابن العربي:

- الفتوحات ج 1 ص 54، 163

- الفتوحات ج 2 ص 46، 158

- الفتوحات ج 3 ص 139، 274

- الفتوحات ج 4 ص 328. 337. 344.

- ترجمان الأشواق ص 34، 105، ص ص 137 - 138

- كتاب الجلالة ط. حيدرآباد ص 3.

- عنقاء مغرب ص 53.

- روح القدس ص 64، 132.

- الاصطلاحات ص 296.

- الفتوحات. السفر الرابع فقرة 575.

( 6 ) نظرا لجمع البرزخ بين طرفين حاز مرتبة الكمال عليهما، فالبرزخ بين الشيئين أكمل منهما لأنه يجمع في ذاته حقائقهما، ولا يخفي ما لمعنى الكمال عند الشيخ ابن العربي من نظرة انطولوجية.

يقول:

“ فان البرزخ أوسع الحضرات جودا، وهي مجمع البحرين: بحر المعاني وبحر المحسوسات. .. هو يجسد المعاني ويلطف المحسوس. .. “ ( ف 3 / 361 ).

- الموضوع نفسه فتوحات 3 / 537.

( 7 ) انظر الفتوحات. السفر الرابع فقرة 413.

( 8 ) انظر الفتوحات. السفر الرابع. الفقرتان 576 - 577.

( 9 ) راجع “ ثبوت “

( 10 ) راجع “ انسان كامل “

( 11 ) راجع “ الحد الجامع الفاصل “ وما له من وظيفة انطولوجية.

( 12 ) راجع الموضوع نفسه عند الشيخ ابن العربي. مرآة العارفين. ورقة 6.

( 13 ) راجع “ شرح الجلالة “ ورقة 4.