موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

رد المتشابه إلى المحكم من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية

ينسب للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

وهو على الأغلب من تأليف الشيخ محمد بن أبى العباس الشاذلى، الملقب بابن اللبان (المتوفى سنة 749 هجرية)

فصل لفظة عند

 

 


ومن المتشابه لفظة “ عند “ وقد جاءت منسوبة إلى اللّه ، في الكتاب والسنة كثيرا ، وهي في اللغة كلمة تستعمل لإفادة الملك ، ولا فادة الحضور ، ولا اشتباه في استعمالها للّه تعالى ، لإفادة الملك .

وإنما الاشتباه في إفادتها للحضور .

واعلم أن حضرة اللّه سبحانه : ليست حضرة مكانية ، لتعاليه عن المكان تقدس ، بل حضرته وراء حضرات السماوات والأرض ، قال تعالى : وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ فعطف مَنْ عِنْدَهُ على ، مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ والعطف يقتضي المغايرة ، وهي مع كونها وراء السماوات والأرض ، فهي ميمنة على حضرات السماوات والأرض ، ومحيطة بها ، فما من حضرة مكانية إلّا وحضرة اللّه محيطة بها وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ .

وإذا تقرر ذلك ، فعنديته سبحانه : متعددة بحسب الإضافة ، متحدة بحسب الحقيقة .

فأما تعددها ، فلأنه ما من اسم من أسمائه تعالى ، إلّا وله في تجليه “ عندية “ تخصه : يشهدها أرباب القلوب الذاكرة له ، وفيها مجالس المناجاة لهم .

ويخلع عليهم فيها خلع الرضا منه .

ومن سلطان ذلك الاسم : تخرج الربوبية لأهله ، وتظهر تواقيع الولاية بذكره .

وأما اتحادها بحسب الحقيقة ، فعند اللّه ، هو موطن استقرار عباده ، قال تعالى : وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ ومعنى ذلك أن عندية اللّه ، ما زالت ولا تزال محيطة بعبده ، كما قال تعالى : وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ولكن رب عبد دام له هذا الشهود ، فهو لا يزال مستقرا عند اللّه في محياه ومماته ومبدئه وعوده ، وإن اختلفت عليه الأحوال .

ومعنى : “ توفى هذا العبد بالموت إلى اللّه “ ترقيه في مراتب التجلي ، وحقائق الكشف ، وتعاقب مظاهر “ العندية “ على روحه : مظهرا بعد مظهر .

ورب عبد شهد في البدء “ عندية “ اللّه له ، ثم حجب عنه مكانه من اللّه ، بسبب كثرة تخليطه ، وظلمة إكتسابه ، فذلك مستودع استودعه اللّه لرسل أسبابه وملائكته الموكلين به ، فلا يزال محجوبا إلى الأجل المقدر له ، فيرد إلى اللّه ، كما قيل :

وما المال والأهون إلّا وديعة * ولا بد يوما أن ترد أو دائع

وترجع حقيقة الرد : إلى كشف الحجاب ، وتجلي إحاطة اللّه به ، كما قال تعالى : وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ إلى قوله : وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ الآية ، هنالك يشهد أنه لا مستقر إلّا عند اللّه ، وقد نظمت في ذلك :

قد كنت أحسب أني عن فنائكم * ناء ، وأن بأرض اللّه متسعا

فلم يزل لطفكم بي ، تحت حجبكم * حتى رفعتم حجاب الفرق فارتفعا

فلاح اني مقيم : ما برحت على ال * أبواب عبدا ، وان اللطف ما انقطعا

إشارة : قوله تعالى : وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ تنبه على العباد المخصوصين من أهل “ العندية “ والاستقرار .

وقوله : وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً خطاب للمحجوبين من المستودعين للحفظة .

ولهذا قال : حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ * ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ ثم حذر المكذب بذلك ، بقوله تعالى :

وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ * لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ ونبه على أن مستقر الأنباء عنده ، وأنه يظهر بزوال حجاب البصيرة ، بقوله : فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ * وَخَسَفَ الْقَمَرُ إلى قوله : إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ * يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ .

تنبيه : قوله تعالى : ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللَّهِ باقٍ له ظاهر وحقيقة ، فظاهره : ان ما عند العبد من المال والولد وزينة الدنيا : بصدد الزوال والنفاد ، وما عند اللّه من الجزاء - على تقدير انفاقه : باق لا ينفد .

وأما حقيقته : فكل شيء له نسبتان : نسبة عارضة ، وهي نسبته للعبد ، ونسبة أصلية : وهي نسبته للّه .

فمعنى كونه “ عند العبد “ هو : نسبته إليه ، وهو فائت زائل .

ومعنى كونه “ عند اللّه “ هو نسبته إليه ، وهو باق لا يزول .

والمراد : ان العبد يخرج الأشياء كلها عنه ، ويمحو نسبتها إليه ، بنسبتها إلى اللّه ، وقد بقيت له .

ومتى نسبها إلى نفسه وقدرته ، فقدت ، قال تعالى : حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا الآية ، فعند ظن القدرة عليها : أخذت وزالت .

وقال تعالى في ضده : فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ فأرشدها عند الخوف : أن تلقيه من يدها ، وتخرجه عن حفظها ، فإن اللّه حينئذ يتولاه بحفظه ، ويبقيه برحمته .

تربية : قوله تعالى : فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ فيه تلطف بعبده في استداعائه للإقبال عليه ، بالاعراض عن سواه ، لأن العبد مجبول على الافتقار للرزق .

وإيثاره بالطلب ، فلو جعل الرزق : لا يكتسب إلّا بالإقبال على

الأسباب : شغله ذلك عن اللّه ، فكان من لطف اللّه بعبده : انه جعل ابتغاء الرزق بالإقبال عليه ، إقبالا يشهد به العبد قرب اللّه منه ، وإحاطته به ، فيكون العبد بذلك في حضرته وعنده .

ومتى بلغ العبد إلى هذا : جاءه الرزق من حيث لا يحتسب .

ألا ترى مريم لما تركت الأسباب ، وأقبلت على اللّه بلزوم المحراب ، كان زكريا عليه السلام : كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الآية .

فصل لفظة : أين

ومن المتشابه لفظة : “ أين “ وهي كلمة يستفهم بها عن الحيز المكاني .

وقد ورد بها الكتاب في قوله تعالى : وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ والسنة في قوله صلى الله عليه وسلم للجارية : “ أين اللّه ؟ فقالت : في السماء “ .

ومن المعلوم : أن التحيز على اللّه محال .

فأما “ أين “ في الآية : فإنها أطلقت لإفادة معية اللّه للمخاطبين في الأين اللازم لهم ، لا له سبحانه ، فهو مع كل صاحب أين بلا أين .

وأما إطلاقه في حديث الجارية ، فقد تقدم الكلام عليه ، في فصل “ الكلام على الجهة “ و “ الإسراء “ .



 

 

البحث في نص الكتاب


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!