موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

رد المتشابه إلى المحكم من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية

ينسب للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

وهو على الأغلب من تأليف الشيخ محمد بن أبى العباس الشاذلى، الملقب بابن اللبان (المتوفى سنة 749 هجرية)

فصل الحب

 

 


ومن الصفات المتشابهة : صفة الحب ، وقد نسب في الكتاب إلى اللّه تعالى بقوله : يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ وبقوله : قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وكذا في السنة ، في أحاديث ، وقد اختلف علماء الظاهر والباطن في تأويله ، والمعول عليه عندهم : انه يرجع إلى التعبير بالشيء عن ثمراته ، فحب العبد للّه : محبة إدامته لذكره ، وإقامته لطاعته ، وحب اللّه لعبده : إقباله بوجه إحسانه ورحمته إليه ، وإفاضة سوابغ نعمه وجوده عليه ، وهذا فيه تعطيل لحقيقة الوصف ، والذي حملهم على ذلك : ان الحب في الشاهد : عبارة عن ميل القلب ، وهو مستحيل على اللّه سبحانه ، لتعاليه عن الحوادث .

والتحقيق : أن الحب ترجع حقيقته مطلقا إلى سر روحاني ، يجمع اللّه به المتفرق ، ويوحد المتعدد ، وذلك ان اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فما من شيء من الكائنات ، إلّا وفيه سر من الواحد ، قائم به ، كما تقدم تحقيق ذلك في “ فصل المعية “ ، ومن المعلوم : ان المخلوقات مختلفة من حيث الأسماء والصور ، ومراد اللّه منها إئتلافها في الرجوع إلى الواحد وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ وإنما تأتلف الصور والأسماء المختلفة من حيث ذلك السر القائم بها من تجلى الواحد ، وليست كلها متساوية ، بل هي متفاوتة على حسب قابليتها لتجليه .

وقد جعل اللّه الحب سرا يكشف حجاب الاختلاف بالصورة والاسم ، عما

قام بهما من السر المتقف ، فيأتلف السر مع السر بواسطة التعارف .

وفي الحديث : “ الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف “ فإن حصل الكشف من الجانبين : حصل التحابب من الجانبين يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ وإن حصل من أحد الجانبين اختص بالمحبة ، ولهذا تجد بعض الناس يحب من لا يظهر عليه أنه يحبه ، لأن المحب كشف له عن سر التوحيد المناسب له القائم بمحبوبه ، فألفه ولم يكشف لمحبوبه عن السر القائم بمحبه .

وجملة الأمر : أن لا محبوب في الوجود إلّا اللّه .

ولقد أحسن بعضهم في التنبيه على ذلك إجمالا فقال في محبوبه شعرا :

شيء به تسبى القلوب سوى الذي * يدعي الجمال ، ولست أدري ما هو ! ! ؟

وقال بعضهم دو بيت :

البلبل يا صاح يشدو بفنن * والورق تنوح : يا ترى العشق لمن ؟

والكون جميعه غرام وشجن * يشا باشك « 1 » يا من الكل فتن

فقد ظهر أن الحب سر يكشف حجاب الحوادث عن أسرار التوحيد فيجتمع متفرقها ويتحد متعددها ومن توهم أنه الميل أو الإرادة ، أو بعض الآثار الحادثة التي يجدها المحب ، فليس على حقيقة من أمره ، وإنما ألتبس عليه الأعراض المنفعلة عن الحب بالحب .

واعلم : أنه لا يطلق على العبد انه يحب اللّه إلّا إذا كشف له عن سر التوحيد مجردا عن الحوادث فأحبه ، فأما إذا أحب السر متوهما انه أحب مظهره من الحوادث فلا ، وبهذا حصل الالتباس في حقيقة الحب وفي أطلاقه على غير اللّه وفي صحة إطلاقه عليه .

تنبيه : قولنا : « لا يصدق حب اللّه إلّا بالكشف عن سر التوحيد ، مجردا عن الحوادث » مجمل له تفصيل ، وهو : ان كشف تجريده : تارة يكون عيانا ، وتارة يكون إيمانا .

فالعيان كحال إبراهيم ( عليه السلام ) حيث توجه إليه في الكواكب ، ثم في القمر ، ثم في الشمس ، ثم توجه إليه مجردا ، فقال : وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ الآية .

ونبه على تجريد حبه عن الحادث ، بقوله : لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ والإيمان ، كحال من أخبره الصادق « ان السر في هذا المظهر » « 2 » . فنشأ له بنور التصديق

والإيمان حب كشف له عن ذلك السر : كشفا إيمانيا . ومنه قوله تعالى : قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ فنبه على أن سر التوحيد ، المأذون في محبته : له مظهر ، وهو ظلل غمام الشريعة ، واتباعه فيها يستلزم اتصافه بها ، وهو بمثابة تعرض المحب للمواطن التي يظهر له فيها محبوبه ، ومن شأن المتعرض لمواطن الحبيب ، أن يراقب وجه محبوبه عند تجليه فيها ، فلهذا أمر العبد بالمراقبة ، في قوله ( ص ) : « الاحسان أن تعبد اللّه كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك » « 1 » .

تبصرة : ومن هذا قوله تعالى : مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ ونحوه من الآيات : يتضمن الأخبار للعباد : ان سر التوحيد الجامع : مظهره : « محمد ( ص ) » فمن أحبه فقد أحب اللّه .

فمن الاتباع من كشف له عن تجرد ذلك السر عيانا كحال ، أبي بكر ( رضي اللّه عنه ) في قوله « 2 » بعد موته : « من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ، ومن كان يعبد اللّه ، فإن اللّه حي لا يموت » .

ولشهود ذلك السر ، كان يسجد له : الحجر ، والبعير ، ويسعى إليه الشجر « 1 » .

ومن الاتباع من حجب عن تجرده ، حتى أخبر به في قوله تعالى : وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ إلى قوله : لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً .

ويحكى : عن بعض الشيوخ : أنه رآه ( ص ) في نومه ، فقال له : اعذرني يا رسول اللّه ، فإن محبة اللّه شغلتني عن محبتك ، فقال له : ويحك يا مبارك ، من أحبني فقد أحب اللّه ، ومن أحب اللّه فقد أحبني .

تحقيق : قوله تعالى « 2 » « ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته » الحديث ، فيه أسرار ، منها :

أن عمر قال : واللّه ما هو إلّا أن سمعت أبا بكر تلاها ، فعقرت حتى ما تقلني رجلاي ، وحتى أهويت إلى الأرض ، حين سمعته تلاها ، علمت أن النبي ( ص ) قد مات ، ا ه مخيون .

التنبيه على أن الحب سر يجمع المتفرق ، ويوحد المتعدد ، كما ذكرناه .

ومن كلام المحققين : “ الحبيب أنت ، ألا أنك غيره “ .

ومنها : التنبيه على أن العبد تارة يكون محبا متقربا وتارة يكون محبوبا ، وترجع حقيقة التقسيم : إلى شهود العبد ، وحظه من تجلى قوله تعالى : يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ .

فإن شهد : ما منه إلى اللّه ، فقد شهد رجوع الأمر بسر التوحيد منه إلى اللّه ، فهو محب ، وعلامته : دوام ذكره ، وتوجهه بالتقرب بالنوافل ، وغلبة الشوق ، والقلق ، والهيمان ، ونحوه .

وإن شهد ما من اللّه إليه ، فقد شهد بدء الأمر من اللّه ، وتنزله بروح التوحيد إليه ، فهو محبوب ، وعلامته : السكون ، والاستسلام ، ودوام المراقبة .

ومنها : التنبيه على أن المحبوب قسمان : قسم يفنى بمحبوبه ، وقسم يبقى به .

فنبه على حال الأول بقوله : “ كنت سمعه “ ونبه على حال الثاني بقوله :

“ الذي يسمع به “ ونبه بهما ، على أنه : لا بقاء إلّا بعد فناء ، ومنه قوله تعالى :وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى فنبه على الفناء بقوله : وَما رَمَيْتَ وعلى البقاء بقوله : إِذْ رَمَيْتَ وعلى تحقق المحب بالحبيب ، بقوله تعالى :وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى .

دقيقة : ومن ذلك قوله تعالى : سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلً إلى قوله : إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ الضمير لمحمد صلى الله عليه وسلم ، والسميع البصير هو الحبيب . شعر :

رأت قمر السماء ، فأذكرتني * ليالي وصلنا بالرقمتين كلانا ناظر قمرا ، ولكن * رأيت بعينها ، ورأت بعيني

وإنما يتضح قصد الشاعر بتخريجه على ما نحن فيه ، وهو :

انه يشير على أن قمر السماء : من عشاق محبوبته ، وأن محبوبته رأته ذات

ليلة ، فكسته برويتها له نور جمالها ، ومحاسن صفاتها ، وألقت عليه شبهها ، وأعارته اسمها ، فأذكرت هذا العاشق بتلك الليالي التي وصلته بالرقمتين ، فإنها بوصلها له أفنته عن صفاته ، وغلبت عليه بصفاتها ، حتى صارت معه كالقمر الواحد ، وكلاهما ينظره .

ولهذا قال : “ كلانا ناظر قمرا “ أي قمرا واحدا ، تعدد مظهره ، لكونها تنظر بعينه ، وهي عين المحبة ، لأن المحب صار محبوبا ، وهو ينظر بعينها ، لأنها أعارته عينها : رآها بها ، فكان البصير لها : نفسها .



 

 

البحث في نص الكتاب


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!