موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


خبر فيميون وعبادته و ما جرى له

روينا من حديث ابن إسحاق، عن المغيرة بن أبي لبيد مولى الأحنف، عن وهب بن

منبّه اليماني أنه حدّثهم، أن موقع دين النصرانية بنجران، أن رجلا من بقايا أهل دين عيسى ابن مريم عليه السلام، يقال له فيميون، وكان صالحا زاهدا مجتهدا ورعا، مجاب الدعوة، سائحا نائحا ينزل القرى، لا يعرف بقرية إلا خرج منها إلى قرية، لا يعرف بها.

وكان ل يأكل إلا من كسب يده، وكان بنّاء يعمل الطين، وكان يعظّم الأحد إذا كان يوم الأحد، لا يعمل فيه شيئا، وخرج إلى فلاة من الأرض فصلّى فيها حتى يمسي.

قال: و كان في قرية من قرى الشام يعمل عمله ذلك مستخفيا، ففطن بشأنه رجل من أهلها يقال له صالح، فأحبّه صالح حبا لم يحبه شيئا كان قبله، فكان يتبعه حيث ذهب، ولا يفطن له فيميون، حتى خرج مرة يوم الأحد إلى فلاة في الأرض، كما كان يصنع، وقد تبعه صالح، و فيميون لا يدري به، فجلس صالح منه منظر العين مستخفيا منه لا يحب أن يعلم بمكانه.

وقام فيميون يصلي، فبينا هو يصلي إذ أقبل نحوه التنين: الحية ذات الرءوس السبعة، فلم رآها فيميون دعا عليها فماتت، ورآها صالح ولم يدر ما أصابها فخافها عليه، فعيل عوله، فصرخ: يا فيميون، التنين قد أقبل نحوك، فلم يلتفت إليه، وأقبل على صلاته حتى فرغ منها وأمسى، فانصرف وعرف أنه قد عرف، وعرف صالح أنه قد رأى مكانه، فقال له: يا فيميون، تعلم والله أني ما أحببت شيئا قط حبك، وقد أردت صحبتك، و الكينونة معك حيث كنت.

قال: م شئت أمري كما ترى، فإن علمت أنك تقوى عليه فنعم، فلزمه صالح. وقد كاد أهل القرية يفطنون لشأنه، وكان إذا ناجاه العبد به الضرّ دعا له فشفي، وإذا دعا لأحد به ضرّ لم يأته.

وكان لرجل من أهل القرية ابن ضرير، فسأل عن شأن فيميون، فقيل له: إنه لا يأتي أحد دعاه، ولكنه رجل يعمل للناس البنيان بالأجرة.

فعمد الرجل إلى ابنه ذلك، فوضعه في حجرته، وألقى عليه ثوبا، ثم جاءه فقال: يا فيميون، إني قد أردت أن أعمل في بيتي عملا، فانطلق معي حتى تنظر إليه فأشارطك عليه. فانطلق معه حتى دخل حجرته، ثم قال له: ما تريد أن تعمل في بيتك هذا؟ قال: كذا وكذا، ثم كشط الثوب عن الصبي، وقال: يا فيميون، عبد من عباد الله أصابه ما ترى، فادع الله له، فدعا له فيميون، فقام الصبي ليس به بأس، وعرف فيميون أنه قد عرف. فخرج من القرية، واتبعه صالح، فبينما هو يمشي في بعض أرض الشام، إذ مرّ بشجرة عظيمة، فناداه منها رجل، فقال: أفيميون؟ قال: نعم.

قال: م زلت أنظر وأقول متى هو جاء؟ حتى سمعت صوتك، فعرفت أنك هو، لا

تبرح حتى تقوم عليّ، فإني ميت الآن. فمات وقام عليه حتى واراه.

ثم انصرف و تبعه صالح حتى وطئا بعض أرض العرب، فعدّوا عليها، فاختطفتهما سيارة من بعض لعرب، فخرجوا بهما حتى باعوهما بنجران. وأهل نجران يومئذ على دين العرب، يعبدون نخلة طويلة بين أظهرهم، لها عيد كل سنة، إذا كان ذلك العيد، علّقوا عليها كل ثوب حسن وجدوه، وحلّي النساء، ثم خرجوا إليها، فعكفوا عليها يوما. فابتاع فيميون رجل من أشرافهم. وابتاع صالحا آخر. فكان فيميون إذا قام من الليل في بيته يصلي، أسرج له البيت نورا حتى يصبح من غير مصباح، فرأى ذلك سيده، فأعجبه ما رأى منه، فسأله عن دينه فأخبره، وقال له فيميون: إنما أنتم في باطل، إن هذه النخلة لا تضرّ ول تنفع، فلو دعوت عليها إلهي الذي أعبد أهلكها، وهو الله وحده لا شريك له. فقال له سيده: فافعل، فإنك إن فعلت دخلنا في دينك، وتركنا ما نحن عليه. قال: فقام فيميون، فتطهّر وصلى ركعتين، ثم دعا الله عز وجل عليها، فأرسل ريحا، فجعفتها من أصله فألقتها. فاتبعه عند ذلك أهل نجران على دينه، فحملهم على الشريعة من دين عيسى ابن مريم عليه السلام. قوله: فجعفتها قلعتها، وقوله: عيل عوله، يقال: عال الأمر إذ أثقل.

وعليه قول الفرزدق:

ترى الغرّ الجحاجح من قريش إذا ما الأمر في الحدثان عالا

فمعنى عيل عوله أي غلب غلبة، وقهرت شدته وجلده.

ومن وقائع بعض أصحاب شيخنا أبي مدين شعيب بن الحسن رضي الله عنه ما حدثنا به أبو محمد عبد الله ابن الأستاذ صاحبنا، وهو من سادات القوم، قال بعض المريدين:

رأيت في واقعتي الشيخ أبا مدين، والشيوخ قد أحدقوا به يسألونه عن المعرفة، فقال لهم:

إذ تلاشت المعرفة بالمعروف صحّت المعرفة، ثم قالوا له: صف لنا سرّك، فقال لهم:

اسمعوا و لنفسي أسمع:

يا سرّ سرّي وجهر جهري يا نور نوري وحياة أمري

يا قلب قلبي وبحر فكري ومن به الفلك في البحر يجري

فأنت تكسو وأنت تعري

قال عبد الله صاحب الواقعة: ثم أصابتني في واقعتي شبه السنّة، فرأيت أبا مدين و الأشياخ كما كانوا، فقالوا له: زدنا، فقال لهم: إنكم تحسبون أني أغيبه، ثم سكت، فإذا جملة من الديكة مجتمعون فتطاول واحد منهم وهو يبكي بحنين وتطويل، فقال له أبو مدين: قل، فنطق بلسان فصيح: إنكم تحسبون أني أغيبه، المطبوع في البيت هو فيه،

فقال له الشيخ: أين هو؟ فقال: هو فيه، فأخذته حالة وهو يقول: هو فيه، فبهت الحاضرون و تحيروا.

أنشدن ابن الأعرابي:

سقى الله حيا بين صارة والحمى حمى فيه صوب المدجنات الواطر

أمين وادّ الله ركبا إليهم بخير ووقاهم صروف المقادر

ولمهيار الديلمي في الشيب:

أسفت لحلم كان لي يوم بارق فأخرجه جهل الصبابة عن بعدي

وما زلت أبكي منذ حلّت بحاجر قوى جلدي حتى تداعى تجلدي

تحرّس بأحقاف اللوا عمر ساعة ولو لا مكان الريب قلت له ازدد

وقل صاحب لي ضلّ بألبان قلبه لعلك أن يلقاك هاد فيهتدي

فسلم على ماء به برد غلتي وظل أراك كان للوصل موعدي

وقل لحمام البانتين مهنئا تغني خليّا من غرام وغرّد

فيا أهل نجد كيف بالغور بعدكم بقاء تهاميّ يهيم بمنجد

ملكتم عزيزا رقه فتعطّفوا على منكر للذل لم يتعود

وله أيضا من هذا الباب:

يا ليلتي بحاجر إن عاد ماض فارجعي

أرضى بأخبار الريا ح والبروق اللمع

وأين من برق الحمى شائمة بلعلع

وله أيضا من هذا الباب:

أودع فؤادي حرقا أودع ذاتك تؤذي أنت في أضلعي

وارم سهام الطرف، أو كفها أنت بما ترمي مصاب معي

موقعها القلب وأنت الذي مسكنه بذاك الموضع

ومن ثمرات المحبة عند أهلها ما حدثني به عبد الرحمن، عن أبي بكر، عن الجيري، عن ابن باكويه، عن إبراهيم بن محمد المالكي، عن يوسف بن أحمد البغدادي، عن ابن أبي الحواري، قال: حججت أنا وأبو سليمان الداراني، فبينما نحن نسير إذ سقطت السطيحة مني، وكان برد عظيم، فأخبرت أبا سليمان، فقال: سلّم وصلّ على محمد، وقل: ي رادّ الضالة، ويا هاديا من الضلالة، ردّ الضالة، فإذا بواحد ينادي: من ذهبت له سطيحة، فأخذتها منه، فقال لي أبو سليمان: لا تتركنا بلا ماء. فبينما نحن نسير إذ برجل

عليه طمران، أي ثوبان خلقان رثان، ونحن قد تدرعن بالفراء من شدة البرد، وهو يرشح عرقا، فقال له أبو سليمان: ألا نؤثرك ببعض م معنا؟ فقال الرجل: يا داراني الحر والبرد خلقان لله عز وجل، إن أمرهما أن يغشياني أصاباني، وإن أمرهما أن يتركاني تركاني، يا داراني، تصف الزهد، وتخاف من البرد، أنا شيخ أسيح في هذه البريّة منذ ثلاثين سنة ما انتقضت ولا ارتعدت. يلبسني في البرد فيحا من محبته، ويلبسني في الصيف برد محبته.

ثم ولّى، و هو يقول: يا داراني، تبكي وتصيح وتستريح على الترويح. فكان أبو سليمان يقول: لم يعرفني غيره.

قلت: كنت أطلب بيت المقدس، فدخل عليّ شاب كالعود، عليه أثر السياحة، وأنا بمسجد بظاهر بيسان، وكان صاحبي عبد الرحمن بن علي اللواتي يعمل لي شغلا بين يديّ، فدنا منا، و أخذ السكين من يد عبد الرحمن، فأصلح به نعلا كان له، ثم قال لي:

تكون فقيرا وتمشي بعدة، فقلت له: يا فقير، تراك قد احتجت إليها، فلو كانت ما يضرك؟ فقال لي: لما احتجت وجدتك، فأصلحت شأني، وأراحني الله من حملها، فكن مثلي و اتركها، فإذا احتجت إليها وجدت حاجتك عند مثلك، وتكون بينها سالم الحال مع الله.

ثم خرج مسرعا، فطلبته فلم أره حتى الآن. سبحانك اللهم وبحمدك، لا إله إلا أنت وحدك ل شريك لك، أستغفرك وأتوب إليك.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!