موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


موعظة الفضيل بن عياض لأمير المؤمنين هارون الرشيد بمكة زادها الله شرف

روينا من حديث أبي نعيم، عن سليمان بن أحمد، عن محمد بن زكريا العلائي، عن أبي عمر النحوي، عن الفضل بن الربيع، قال: حج هارون الرشيد، فأتاني، فخرجت مسرعا، فقلت: يا أمير المؤمنين، لو أرسلت إليّ لأتيتك، فقال: ويحك قد حاك في نفسي شيء، فانظر لي رجل أسأله. فقلت: هاهنا سفيان بن عيينة. قال: امض بنا إليه، فأتيناه، فقرعت الباب، فقال: من ذا؟ فقلت: أجب أمير المؤمنين، فخرج مسرعا، فقال: يا أمير المؤمنين، لو أرسل إليّ لأتيتك، فقال له: خذ لما جئناك له رحمك الله، فحدثه ساعة، ثم قال: عليك دين؟ قال: نعم، قال: اقض دينه. فلما خرجنا قال: ما أغنى عني صاحبك شيئا، انظر لي رجلا أسأله. فقلت له: هاهنا عبد الرزاق، فذكر مثل ما جرى له مع سفيان.

وقال: ما أغنى عني صاحبك شيئا، انظر لي رجلا أسأله. فقلت: هاهنا الفضيل بن عياض، قال: امض بنا إليه، فإذا هو قائم يصلي يتلو آية من القرآن يرددها، قال: اقرع الباب،

فقرعت، فقال: من؟ قلت: أجب أمير المؤمنين، قال: وم لي ولأمير المؤمنين؟ فقلت:

سبحان الله، أما عليك طاعته؟ فنزل ففتح الباب، ثم ارتقى إلى الغرفة، ثم أطفأ السراج، ثم التجأ إلى زاوية من زوايا البيت، فدخلنا فجعلنا نجول عليه بأيدينا، فسبقت كف هارون الرشيد قبلي إليه، فقال: يا لها من كف ما ألينها، إن نجت غدا من عذاب الله عز وجل.

فقلت في نفسي: ليكلمنا الليلة كلاما من قلب نقي، فقال له: خذ لما جئناك له رحمك الله، فقال له: إن عمر بن عبد العزيز لما ولّي الخلافة دعا سالم بن عبد الله، ومحمد بن كعب القرظيّ، ورجاء بن حيوة، فقال لهم: إني قد ابتليت بهذا البلاء، فأشيروا عليّ، فعدّ الخلافة بلاء، وعددتها أنت وأصحابك نعمة. فقال له سالم بن عبد الله: إن أردت النجاة من عذاب الله فصم عن الدنيا، وليكن إفطارك منها الموت.

وقال محمد بن كعبان: إن أردت النجاة من عذاب الله فليكن كبير المؤمنين عندك أبا، و أوسطهم عندك أخا، وأصغرهم عندك ولدا، فوقّر أباك، وأكرم أخاك، وتحنن على ولدك.

وقال رجاء بن حيوة: إن أردت النجاة من عذاب الله فأحب للمسلمين ما تحب لنفسك، واكره لهم ما تكره لنفسك، ثم متّ إن شئت. فإني أقول لك: يا هارون الرشيد، إني أخاف عليك أشد الخوف يوم تزلّ فيه الأقدام، فهل معك رحمك الله من يشير عليك بمثل هذا؟ فبكى هارون بكاء شديدا حتى غشي عليه، فقلت له: أرفق بأمير المؤمنين، فقال: تقتله أنت و أصحابك، وأرفق به أنا، ثم أفاق فقال له: زدني رحمك الله، فقال: يا أمير المؤمنين، بلغني أن عاملا لعمر بن عبد العزيز شكى إليه، فكتب إليه: يا أخي أذكّرك طول سهر أهل النار في النار مع خلود الأبد، وإياك أن ينصرف بك من عند الله عز و جل، فيكون آخر العهد وانقطاع الرجاء. فلما قرأ الكتاب طوى البلاد حتى قدم على عمر بن عبد العزيز فقال له: ما أقدمك؟ قال: خلعت قلبي بكتابك، لا أعود إلى ولاية حتى ألقى الله، قال: فبكى هارون بكاء شديدا، ثم قال: زدني رحمك الله، فقال: يا أمير المؤمنين، إن العباس عم المصطفى صلى الله عليه وسلم، جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أمّرني على إمارة، فقال له: «إن الإمارة حسرة و ندامة يوم القيامة، فإن استطعت أن لا تكون أميرا فافعل» ، فبكى هارون، وقال: زدني رحمك الله، قال: يا حسن الوجه، أنت الذي يسألك الله تعالى عن هذا الخلق يوم القيامة، فإن استطعت أن تقي هذا الوجه من النار فافعل، وإياك أن تصبح أو تمسي و في قلبك غش لأحد من رعيتك، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أصبح عنده غش لم يرح رائحة الجنة» ، فبكى هارون، وقال له: عليك دين؟ قال: نعم، لربي، لم يحاسبني عليه،

والويل لي إن سألني، والويل لي إن ناقشني، والويل لي إن لم ألهم حجتي، قال: إنما أعني من دين العباد، قال: إن ربي لم يأمرني بهذا، و قد قال الله عز وجل: إِنَّ اَلله هُوَ اَلرَّزّاقُ ، فقال له: هذه ألف دينار، خذها وأنفقها على عيالك، وتقوّى بها على عبادتك، فقال: سبحان الله، أنا أدلّك على طريق النجاة، وأنت تكافئني بمثل هذا، سلّمك الله ووفقك. ثم صمت فلم يكلمنا، فخرجنا من عنده، فلما صرنا على الباب قال لي هارون:

إذ أدللتني على رجل فدلّني على مثل هذا، هذا سيد المسلمين. فدخلت عليه امرأة من نسائه، فقالت: يا هذا، ما ترى ما نحن فيه من ضيق الحال؟ فلو قبلت هذا المال لفرّجت به عنّا، فقال لها: مثلي ومثلكم كمثل قوم كان لهم بعير يأكلون من كسبه، فلما كبر نحروه، فأكلوا لحمه. فلما سمع هارون هذا الكلام قال: ندخل فعسى أن يأخذ المال، فلما علم الفضيل بنا خرج فجلس في السطح على باب الغرفة، فجاء هارون فجلس إلى جانبه، فجعل يكلمه ولا يجيبه. فبينما نحن كذلك إذ خرجت جارية سوداء، فقالت: ي هذا، قد آذيت الشيخ هذه الليلة فانصرف رحمك الله.

وروين من حديث ابن ودعان، عن ظاهر بن محمد بن يوسف بن علي بن وسيم، عن جعفر بن إبراهيم، عن عبد الكريم بن الهيثم، عن أبي اليمان، عن شعيب، عن أبي زياد، عن عبد الرحمن الأعرج، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما يوقى الناس من إحدى ثلاث: إما من شبهة في الدين ارتكبوها، أو شهوة لذة آثروها، أو غضبة لحمية أعملوها، فإذا لاحت لكم شبهة فأجلوها باليقين، وإذا عرضت لكم شهوة فأقمعوه بالزهد، وإذا عرضت لكم غضبة فأردؤها بالعفو إنه ينادي مناد يوم القيامة: من له أجر على الله فليقم، فيقومون العافون عن الناس. ألم تر إلى قوله تعالى: فَمَنْ عَفا وأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اَلله » .

ومن سماعنا على قول الرضيّ بالنفس:

أما علم الغادون والقلب خلفهم بضمّ زفير يصدع القلب ضمّه

بأن وميض البرق ما لا أشيمه وإن نسيم الروض ما لا أشمّه

ومن سماعنا على قوله أيضا بالنفس:

ولم أبى الإظعان إلا فراقنا وللبين وعد ليس فيه كذاب

رجعت ودمعي جازع من تجلدي يروم نزولا للجوى فيهاب

وأثقل محمول على العين ماؤها إذا بان أحباب وعزّ إياب

وعلى قوله في التوديع أيضا بالنفس:

وإني إذا اصطكت ركاب مطيّكم وثوّر حاد بالرفاق عجول

أخالف بين الراحتين على الحشى وأنظر إني ملتم فأميل

ومن وقائع بعض الفقراء، ما حدثنا به أبو محمد عبد الله ابن الأستاذ المروزيّ بإشبيلية، قال: قال لي بعض الصالحين: رأيت في الواقعة أبا مدين، وأبا حامد، وأب طالب، وأبا يزيد، وخلقا كثيرا من الصوفية، فقال أبو يزيد لأبي مدين: زدنا من كلامك في التوحيد، فقال: التوحيد هو الحق، ومنوّر القلب، ومحرّك الظواهر، و علاّم الغيوب، نظر العارفون فتاهوا إذ لم يعمّر قلوبهم إلا هو، فهم به والهون، قلوبهم تسرح في رضاه في الحضرة العليّة، وأسرارهم مما سواه فارغة خليّة، جالت أسرارهم في الملكوت فلاحظوا عظمته، وتجلى لقلوبهم فأنطقهم حكمته، فهو للعارف ضياء و نور، وقد أشغله به عن الجنة والقصور، آنسه به فهو جليسه، وأفناه عنه فتلاشى كثيفه، فامتزج المعني بالمعنى، فكان هو. ذهبت الرسوم، وفنيت العلوم، ولم يبق إذ ذاك إلا الحي القيوم، وهو معنى المعاني، والحي الباقي، وكشف سرّ العارف ما ذ يلاقي من البر والإحسان، ولذة النظر، وغيبته عن الأغيار وعن جملة البشر، تنزّه عن تنزيهه فنزّهه به، وفني عن الأكوان بمشاهدة ربه، فعدا عن الأسماء، وسما عن الصفات، واضمحلت كليته في مشاهدة الذات.

هذه علوم، وهذه أسرار يكاشف بها من هو لها مختار، فينبتها في الوجود، فيظهر ما عنده و يحيي بها القلوب، وينجز له وعده، فيرويها الحق بالماء الصافي، ويعالج علّته بالعلم الشافي، فيبري بها من الأسقام، ومن جملة العلل، ويصلحها ويعلّمها من الأسرار ما لم تكن تعلم، فعلم العارف موصول المعرفة، فيظهر له الحق فيألف لمألوفه. فاستمع لهذه العلوم، واصغ إليها بقلبك، فكلّ من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!