موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


حكاية

حدثن يونس بن يحيى، انا محمد بن ناصر، انا محفوظ بن أحمد، انا محمد بن الحسين، نب المعافى، نبأ عبيد الله بن محمد الأزدي، ثنا أبو بكر بن أبي الدنيا، حدثني الحارث بن محمد التميمي، عن شيخ من قريش، قال: مرّ الإسكندر بمدينة قد ملكها أملاك سبعة و بادوا، فقال: هل بقي من نسل الأملاك الذين ملكوا هذه المدينة أحد؟ قالوا:

نعم، رجل يكون في المقابر، فدعا به قال: ما دعاك إلى لزوم المقابر؟ قال: أردت أن أعزل عظام الملوك من عظام عبيدهم، فوجدت عظام عبيدهم وعظامهم سواء، فقال له:

هل لك أن تتبعني فأحيي بك شرف آبائك إن كانت لك همة؟ قال: إن همتي لعظيمة إن كانت بغيتي عندك، قال: وما بغيتك؟ قال: حياة لا موت فيها وشباب ليس معه هرم،

وغنى لا فقر معه، وسرور بغير مكروه. قال: لا. قال: فامض عني لشأنك، و دعني أطلب ذلك ممن هو عنده وملكه. فقال الإسكندر: هذا أحكم مما رأيت.

وحدثن يونس قال: حدثنا عبد الوهاب الحافظ، عن المبارك بن عبد الجبار، عن محمد بن علي بن الفتح، عن محمد بن عبد الله الدقاق، انا ابن صفوان، عن أبي بكر بن سفيان، عن محمد بن الحسين، عن الوليد بن صالح، عن عبد الرحمن بن يزيد بن أسلم، قال: كان لعمر بن عبد العزيز سفط فيه دراعة من شعر وغل، وكان له بيت في جوف بيت يصلي فيه لا يدخل فيه أحد، فإذا كان في آخر الليل فتح ذلك السفط، ولبس تلك الدراعة، ووضع الغل في عنقه، فلا يزال يناجي ربه حتى يطلع الفجر، ثم يعيده في السفط.

وروين من حديث ابن أبي الدنيا، عن محمد بن الحنيص، عن محمد بن أيوب، عن يزيد بن محمد بن مسلمة، قال: حدثني مولى لنا، قال: بكت فاطمة بنت عبد الملك حتى غشي بصرها فدخل عليها أخواها مسلمة وهشام، فقالا لها: ما هذا الأمر الذي قدمت عليه؟ أجزعك على بعلك فأحق من جزع على مثله أو على شيء فاتك من الدنيا؟ فها نحن بين يديك وأموالن و أهلونا. فقالت: ما من كل جزعت، ولا على واحدة منهما. أسفت، ولكن والله م رأيت ليلة منظرا، فعلمت أن الذي أخرجه إلى الذي رأيت منه هول عظيم قد استكنّ به في قلبي فعرفته، قالاها: وما رأيت منه؟ قالت: رأيته ذات ليلة قائما يصلي وأتى على هذه الآية: يَوْمَ يَكُونُ اَلنّاسُ كَالْفَراشِ اَلْمَبْثُوثِ وَ تَكُونُ اَلْجِبالُ كَالْعِهْنِ اَلْمَنْفُوشِ .

من تاريخ العلاّمة جلال الدين السيوطي رحمه الله قال: قال زيد بن أسلم، عن أنس رضي الله عنه: ما صليت وراء إمام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الفتى، يعني به عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، وهو أمير على المدينة. قال زيد بن أسلم: فكان يتم الركوع والسجود، ويخفف القيام والقعود، له طرق عن أنس، أخرجه البيهقي في سننه وغيره. وسئل محمد بن علي بن الحسين عن عمر بن عبد العزيز فقال:

هو نجيب بني أمية، وإنه يبعث يوم القيامة أمة وحده. وقال ميمون بن مهران: كان العلماء مع عمر بن عبد العزيز تلامذة.

روينا من حديث ابن أبي الدنيا، حدثنا يعقوب بن إسماعيل، عن يعقوب بن إبراهيم، عن محمد بن مكي، قال: خطب عمر بن عبد العزيز فقال: الدنيا ليست بدار قرار، دار كتب الله عليها الفناء، وكتب على أهلها منها الظعن، فكم من عامر موثق عما قليل يخرب، وكم من مقيم مغتبط عما قليل يرحل، فأحسنوا رحمكم الله منها الرحلة بأحسن ما يستعد للنقلة، وتزوّدوا فإن خير الزاد التقوى، إنما الدنيا كفيء قلص فذهب،

بينما ابن آدم ينافس فيها قرير العين بها، إذ دعاه الله بقدره، و رماه بيوم حتفه، فسلبه دنياه، وصيّر لقوم آخرين مغناه، إن الدنيا لا تسرّ بقدر م تضرّ، تسرّ قليلا وتجرّ حزنا طويلا.

حدثن يونس بن يحيى، عن أبي بكر بن أبي منصور، عن علي بن أحمد، عن أبي عبد الله بن بطة، عن أبي دريد، عن أبي حاتم، عن أبي عبيدة، قال: أذن عبد الملك للناس إذنا عاما، فدخل عليه رجل في هيئة أعرابي، فقال: يا أبا الوليد، بلغني أن عندك مالا، فإن كان لله فاقسمه في عباده، وإن كان لك فتفضل عليهم، وإن كان لهم فادفعه إليهم، وإن كان بينك وبينهم فقد أسأت شركتهم، ثم ولّى. فقال عبد الملك: اطلبوا الرجل، فلم يقدروا عليه، وأمر للناس بإعطائهم فكانوا يرون أنه منبه من عند الله أو الخضر، و الله أعلم.

روينا من حديث أحمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن العباس، عن محمد بن يونس الكريمي، عن ابن عثمان، عن سلام بن مسكين، عن مالك بن دينار، أنه لقي بلال بن أبي بردة في الطريق و الناس يطوفون حوله، قال: أما تعرفني؟ قال: بلى أعرفك، أولك نطفة، وآخرك جيفة، و أسفلك دودة. قال: فهمّوا به أن يضربوه، فقال لهم: هذا مالك بن دينار، فترك ومضى.

حدثن أبو الفتوح في آخرين، قالوا: حدثنا محمد بن عبد الباقي، عن أحمد بن أحمد بن عبد الله، عن الحسن بن علي بن الخطاب الورّاق، عن محمد بن عثمان، عن أبي شيبة، عن إبراهيم بن عياش الكاتب، عن الأصمعي، عن أبيه، قال: مرّ المهلب بن أبي صفرة على مالك بن دينار وهو يتبختر في مشيته، فقال له مالك: أما علمت أن هذه المشية تكره الأبين الصفين؟ فقال له المهلب: أما تعرفني؟ فقال مالك: أعرفك أحسن المعرفة، قال: و ما تعرف مني؟ قال: أما أولك نطفة مذرة، وآخرك جيفة قذرة، وأنت فيما بينهم تحمل العذرة. قال: فقال المهلب: الآن عرفتني حق المعرفة.

حدثن يوسف بن عبد الكريم بن الحسن بالموصل، قال: قدمت بغداد واجتمعت ببعض خواص أمير المؤمنين المقتفي لأمر الله، قد مرض مرضا شديدا، فنوى إن أقاله الله أن يفعل خيرا، ثم استقيل من ألمه وشفاه الله، فشغله تدبير الأمور عن الوفاء بما نواه، ثم مرض المرض الذي مات فيه. فتذكر ما نذر من الخير في مرضه الأول، وما فرط في ذلك، فبكى وأنشد:

نرضي الإله إذا خفنا ونغضبه إذا أمنا فما يزكو لنا عمل

إذا مرضنا نوينا كل صالحة وإن شفينا فمنا الزيغ والزلل

وأنشد أيضا:

إن الطبيب بطبّه ودوائه لا يستطيع دفاع أمر قد أتى

ما للطبيب يموت بالداء الذي قد كان يبري منه فيما قد مضى

مات المداوي والمداوى والذي جلب الدواء وباعه ومن اشترى

ثم قال: احملوني إلى قبري، فحمل فأطلع فيه وقد حفر، فقال: أوسعوا عند الصدر، ثم قال: يا من لا يزال ملكه ارحم من قد زال ملكه، وا سوأتاه من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ثم مات.

روينا من حديث الحميدي، عن أبي محمد بن أحمد، عن الكتاني، عن أحمد بن خليل، عن خالد بن سعد، عن عمر بن حفص بن غالب، عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، عن الشافعي رضي الله عنه، عن محمد بن علي، قال: إني لحاضر مجلس أمير المؤمنين المنصور وفيه ابن أبي ذئب، وكان والي المدينة الحسن بن زيد، فأتاه الغفاريون فشكوا إلى أبي جعفر شيئ من أمر الحسن بن زيد، فقال الحسن: سل عنهم ابن أخي ذئب؟ فقال: يا أمير المؤمنين، أشهد أنهم أهل تخاصم في أعراض المسلمين، كثير والأذى. قال أبو جعفر: قد سمعتهم، فقال الغفاريون: يا أمير المؤمنين، فسله عن الحسن بن زيد؟ فقال: يا ابن أبي ذئب، ما تقول في الحسن بن زيد؟ قال: أشهد أنه يحكم بغير الحق، قال: سمعت يا حسن ما قال؟ فقال: يا أمير المؤمنين، سله عن نفسك؟ فقال: ما تقول فيّ؟ قال: أو يعفيني أمير المؤمنين؟ فقال: والله لتخبرني، فقال كلمة، فوضع المنصور في قفا ابن أبي ذئب، و جعل يقول: أما ولله لو لا أنا لأخذت أبناء فارس والروم والديلم والترك بهذ المكان منك. فقال ابن أبي ذئب: قد ولّى أبو بكر وعمر فأخذا بالحق، وقسم بالسوية، وأخذا بأقفاء فارس والروم، فخلاّه أبو جعفر، وقال: لو لا أني أعلم أنك صادق لقتلتك. فقال ابن أبي ذئب للمنصور: يا أمير المؤمنين، أنا أنصح لك من ابنك المهدي.

روينا من حديث محمد بن القاسم بن خلاّد، قال ابن أبي ذئب للمنصور: يا أمير المؤمنين، قد هلك الناس، فلو أعنتهم مما في يديك من الفيء. قال: ويلك لو ما سددت من الثغور، وبعثت من الجيوش لكنت تؤتى في منزلك وتذبح. فقال ابن أبي ذئب: فقد سدّ الثغور، وجيّش الجيوش، وفتح الفتوح، وأعطى الناس عطياتهم من هو خير منك.

قال: و من هو ويلك؟ قال: عمر بن الخطاب رضي الله عنه. فسكت المنصور، ونكس رأسه، ولم يعرض له، والتفت إلى محمد بن إبراهيم الإمام، فقال: هذا الشيخ خير أهل الحجاز.

حدثن ابن منصور، عن أحمد بن علي، عن الجوهري، عن محمد بن عمران، عن أحمد بن محمد بن عيسى المكي، عن ابن خلاّد، وذكره.

وروين من حديث ابن هشام: أنه لما طال البلاء على أهل اليمن من الحبش، وهلك أرباط، و أبرهة، ومكسوم بن أبرهة، ووليها مسروق بن أبرهة أخو مكسوم، خرج سيف بن ذي يزن الحميري وكان يكنى بأبي‌مرة، حتى قدم على قيصر ملك الروم، فشكى إليه ما هم فيه و سأله أن يخرجهم عنه، ويلهم هو، ويبعث إليهم ما شاء إلى الروم، فيكون له ملك اليمن، فلم يشكه. فخرج حتى أتى النعمان بن المنذر وهو عامل كسرى على الحيرة وم يليها من أرض العراق، فشكى إليه أمر الحبشة، فقال له النعمان: إن لي على كسرى وفادة في كل عام، فأقم عندي حتى يكون ذلك، ففعل، ثم أدخله على كسرى، وكان كسرى يجلس على إيوان مجلسه الذي فيه تاجه مثل القلقل العظيم فيما يزعمون، والقلقل:

الميكال يضرب فيه الياقوت والزبرجد واللؤلؤ بالذهب والفضة، معلقا بسلسلة من ذهب في رأس طاقة في مجلسه، فكانت عنقه لا تحمل تاجه، إنما يستر بالثياب حين يجلس في مجلسه ذلك، ثم يدخل رأسه في تاجه، فإذا استوى في مجلسه كشف عنه الثياب، فلم يره رجل لم يره قبل ذلك إلا برك هيبة له. فلما دخل سيف بن ذي يزن برك.

وفي حديث أبي عبيدة أن سيفا لما دخل عليه طأطأ رأسه، فقال الملك: إن هذا أحمق يدخل عليّ من هذا البيت الطويل يطأطئ رأسه، فقيل: هذا السيف، فقال: إنما فعلت هذا لهمي لأنه يضيق عنه كل شيء. قال ابن هشام: قال ابن إسحاق: ثم قال: أيها الملك، غلبن على بلادنا الأغربة. قال كسرى: أي الأغربة؟ الحبشة أم السند؟ قال: بل الحبشة، فجئتك لتنصرني، ويكون ملك بلادي لك. قال: بعدت بلادك مع قلة خيرها، فلم أكن لأربط جيشا من فارس بأرض العرب، لا حاجة لي بذلك. ثم أجازه بعشرة آلاف درهم، وكساه كسوة حسنة، فلما قبض ذلك سيف خرج فجعل ينشر تلك الرقعة للناس، فبلغ ذلك الملك، فقال: إن هذا لشأنا، ثم بعث إليه، فقال: عمدت إلى حباء الملك تنشره للناس، فقال: وما أصنع بهذا؟ ما جبال أرضي التي جئت منها إلا ذهب وفضة يرغب فيها.

فجمع كسرى مرازبته، فقال: ما ذا ترون في أمر هذا الرجل؟ وما حاله؟ فقال قائل: أيه الملك، إن في سجنك رجالا قد حبستهم للقتل، فلو أنك بعثتهم معه، فإن يهلكوا كان ذلك الذي أردت بهم، وإن ظفروا كان ملكا ازددته. فبعث معه كسرى من كان في سجونه، و كانوا ثمانمائة رجل، استعمل عليهم وهزر، وكان ذا سنّ فيهم، وأفضلهم حبا وبيتا، فخرج في ثمان سفاين، فغرقت سفينتان، ووصل إلى ساحل عدن ست سفاين، فجمع

سيف إلى وهزر من استطاع من قومه، وقال له: رجلي مع رجلك حتى نموت جميعا، أو نظفر جميعا، قال وهزر: أنصفت. وخرج إليه مسروق بن أبرهة ملك اليمن، وجمع إليه جنده، فأرسل إليه وهزر ابنا له ليقاتلهم فيختبر مقاتلتهم، فقتل ابن وهزر، فزاده ذلك حنقا، فلما توافق الناس على مصافهم، قال وهزر: أروني ملكهم، قالوا له: ترى رجل على الفيل، عاقدا تاجا على رأسه، بين عينيه ياقوتة حمراء. قال: نعم، قالوا: ذاك ملكهم. فقال: اتركوه، فمكث طويلا، ثم قال: علام هو؟ قالوا: قد تحوّل عن الفرس، قال: اتركوه، فوقف طويلا، فقال: علام هو؟ قالوا: على بغلة، قال وهزر: بنت الحمار ذلّ، وذلّ ملكه، إني سأرميه، فإن رأيتم أصحابه لم يتحركوا فاثبتوا حتى أوذنكم، فإني قد أخطأته، وإن رأيتم القوم استداروا ولاثوا به، فقد أصبت الرجل، فاحملو عليهم. ثم وتر قوسه وكانت فيما يزعمون لا يوترها غيره لشدّتها، وأمر بحاجبه فعصبها له، ثم رماه فصكّ الياقوتة التي بين عينيه، فتفلفلت النشابة في رأسه حتى خرجت من قفاه، ونكص عن دابّته، فاستدارت الحبشة، ولاثت به، وحملت عليهم الفرس، و انهزموا وقتلوا وهربوا في كل وجه، فأقبل وهزر ليدخل صنعاء حتى أتى بابها، قال: لا تدخل رايتي منكسة أبدا، اهدموا الباب، فهدم، ثم دخلها ناصبا رايته. فقال سيف بن ذي يزن في ذلك:

يظنّ الناس بالملك‍ ين أنهما قد التأما

ومن يسمع تلاقهما فإن الخطب قد نقم

قتلنا الفيل مسروقا وروّينا الكثيب دما

وإن الفيل قبل النا س وهزر مقسم قسم

برق مشعشعا حتى نفى السبي والنعما

فقد ذكرنا قصيدة أمية بن أبي الصّلت في سيف بن ذي يزن في وفد عبد المطلب وقريش عليه، من حديث أحمد بن عبد الله، وهي القصيدة التي يقول فيها:

تلك المكارم لا قعبان من لبن شيبا بماء فعادا بعد أبوالا

وهذا البيت في قصيدته وإنما هو للنابغة الجعدي، كذا قال ابن إسحاق: قال عديّ بن زيد الحيري عابد من عبّاد أهل الحيرة:

ما بعد صنعان كان يعمرها ولاة ملك جزل مناصبها

رفعها من بني لدى قزع الم‍ زن وتندى مسكا محاربه

محفوفة بالجبال دون عرى الكا ئل ما ترقّى غواربها

يأنس فيها صوت اللهام إذا جاوبها بالقسي قاصبه

ساقت إليها الأسباب جند بني الإحراز فرسانها مراكبها

وقورب بالبغال توسق بالح‍ تف ويسعى بها توالبه

حتى رآها الأقوال من طرف ال‍ عقبل مخضرّة كتائبها

يوم ينادون البرير والي‍ كسوم لا يفلحنّ هاربه

فكان يوم باقي الحديث وزا لت أمة ثابتة مراتبها

وبدّل الفتح بالزرافة والأ يام حون جم عجائبه

بعد بني تبّع محاورة قد اطمأنت به مرازبها

الغارب: السّنم فاستعاره، فأراد بقوله: غواربها، أعاليها. واللهام: طائر.

و القاصب: الزمر. والتوالب: واحدها تولب وهو ولد الثعلب. وأمه هنا: يريد بها لغة.

والفتح: الواحد. والزرافة: الجماعة. محاورة: يعني سادات. والمرازب: العظما.

قال ابن هشام: فأقام وهزر فولى ابنه المرزبان، فأمر كسرى ابنه السجّان، ثم عزله وأمرّ باذان. وقد ذكرنا خبر باذان في هذا الكتاب وإسلامه.

روينا من حديث ابن مروان، عن إبراهيم بن إسحاق الحرميّ، عن هارون بن عبد الله، عن بشار بن جعفر، عن عنبسة الخوّاص، عن قتادة، قال موسى عليه السلام: يا ربّ، أنت في السماء و نحن في الأرض، فما علامة غضبك من رضاك؟ قال: إذا استعملت عليكم خياركم فذلك علامة رضاي، وإذا استعملت عليكم شراركم فهو علامة سخطي.

وأنشدن من حديث ابن أبي الدنيا، قال: أنشدني أبو عبد الله البصير لمعبد بن طوق العنبري:

تلقى الفتى حذر المنية هاربا منها وقد حفّت به لا يشعر

نصبت حبائلها له من حوله فإذا أتاه يومه لا ينظر

إن امرأ أمسى أبوه وأمه تحت التراب ليومه يتفكّر

تعطى صحيفتك التي أمليتها فترى النهى فيها إذا ما تنشر

حسناتها محسوبة قد أحصيت والسيئات فأي ذلك أكثر

وروينا من حديث الدينوري، من حديث أبي أسامة، عن إسحاق بن إسماعيل، عن أبي معاوية، عن سليمان بن إبراهيم، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، قال: لما قدم عمر بن الخطاب رضي الله عنه الشام لقيه الجنود، وعليه إزار وخفّان وعمامة، وهو آخذ برأس نجيبته يخوض الماء، وقد خلع خفيه وجعلهما تحت إبطيه، قالوا له: يا أمير المؤمنين، الآن تلقاك الجنود وبطارقة الشام وأنت على هذه الحالة. قال: إنّا قوم أعزّنا الله بالإسلام، فلن نلتمس العزّ بغيره.

و حدثنا عبيد الله بن عمر، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حمل قربة على عنقه، فقال له أصحابه: يا أمير المؤمنين، ما حملك على هذا؟ قال: إن نفسي أعجبتني فأردت أن أذلّها. رويناه من حديث المالكي، عن أحمد بن يوسف، عن عبيد الله بن محمد بن حفص، عن حماد بن سلمة بن عبيد الله بن عمر.

حدثن محمد بن اللباب، ثنا ابن خميس، نبأ الحميدي، حدثنا أبو بكر الأردستاني، ان السلمي، سمعت عبد الله بن عليّ الطوسي، سمعت أحمد بن محمد الردعي الشبلي، وسئل عن قوله عزّ وجلّ: ولله عَلَى اَلنّاسِ حِجُّ اَلْبَيْتِ فوصف صفة لم يضبطها أهل المجلس. ثم أنشأ يقول:

لست من جملة المحبين إن لم أدع القلب بيته والمقاما

وطوافي أجالة السرّ فيه وهو ركني إذا أردت استلام

قلت: فهذان البيتان من جنس ما لم يضبطه أهل المجلس، لأن وارد الوقت واحد العين. فاعلم ذلك.

وقال محمد بن الفضل: العجب ممن يقطع الأودية والقفار والمفاوز، حتى يصل إلى بيته و حرمه، ويرى فيه أثر أنبيائه كيف لا يقطع نفسه وهواه حتى يصل إلى قلبه، فإن فيه آثار ربه.

روينا من حديث السلمي إسحاق بن بشر، مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم: «أن حملة العرش أربعة أملاك: ملك على صورة إنسان يسأل الرزق لولد آدم، وملك على صورة سبع يسأل الرزق للسباع، وملك على صورة النسر يسأل الرزق للطير، وملك على صورة الثور يسأل الرزق للأنعام» . قال ابن عباس: فالملك الذي على صورة الثور لم يزل غاضا بصره منذ عبدت بنو إسرائيل العجل، لأنهم عبدوا شيئا يشبهه، وإن الله لما خلق هؤلاء الملائكة قال لهم: احملوا العرش فلم يطيقوا، فقال لهم: قولوا لا حول ولا قوة إل بالله، فلما قالوها استقلوا بالعرش على كواهلهم، ونزلت أقدامهم على متن الثرى، و قدر البروج في العرش اثنا عشر مقدارا، وقدر المنازل في الكرسي، وخلق الأيام بخلق الكرسي، فأداره، فكانت الأيام بدورانه كأنها يوم واحد، لا يتميز فيه من الأيام السبعة. ثم خلق السبع سماوات وأدارها، وخلق في كل فلك كوكبا، فجعل في الأعلى كيوان، وفي الثاني بهرام، وفي الثالث الأحمر، وفي الرابع الشمس، وفي الخامس الزهرة، وفي السادس الكاتب، وفي السابع القمر. ثم خلق النار مما يلي السماء الدنيا، وجعل منها شبه الرصد على مسالك الشياطين ذوات الأذناب، ثم خلق الهواء، و ثم الماء، ثم الأرض، وخلق الليل والنهار عند

حركة الفلك الذي فيه الشمس. ثم خلق المعادن، والنبات، والحيوان، وآخر خلق خلقه الإنسان. هكذا ركّب الله العالم، فذلك تقدير العزيز العليم. ثم في هذه الأفلاك و بينها من العوالم والأملاك والأرواح والمنازل والمقامات ما لا يعلمه إل الله. وخلق سدرة المنتهى أصلها في السماء السادسة عند الأنهار الأربعة، والنيل و الفرات منها، وفروعها بين السماء السابعة والكرسي، وجعلها موضع الانتهاء لم ينزل من العرش من الأمر، ولما يصعد من الأرض من الأعمال والمعارج. وجعل هناك مرموما، وهو مسكن الملائكة دون الروح الأعظم. وإن الله خلق سبعين حجابا، ومن وراء الحجب، إسرافيل ومن وراء إسرافيل سبع حجب بينه وبين العرش. وخلق الله ميكائيل، وجعل بيده الدعاء والرحمة والاستغفار والأرزاق والغياث. وخلق جبريل، و جعل له الوحي إلى الأنبياء والمرسلين والخشف والإرجاف وهلاك الأمم الطاغية على رب العالمين. وخلق عزرائيل ملك الموت وقبض الأرواح. وجعل إسرافيل سفير بينه سبحانه وبين هؤلاء الملائكة يما يوحى إليهم من القضاء الذي قدّره وسبق في علمه كونه. وجعل اللوح المحفوظ معلقا بالعرش فإذا قضى الله قضاء دنا اللوح فيقرع جبهة إسرافيل، فيسمع للوح صلصلة كالسلسلة على الصفوان، فيكشف إسرافيل الغطاء الذي على وجهه ويرفع بصره، فإذا فيه قضاء الله عز وجل الذي قضاه، فينادي بذلك القضاء إسرافيل الملك الذي يجريه الحق على يديه، وبين إسرافيل عليه السلام وبين أقرب الملائكة إليه سبعون حجابا. وخلق سبحانه الناقور، وهو الصور، وهو قرن من نور واسع الأعلى ضيق الأسفل، وجعل فيه مسكن أرواح الخلائق بعد، ووكّل به ملكا عظيم ألقمه إياه، ينتظر متى يؤمر بالنفخ. وجعل لإسرافيل فيه نفخة البعث، فإن النفخات في الصور، وهو جمع صورة، نفخة الأرواح في أجسادها إن شاء، وهو قوله:

وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي ، ونفخة الفزع، وهو المذكور في سورة النمل، ونفخة الصعق، ونفخة القيامة، وهما المذكورتان في الروم، فنفخة القيامة لإسرائيل.

عن ابن عباس: وبين إسرافيل سبعون، إسرافيل في أعلاها وجبريل في أدناها، والصور القائم بينهما قد ثنى ركبته اليمنى، وشخص بها إلى السماء، والأخرى إلى الأرض، والصور أجوف كأنه فضة بيضاء، وقد وضعه الملك على فخذه، وقرّب أعلاه إلى فيه، وهو ينظر بإحدى عينيه إلى الصور، وبالأخرى إلى جناح إسرافيل، وقد جعل الله له علما، فإذ أراد الله أمرا بقضاء الأجل الذي للعالم أمر إسرافيل أن يضم إليه جناحه، وذلك بأن يدنو اللوح من جهة إسرافيل فيرفعه، فإذا فيه: أن ضم إليك جناحك، فيضم إسرافيل إليه جناحه بإذن ربه، فإذا رأى ذلك الملك نفخ في الصور، فتمر النفخة في جميع صور العالم الحي في العرش والكرسي والسموات والأرض، من ملك وإنس وجن وحيوان بري

و بحري، فيصعقون عن آخرهم إلا من شاء الله، مثل إسرافيل وجبريل وميكائيل.

واختلف في سكان الجنة والنار، وروح موسى عليه السلام. فقد قيل: لا تلحقهم الصعقة، ثم يقبض روح ميكائيل أولا، ثم روح إسرافيل، ثم جبرائيل بعدهما. وقد روي أنه أحب خلق الله إلى الله من الملائكة.

وروين أيضا: لا يقبض حتى يعتذر له سبحانه، بأن ذلك لما سبق في علمه، ثم يدنو ملك الموت من ربه عن أمره، فيقول له: مت، فيموت.

قال ابن عباس: فلا يبقى أحد إلا الله سبحانه وتعالى، فيقول: أنا مالك الملك. أنا الذي قضيت على خلقي بالفناء، وأنا الباقي ابن الجبارون؟ ابن المتكبّرون؟ لمن الملك اليوم؟ فلا يجيبه أحد، فيقول: لله رَبِّ اَلْعالَمِينَ ، فيدعهم أربعين، لا يدري يوما أو شهرا أو سنة. ما بلغنا فيه عن أحد مما رويناه عنه شيء يعتمد عليه غير أن الحسن قال:

اتفق رأي أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم على أربعين عاما، فإذا انقضت المدة وشاء سبحانه أن يبعث الخلق أرسل عليهم الريح العقيم ليجمعهم، ثم يرسل عليهم مطرا بلا سحاب مثل مني الرجال.

وروي أنه البحر المسجور، وقيل: نهر الحياة الذي بين العرش والكرسي، فيمطرون أربعين صباحا، فينبتون نبات الطراثيث. وقد قيل: على صورة النشأة الأولى من التناسل أول فأول على التوالد، ولكن في أقرب من لمح البصر. ثم يبعث الله إسرافيل عليه السلام، فيهبط إلى صخرة بيت المقدس والصور معه، وفي الصور خمس دارات عظام في دارة منها أرواح الملائكة والأنبياء والمرسلين، وفي دارة منها أرواح المؤمنين، و في دارة منها أرواح الكفار والمنافقين، وفي دارة منها أرواح الجن والشياطين، و في دارة منها أرواح البهائم وسائر الحيوان. فينفخ فيه، فتجري الأرواح في أجسادها، فيقوم الخلق لرب العالمين. ثم يبدّل الله الأرض والسموات، ويكون الخلق عند ذلك في ظلمة دون الجسر، ثم تمد الأرض الساهرة مد الأديم، وهي أرض ما ينام عليها قط، في لون الفضة البيضاء.

ثم يأمر لكل سماء أن ينزل بمن فيها من عمّارها إلى هذه الأرض، فإذا نزلوا وجمعت هذه الأرض هذا الحشر كله، ينزل الله عز وجل لفصل القضاء فيؤتى بالجنة، فتقاد قودا، معه الأمن والإيمان والرضى والرضوان، حتى توقف عن يمين العرش. ثم يؤتى بالنار، و تقاد قودا، ومعها السلاسل والأغلال، وزبانييها كالصياصي، وأصابع كالقرون معهم المقامع الثقال، فتوقف عن يسار العرش. ثم يؤتى بالقلم يليه اللوح، يتلوه إسرافيل، يتلوه جبريل، يتلوه النبيون والمرسلون، فيسألهم عن التبليغ، هل بلغك؟ هل بلغك؟ فيقر لكل

واحد بالتبليغ. والحق سبحانه وتعالى يتولى كلام الخلق في الموقف كله إلا في ثلاثة مواطن: عند نشر الكتب، وعند الميزان، وعند الصراط، فإن الله تعالى وكّل بهذه المواطن ملائكة هم الذين يباشرون الخلق، وما ينادي الناس إلا بأمهاتهم، رعاية لعيسى عليه السلام، وسترا على زناة الخلق.

ثم يقسم الأنوار سبحانه وتعالى على المؤمنين والمنافقين، ثم يتجلى فيقول: أنا ربكم، فيقولون: نعوذ بالله منك، لست بربنا، فيقول: هل بينكم وبين ربكم علامة؟ فيقولون: نعم، فيتحوّل لهم سبحانه وتعالى في العلامة التي يعرفونها، فإذا أبصروها عرفوها، فقالوا: أنت ربنا، فيتبعونه. ويضرب الصراط، ويدعون إلى السجود، فلا يستطيع المنافقون السجود، ويسجد المؤمنون. فهنالك سلب الله عنهم الأنوار التي كساهم إياها مع المؤمنين، فإذا رأى ذلك المؤمنون، يقولون عندها: رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا واِغْفِرْ لَنا إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ .

ومواطن القيامة أعظم من أن توصف. وقد أوردنا في هذا الكتاب ما روينا من حديث مواقف القيامة الخمسين من رواية الثقات مستوفى.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!