موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

مواقع النجوم
ومطالع أهلة الأسرار والعلوم

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المنزل الأول تلاوة العبد على الحق تبارك وتعالى

 

 


لعلك تشتهي يا بني أن ترسم في التالين لهذه الكتب على الحق تعالى بأن تمر على حروفه وتكون فيه حالا مترحلا وأنت لا تعقل معناه ولا تقف عند حدوده أو تتخيل أن يقول لك الحق تبارك وتعالى عند قولك الحمد لله رب العالمين حمدني عبدي لا والله يا بني ما يراجع الحق سبحانه وتعالى بقوله حمدني عبدي وأثنى على عبدي إلاّ أهل الحضور معه عند التلاوة بأنه مناج نفسه بفعله والمناجي بإحاطته وذاته وأهل التدبير والتذكير لما أودع في كتابه العزيز من الأسرار والعلوم بفهم كل عبد على قدر مقامه وذرقه وكشفه قال تعالى: لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ ولِيَتَذَكَّرَ أُولُوا اَلْأَلْبابِ وقال تعالى: قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ بل أقول أن كل من قعد على منهج الاستقامة وكانت حيلته الطاعة وكان اللسان صامتا عن تلاوة القرآن فإنه حامد لله بحاله شاكر له بأفعاله ويقول الله فيه حمدني عبدي فإذا كان اللسان يقول الحمد لله والقلب في الدكان أو في الدار أو في عرض من الأعراض متى عرف من هذه صفته أن يحمد الله وكيف ذلك والقلب غافل بما هو عليه عما جرى به لسانه فإذا وفقك الله وتريد أن يسمع الحق جل اسمه منك تلاوتك ويرسمك في ديوان التالين ويقول لك على الكلمات حمدني فاعلم منازل التلاوة ومواطنها وكم التالين منك وذلك أن تعلم أن على اللسان تلاوة وعلى الجسم يجميع أعضائه تلاوة وعلى النفس تلاوة وعلى القلب تلاوة وعلى الروح تلاوة وعلى السر تلاوة وعلى سر السر تلاوة فتلاوة اللسان ترتيل الكتاب على الحد الذي رتب المكلّف له وتلاوة الجسم المعاملات على تفاصيلها في الأعضاء التي على سطحه وتلاوة النفس التخلق بالأسماء والصفات وتلاوة القلب الإخلاص والفكر والتدبر وتلاوة الروح التوحيد وتلاوة السر الاتحاد وتلاوة سر السر الأدب وهو التنزيه الوارد عليه في الإلقاء منه جلّ وعلا.

فمن قام بين يدي سيده بهذه الأوصاف كلها فلم ير جزء منه إلاّ مستغرقا فيه على م يرضاه منه كان عبدا كليا وقال له الحق تعالى إذ ذاك حمدني عبدي أو ما يقول على حسب ما ينطق به العبد قولا أو حالا فإن كان فيه بعض هذه الأوصاف وتعلقت غفلة ببعض التالين فليس بعبد كلي ولا يكون فيه للحق تعالى من عبودية الإختصاص إلاّ على قدر ما أتصفت به ذاته فثم عبد يكون لله فيه السدس ولهواه ما بقي ولله فيه الخمس ولهواه ما بقي والربع والثلث والنصف على قدر ما يحضر منه مع الحق تعالى من حيث هو نوري كما جاء في الصلاة أنه لا يقبل منها إلاّ ما عقل منها عشرها تسعها ثمنها سبعها سدسها خمسه ربعها ثلثها نصفها فإن حضر في الكل حصل له الكل فإن مجيء الحق لك على قدر مجيئك له أليس الله تعالى يقول «من تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا ومن تقرب إلي ذراع تقربت منه باعا ومن أتاني يسعى أتيته هرولة» فالسعي إلي السعي هرولة وفي هذ الحديث فائدتان الواحدة أن يعطي فوق ما يتمنى العبد مصداق ذلك أن في الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر فقد أعطانا ما لا يدخل تحت علمنا والإرادة شرط في العلم والفائدة الأخرى المتعلقة بما كنا بسبيله من أن مجيء الحق لك بالجود على قدر مجيئك له فإذا تقربت إليه شبرا تقرب الله سبحانك إليك بجوده ذراعا ولكن بمن تقربت إليه شبرا فهو الذي تقرب إليك عناية منه بك بهذا الشبر الذي تقربت إليه به وتقرب إليك ثوابا وجزاء على ذلك الشبر الأول شبرا آخر فضلا أيض فكأن من كلاهما ذراعا وهكذا ما بقي فهو المتقرب به إليه بفضله فكأن ينبهك ويقول لك بقوله تقربت إليك ذراعا يا عبدي إذا تقربت إلي واشهدني في تقريبك تقربا لك إلي آخذا بناصيتك وأنت كالميت لا فعل لك ثم أجاز بك على ذلك بمثل ما جئت به فإن جئت بك إلى خير جئت إليك بخير وإن كان ما سوى ذلك فأنا الحكم العدل وإنما هي أعمالكم ترد عليكم وهذا الوجه غامض جدا يتصور عليه اعتراض ولكن إذا حققت ما أشرنا إليه ارتفع الاعتراض فابحث عن ذلك وتحققه في نفسك فإنه من أرفع المنازل في هذا المقام فانظر يا بني أين تجعل همتك وكيف تكون مع الحق الذي إليه مردك فإنك لا تجد عنده إلاّ ما قدمت وقد علمت المنازل فأما عبدا كليا وأما جزء عبد فتدبر هذه التلاوة وإلزمه نفسك في حركاتك وسكناتك فلا تتحرك إلاّ بالله ولله ومع الله وفي الله وإلى الله وعن الله.

ولا تسكن إلاّ على هذا الحد فبالله من حيث توليه لك في ذلك ولله من أجله لا من أجلك ومع الله من حيث المشاهدة والمراقبة وفي الله من حيث التدبر والتفكر وإلى الله من حيث التوجه والقصد وعن الله من حيث التكليف وهكذا فلتكن في تلاوتك فإنه سبحانه يَعْلَمُ اَلسِّرَّ وأَخْفى فلا يطلع عليك في سرك وعلانيتك على ما لا يرضاه منك وإن كان هو الفاعل سبحانه الموجد الفعل فالزم ما كلفت من الأدب وما تقتضيه الحضرة الإلهية من الإجلال والتعظيم واعلم أن الله تعالى خلق الأفعال كلها ثم قسمها سبحانه وتعالى إلى محمود ومذموم فانظر حيث يقيمك فإن أقامك في مذموم فاعلم أنك في الوقت ممقوت فاستدرك بالازالة والتفرغ والإنابة وإذا أقامك في محمود فاعلم أنك في الوقت محبوب فإن فعلت يا بني ما لا يرضى الحق منك فارجع على نفسك بالمذمة والتقصير فإنك مأجور في هذه الشركة بل هو حقيقة التوحيد فإن توحيدا بغير أدب ليس بتوحيد فإنك إن لم تر العيب من نفسك ولا رجعت عليها بالذم ولا ندمت على فعلك لم يصح لك توبة وإذا لم تتب لم تكن محبوبا ولا تنفعك تلك الحقيقة في الدنيا ولا في الآخرة ثم تعلم يا بني إذا كان فعلك الذي عبرنا عنه تلاوتك بالله فإنك مشاهد صاحب محو وإذا كنت مع الله فأنت مريد صاحب حال وإذا كان في الله فأنت صاحب إثبات وإذا كان عن الله فأنت صاحب وقت وإذ كان إلى الله فأنت عارف صاحب همة جمع الله لنا ولكم هذه المقامات وعصمنا من الآفات بكرمه آمين (منزل تلاوة الحق على العبد) لعلك يا بني تشتهي أن يتلو الحق عليك كتابه وأنت ملاحظ نفسك موجود مع أبناء جنسك هيهات إذا أراد الحق أن ينزلك هذا المقام ويسمعك تلاوته على حسب ما يريده إما من حيث صفته وإما من حيث فعله على اختلافه فمتى شاء هذا بك أفناك عنك وجردك منك وبقيت في الوجود شبحا مفقود فإذا فعل بك تلاه عليك وتلاوته عليك على ثلاثة أضرب الأول إيجاده المحامد فيك فإذا أوجدها فيك وظهرت أحكامها عليك وتحققت بكل صفة محمودة فكان بحق قد قال لك بآثار فعله فيك لك الحمد يا عبدي فيقول العبد عند مشاهدة ذلك الخطاب الحالي الوصفي حمدني ربي ثم يرجع العبد بالحمد على الله لما أولاه فيقول الحمد لله رب العالمين فيقول الله عند ذلك حمدني عبدي وهكذا تناسب الصفات مع الثناء صفة بعد صفة حتى ينتهي حيث ينتهي بك فالحق الحامد والمحمود والعبد حامد ومحمود وليس إلاّ اصطفايته إلاّ ثنية الآلهية وهذا المقام يفصل بين العبد والرب فإن الحق تعالى ليس له حامد يحمده من ذاته محدث ما لم يوجد سبحانه في ذلك الحامد صفة الحمد التي يكون بها حامدا وإذا كان الأمر على هذا فيكون سبحانه وتعالى إذا ذاك الحامد نفسه بفعل لا العبد فلهذا ما أثبتن العبد لنفسه فما محمود إلاّ حامد فإن الله تعالى يصفه وهو ليس بواصف في هذ المقام فتدبر في هذا الضرب قبل التلاوة تر عجبا.

الضرب الثاني الذي يحصل للعبد بعد هذا الضرب الأول من التلاوة هي تلاوته عليه بما ينتجه في العبد عند حصول تلاوة المحامد التي ذكرناها من الأسرار والحكم وعلوم الترتيب وتلاوته عليه تلاوة الإطلاع اختصاصي بالتجليات السببية فإذا اتصف بهذه الأوصاف كان الحق يقول له مثل الرحمن الرحيم حالا فيقول العبد عند ذلك تخلقا أثنى على ربي بأن وهبني ما يوجبه الثناء والحمد مما لا تدركه العقول حتى ترتفع الهمة لطلبه اختصاصا واصطفا وجود مطلقا جعل لي بذلك لسان صدق في الآخرين فهو الرحمن الرحيم على الحقيقة فيقول الحق عند ذلك أثنى علي عبدي فيصير الأمر دوريا بين العبد والحق والفرق بين التلاوتين في هذين الضربين أن التلاوة التي في الضرب الأول تلاوة تخلق والتي في الضرب الثاني تلاوة تحقق لا يجوز الإتصاف بها فإن الحقيقة تأبى ذلك وهو وهب رباني وجود إلهي وتدبر أيضا هذا الضرب تر عجبا.

الضرب الثالث تلاوة خارجة من الخلق والإختراع والإبتداع ينالها بعض العبيد في هذه الدار حقيقة وإطلاع ويناله بعضهم في الدار الآخرة وهذا فضل منعنا عن كشفه لقلة إحتمال بعض عقول الخلق من العلماء والعارفين فتركناه لك حتى تكشف عليه من نفسك إن كنت منهم كمل الجزء الأول والحمد لله وحده (الفلك اليميني) لعلك تسأل عن يدك أين جعلها في الوجود وأين مرتبتها في حضرة الجود فاسمع أيه الإبن العسيد :

من كان يبطش بالرحمن فهو فتى كان التكرم هجيرا له فعلا
فسله أن يقبض الدنيا ويبسطها يداك تفعل كلا ربكم فعلا وهذه يا بني درجة شريفة لا تنالها أبدا ما لم تلحق ولا تلحق حتى تمحق ولا تمحق حتى تحقق ولا تتحقق حتى تتخلق ولا تتخلق حتى توفق ولا توفق حتى تصحب ذا الخلق الموفق فإن صاحبته وفقت وإن وفقت خلقت وإذا خلقت حققت وإذا حققت محقت وإذ محقت ألحقت وإذا ألحقت نفضت ما بيدك من الكائنات وخرجت عن ملك يمينك وعن هذه الصفات وكانت يدك يد الطول تعطي وتمنع بيد حق واعلم يا بني أن العبد الموفق المراد إذا تحقق في مراعاة التكليف المتوجه عليه شرعا في يده فصرفها فيما أبيح له وبسطها فيما وجب عليه أو ندب إليه وقبضها عما حرم عليه أو كره له أو أبيح له ورعا وهمة فمن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه فالواجب كإخراج الزكوة وم أشبهة والمندوب كصدقة التطوع والمحظور كالسرقة ولمس ما لا يحل له لمسه والضرب في غير حق وأشباه ذلك والمكروه كلمس الذكر باليمين عند البول والاستنجاء باليمين وغير ذلك والمباح كجليس خياط أو نجار فيمد يده لبعض ما عونه فيمسكه في يده من غير حاجة أو يقلب ثوبا وأنواع ذلك هذا كله فإذا وقف عند الحدود ووفى بالعهد أثمر ذلك الوقوف السخاء والزهد وبذل المال كما قال (ص) إلاّ من قال هكذا وهكذا يعني بما له ولا يفعل هذا ما لم يتخلق بأسرار أسماء يده وما جاورها فذلك يؤدّي إلى رمي الدنيا وأعراضها وذلك بأن يثني بثنائه التسبيحات ويظفر باظفاره على ما له فيوجهه في سبيل البر ولو أعطى الكنزين لا يلتفت إليهما تعشقا ويخرجهما إن ملكهما ويزهد فيهما كما فعل من سلك أثره أسرة له (ص) حتى تبذل له أسرار الوجود ويكف كفه عن المحارم وبمعصمه يعتصم عن المحظورات والمكروهات ويلاحظ فيها عصمة الله له إبتداء بالوجود من العدم وتقلبه العصمة في أطوار وجوده بالإسلام من الكفر وبالتوحيد العام من الشرك العام وبالتوحيد الخاص من الشرك الخاص وبالإيمان من النفاق وبالإحسان من الحجاب وبالإحسان من الإحسان الذي تراه من الإحسان الذي يراك وبالحياة الخاصة والعامة من المؤثر الخاص والعام وبالإنسانية من البهيمية وبالصفات من الآفات وبالعلم من الجهل ومن الزهد بالرغبة ثم أن أرتقى بالتخلق نظر إلى عصمته بالصبر من الجزع وبالرضا من الصبر وبالشكر من الكفران وبالعدل من الجور وبالانتباه من النوم وبالذكر من النسيان وباليقظة من الغفلة وبالصحو من السكر وبالرجا من الخوف وبالبسط من القبض وبالجود من الوجود وبالأنس من الهيبة وبالجمال من الجلال وبالاعتدال من الجمال وبالوصال من الشوق وبالرجوع من الوقف وهكذا في جميع الأحوال والمقامات وأن يدرع بدراعة ذاته مع التكلفات لإقامة الوزن وإظهار العدل وأن يترفق بالاعتبار مرفقة بمولاه ويعتضد به بعضده وأن يساعد الأوامر الإلهية بساعده وأن يكتفي بمعرفته ومشاهدته بكشفه وأن يتأيد في الأسباب الموصلة إلى سعادته بيده وأن يتماض في ذلك كله بيمينه وأن يؤثر على إخوانه بيساره وأن يشمل جميع الخيرات والمحامد في نفسه بشماله وهكذا إلى جميع أسرار ما يتعلق بأسمائه من الحكم والاعتبارات الموصلة إلى السعادة الأبدية صاحبها المتصف بها فإن الله تعالى ما وضع شيئا باطلا رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذ باطِلاً سُبْحانَكَ وما خَلَقْنَا اَلسَّماءَ واَلْأَرْضَ وما بَيْنَهُما باطِلاً ذلِكَ ظَنُّ اَلَّذِينَ كَفَرُو وما خَلَقْنَ اَلسَّماواتِ واَلْأَرْضَ وما بَيْنَهُم لاعِبِينَ فما في الوجود شيء إلاّ لحكمة علمها من علمها وجهلها من جهله فالوجود كله ما انتظم منه شيء لشيء ولا انضاف منه شيء إلى شيء إلاّ لمناسبة بينهما ظاهرة أو باطنة إذا طلبها الحكيم المراقب وجدها كما حكي عن الإمام أبي حامد الغزالي (رحمه الله) وهو من رؤساء هذه الطريقة وساداتهم وكان يرى المناسبة ويقول بها فرأى يوما بالقدس حمامة وغرابا قد لصق أحدهما بالآخر وأنس به ولم يستوحش منه فقال الإمام إجتماعهم لمناسبة بينهما فأشار إليهما بيده فدرجا وإذ بكل واحد منهما عرج وكذلك اتفق لشيخ الشيوخ بمغربنا أب النجا المعروف بأبي مدين أتفق له يوما أنه علق خاطره بالغير فماشاه شخص وهو على ذلك الخاطر فاستوحش منه الشيخ فسأله فإذا به مشرق بالله تعالى فعلم المناسبة وفارقة فالمناسبة في سياق الأشياء صحيحة ومعرفتها من مقامات خواص أهل الطريقة (رضوان الله عليهم) وهي غامضة جدا موجودة في كل الأشياء حتى تبيّن اتساق الإسم والمسمى.

ولقد أشار أبو زيد السهيلي وإن كان أجنبيا عن أهل هذه الطريقة ولكنه أشار إلى هذا المقام في كتاب المعارف والأعلام له في اسم النبي (ص) محمد وأحمد وتكلم على المناسبة التي بين أفعال رسول الله (ص) وأخلاقه وبين معاني أسمية محمد وأحمد فالقائلون بالمناسبة من طريقنا عظماء أهل مراقبة وأدب واشتغال بنفوسهم وبأحوالهم ولا يكون إلاّ بعد كشف علمي ومشهد ملكوتي ولا سيم للملامتيين من المشايخ من أهل طريقتن كشيبان الراعي وأبي يزيد البسطامي (رضي الله عنهم) ومن ليقنا من المشايخ كالعربي وأحمد المرسي وعبد الله البرجاني وجماعة فإذا تخلقت وفقك الله بكل ما قصصناه لك في أسمائك إسم إسم وما أشرنا إليه آنفا فيجب عليك إمات للغطي الذي هو أصل الوجود الظاهر والباطن وهو سبب كشف الغطاء عن عين العبد في هذه الدار وهو الجود والكرم والسخاء والإيثار فالجود عطاؤك ابتداء قبل السؤال والكرم عطاؤك بعد السؤال عن طيب نفس لا عن حياة إلاّ عن تخلق إلهي وطلب مقام رباني والسخاء عطاؤك قدر الحاجة للمعطي إليه لا غير والإيثار عطاؤك ما أنت محتاج إليه وأعلم أن بالعطاء صحة الخلة على ما قيل لإبراهيم (ع) وذلك أن الله تعالى أرسل إليه جبريل على صورة شخص فقال يا إبراهيم أراك تعطي الأوداء والأعداء فقال تعلمت الكرم من ربي رأيته لا يضيعهم فأنا لا أضيعهم فأوحى الله تعالى إليه أن ي إبراهيم أنت خليلي حقا فإذا صح منك الزهد وكان الله الملك وأنت العبد حصلت تحت الملك لا تملك وتيقنت أنك واسطة فيما صرفت وتبيّن قبك سقوط الدعوى والإفتقار ويرقى بك إلى منازل المقربين والأبرار فشاهدت من الأسرار على قدر ما وهب لك الواهب قال الله تعالى: وأَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ فمن ألقى إرادة نفسه في بحر إرادة مورده وميدانها تولاه بلطف حكمته وأجرى عليها سابق عنايته فأحياها حياة السعادة والتمليك فامتحق كل زور وباطل وخنس من دلاه بغرور وردت إليه بعد ما ألقاها وحصل لها الشرف الكامل على أبناء جنسها فتلك النفس المطمئنة الراضية المرضية الداخلة في عباد الاختصاص وفي الفراديس العلية جوار الرحمن وكانت يداه مبسوطتان تنفق كيف تشاء لأنها في محل الكشف لا تتحرك إلاّ عن الإذن. ومن كرامات صاحب هذا المقام إدخاله يده في جيبه فتخرج بيضاء من غيره كما كان هذا لموسى (ع) ونبع الماء من بين الأصابع كما كان هذا لمحمد (ص) ورمي التراب في وجه الأعداء فانهزموا وقبض من شاء الله تعالى من الأولياء في الهواء فيفتح عن فضة وذهب إلى أمثال هذا المنزل يرتقي العبد بعد تخلقه بما وصفناه آنفا إلى عالم الغيب فيشاهد اليمين ماسكة قلمها وهي تخطط العالم في لوح الوجود المحفوظ حرف حرف مشكولا منقوطا لتمييز الحقائق بين المتماثلات والأشكال كالأنواع مثل صبغة الإنسان مثلا والنوع ذوات الأربع وذوات الجناح.

وكذلك أصناف الجمادات مع الحيوانات والحيوانات ما بين الناميات وغير الناميات فأمثال متفرقة بذواتها لم تحتج إلى نقطة وما اشترك في النوع احتاج إلى فصل في الأشخاص بأمر عرضي كالزاهد والعابد والصوفي والفاسق والكافر والمؤمن وفي طريقتن كالرباني والرحماني والإلهي وفي المقامات كالملكوتي والجبروتي والملكي فلا يزال صاحب هذا المقام ينظر في ذلك التخطيط والتشريف وإيجاد تلك الحروف على إبداع نظام بأحسن رقم في أحسن لوح فإذا طال عليه النظر في جزئيات الكون وهي كثيرة والعمر قصير والوقت عزيز والعبد مشتغل بتحصيله بث الله في نفسه التضرع والإبتهال والرغبة إلى الله تعالى إلى أن ينقله إلى مقام ينحصر له فيه جميع الموجودات كلها ليأخذ الحكم دفعة فيعيش بها في أوقاته فإذا صدقت هذه الهمة منه وتعلقت بالحق لذلك وقالت لو اختصرت لي معانيه على الكمال في شيء محصور تحيط به العين في لحظة واحدة على الدوام لا فقده فإنك قد تردني لعالم الشهادة فأغيب عن هذه المنازل العلية قال الله تعالى يا أيتها الهمة لك ذلك فينفتح له باب إلى مشاهدة نفسه فيشاهد اليمين تصقل نفسه الزكية ومرآة قلبه الكريم فما زال يشهدها حتى إذ صقلت وزال صداها ورانها امتدت يد البسط إلى باب المشيئة ففتحت ما بين باب جزئي وباب كلي وجعلت المرآة الكريمة الصقيلة تجاه الباب الكلي فانطبعت فيه الصور الكائنة خلف ذلك الباب الكلي وهي منازل العالم الكبير بأسره وحقائقه فتقعد عين البصيرة تتفرج في شيء واحد لا يتحيز ولا يرد رأسه لا يمينا ولا شمالا ولا إلى جهة من الجهات فإذا قرن ما تجلى في مرآة القلب مع المتجلي نفسه جاءت صورة المرآة ألطف وأحسن وأحكم وأبدع من ذوات المتجليات وعلى قدر اللطافة والحسن والجمال تعظم اللذة في نفس المشاهدة وأم الباب الجزئي فهو باب حكم التجلي وأسرار المتجليات، وما أبدع في طيها من المعارف القدسية والمعالم الربانية المتعلقة بالحضرة الإلهية وهي التي لا تتناهى لكونه غير حاصلة في الوجود لأن ذلك راجع إلى فهمك وإلى ما يوجده الحق فيك عند مشاهدتك إياها لا إلى ذواتها فغايته السببيه في تحصيل الأسرار التي تدل عليه عندك فهي حروف وألفاظ جاءت لمعنى يوجدها الحق فيك مقترنة بشهودها ولا يكون فتح ذلك الباب إلاّ على قدر ما يريده الواهب أن يفتح منها على من يشاء من عباده لكنه في المزيد على الدوام فمقامات العوالم محصورة ومعالمها وأسرارها محصورة ثم لا يزال كذلك يأخذ من هذا العالم المواهب الإلهية على مراتبها ويدفعها للفقراء ممن دونهم على مراتبهم ومنازلهم وحجاب غفلة الكون دونه مسدول حتى تمتد له اليد المقدسة فكل شيء هالك إلاّ وجهه فيلوح له عند ذلك حجاب الكون وسد الغفلة أمامه فترفع الهمة لخرق ذلك السد ورفع الحجاب فينادي من خلف الحجاب لا يصل إلينا من استمسكت يده بشيء من غير حضرتنا فازهد تجد الغنى والراحة واترك العالم وموجدهم أي لا تعترض عليه فيهم أتريد أن تكون ربا ثانيا فيتوب القلب عند سماع ذلك الخطاب ويستغفر ويتضرع ويغمض عينيه عن ملاحظة نفسها ومشاهدة مرآتها فتطوي اليمين عند ذلك سماء القلب، وتميط عنه أكونه وتبدو العين السليمة فإذا بدت شهدت اليمين اليمين والنعت النعت والاسم الاسم والذات الذات واجتمع الكل وانتظم الشمل وأطلع على الملك بأسره فوجده في قبضته مرتقم في حقيقته، حقيقته اللطف منه في مرآة قلبه لأنه شاهد في مرآة موجده فارتقم فيه من لطف إلى لطف وإلى هذا المقام أشرت بقولي في قصيدتي التي كتبت بها إلى أبي العباس الرقاشي (رضي الله عنه) :

فمنها وجود الخلق في الحق فاعتمد عليه ولا تبدو لديك نفوز
وهذه الغاية القصوى والمستوى الأعلى فمن حصل فيه ووقف على حقائقه ومعانيه فهو الذي تشد إليه الركائب وتقطع لرؤيته السباسب وهذا ميقات المبايعة الإلهية الذي قال الله فيه: إِنَّ اَلَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ الله يَدُ الله فَوْقَ أَيْدِيهِمْ وقد أفردنا لهذا المقام بما يجب كتابا كبير سميناه مبايعة القطب لم أذكر فيه سوى هذا المقام خاصة فيه قيد هذا الإمام المرتقى به إلى هذه المرتبة حجره الأسود وقلبه كعبته المقصودة وجسده حرمة المطهر وسره عرفاته ونفسه محصبه وأنشدت:

هذا المقام وهذه أسراره رفع الحجاب وأشرقت أنواره

وبدا هلال التم يسطع نوره للناظرين وزال عنه سراره

فأنا روض القلب في ملكوته وأتت بكل حقيقة أشجاره

عند التنزل صح ما يختاره قلب أميطت بالرد أستاره

وبدا النسيم ملاعبا أغصانه فهفت بأسرار العلى أطياره

جادت على أهل الروائح منة منه بريا طيبها أزهاره

هذا الفؤاد بحبه فتقدست أوصافه وتنزهت أفكاره

وتنزل الروح الأمين لقلبه يوم العروبة وانقضت أوطاره

إن الفؤاد مع التنزل واقف ما لم يصح إلى النزيل مطاره

من كان يشغله التكاثر لم يكن يغنيه يوم وروده إكثاره

من ينتمي لحقيقة يصبر على بأسائها حتى يرى مقداره

لا كالذي أمسى لذاك منافر والمنتمي من لا يخاف نفاره

من يدعي أن الحبيب أنيسه في حاله فدليله استبشاره

من يدعي حكم الكيان فإنه قد تيمته بحبها أعياره

من كان يزعم أنه من آله سبحانه فمشهوده أذكاره

شهداء من قال الوجود شعاره أمر يعرف شرعه

ودئاره وأنينه مما يراه وصمته عنه وعبرة وجده وأواره

ما نال من جعل الشريعة جانبا شيئا ولو بلغ السماء مناره

الحال إما شاهد أو وارد تجري على حكم الهوى آثاره

والناس إم مؤمن أو جاحد أو مدع ثوب النفاق شعاره

المنزل العالي المنيف بناؤه واه متى ما لم يقم عماره

العقل إن جاريته في ذاته فلك على نيل العلوم مداره

لو كان تسعده النفوس فإنما حجبته عن نيل العلى أوزاره

فإذا أتته عناية من ربه في الحال حف ببابه زواره

ورأيته لما يخلص روحه من سجنه أسرى بها حباره

وقد امتطى رحب الديار مدبرا يدعي البراق فما يشق غباره

تهوي به الهوج الشداد فيرتمي نحو الطباق وشبههن شعاره

ما زال ينزل كل نور لائح من جانبيه فما يقر قراره

حتى بدت شمس الوجود لقلبه وبدا لعين فؤاده إضماره

وتلاقت الأرواح في ملكوته فتواصلت ببحاره أنهاره

مد اليمين لبيعه مخصوصة أبدالها وجه الرضا مختاره

لما بدا حسن المقام لعينه عقدت عليه خلافة أزراره

ثم التوى بطوي الطريق لحبسه ليلا حذارا أن يبوح نهاره

وأتت ركائبه لحضرة ملكه بودائع تعتاده أبراره

وتوجهت سفراؤه بقضائه في كل قلب لم يزل يختاره

وحمت جوانبه سيوف عزائم منه وطاف ببابه سماره

أين الذين تحققوا بصفاته هذي العداة فأين هم أنصاره

من يدعي حب الإمام فإنما قذفت به نحو المتون بحاره

وسطى على جيش الكيان بصارم عضب المضارب لا يقل غراره

من يهتدي أهل النهي بمناره ذاك الخليفة تقتفي آثاره

إن الذين يبايعونك إنهم ليباعون من اعتلت أسراره

فيمينك الحجر المكرم فيهم يا قبضة خضعت لها أخياره

يا متعة الرضوان دمت سعيدة حتى تعطل للإمام شعاره

إن الديار بلاقع ما لم تكن صفو اللجين يزيلها ونصاره

المال يصلح كل شيء فاسد وبه يزول عن الجواد عثاره


uvxYRtKsjkc

 

 

البحث في نص الكتاب


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!