The Greatest Master Muhyiddin Ibn al-Arabi
The Greatest Master Muhyiddin Ibn al-Arabi

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد

أبو طالب المكي (المتوفى: 386هـ)

الفصل السادس عشر في ذكر معاملة العبد في التلاوة ووصف التالين للقرآن حق تلاوته بقيام الشهادة

 

 


الفصل السادس عشر في ذكر معاملة العبد في التلاوة ووصف التالين للقرآن حق تلاوته بقيام الشهادة

استحب للمريد أن يختم القرآن في كل أسبوع ختمتين؛ ختمة بالنهار وختمة بالليل، ويجعل ختمة النهار يوم الاثنين في ركعتي الفجر أو بعدهما، ويختم ختمة الليل ليلة الجمعة في ركعة المغرب أو بعدهما ليستقبل بختمته أوّل النهار وأوّل الليل فإن الملائكة تصلّي عليه إن كانت ختمته ليلاً حتى يصبح وتصلّي عليه إن كان ختمه نهاراً حتى يمسي فهذان الوقتان يستوعبان كلية الليل والنهار، وفي الخبر لم يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث، وأمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عبد الله بن عمر أن يقرأ القرآن في كل سبع وكذلك جماعة من الصحابة يختمون القرآن في كل جمعة، وروينا عن يحيى بن الحارث الديناري عن القاسم بن عبد الرحمن قال: كان عثمان بن عفان رضي الله عنه يفتتح ليلة الجمعة بالبقرة إلى المائدة وليلة السبت بالأنعام إلى هود وليلة الأحد بيوسف إلى مريم وليلة الاثنين بطه إلى طسم موسى وفرعون وليلة الثلاثاء بالعنكبوت إلى صاد وليلة الأربعاء بتنزيل إلى الرحمن ويختم ليلة الخميس وكذلك كان زيد بن ثابت وأبي يختمان القرآن في كل سبع، روينا عن ابن مسعود أنه سبع القرآن في سبع ليال فكان يقرأ في كل ليلة بسبعه إلا أن تأليفة على غير ترتيب مصحفنا هذا فلم يذكره لأن الاعتبار لا يتبيّن به وجماعة يذكر عنهم ختم القرآن في كل يوم وليلة وقد كره ختمه في أقل من ثلاث طائفة والتوسط من ذلك ما ذكرناه وهو أن يختم في كل ثلاثة أيام.

ذكر أحزاب القرآن وكيف حزبه الصحابة

رضي الله عنهم

وإن قرأ القرآن أحزاباً في كل يوم وليلة حزباً فحسن، وهو سنة فذلك أشد لمواطأة القلب وأقوم للترتيب وأدنى إلى الفهم وإن أحب قرأ في كل ركعة ثلث عشر القرآن أو نصف ذلك يكون الجزء من الأجزاء الثلاثين في كل ركعة أو ركعتين فإن قرأ في كل ورد حزباً أو حزبين أو دون ذلك فحسن وأحزاب القرآن سبعة: فالحزب الأول ثلاث سور، والحزب الثاني خمس سور، والحزب الثالث سبع سور، والرابع تسع سور، والخامس إحدى عشرة سورة، والسادس ثلاث عشرة سورة، والمفصل من ق، فهذه كانت أحزاب القرآن ولذلك حزبه الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، وكانوا يقرؤونه كذلك، وفي ذلك خبر عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكأنه حزبه على عدد هذه الآي إذ عددها ستة آلاف ومائتان وست وثلاثون آية، وقد اعتبرت ذلك في كل حزب فرأيته يتقارب، وهذا قبل أن تعمل الأخماس والعواشر والأجزاء فما سوى هذا محدث يقال: إن الحجاج جمع قرّاء البصرة والكوفة منهم: عاصم الجحدري، ومطر الوراق، وشهاب بن شريفة فأمرهم بذلك، وقد كان الحسن وابن سيرين ينكران هذه الأخماس والعواشر والأجزاء، وروي عن الشعبي وإبراهيم كراهية النقط بالحمرة وأخذ الأجر على ذلك وكانوا يقولون جردوا القرآن، وقال الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير: كان القرآن مجرداً في المصاحف، فأول ما أحدثوا فيه النقط على الباء والتاء وقالوا: لا بأس به فإنه نور له ثم أحدثوا بعده نقطاً كباراً عند منتهى الآي فقالوا: لا بأس به يعرف به رأس الآي ثم أحدثوا بعد ذلك الخواتيم والفواتح وقالوا: لا بأس به لأنها علامة تعرف بها واعلم أنه لا يجد فهم القرآن الفهم الذي يكشف بمشاهدته ويظهر من الملكوت قدره عبد فيه إحدى هذه الخصال أدنى بدعة أو مصر على ذنب أو عبد في قلبه كبراً ومقارب لهوى قد استكن في قلبه أو محب الدنيا أو عبد غير متحقق بالإيمان أو ضعيف اليقين ولا من هو واقف مع مقراه ولا عبد مهتم يتبع حروفه واختياره ولا ناظر إلى قول مفسر ساكن إلى عمله الظاهر ولا راجع إلى معقوله ولا قاض بمذاهب أهل العربية واللغة في باطن الخطاب وسر المرء وهؤلاء كلهم محجوبون بعقولهم مردودون إلى ما يقدر في علومهم موقوفون مع ما تقرر في عقولهم مزيدهم على مقدار علومهم وغرائز عقولهم وهؤلاء مشركون بعقولهم ومعلومهم عند الموحدين فهذا داخل في الشرك الخفي الذي أخفى من دبيب النمل على الصفا في الليلة الظلماء، قال محمد بن علي بن سنانة إذ معقوله وعلمه عن عقل غير كامل لأن العقل الكامل ماعقل عن الله عزّ وجلّ وفهم حكمه وكلامه، ويعقل به كلامه وقد قال الرسول صلوات الله عليه في صفة كمال العقل العاقل: من عقل عن الله سبحانه وتعالى أمره ونهيه، وفي الخبر أكثر منافقي أمتي قراؤها فهذا نفاق الوقوف مع سوى الله تعالى والنظر إلى غيره لإنفاق الشرك والإنكار لقدرة الله عزّ وجلّ فهو لا ينتقل عن التوحيد ولكنه لا ينتقل إلى مقام المزيد فإذا كان العبد ملقياً السمع بين يدي سميعه مصغياً إلى سرّ كلامه شهيد القلب لمعاني صفات شهيده ناظراً إلى قدرته تاركاً لمعقوله ومعهود علمه متبرئاً من حوله وقوته معظماً للمتكلم واقفاً على حضوره مفتقراً إلى الفهم بحال مستقيم وقلب سليم وصفاء يقين وقوة علم وتمكين سمع فصل الخطاب وشهد علم غيب الجواب وأفضل القراءة الترتيل لأنه يجمع الأمر والندب وفيه التدبر والتذكر.

روي عن علي رضي الله عنه لا خير في عبادة لا فقه فيها ولا في قراءة لا تدبر فيها، وعن ابن عباس لأن أقرأ البقرة وآل عمران أرتلهما وأتدبرهما أحب إليّ من أن أقرأ القرآن كله هذرمة، وروي عنه أيضاً لأن اقرأ إذا زلزلت والقارعة أتدبرهما أحب إلي من أن أقرأ البقرة وآل عمران تهذراً، وسئل مجاهد عن رجلين دخلا في صلاة فكان قيامهما واحد إلاّ أن أحدهما قرأ البقرة والآخر قرأ القرآن كله فقال هما في الأجر سواء لأن قيامهما كان واحداً وأفضل الترتيل والتدبر في القرآن ما كان في صلاة ويقال إن التفكر في الصلاة أفضل منه في غير الصلاة لأنهما عملان وهذا هو التفكر في معاني التدبر والفهم بخطاب الوعد والوعيد والزجر والأمر تعظيماً للمتوعد وإجلالاً للآمر، وسئل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أي الصلاة أفضل؟ فقال: طول القنوت، وروي في خبر آخر من سجد لله عزّ وجلّ سجدة رفعه الله عزّ وجلّ بها درجة وأنه قال لأبي فاطمة خادمه وقد سأله مرافقته في الجنة فقال أعني بكثرة السجود، وروينا عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه أنه قال إنه كثرة السجود بالنهار وإنه طول القيام بالليل ويقال إن العبد يحشر عند الموت من قبره على هيئته في صلاته من السكون والطمأنينة وتكون راحته في الموقف على قدر راحته وتنعمه بالصلاة، وروينا معنى هذا عن أبي هريرة وعلى هذا المعنى تأويل قول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لبلال: أرحنا بالصلاة أي روحنا إليها نعمنا بها من الروح والراحة إليها ويقال أرحنا بالشيء أي روحنا وأرحنا منه أي أسقطه عنا وخفف عنا منه ولم يقل أرحنا منها كيف وقرة عينه فيها، وقال بعضهم: إني لأفتتح السورة فيوقفني بعض ما أشهد فيها عن الفراغ منها حتى يطلع الفجر وما قضيت منها وطري، وقال سليمان بن أبي سليمان الداراني إنه وعد ابن ثوبان أخاً له أن يفطر عنده فأبطأ عليه حتى طلع الفجر فلقيه أخوه من الغد، قال: وعدتني أن تفطر عندي فأخلفت، فقال: لولا ميعادك ما أخبرتك بالذي حبسني عنك إني لما صليت العتمة قلت أوتر قبل أن أجيئك لأني لا آمن ما يحدث من الموت، فلما كنت في الدعاء من الوتر رفعت لي روضة خضراء فيها أنواع الزهر من الجنة، فما زلت أنظر إليها حتى أصبحت، وقال عزّ وجلّ: (كَتَبَ في قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ) المجادلة: 22، قيل: القرآن قوى إيمانهم بعلم القرآن، فالقرآن روح الإيمان، وتقويتهم استعمالهم به، وفي التفسير يا يحيى خذ الكتاب بقوة، قيل: بجد واجتهاد ومثله خذوا ما آتيناكم بقوّة، قيل: بعمل به، وقيل لبعضهم: إذا قرأت القرآن تحدث نفسك بشيء فقال أو شيء أحب إليّ من القرآن أحدث نفسي به؟ وهذه صفة قوي مكين، ويقال إن في القرآن ميادين وبساتين ومقاصير وعرائس وديابيج ورياضاً وخانات، فالميمات ميادين القرآن والراآت بساتين القرآن والحاآت مقاصيره والمسبحات عرائس القرآن والحواميم ديباج القرآن والمفصل رياضه والخانات ما سوى ذلك، فإذا جال المريد في الميادين وقطف من البساتين ودخل المقاصير وشهد العرائس ولبس الديباج وتنزه في الرياض وسكن غرف الخانات اقتطعه وأوقفه ما يراه وشغله الشاهد به عما سواه.

وروي عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قرأ بسم الله الرحمن الرحيم فرددها عشرين مرة وكان له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في كل ورده فهم، ومن كل كلمة علم، فينبغي أن يكون قلب التالي بوصف كل كلمة يتلوها مشاهداً لمعناها إلى ما يفتح الله عزّ وجلّ له من المزيد عليها من مجاورتها ومع ما يفهم بها من غيرها ويشهد غيرها منها فقد كان بعضهم يقول: كل آية لا أتفهمها ولا يكون قلبي فيها لم أعد لها ثواباً، وكان بعض السلف إذا قرأ السورة ولم يكن قلبه فيها أعادها ثانية، فإذا مرّ بتسبيح وتكبير سبّح وكبّر، وإن مرّ بدعاء واستغفار دعا واستغفر، وإن مرّ بمخوف ومرجو استعاذ وسأل، فذلك معنى قوله عزّ وجلّ: (يَتْلُونَهُ حقَّ تِلاَوَتِه) البقرة: 121، وكذلك كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في تلاوته وعلى هذا المعنى ما روي في الخبر من أراد أن يقرأ القرآن غضاً كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد أي على معنى تلاوته لأنه كان يقرأ بقلب شهيد وسمع عتيد وبصر حديد فكان يتلو القرآن على معاني الكلام وعلى شهادة وصف المتكلم الوعيد منه بالتحزين والوعد بالتشويق والوعظ بالتخويف والإنذار بالتشديد والتفسير بالترقيق والتبشير بالتوفيق لأنه كان عالماً بصفات المتكلم واجد الذوق الكلم، فمثل هذا العبد أحسن الناس صوتاً بالقرآن كما جاء في الخبر: أحسن الناس صوتاً بالقرآن من إذا قرأ رأيت أنه يخشى الله، ومن هذا قيل إذا قرأتم القرآن فابكوا وإن لم تبكوا فتباكوا، ومثل هذا أن القرآن نزل بحزن فإذا قرأتموه فتحازنوا أي أن القرآن لما فيه من التهديد والوعيد والوثائق والعهود يوجب البكاء والحزن، فإن لم تحزنوا وجداً ولم تبكوا نفساً يقيناً فتباكوا وتحازنوا لفظاً لأجل التصديق والإقرار به، فندبهم إلى التحازن في التلاوة والتباكي ليجتمع همّ العبد في المتلو فيتدبر الكلام عسى أن يكون قلبه بمعناه فيكون التباكي والتحزين سبباً لجمع همّه وفراغ قلبه، لأن المتباكي الصادق مجتمع الهمّ فيما يبكيه والحزين حاضر القلب مجموع الفكر ومشغول عن سوى مبكيه، من ذلك ما روينا عن ابن عباس إذا قرأتم سجدة سبحان فلا تعجلوا بالسجود حتى تبكوا، فإن لم تبكِ عين أحدكم فليبكِ قلبه فبكاء القلب حزنه وخشيته، أي فإن لم تبكوا بكاء العلماء عن الفهم فتحزن قلوبكم على فقد البكاء وليخشَ كيف لم يوجد فيكم وصف أهل العلم، وقد روينا في غرائب التفسير من معنى قوله تعالى: (وَإنَّ مِنَ الحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ) البقرة: 74 قال: هي العين الكثيرة البكاء (وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ) البقرة: 74 قال: هي العين القليلة البكاء (وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ الله) البقرة: 74 قال: هو بكاء القلب من غير دموع عين قال ثابت البناني: رأيت في النوم كأني أقرأ على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القرآن، فلما فرغت قال هذه القراءة فأين البكاء؟ وكان الحسن يقول: والله ما أصبح اليوم عبد يتلو هذا القرآن يؤمن به إلا كثر حرنه وقل فرحه وكثر بكاؤه وقل ضحكه وكبر نصبه وشغله وقلت راحته وبطالته.

والناس في التلاوة على ثلاث مقامات، أعلاهم من شهد أوصاف المتكلم في كلامه ويعرف أخلاقه بمعاني خطابه، وهذا مقام العارفين من المقربين، ومنهم من يشهد ربه تعالى يناجيه بألطافه ويخاطبه بإنعامه وإحسانه، فمقام هذا الحياء والتعظيم وحاله الإصغاء والفهم، وهذا للأبرار من أصحاب اليمين، ومنهم من يرى أنه يناجي ربّه عزّ وجلّ فمقامه السؤال والتملّق وحاله الطلب والتعلّق، وهذا للمعترفين والمريدين وهم من خصوص أصحاب اليمين، وينبغي للعبد أن يشهد في التلاوة أن مولاه يخاطبه بالكلام لأنه سبحانه متكلّم بكلام نفسه وليس للعبد في كلامه كلام إنما جعل له حركة اللسان بوصفه وتيسير الذكر بلسانه بحكم ربه عزّ وجلّ حداً للعبد ومكاناً له، كما كانت الشجرة وجهة لموسى عليه السلام وكلمة الله عزّ وجلّ منها، ويقال: إن كل حرف من كلام الله عزّ وجلّ في اللوح المحفوظ أعظم من جبل قاف وإن الملائكة لو اجتمعت على الحرف الواحد أن يتلوه ما أطاقوه حتى يأتي إسرافيل وهو ملك اللوح المحفوظ فيرفعه فيقله بإذن الله عزّ وجلّ ورحمته إذ كان الله تعالى أطاقه ذلك لما استعمله به، وقال جعفر بن محمد الصادق: والله لقد تجلّى الله عزّ وجلّ لخلقه في كلامه ولكن لا يبصرون، وقال أيضاً: وقد سألوه عن شيء لحقه في الصلاة حتى خرّ مغشياً عليه فلما سُرِيَ عنه قيل له في ذلك فقال: ما زلت أردد الآية على قلبي حتى سمعتها من المتكلم بها فلم يثبت جسمي لمعاينة قدرته تعالى، وكذلك الخصوص يرددون الآية بقلوبهم على قلوبهم ويتحقّقون بها في مشاهدتهم بمدد من شهيدهم وسيدهم حتى يستغرقهم الفهم فيغرقون في بحر العلم، فإن قصرت مشاهدة التالي عن هذا المقام فيشهد أنه يناجيه بكلامه ويتملقه بمناجاته، فإن الله عزّ وجلّ إنما خاطبه بلسانه وكلّمه بحركته وصوته ليفهم عنه بعلمه الذي جعل له ويعقل عنه بفهمه الذي قسم له حكمة منه ورحمة، إذ لو تكلم الجبار عزّ وجلّ بوصفه الذي يدركه سمعه لما ثبت للكلام عرش ولا ثري لتلاشي ما بينهما من عظمة سلطانه وسبحات أنواره فحجب ذلك في غيب علمه عن العقول وستر بصنع قدرته عن القلوب وأظهر للقلوب علوم عقولها وأشهد للعقول عرف معقولها بلطفه وحنانه ورحمته وإحسانه.

وبلغنا في الأخبار السالفة أن ولياً من أولياء الله عزّ وجلّ من الصديقين ابتعثه في الفترة إلى ملك من الجبابرة يدعو إلى التوحيد وإلى شريعة الأنبياء، فسأله الملك عن أشياء من معاني التوحيد فجعل الصديق يجيبه عنها بما يقرب من فهمه ويدركه عقله من ضروب الأمثال بما يستعمله الناس بينهم ويتعارفونه عندهم إلى أن قال له الملك: أفرأيت ما يأتي به الأنبياء إذا ادعيت أنه ليس بكلام الناس ولا رأيهم، أمن كلام الله هو؟ قال الحكيم: نعم قال الملك: فكيف يطيق الناس حمله؟ قال الصديق: إنّا رأينا الناس لما أرادوا أن يفهموا بعض الدواب والطير ما يريدون من تقديمها وتأخيرها وإقبالها وإدبارها لم يجدوا الدواب والطير تحمل كلامهم فوضعوا لها من النقر والصفير والزجر ما عرفوا أنها تطيق حمله، فكذلك الناس يعجزون أن يحملوا كلام الله ككنهه بكماله وصفته، فصاروا بما تراجعوا بينهم من الأصوات التي سمعوا بها الحكمة كصوت الزجر والنقر الذي سمعت به الدواب من الناس ولم يمنع ذلك معاني الحكمة المخبوءَة في تلك الأصوات من أن شرف الكلام بشرفها وعظم بتعظيمها فكان الصوت للحكمة جسداً ومسكناً والحكمة للصوت نفساً وروحاً، فكما أن أجساد البشر تكرّم وتعزّ لمكان الروح التي فيها وكذلك أصوات الكلام تشرّف وتكرّم للحكمة التي فيها، والكلام على المنزلة رفيع الدرجة قاهر السلطان نافذ الحكم في الحق والباطل وهو القاضي العادل والشاهد المرتضى يأمر وينهى ولا طاقة للباطل أن يقوم قدام كلام الحكمة كما لا يستطيع الظل أن يقوم قدام شعاع الشمس ولا طاقة للبشر أن ينفذوا غور الحكمة كما لا طاقة لهم أن ينفدوا بأبصارهم ضوء عين الشمس، ولكنهم ينالون من شعاع الشمس ما تحيا به أبصارهم ويستدلون به على حوائجهم، فالكلام كالملك المحجوب الغائب وجهه الشاهد أمره كالشمس الغزيرة الظاهرة مكنون عنصرها، وكالنجوم الزاهرة التي قد يهتدي بها من لا يقع على سرّها، فالكلام أعظم وأشرف من ذلك هو مفتاح الخزائن النفسية وباب المنازل العالية ومراقي الدرجات الشريفة وشراب الحياة الذي من شرب منه لم يمت، ودواء الأسقام التي من سقي منه لم يسقم إذا لبسه من لم يتسلّح به أبدى عورته وإذا تسلح به غير أهله لم يخرج إلاّ منهم نقلت هذا نقلاً من كلام الصديق الحكيم الذي خاطب به الملك فاستجاب له بإذن الله عزّ وجلّ فهذا وصف كلام الله عزّ وجلّ الذي جعله الله لنا آية وعبرة ونعمة علينا ورحمة، فانظر إلى الحكيم كيف جعل عقول البشر في فهم كلام الله العظيم بمنزلة فهم البهائم والطير بالنقر والصفير إلى عقول البشر وجعل النقر والصفير والإفهام من الناس للأنعام والهوام مثلاً لما أفهم الله تعالى به الأنام من معاني كلامه الجليل بما ألهم به من الكلام، إن ربي لطيف لما يشاء إنه هو العليم الحكيم، فهذه قدرة لطيفة من قدرته التي لا تتناهى وحكمة محكمة من حكمه التي لا تضاهى، إنه حكيم عليم، ثم ليشهد العبد أنه مقصود بجميع القرآن من فاتحته إلى خاتمه مراد معنى به له ضربت الأمثال به وفيه جميع ذكره وأوصافه لأن الله سبحانه وتعالى لما تكلم بهذا الكلام وخاطب به المؤمنين كان هو واجدهم وكان حاضراً معهم وقد سوى الله عزّ وجلّ بين المؤمنين في تنزيل القرآن عليهم وبين النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمعنى من المعاني فقال: (واذكروا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَما أَنْزل عَلَيْكُم مِنَ الكِتابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ) البقرة: 231 كما قال: (لَقَدْ أَنْزَلْنَا إليْكُمْ كِتَاباً فيهِ ذِكْرُكُمْ) الأنبياء: 10 وكذلك قال: (وَأَنْزَلْنَا إليْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلْنَّاسِ مَا نُزِّلَ إليْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) النحل: 44، وقال: (كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ لِلْنَّاسِ أمْثَالَهُمْ) محمد: 3 يعني صفاتهم وقال: ولقد أنزلنا إليكم آيات مبينات كما قال: (وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إليْكَ آياتٍ بَيِّنَاتٍ) البقرة: 99، وقال عزّ وجلّ: (وَاتَّبعْ مَا يُوحَى إليْكَ واصْبِرْ) يونس: 109 ثم قال: (اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إليْكُمْ مِنْ رَبِّكُم) الأعراف: 3 وقال: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ) هود: 112 غير أنه سبحانه عمّ الجملة بالبصائر والبيان وخصّ بالهدى والرحمة أولي التقي والإيمان، فمن ذلك قوله عزّ وجلّ: (هذا

بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) الجاثية: 20: (هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةً لِلمُتَّقِينَ) آل عمران: 138، فالموقنون هم المتّقون، والمهديّون هم المرحومون وقد أمرنا بطلب فهم القرآن كما أمرنا بتلاوته. َائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) الجاثية: 20: (هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةً لِلمُتَّقِينَ) آل عمران: 138، فالموقنون هم المتّقون، والمهديّون هم المرحومون وقد أمرنا بطلب فهم القرآن كما أمرنا بتلاوته.

وروينا عن نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: اقرؤوا القرآن والتمسوا غرائبه، وقال ابن مسعود: من أراد علم الأوّلين والآخرين فليثوّر القرآن، ومن حديث علي رضي الله عنه عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: والذي بعثني بالحق نبياً لتفترقنّ أمتي على أصل دينها وجماعتها على اثنين وسبعين فرقة كلها ضالّة مضلّة يدعون إلى النار، فإذا كان ذلك فعليكم بكتاب الله عزّ وجلّ فإن فيه نبأ ما كان قبلكم ونبأ ما يأتي بعدكم وحكم ما بينكم وبين من خالفه من الجبابرة قصمه الله ومن ابتغى العلم من غيره أضله الله، وهو حبل الله المتين ونوره المبين وشفاؤه النافع عصمة لمن تمسك به ونجاة لمن اتبعه لا يعوجّ فيقام ولا يزيغ فيستقيم ولا تنقضي عجائبه ولا يخلقه كثرة الرد، هو الذي سمعته الجن فلمّا قضى ولّوا إلى قومهم منذرين فقالوا: يا قومنا (إنا سمعنا قرآنا عجباً يهدي إلى الرشد) الجن: 1 من قال به صدق ومن عمل به أجر ومن تمسك به هدي إلى صراط مستقيم، وروينا معناه في حديث حذيفة لما أخبره رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالاختلاف والفرقة بعده قال: فقلت يا رسول الله فما تأمرني إن أدركت ذاك؟ فقال: تعلّم كتاب الله عزّ وجلّ واعمل بما فيه فهو المخرج من ذلك، قال: فأعدت عليه فقال: تعلّم كتاب الله عزّ وجلّ واعمل بما فيه فهو المخرج من ذلك، قال: فأعدت عليه فقال: تعلّم كتاب الله واعمل بما فيه ففيه النجاة ثلاثاً، وعن علي رضي الله عنه قال: ما أسرّ إليّ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيئاً كتمه الناس إلاّ أن يؤتي الله عبداً فهماً في كتابه، وعنه رضي الله عنه أنه قال: ومن فهم فسّر جمل العلم، وعن ابن عباس رضي الله عنهما وغيره في قوله عزّ وجلّ: (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَة فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثيراً) البقرة: 269، قال: الفهم في كتاب الله عزّ وجلّ وقال أحسن القائلين: (فَفَهَّمْناهَا سُليْمانَ وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً) الأنبياء: 79 فرفع الفهم مقاماً فوق الحكم والعلم وأضافه إليه للتخصيص وجعله مقاماً عاماً فيهما فإذا فهم العبد الكلام وعامل به المولى تحقق بما يقول وكان من أصحابه ولم يكن حاكياً لقائله مثل أن يتلو منه: (إني أَخافُ إنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظيمٍ) يونس: 15 ومثل أن يقول: (عليك توكلنا وإليك أَنَبْنَا) الممتحنة: 4، ومثل قوله: (ولنصبرنّ على ما آذيتمونا) إبراهيم: 12 فيكون هو الخائف لليوم العظيم ويكون هو المتوكّل المنيب وهو الصابر على الأذى متوكل على المولى ولا يكون مخبراً عن قائل قاله فلا يجد حلاوة ذلك ولا ميراثه فإذا كان هو كذلك وجد حلاوة التلاوة وتحقق جزء الولاية، وكذلك إذا تلا الآي المذموم أهلها الممقوت فاعلها مثل قوله تعالى: (وَهُمْ في غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ) الأنبياء: 1 وقوله: (فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إلاَّ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا) النجم: 29، ومثل قوله عزّ وجلّ: (وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) الحجرات: 11 فما أقبح من يعيب ذلك وهو من أهله وما أعظم أن يذم أهل ذلك وهو بوصفه فهذا من حجج القرآن عليه فلا يجد مع ذلك حلاوة المناجاة ولا يسمع خطاب المناجي لأن وصفه المذموم قد حجبه وهواه المردي عن حقيقة الفهم قد حرمه، ولأن قسوة قلبه عن الفهم صرفه وكذبه في حاله عن البيان وأخرسه، فإذا كان هو المتيقظ المقبل فهو التائب الصادق سمع فصل الخطاب ونظر إلى الداعي وله استجاب، وقد اشترط الله عزّ وجلّ للإنابة التبصرة وحضور القلب للتذكرة فقال عزّ وجلّ: (تَبْصِرَةً وَذِكْرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنيبٍ) ق: 8 وقال وما يذكر إلا من ينيب وقال عزّ وجلّ: (إنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُوا الأَلْبَابِ) الزمر: 9 الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق، فالاستقامة على التوبة من الوفاء بالعهد وتعدّي الحدود من نقض الميثاق وقلة الصدق والإنابة هي التوبة والإقبال على الله عزّ وجلّ، والألباب هي العقول الزاكية والقلوب الطاهرة وينبغي للتالي الخائف الناصح لنفسه وللخلق السليم القلب إذا تلا آي الوعد والمدح ومحاسن الوصف ومقامات المقربين أن لا يشهد نفسه هناك ولا يراها مكاناً لذلك بل يشهد للمؤمنين فيها وينظر إلى الصديقين منها سلامةً ونصحاً، فإذا تلا الآي الممقوت أهلها المتهدّد عليها

المذموم وصفها من مقامات الغافلين وأحوال الخاطئين شهد نفسه هناك وأنه هو المخاطب المقصود بذلك خوفاً منه وشفقاً، فبهذه المشاهدة يرجو للخلق ويخاف على نفسه ومن هذه الملاحظة يسلم قلبه للعباد ويمقت نفسه. موم وصفها من مقامات الغافلين وأحوال الخاطئين شهد نفسه هناك وأنه هو المخاطب المقصود بذلك خوفاً منه وشفقاً، فبهذه المشاهدة يرجو للخلق ويخاف على نفسه ومن هذه الملاحظة يسلم قلبه للعباد ويمقت نفسه.

وروينا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يقول اللهم إني أستغفرك لظلمي وكفري قال: فقلت يا أمير المؤمنين هذا الظلم فما بال الكفر؟ فتلا قوله: (إنَّ الإنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) إبراهيم: 34 فإن قلب هذان المعنيان على عبد حتى يشهد نفسه في المدح والوصف ويشهد غيره في الذم والمقت انقلب قلبه عن وجهة الصادقين وتنكب بقصده عن صراط الخائفين فهلك وأهلك لأن من شهد البعد في القرب لطف به بالخوف، ومن شهد القرب في البعد مكر به في الأمن، وقال بعض العلماء: كنت أقرأ القرآن فلا أجد له حلاوة حتى تلوته كأني أسمعه من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتلوه على أصحابه ثم رفعت إلى مقام فوقه فكنت أتلوه كأني أسمعه من جبريل عليه السلام يلقيه على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم جاء الله بمنزلة أخرى فأنا الآن أسمعه من المتكلم عزّ من قائل فعندها وجدت له نعيماً ولذة لا أصبر عنها، وقال عثمان رضي الله عنه: أو حذيفة لو طهرت القلوب لم تشبع من تلاوة القرآن، وقال ثابت البناني: كابدت القرآن عشرين سنة وتنعمت به عشرين سنة، وقال بعض علمائنا: لكل آية ستون ألف فهم وما بقي من فهمها أكثر، وعن علي رضي الله عنه: لو شئت لأوقرت سبعين بعيراً من تفسير فاتحة الكتاب، وعن أبي سليمان الداراني: إني لأتلو الآية فأقيم فيها أربع ليال وذكر خمس ليال ولولا أني أقطع الفكر فيها لما جاوزتها إلى غيرها.

وروينا عن بعض السلف أنه بقي في سورة هود ستة أشهر يكررها ولا يفرغ منها، وحدثنا عن بعض العارفين قال: لي في كل جمعة ختمة؛ وفي كل شهرختمة؛ وفي كل سنة ختمة؛ ولي ختمة منذ ثلاثين سنة ما فرغت منها بعد، يعني ختمة التفهم والمشاهدة، وكان هذا يقول أقمت نفسي في العبودية مقام الأجراء فأنا أعمل مياومة ومجامعة ومشاهرة ومسانهة وإنما حجب الخلق عن فهم كنه الكلام ومعرفة سرّ المراد لأنه حجبهم عن حقيقة كنه معرفته وإنما أعطاهم من معرفة الكلام بقدر ما أعطاهم من معرفة المتكلم إذ بمعاني كلامه تعرف معاني صفاته وأفعاله وأحكامه ولأن معاني كلامه من معاني أوصافه وأخلاقه، فلذلك جاء فيه السهل اللطيف والشديد العسوف والمرجو والمخوف، لأن من أوصافه الرحمة واللطف والانتقام والبطش، فلما لم يصلح أن يعرفوه كعلمه بنفسه لم يصلح أن يعلم كنه كلامه إلا هو، ويعرف كنه صفاته إلا هو، فأعلم الخلق لمعاني كلامه أعرفهم لمعاني الصفات وأعرف العباد بمعاني الأوصاف والأخلاق وغوامض الأحكام أعرفهم بسرائر الخطاب ووجه الحروف ومعاني باطن الكلام، وأحقهم بذلك أخشاهم له أقربهم منه، وأقربهم منه من خصّه بأثرته وشمله بعنايته، فقد جاء في الخبر: أحسن الناس صوتاً بالقرآن من إذا قرأ رأيت أنه يخشى الله، ولا يخشاه حتى يعرفه، ولا يعرفه حتى يعامله ولا يعامله حتى يقربه، ولا يقربه حتى يعني به، وينظر إليه، فعندها يعرف سرّ الخطاب ويطلع على باطن الكتاب، فإذا سجد العبد سجود القرآن فليدع في سجدته بمعاني الآية من الخير وليستعذ من معاني شرّها فإن ذلك فعل العلماء بالقرآن والله يحب ذلك، ولتلك المعاني أسجدهم له مثل أن يقرأ قوله عزّ وجلّ: (خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهمْ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ) السجدة: 15، فيقول اللهم اجعلني من الساجدين لوجهك المسبحين بحمدك وأعوذ بك أن أكون من المستكبرين عن أمرك أو على أوليائك، ومثل هذا قوله عزّ وجلّ: (وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزيدُهُمْ خُشُوعاً) الإسراء: 109، فليقل: اللهم اجعلني من الباكين إليك الخاشعين لك وعلى هذه المعاني ونحوها وليكن القرآن هو علمه وعمله وذكره ودعاؤه وهمّه وشغله فعنه يسأل وعليه يثاب ومقامه منه وذكره فيه وأحواله فيه مجموع له ذلك كله فيه، فبكلامه عرفه العارفون وبمخاطبته شهد أوصافه الموقنون فعلومهم من كلامه ومواجيدهم عن علومهم ومشاهدتهم عن معاني أوصافه وكلامهم عن مشاهدتهم لأن ضروب الكلام عن الله هي معاني الصفات: فمنه كلام راضٍ ومنه كلام غضبان ومنه كلام منعم وكلام منتقم وكلام جبّار متكبّر وحنّان متعطّف، فإذا كان العبد من أهل العلم بالله والفهم عنه والسمع من الله عزّ وجلّ والمشاهدة له شهد ما غاب عن غيره وأبصر ما عمي عنه سواه، وقد قال سبحانه وتعالى: (فَلاَ أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ) (وَمَا لاَ تُبْصِرُونَ) الحاقة: 38 - 39 وقال عزّ وجلّ: (فَاعْتَبِرُوا يَا أُولي الأَبْصَارِ) الحشر: 2 معناه في الفهم أعبروا إليّ فقد أبصرتم فالتاء قد تكون بمعنى تاء التفعل تدخل للتحقيق والوصول بالوصف والمبالغة في الفعل فلما أعطاهم الأيدي والأبصار عبروا بقواهم إلى ما أبصروا ففروا إلى الله عزّ وجلّ من الخلق حين ذكروه بما خلق فخرجوا على معيار حسن الابتلاء ولم ينقصهم البلاء شيئاً فكانوا كما أخبروا كالذي أمر في قوله عزّ وجلّ: (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) الذاريات: 49، ففروا إلى الله ثم قال: (وَلاَ تَجْعَلُوا مَعَ الله إِلهاً آخَرَ) الذاريات: 51 فكانوا هم الموحدون المخلصون له وكان هو المنفرد المستخلص لهم ثم جاوزوا التذكرة بالأشياء إليه فذكروه عنده به، فحينئذ هربوا إليه منه حين هللوه به فلم يتألهوا إلى ما سواه كما لم يعبدوا إلا إياه وكذلك رأيتها في مصحف عبد الله ففروا إلى الله منه إني لكم منه نذير مبين، وفي الخبر عن ابن مسعود وبعض الرواة يرفعه وقد روينا مسنداً من طريق وهو خصوص العارفين من المحبين والخالصين اطلعوا على السرّ وأوقفوا على الخبر فكانوا مقربين شاهدين أن للقرآن ظهراً وبطناً وحداً ومطلعاً فنقول فظهره لأهل العربية وباطنه لأهل اليقين وحده لأهل الظاهر ومطلعة لأهل الأشراف وهم العارفون المحبون والخائفون اطلعوا على لطف

المطلع بعد أن خافوا هول المطلع فأودعوا السرّ عند مقام أمين وأوقفوا على الخبر في حال مكين فكانوا لديه مقربين إذ كانوا به شاهدين، وقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يرى الشاهد ما لا يرى الغائب فمن حضر شهد ومن شهد وجد ومن وجد وحد ومن وحد عزز ومن غاب عمي ومن عمي فقد ومن فقد نسي ومن نسي فقد نسي وقد قال الله عزّ وجلّ: (كَذلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسيتَهَا وَكَذلِك الْيَوْمَ تُنْسى) طه: 126 أي تركتها فلم تعبأ بها ولم تنظر إليها وهكذا اليوم تترك فلا ينظر إليك برحمة ولا تكلم بلطف ولا تزلف بقرب.


4hFnTkfUWdo

 

 

البحث في نص الكتاب


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



Veuillez noter que certains contenus sont traduits de manière semi-automatique !