The Greatest Master Muhyiddin Ibn al-Arabi
The Greatest Master Muhyiddin Ibn al-Arabi

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد

أبو طالب المكي (المتوفى: 386هـ)

الفصل الثامن والعشرون كتاب مراقبة المقربين ومقامات الموقنين ذكر المقام الأول من المراقبة

 

 


الفصل الثامن والعشرون كتاب مراقبة المقربين ومقامات الموقنين ذكر المقام الأول من المراقبة

العبد إذا قوي يقينه علم علم يقين أن أوقاته هذه التي وكل تربيته إليها وجعل سبب نمائه وحياته منها وهي مكررة عليه في البرزخ ومردودة إليه يوم القيامة ومعادة عليه في الجنة إن دخلها ليس يجازى هناك إلا بمقدار ما أعطي من المعاملة ههنا، ولا يعطي ثم إلا بقدر ما وفق ههنا، لا يُسأل إلا عن أوقاته، ولا يحاسب إلا بساعاته، ولا يجازى إلا عليها ولا ترد عليه أوقات غيره، كما لا يعاد هو في صورة غيره ولا يعطى جزاء سواه كما لم يعامل ههنا معاملة سواه ولكن الله يُبْدئ ويعيد، فيمن ذلك قوله تعالى: (كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ) الأعراف: 92 وقال تعالى: (أفَنَجْعَلُ المُسْلِمِينَ كَالمُجرِمِينَ) القلم35 (كِتَابٌ أنْزَلْنَاهُ إلَيْكَ مُبَاْرَكٌ لِيَدَّبروا آيَاتِهِ) ص: 29 من تدبره: (أمْ نَجْعَلُ الَّذينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالمُفْسِدِينَ فِي الأَرْضِ أمْ نَجْعَلُ المُتَّقِيْنَ كَالفُجَّارِ) ص: 28 أي تدبروا آياته هل ترون جزاء هؤلاء لوصف هؤلاء أم هل تجدون وصف هؤلاء له جزاء أو لا ومثله قوله تعالى: (لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلاَ أَمَاِنيِّ أهْلِ الْكِتَابِ) النساء: 123 فنفى أمانيهم بليس وأنبت حكمه بلكن وهي مضمرة في الكلام المعني لكن من يعمل سوءاً يجزيه، وفسره رسول اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال المؤمن يجزى بسيئته في الدنيا من المصائب والجوع والعري، والمنافق تبقى ذنوبه عليه حتى يوفي يوم القيامة كأنه حمار يجازى بها في الآخرة، وكان الحسن يقول: عباد اللَّه، اتقوا هذه الأماني، فإنها أودية النوكى يحلون فيها، واللَّه ما أتى عبد اللَّه بأمنيته خيراً من دنياه ولا آخرته، وقال بعض العلماء: كلما قل العقل كثرت الأماني، وكتب بعض السلف إلى بعض إخوانه من أبناء الد نيا يعظه: أخبرني عن هذا الذي تكدح فيه وتحرص عليه من أمر الدنيا هل بلغت فيه ما تريد وأدركت ما تتمنى؟ فقال: لا واللَّه، فقال: أرأيتك هذا الذي أنت حريص عليه لم تنل منه ما تريد فكيف تنال من الآخرة وقد أعرضت عنها وصرفت عنها فما أراك تضرب إلا في حديد بارد، وقال بعض العلماء: من ظن أنه يدخل الجنة بغير عمل فهو متمن ومن قال أدخلها بعمل فهو متعن، وقال بعضهم: الأماني تنقص العقل، وفي الخبر: ليس الإيمان بالتحلَّي ولا بالتمني ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل ومن هذا قول اللَّه عزّ وجلّ: (هَلْ جَزآءُ الإحْسَانِ إلاَّ الإحْسَانُ) الرحمن: 60 وقال في ضده: (مَنْ عَمِلَ سَيِّئَة فَلاَ يُجْزَى إلاَّ مِثْلَهَا) غافر: 40 وقال في معناه: (أمْ حَسِبْتُمْ أنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ) التوبة: 16 وكذلك قوله تعالى: (أمْ حَسِبْتُمْ أنْ تَدْخُلُوا الجَنَّةَ وَلَمَّا يَأتِكُمْ مَثَلُ الَّذينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلكُمْ) البقرة: 214 وقال في مثله: (أمْ حَسِتَ الَْذينَ اجتْرَحُوا السَّيِّئاتِ أنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّاِلحَاتِ) الجاثية: 21 ثم قال: (سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ) العنكبوت: 4 فأبطل حسبانهم وأدحض حكمهم ثم أحكم ماعنده بقوله: (سَوَاء مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ) الجاثية: 21 أي هم كما كانوا في المحيا محسنين يعملون الصالحات كانت لهم الحسنى في الممات وكما كانوا في المحيا مفسدين يعملون السيئات كانت لهم السوأى والمكروهات، وقيل: كانت هذه الآية مبكاة للعابدين لأنها محكمة غير متشابهة، وكذلك جميع ما ذكرناه من نظائرها هو من المحكم الذي هو أم الكتاب غير منسوخ ولا متشابه، وهذه الآي من عزائم القرآن وهو من أحسن ما أنزل علينا من ربنا الذي أمر اللَّه سبحانه وتعالى باتباعه ووصف أهل الهدى وأولي الألباب باستماعه في قوله تعالى: (الَّذينَ يَسْتَمِعونَ القَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أحْسَنَةُ) الزمر: 18 قيل عزائمه ووعيده، وقد قيل في قوله تعالى: (وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسبُونَ) الزمر: 47 قبل الرجاء الخائب بالإغترار والظن الكاذب، وقيل: عملوا أعمالاً ظنوا أنها حسنات فوجدوها عند المحاسبة سيئات، والصحيح ما صح بعد الحساب والحق ماثقل عند الميزان كما قال تعالى: (وَالوَزْنُ يَوْمَئِذِ الحَقَّ) الأعراف: 8 قيل: العلم والعمل، كما قال تعالى: (وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ)

الأعراف: 52 ثم قال: (فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمَ بِعِلْمٍ) الأعراف: 7 ثم قال تعالى: (وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئاتُ مَا كَسَبُوا وَحَاقَ بِهمْ مَا كَانُوا بهِ يَسْتَهْزِءُونَ) الزمر: 48 قيل: كانوا يقدمون الذنب ويؤخرون التوبة ويسوفون بالمغفرة، وكانت هذه الآية محزنة للخائفين ومخافة للعارفين وقد أخبر اللَّه سبحانه وتعالى أنه أعد النار للكافرين ثم أمر المؤمنين باتقائها ثم وصف الكافرين فيها وخوف عباده بها فقال تعالى: (وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتي أُعِدَّتْ لِلْكَاِفرين) آل عمران: 131 وقال سبحانه: (لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النِّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذِلكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ) الزمر: 16 ويقال: إن العبد يستحق النار بأول معصية عصى مولاه بها بعد المعرفة ثم هو بعد ذلك في المشيئة وإن في كل عبد خصلة كريهة يخاف عليه منها وكان عبد الواحد ابن زيد يقول: ما صح خوف خائف قط ظن أنه لا يدخل النار وما صدق خوف من ظن أنه يدخل النار فظن أنه يخرج منها أي أن حقيقة الخوف خشية دخول النار ثم الخلود فيها، وقد روينا مثل ذلك عن الحسن وقد ذكر له الرجل الذي يخرج من النار بعد ألف عام فبكى ثم قال: ياليتني مثل ذلك الرجل، وروي عن رسول اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من قال إني في الجنة فهو في النار ومن قال: إني عالم فهو جاهل، وروي عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من أراد أن يعلم كيف منزلته من اللَّه تعالى فلينظر كيف منزلة اللَّه في قلبه، فإن اللَّه ينزل العبد منه بحسب ما أنزله من نفسه.

ذكر المقام الثاني من المراقبة

ثم يعلم العبد يقيناً أن لكل عمل صالح نعيماً في الجنة وروحاً في البرزخ ولك عمل حسن ومعرفة خالصة مقاماً في الجنة، وقد قسم جزء هناك لعطاء معاملة ههنا وأن لكل عمل سيء وجهل قبيح عذاباً في الآخرة وكرباً في البرزخ ومقاماً من النار قد قسم جزء هناك لعمل ههنا ثم قد أخفى اللَّه ذلك الجزء من الخير والشر وأظهر أعمالهما للحمكين وأبان لهما طريقين يجريان إلى دارين بن حكمة منه ثم قدم المعاملات من المعنيين وأخر المثوبات من النوعين إحكاماً منه للأفعال واستسعاء للعبد بالأعمال ابتلاء منه لتجزي كل نفس بما تسعى منة منه ورحمة وقدرة منه ومحبة لا يسئل عما يفعل لأنه ملك قهار عزيز جبار وهم يسئلون لأنهم عبيد مقهرون وذلل مجبورون ولا تضرب لهم الأمثال لأنه قد جاوز الإحتجاج والاعتدال ولا يسوى بالعبيد لأنه قد فات التقدير والتحديد فله الحجة والقدرة النافذة في كل شيء ليس كمثله شيء في جميع ذلك كله، وقد أحكم اللَّه تعالى ما ذكرناه في توحيد نفسه بالمشيئة والأفعال ونهيه عن الشرك به وضرب الأمثال وعجب ممن يسوي بينه وبين خلقه في الأحكام وجعل ذلك جحود النعمة وشركاً في ملكه وأخبر به عن المشركين وإضلالهم أتباعهم بعد ضلالهم المبين وإضلالهم بتسويتهم بينه وبين عباده في الأحكام في قوله تعالى: (قَالُوا وَهُمْ فيهَا يَخْتَصمُون) (تَاللَّه إنْ كُنَّا لَفي ضَلالٍ مُبين) (إذْ نُسَوّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمين) (وَمَا أَضَلَّنَا إلاَّ الْمُجْرِمُونَ) الشعراء: 96، 97، 98، 99، قيل: أنزلت في القدرية لأنهم أضافوا الحول والقوَّة في الشر إلى الخلق فسوّوا بينهم وبين الخالق، وقد قال اللَّه تعالى: (وَاللَّه خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلْونَ) الصافات: 96 فأضاف الأعمال إلى أنه خلقها كخلقه إياهم فهم المجرمون الذين أنزلت فيهم هذه الآية التي ذكر فيها القدرية فوصفوا بإنكارهم في قوله تعالى: (إنَّ الْمُجْرِمينَ في ضَلالٍ وَسُعُرٍ) (يَوّْمَ يُسْحَبُونَ في النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ) (إنّا كُلَّ شَيء خَلَقْنَاهُ بِقدَرٍ) القمر: 47، 48، 49 هم المجرمون الذين أضلوا أتباعهم وهم الغاوون الذين كبكبوا في النار مع أشياعهم وقد أحكم الله تعالى تفضيل ما ذكرناه آنفاً في خمس آيات محكمات تنظم جمل معاني ما ذكرناه تركنا شرح ذلك وبسطه خشية الإطالة لأنا لم نقصد الإحتجاج في الاستدلال من ذلك قوله تعالى: (وَاللَّه فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضِ في الرّزْقِ) النحل: 71 يعني: فضل الموالي على العبيد فماالذين فضلوا يعني الموالي برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهم فهم فيه سواء أفبنعمة اللَّه يجحدون، والآية الثانية قوله تعالى: (ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلكَتْ أَيْمَانُكُم مِنْ شُرَكَاء في مَا رَزَقْنَاكُم فَأَنْتُمْ فيهِ سَوَآءٌ) الروم: 28 أي: فكذلك أنا لا شريك لي من عبيدي فلا تجعلوا لي ما لم أجعل أحد لا خلقي ولا عبيدي عليكم إذ لم أسوِّ بينكم وبين عبيدكم فلا تشركوا عبيدي في حكمي، والثالثة قوله تعالى: (ضَرَبَ اللَّه مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لاَ يَقْدِرُ عَلى شَيء) النحل: 75 يعني: الإنفاق، ومن رزقناه منا رزقاً حسناً فهو ينفق منه فجعلهما على وصفين أحدهما بخيل لم يقدره على الإنفاق ثم ذم بالبخل والعجز وهو الذي أعجزه ومنعه وجعل الآخر جواداً إذا قدره وأعطاه الإنفاق ثم مدحه بالجود، وقال في الآية الرابعة: (وَضَرَبَ اللَّه مَثَلاً رَجُلَينْ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ عَلى شيءٍ) النحل: 76 هو الحكمة والعلم ثم قال: (هَلْ يَسْتَوي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالعَدْل) النحل: 76 فجعل له عبدين: أحدهما سفيه جاهل أبكم عن الحكمة ولم يقدره على علم ولم يعطه استقامة ثم ذمه بوصفه ومقته لمنعه وجعل الآخر آمراً بالعدل عن أمره مستقيماً على صراطه المستقيم الذي هو عليه وهو أقامه كما قال: (هذا صراط علي مستقيم) فهل يسلك أحد طريقه إلا به وهل يجوز عبد على سبيله إلا بحوله ثم مدحه بإعطائه إياه ووصفه بوصفه ثم علم سبحانه أن للعقل في هذا تشبيهاً وتمثيلاً بخلقه وتجويزاً وتظليماً من خالقه على قياس العقول، إن من فعل بعبدين له مثل هذا ثم مدح أحدهما وهو أعطاه وأقدره وذم الآخر وهو الذي منعه وأعجزه أنه قد ظلمه فحسم ذلك عزّوجلّ بنهيه

وأحكم النهي عن التمثيل به في الآية الخامسة الفاصلة القاضية التي نهانا فيها أن نضرب له بنا الأمثال مثل ما أجرى علينا من الأفعال، فقال سبحانه وتعالى: (فَلاَ تَضْرِبُوا للَّه الأَمْثَالَ إنَّ اللَّه يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا َ تَعْلَمُونَ) النحل: 74 فوكد ذلك بتحقيق علمه وغاية جهلنا ثم أيد هذا بقوله سبحانه: (لا يسأل عما يفعل وهم يسألون) فسلم الراسخون في العلم الأحكام كلها للحاكم فسلموا من عذابه وآمن المؤمنون بجميع الأقدار أنها عدل وحكمة من حاكم عادل حكيم فأمنوا من عقابه لأنهم آمنوا بالمتشابه وأعطاهم بفضله من فضله جزيل ثوابه فهلك الزائغون بالأقاويل تتبعاً للشبهات وابتغاء للتأويل فوقعوا في الضلال وهلكوا غداً في المآل. كم النهي عن التمثيل به في الآية الخامسة الفاصلة القاضية التي نهانا فيها أن نضرب له بنا الأمثال مثل ما أجرى علينا من الأفعال، فقال سبحانه وتعالى: (فَلاَ تَضْرِبُوا للَّه الأَمْثَالَ إنَّ اللَّه يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا َ تَعْلَمُونَ) النحل: 74 فوكد ذلك بتحقيق علمه وغاية جهلنا ثم أيد هذا بقوله سبحانه: (لا يسأل عما يفعل وهم يسألون) فسلم الراسخون في العلم الأحكام كلها للحاكم فسلموا من عذابه وآمن المؤمنون بجميع الأقدار أنها عدل وحكمة من حاكم عادل حكيم فأمنوا من عقابه لأنهم آمنوا بالمتشابه وأعطاهم بفضله من فضله جزيل ثوابه فهلك الزائغون بالأقاويل تتبعاً للشبهات وابتغاء للتأويل فوقعوا في الضلال وهلكوا غداً في المآل.

وقد روى الضحاك عن ابن عباس تصديق ما ذكرناه قبيل قوله عزّوجلّ: (لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنُهمْ جُزْءٌ مَقْسُوْمٌ) الحجر: 44 قال ابن عباس: طبق أسفل من طبق سبع دركات على قدر أعمالهم كذلك يقتسمون الدركات بقدرما اجترموا كما اقتسم أهل الجنة الدرجات بالفضائل لكل باب منهم جزء مقسوم يعني نصيباً معلوماً مفروضاً لكل طبقة سكان، وقال بعض العلماء: تاللَّه ما في الجنة قصر ولا نهر ولا نعيم إلا عليه اسم صاحبه مكتوب واسم ذلك العمل الذي هو جزاؤه مكتوب وكذلك جهنم ما فيها غل ولا قيد ولاشعب ولاعذاب إلا وعليه وصف ذلك العمل الذي هو جزاؤه واسم صاحبه مكتوب، وقال: قد أدخلهم الجنة قبل أن يطيعوه وأدخلهم النار قبل أن يعصوه، وقال بعض العارفين أيضاً: الخالق أهون من أن يعصوه عزّوجلّ بما لم يردوا للَّه أعز من أن يرضيه إلا من أحب لكنه غضب على قوم في العدم فلما أظهرهم استملهم بأعمال أهل الغضب ليحلهم دار الغضب ورضي عن قوم في القدم فلما أظهرهم استعملهم بأعمال أهل الرضا ليحلّهم دار الرضا، وقال بعض أهل المعرفة: أظهر الخلق في العدم وأوجدهم سبعاً إياهم اقتداراً ثم أظهر لهم أعمالهم وخيرهم الأعمال منه اختياراً فاختار كل عبد منهم عملاً بعينه ثم طوى الأعمال فيهم وطواهم في الغيب فلما أظهرهم الآن في الوجود حجبهم بالعقول وأجرى كل عبد منهم اختياره لنفسه فبذلك وقعت الحجة عليهم إذا كشف لهم غداً ما حجبه عنهم اليوم وحدثت عن بعض هذه الطائفة قال: كان قد بقي في نفسي شيء من القدر وكنت أستكشفه من العلماء فلا ينكشف حتى قيض اللَّه تعالى لي بعض الأبدال فاستكشفته إياه فقال: ويحك ما تصنع بالاحتجاج نحن يكشف لنا عن سر الملكوت فننظر إلى الطاعات تنزل صوراً من السماء حتى تقع على جوارح قوم فتتحرك الجوارح بها وننظر إلى المعاصي صوراً مصورة تنزل من السماء فتقع على جوارح قوم فتتحرك بها، قال: فكشف عن قلبي القدر وأوقع لي العلم بمشاهدة القدرة وكنت أنا مرة خاطبت بعض إخواننا في شيء من الاستطاعة مع الفعل لا أنه قبله ولا بعده فتكلمت في ذلك بمذهب المثبتة من أهل الكلام قبل أن يكشف لي بمشاهدة علم اليقين فرأيت في النوم كأنّ قائلاً يقول: القدر من القدرة، والقدرة صفة القادر، فيقع القدر على الحركة ولا يتبين فتظهر الأفعال من الجوارح، أوَ قال فتتحرك الجوارح بالأفعال ولا تتبين فكيف يتكلم في شيء لا يتبين فجعلت على نفسي أني لا أناظر أحداً منهم بعد ذلك في شيء من هذا الباب، وقد حدثونا عن بعض العابدين قال: صليت من السحر ركعتين ثم غفوت بعدهما فرأيت قصراً عالياً ذا شرف بيض كأنها الكواكب فاستحسنته فقلت لمن هذا القصر؟ قيل لي: هذا ثواب هاتين الركعتين ففرحت فجعلت أطوف حوله فرأيت شرافة من ركنه قد وقعت فشانه ذلك فاغتممت وقلت: لو كانت هذه الشرافة في أعلاه في هذا الموضع لتم حسن هذا القصر فإن ثلمها قد شانه فقال لي غلام هناك: قد كانت هذه الشرافة في مكانها من القصر إلا أنك التفتّ في صلاتك فسقطت، وحدثونا عن بعض الزهاد أنه كوشف مقامه من الجنة فرأى الحور العين وقلن نحن أزواجك، فلما خرجت تعلقت بي الحور وقلن: ننشدك اللَّه إلا ماحسنت أعمالك فإنك كلما حسنتها ازددنا لك حسناً وازددت بنا نعيماً، وحدثونا عن رابعة العدوية رحمها الله تعالى قالت: سبحت ذات ليلة تسبيحات من السحر ثم نمت فرأيت شجرة خضرة نضرة لا توصف عظماً وحسناً وإذا عليها ثلاثة أنواع من الثمر لا أعرفه من ثمار الدنيا كثدي الأبكار ثمرة بيضاء وثمرة حمراء وثمرة صفراء، فهن يلمعن كالأقمار والشموس في خلال خضرة الشجرقالت: فاستحسنتها فقلت: لمن هذه؟ فقال لي قائل: هذه لك بتسبيحاتك آنفاً، قالت: فجعلت أطوف حولها فإذا تحتها ثمرة منتشرة على الأرض في لون الذهب فقلت: لو كانت هذه الثمرة مع هذه الثمار على هذه الشجرة لكان أحسن فقال لي الشخص: كانت هناك إلا أنك حين سبحت تفكرت هل اختمر العجين أم لا فانتثرت هذه الثمرة فهذه عبرة لأولي الأبصار ومواعظ لأهل التقوى والأذكار.

ذكر المقام الثالث من المراقبة

روي أن كعب الأحبار قال لعمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه: لو لقيت اللَّه تعالى بعمل سبعين نبياً لخشيت أنك لا تنجو من هول ذلك اليوم، وقال بعض السلف: لو أن العبد كان يجر على وجهه من أول الدنيا إلى قيام الساعة في طاعة اللَّه وعبادته لاحتقره يوم القيامة لما يرى من الزلازل والأهوال، وفي الحديث: معالجة ملك الموت أشد من ألف ضربة بالسيف وإن ألم شعرة من الموت لو وضع على جميع الخلائق لماتوا وإن بين الخلائق وبين الموت وبين دخول الجنة مائة ألف هول كل هول منها يزيد على ألم الموت مائة ألف ضعف لا ينجو العبد من كل هول منها إلا برحمة فيحتاج العبد إلى مائة ألف رحمة تنجيه من تلك الأهوال يكون ذلك العدد من الرحمة مقسوماً على مائة ألف حسنة أعطيها من حسناته في الدنيا التي أحسن بها إليه يكون مكاناً لظهور الرحمة وطريقاً لعطائها غداً حكمة من الحكيم وقسماً مدبراً من الرحيم لأن الصالحات طرق الجزاء والحسنات كلها عن الرحمة الواحدة التي سبقت له بها النجاة ثم سقطت في طرقات الأعمال أماكن الثواب فيعطى ذلك ههنا اليوم وهوالعطاء الأول يحسن توفيقه ولطف عنايته ويعطى الجزاء هناك غداً بفضل رحمته وتمام نعمته ذلك تقدير العزيز العليم كما قال تعالى: (هَلْ جَزَاءُالإحْسِانِ إلاَّ الإحْسَانُ) الرحمن: 60 قيل في الخبر: ما جزاء من أنعمنا عليه بالتوحيد إلا الجنة، وقال بعض العلماء: وليس لقول لا إله إلا اللَّه جزاء إلا النظر لوجه اللَّه تعالى والجنة جزاء الأعمال ألم ترَ أنه لو حرم التوحيد اليوم لحرم الجنة ولو منع الإسلام اليوم لم يغفر اللَّّّه له أبداً كما قال عزّ وجل: (إنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ باللَّه فَقَدّْ حَرَّمَ اللَّه عَلَيْهِ الجَنَّة) المائدة: 72 وقال: (إنَّ الَّذينَ كَفَرُوا وَصَدّوا عَنْ سَبيِل اللَّه ثَمْ مَاْتُوا وهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يغفرَ اللُّه لَهُم) محمد: 34 فهذا مما لاحيلة فيه ولا سبيل إليه، وقد قال: (هُوَ أهْلُ التَقْوَى وَأهْلُ المَغْفِرَةِ) المدثر: 56 قيل: هو أهل أن يعطى التقوى ومن أعطاه التقوى فهو أهل أن يعطيه المغفرة كقوله تعالى: (وَأَلزَمَهُمْ كِلَمَةَ التَّقْوى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا) الفتح: 26 وقال: (وَاتَّقُوا اللَّه لَعَلَّكُمّْ تُرْحَمُونَ) الحجرات: 10 وقال: (إنَّ رَحّْمَةَ اللَّه قَريبٌ مِنَ المُحْسِنينَ) الأعراف: 56 وقال سبحانه تماماً على الذي أحسن وقال تعالى: (وَسَنَزيدُ الْمُحْسنينَ) البقرة: 58، إلى قوله ماعلى المحسنين من سبيل، وقال تعالى: (وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فيهَا حُسْناً) الشورى: 23، فمن كانت أعماله الحسنات فهو من المحسنين ومن كانت أعماله سيئة فهو من المسيئين فاشتقاق الحسنة من الحسن وجزاؤها الحسنى وهي الجنة واشتقاق السيئة من السوء وجزاؤها السوأى وهي النار وقدسبق خلقهما قبل خلق الخلائق وفرغ من نصيب العباد من الجنة والنار وسئل رسول اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الإحسان فقال: أن تعبد اللَّّه كأنك تراه، فهذا أول المراقبة لأنها عن غير المشاهدة ترى الرقيب ثم تراقب، وقد خص اللَّه تعالى بالطيبّات من الأعمال الطيَّبين من العمال وابتلى بالخبيثات من الأعمال الخبيثين من العمال وفرغ من ذلك بعلمه وقدره بحكمه وأخفاه بلطفه فقال تعالى: (الْخَبيثَاتُ للْخَبيثينَ) النور: 26 قيل الخبيثات من الأفعال والأقوال للخبثين من الرجال، وقال: (الطَىِّبَاتُ للِطَّيِبينَ) النور: 26 وقيل: الطيِّبات من الأعمال والمقال للطيِّبين من الرجال، ثم أخبر بحسن خاتمة أوليائه وسوء خاتمة أعدائه فقال تعالى: (الَّذينَ تَتَوَفّاهُمُ الْملائِكَةُ طَيبّينَ يَقُولُونَ سَلاَمٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) النحل: 32، قيل: طابت حياتهم فطابت وفاتهم وطابت أعمالهم فطاب الموت لهم، وقال في وصف الظالمين: (الَّذينَ تَتوَفَّاهُمُ المَلائِكَةُ ظَالمِي أنْفُسِهِمْ) النحل: 28 قالوا: فيم كنتم؟ قالوا: كنا مستضعفين في الأرض قالوا: ألم تكن أرض اللَّه واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيراً أظلمت حياتهم وأعمالهم فأظلمت قبوررهم ومثواهم فمن شهد ما ذكرناه يقيناً دامت مراقبته وحسنت معاملته فاتصلت أوراده وكثر من الخير ازدياده ونفدت مشاهدته لصفاء يقينه ودوام مزيده فكان

ممن ندب اللَّه عزّ وجلّ في قوله تعالى: (لِمثِْلِ هذَا فَلْيَعمَلِ الْعَامِلُونَ) الصافات: 61 وفي ذلك فليتنافس المتنافسون وكان ممن وصف إذ يقول: (يُسَارِعُونَ فِي الخَيْرَاِت وَهُمْ لَهَا سَابِقُون) المؤمنون: 61 أي يسارعون الموت ويسابقون الفوت ويسارعون الغافلين ويسابقون البطالين ولعل بطالاً من الشاطحين جاهلاً بحكمة الحكيم يتوهم علينا بظنه أنَّا نقول إنه لا يعطي إلا شيئاً بشيء ولسنا نقول ذلك إنما نقول إنه يعطي شيئين بلا شيء، فهو المعطي الأول للشيء الذي هوالظرف والمكان من العبادة والإيمان وهو الذي يعطي الشيء الذي هو النعيم والجنان إلا أنه أجرى ذلك بتقديره في مجاري حكمته كما سبق ذلك في علمه ثم أنشأه في معلومه لأنه حكيم عليم. ندب اللَّه عزّ وجلّ في قوله تعالى: (لِمثِْلِ هذَا فَلْيَعمَلِ الْعَامِلُونَ) الصافات: 61 وفي ذلك فليتنافس المتنافسون وكان ممن وصف إذ يقول: (يُسَارِعُونَ فِي الخَيْرَاِت وَهُمْ لَهَا سَابِقُون) المؤمنون: 61 أي يسارعون الموت ويسابقون الفوت ويسارعون الغافلين ويسابقون البطالين ولعل بطالاً من الشاطحين جاهلاً بحكمة الحكيم يتوهم علينا بظنه أنَّا نقول إنه لا يعطي إلا شيئاً بشيء ولسنا نقول ذلك إنما نقول إنه يعطي شيئين بلا شيء، فهو المعطي الأول للشيء الذي هوالظرف والمكان من العبادة والإيمان وهو الذي يعطي الشيء الذي هو النعيم والجنان إلا أنه أجرى ذلك بتقديره في مجاري حكمته كما سبق ذلك في علمه ثم أنشأه في معلومه لأنه حكيم عليم.

ذكر المقام الرابع من مراقبة الموقنين

ثم يعلم العبد يقيناً أنه تنشر له سنوه في الآخرة شهوراً وتبسط شهوره أياماً وتفترش أيامه ساعات وتكشف ساعاته أنفاساً ثم يسأل عن كل نفس وينشر له بكل فعلة فعلها وإن صغرت ثلاثة دواوين: الأول لم فعلت وهذا مكان الابتلاء بالأحكام فإن سلم له نشر له، الديوان الثاني وهو كيف فعلت وهو موضع المطالبة بصحة العلم فإن صح له هذا نشر عليه، الديوان الثالث وهولمن فعلت وهذا مكان المطالبة في الإخلاص فإن اعتل بكيف أو بلم أو بلمن خيف عليه الهلكة إلا أن يتعطف عليه الكريم المنَّان بحيث لا يحتسب فيستنقذه ويسمج له وقد قال تعالى: (وَإنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدلٍ أَتَيْنَا بِهَا) الأنبياء: 47 أي جئنا بها أي أحضرناها وقرئت بالمد آتينا بها بمعنى جازينا بها، وقال عزّوجلَّ: (فَمْنَ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ) (وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرَّاً يَرَهٌُ) الزلزال: 7 - 8 وقيل: هذه أحكم آية في كتاب اللَّه عزّ وجلّ وهي مجملة مبهمة عامة، وكان رسول اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا سئل عن شيء لم يوح إليه فيه بشيء يقول: ما عندي فيه إلا هذه الآية الجامعة الفاذة، فمن يعمل مثقال ذرة الآية، ولما تعلم صعصعة جد الفرزدق من أسفل القرآن إلى هذه السوة قال: حسبي حسبي قد عرفت الخير والشر فقال رسول اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: انصرف الرجل فقيهاً وقيل الذرة قشرة الهباء الذي يظهر في شعاع الشمس مثل رؤس الإبر.

وروي عن ابن عباس أنه قال إذا وضعت كفك على التراب ثم رفعتها فكل شيء تعلق بها من التراب فهو ذرة، وقد قيل أربع ذرات خردلة، وذكر بعض العلماء أن الذرة جزء من ألف جزء من شعيرة، ففي الأعمال مايزن هذا الشبح ومايثقل به هذا الخفاء، فلذلك أخبر به الخبير وحذر منه الرؤوف وفي معنى ما ذكرنا آنفاً من حسب أنه يدخل الجنة بعمل فهو متعن ومن حسب أنه يدخلها بغير عمل فهو متمن يعني أنه ينبغي أن يعمل ما عليه ولا ينظر إليه ثم يتوكل في ذلك على اللَّه عزّوجلّ ويرجو قبوله بكرمه ويخاف رده بعدله ولذلك مدح اللَّه سبحانه وتعالى عباده الصابرين له المتوكلين في أعمالهم عليه فأنعم أجرهم فقال: (نِعمَ أجْر العَامِلِينَ) (الَّذينَ صبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُون) العنكبوت: 58 - 59 فالمزيد في الجنة بفضل اللَّه ورحمته هو تأبيد جزاء المعاملة الموهوبة اليوم ودوام خلود العامل في تأبيد جزائه ألم تسمع قوله تعالى: (وَمَنْ يَقْتَرِفَ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً) الشورى: 23 مع قوله: (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة) إلى قوله: (فَأوُلَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعفِ بِمَا عَمِلُوُا) سبأ: 37 ومثله (وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا) الأنعام: 132 ونحوه: (أوُلَئِكَ يُؤْتُونَ أجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالحَسَنِةَ السَّيِّئةَ) القصص: 54 أي وبما يدرؤون بالحسنة الحديثة السيئة القديمة فلما استعملهم في الدنيا بعملين بالصبر وبدرء السيئة الماضية بالحسنة المستأنفة أعطاهم في الآخرة أجرين، وهذا من الكلام المحذوف الموجز فمحذوفه وبما يدرأون أي وبما يدفعون أيضاً فلما حذفت بما أشكل الكلام فأشبهت الواو واو النسق ومؤخره السيئة والمعنى يدفعون السيئة التي تقدمت منهم بالحسنة التي يعملونها بعدها فتكون الحسنة المستقبلة رافعة لعقاب السيئة الفارطة منهم ومن أحسن الصبر: الصبرعلى المصيبة ومن أحسن الحسنات: التوبة النصوح بعد ماسلف من الذنوب والفضوح فكأنهم قد عملوا عملين صبروا عن الشهوة ودفعوا بالتوبة ما سلف من السيئة فأعطاهم أجرين لما استعملهم بعملين إذ لا صبر إلا به ولا توبة لهم إلا منه كما قال تعالى: (وَمَا صبَرُكَ إلاَّ بِاللَّهِ) النحل: 127 وقال: (تَوْبَةً مًنَ اللَّهِ) النساء: 92 وليس من العبد أو إليه فيما من اللَّه وإلا كان مشركاً في اسم أوّل، ومن أحسن الحسنات مراقبة الرقيب عند خطرات القلوب ومن أفضل القربات محاسبة النفس للحسيب واستجابتها بطاعة الحبيب وكذلك حكمته في مزيد أهل النار ودركات بعضهم على بعض في العتوّ والفساد فقال تعالى: (إنَّ الَّذينَ كَفَرُوا وَصَدَّوا عَنْ سَبيلِ اللَّه) النساء: 167 زدناهم عذاباً فوق العذاب أي زدناهم عذاباً فوق عذاب الذين كفروا ولم يصدوا عن سبيل اللَّه وبمعناه قوله تعالى: (إنَّ الَّذينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لم يَكُنِ اللَّه لِيغْفَرَ لَُهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ طَريقاً) النساء: 168 فلم يغفر لهم بكفرهم ولم ينوِّر لهم طريق الهداية بظلمهم، وكذلك قال رسول اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الظلم ظلمات يوم القيامة ومثل ذلك قوله تعالى: (إنَّ الَّذينَ فَتَنُوا المؤمنين والْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَريقِ) البروج: 10 فصار عليهم عذابان: عذاب جهنم بما لم يتوبوا وعذاب الحريق بما فتنوا المؤمنين، ومثله قوله تعالى: (فَلاَ تُعجِبْكَ أمْوَالُهُمْ وَلاَ أوْلادُهُمْ إنَّمَا يُريدُ اللَّه لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الحَياة الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَاِفرُون) التوبة: 55 أي يريد أن يعذبهم بها في الدنيا ويريد أيضاً أن تزهق أنفسهم على الكفر ليعذبهم بها في الآخرة وهذا نص صريح: إن اللَّه تعالى يريد الكفر من الكافر لأن تزهق انتصب بالعطف على يريد الأول والواو فيه للجمع وقد قيل إن في هذه الآية تقديماً وتأخيراً فيكون المعنى: ولا تعجبك أموالهم ولا أولادهم في الدنيا إنما يريد اللَّه ليعذبهم في الآخرة فأراد أن يجمع العذابين عليهم في جهنم: أحدهما الأموال والأولاد، والثاني لإرادته تعالى أن تخرج نفوسهم على الكفر فمن لا مال له ولا ولد له منهم كان عليه عذاب واحد في جهنم لأجل قوله تعالى: بها أي بسببها، وهذا مواصل للخبر الذي جاء أن

فقراء الكفار يدخلون النار بعد أغنيائهم بخمسمائة عام لأجل الفقر الذي كانوا فيه في الدنيا كما أن الفقراء من المؤمنين يدخلون الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام لأجل غنى أولئك. اء الكفار يدخلون النار بعد أغنيائهم بخمسمائة عام لأجل الفقر الذي كانوا فيه في الدنيا كما أن الفقراء من المؤمنين يدخلون الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام لأجل غنى أولئك.

وفي الخبر أيضاً وتدخل المرضى إلى الجنة قبل الأصحّاء بأربعين خريفاً ويدخل المقتول في سبيل الله مقبلاً قبل المقتول في اللَّه مدبراً بأربعين خريفاً وتدخل المماليك قبل الموالي بأربعين خريفاً ويدخل سليمان بن داود الجنة بعد الأنبياء بأربعين خريفاً لمكان ملكه فالحسرة العظمى والفوات الأكبر الذي لا درك له وهو تأبيد حرمان ما أعطي غيرك من المزيد هناك لفوت أوقاتك في الدنيا ههنا ثم درك ذلك بأوقاته العامرة ههنا تأبيد مزيد جزائه ثم وهذا هو التغابن؛ غبن العاملون البطالين وغبن السابقون المخلفين وغبن المسارعون المثبطين ثم خلود العبد البطال المغبون في الدنيا في تأبيد حرمان مزيد الغابن العامل ومن هذا قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما من ساعة تأتي على ابن آدم لا يذكر اللَّه تعالى فيها إلا كانت عليه حسرة وان دخل الجنة، وفي لفظ آخر، وهو أشد إلا كانت عليه ترة يوم القيامة أي مطالبة ومؤاخذة، فالحسرة في الجنة بعد دخولها والظفر بنعيمها هو ما ذكرناه من حرمان مزيد العاملين فيها ثم دوام الحرمان مؤبد بها وهو كون العبد في نقصان درجة غيره ثم هو مخلد في النقصان سرمداً ومع ذلك فلا يؤبه له ولا يفطن به كيلا ينقص عليه نعيمه والطرفة والنفس إذا خلتا من اليقظة والذكر فيهما بمنزلة الساعة الخالية إلا أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نص على الساعة ولم يذكر ما دونها لأن اسم الساعة أقل الزمان المستعمل عند العرب ليواطىء بقوله قول اللَّه سبحانه وتعالى: (فَإذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ولاَ يَسْتَقّْدِمُونَ) الأعراف: 34 ومعلوم أنه إذا جاء الأجل لا يستأخرون نفساً ولا طرفة عين وكذلك لا يستقدمون طرفة ولانفساً، فذكرت الساعة دون ما نقص منها لئلا يخرج الكلام عن حد استعمالهم وعرفهم وليستدل بها على ما دونها في القلة من النفس والطرفة، وكذلك دل رسول اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بنصه على الساعة على ما دونها لأن حكمته من حكمة مولاه وكلامه على معاني كلامه وقد دخلت الساعة فما دونهافي الأيام التي قال اللَّه تعالى: (كُلُوا وَاشرَبُوا هَنيئاً بِمَا أسْلَفْتُمْ في الأَيَّامِ الْخَاِليَةِ) الحاقة: 24 قيل: هي واللَّه أيامكم هذه وستخلو فأشغلوها بالأعمال الصالحة قبل خلوّها منكم وانقضائها عنكم، وكان الحسن يقول: يا ابن آدم إنما أنت مراحل كلما مضى منك يوم أو ليلة قطعت مرحلة فإذا فنيت المراحل بلغت المنزل إلى الجنة أو النار، فالساعات تنقلنا والأيام تطوينا، وكما قال بعض الحكماء: مثل العبد في عمره مثل رجل في سفينة تسير وهو قاعد كذلك العبد يدنو من الآخرة وهو غافل ويقال: إن العبد تعرض عليه ساعاته في اليوم والليلة فيراها خزائن مصفوفة أربعة وعشرين خزانة فيرى في كل خزانة نعيماً ولذة وعطاء وجزاء لما كان أودع خزانته من ساعاته في الدنيا من الحسنات فيسره ذلك ويغتبط به، فإذا مرت به في الدنيا ساعة لم يذكر الله تعالى فيها رآها في الآخرة خزائن فرغاً لا عطاء فيها ولا جزاء عليها فيسوءه ذلك ويتحسر كيف فاته أن لم يدخر فيها شيئاً فيرى جزاءه مدخراً ثم يلقى في نفسه الرضا والسكون فلو لم يتحسر العبد إلا على فوت الفضائل والمندوب إليه من الخيرات لكان في فوت المسابقة والمسارعة حسرات فكيف بمن فاته أوقاته في السيئات وفرطت منه في الخسارات ولو لم يشتغل العبد في عمره إلا بالحلال والمباحات لكان ذلك نقصاناً من الدرجات له فكيف بمن شغل بالمحظورات؟ فسبحان اللَّه ما أعظم الخطر وأصعب الأمر وأقل المشاهدين لذلك وأغفل البطالين، وقد قال بعض العلماء: هب أن المسيء قد غفر له، أليس قد فاته ثواب المحسنين، وقد جاء في الأثر أن بعض أهل الجنة بيناهم في نعيم إذ سطع لهم نور من فوقهم أضاءت منه منازلهم كما تضيء الشمس لأهل الدنيا فنظروا إلى رجال من فوقهم أهل عليين يرونهم كما يرى الكوكب الدري في أفق السماء قد فضلوا عليهم في الأنوار والنعيم والجمال كما فضل القمر على سائر الكواكب فينظرون إليهم يطيرون على نجب تسرح بهم في الهواء حيث شاؤوا ويتزاورون بعضهم بعضاً يزورون ذا الجلال والإكرام فينادون هؤلاء: يا إخواننا ما أنصفتمونا، كنا نصلَّي كماتصلون ونصوم كما تصومون فما هذا الذي فضلتم به علينا؟ قال: فإذا النداء من اللَّه عزّ وجلّ إنهم كانوا يجوعون حين تشبعون ويعطشون

حين تروون ويعرون حين تكتسون ويبكون حين تضحكون ويقومون حين تنامون ويخافون حين تأمنون فلذلك فضلواعليكم اليوم، فذلك قوله تعالى: (فَلا تَعْلَمُ نَفّْسٌ مَا أُخِفْي َ لَهُمْ مِنْ قُرَّة أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانوا بَعْمَلُون) السجدة: 17، وقد جاء في الخبر: أكثر أهل الجنة البله وعليون لذوي الألباب. ن تروون ويعرون حين تكتسون ويبكون حين تضحكون ويقومون حين تنامون ويخافون حين تأمنون فلذلك فضلواعليكم اليوم، فذلك قوله تعالى: (فَلا تَعْلَمُ نَفّْسٌ مَا أُخِفْي َ لَهُمْ مِنْ قُرَّة أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانوا بَعْمَلُون) السجدة: 17، وقد جاء في الخبر: أكثر أهل الجنة البله وعليون لذوي الألباب.

ذكر المقام الخامس من مراقبة الموقنين من المقربين

قال اللَّه تعالى مخوفاً للكافة: (حتى إذا جاء أحدهم الموت قال: رب ارجعون لعلي أعمل صالحاً فيما تركت) ثم أجابه فقال: كلا وحقق قوله تعالى فقال: (إنَّهَا كَلِمَةٌ هوَ قَاِئلُهَا) المؤمنون: 100 ثم نهى المؤمنين نهياً صريحاً عن مثل هذه الحال وأخبر بنقصان من فعل ذلك فقال: (يَا أيُّهَا الَّذينَ آمنَوا لاَ تُلْهِكُمْ أمْوَالُكُمْ ولاَ أوْلاَدُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ) المنافقون: 9 أي لا تشغلكم عن الطاعة اللَّه تعالى ثم قال: (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فأُولَئِكَ هُمُ الخاَسِرُونَ) المنافقون: 17 أي المغبونون المنقوصون في الآخرة لأنهم آثروا المال والولد على الخالق الرازق ثم أمر بالإنفاق مما رزق وقرنه بالإيمان وأخبر أنه استخلفنا في ملكه اختباراً لنا فقال: (آمِنُوا باللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسّْتَخلَفِينَ فِيهِ) الحديد: 7 فيه فسمع الغافلون نصف الكلام فآمنوا ولم ينفقواوعقل العاملون كل الكلام فآمنوا وأنفقوا ومايعقلها إلا العالمون، وقال سبحانه: (وَأنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أنْ يَأتِي أحَدَكُمُ المَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتِنَي إلَى أجَلٍ قَرِيبٍ فَأصّدَّقَ وَأكُنْ مِنَ الصَّالحيَنَ) المنافقون: 10 أي بالأعمال وكان ابن عباس يقول: هذه الآية من أشد شيء على أهل التوحيد لأنه لا يتمنّى التأخير والرجوع إلى الدنيا أحد له عند اللَّه خير في الآخرة، ومثل هذا قوله سبحانه: (أنْ تَقُولَ نَفسُ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْب اللَّه) الزمر: 56 الحسرة هي أعظم الندامة وهي اسم لفوت شيء لا تدارك فيه فرطت أي ضيعت وونيت وفرط مني أي ذهب وفات وجنب اللَّه قيل: على ما فاتني من الجزاء منه في الآخرة وقيل: ما فات من النصيب في أيام الدنيا إلى قوله أو تقول حين ترى العذاب: (لَوْ أنَّ لِي كَرَّةً) الزمر: 58 يعني إلى الدنيا عودة أخرى (فَأكُونَ مِنَ المُحْسِنينَ) الزمر: 58، وقوله أن تقول نفس من الكلام المضمر المعطوف ومضمره من قبل أن تقول أو خشية أن تقول ومعطوفه هو قوله: (وَأنيبُوا إلَى رَبِّكُمْ وَأسْلِمُوا لَهُ) الزمر: 54، أي اقبلوا إليه وتوبوا واستسلموا وسلموا قلوبكم ونفوسكم وأموالكم في طاعته وعبادته (وَاتَّبِعُوا أحسَنَ مَا أُنْزِلَ إليّكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ) الزمر: 55، أي اتبعوا العزائم من الأمور والفواضل من الأعمال فهو أحسن من الرخص والمباحات مثل الزهد والورع والخوف والإيقان فهذا من أحسن ما أنزل إلينا من ربنا ثم قال تعالى: (أنْ تَقُولَ نَفّْسٌ يَا حَسْرَتى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ) الزمر: 56، فلما طال الكلام وأضمر معطوفه وبعد عاطفه للاختصار أشكل فهمه، وفي القرآن ما هو أشد اختصاراً وأبعد من هذا إضماراً كقوله تعالى: (فَمَا يُكَذّبُكَ بَعْدُ بالدّينِ) التين: 7، المعنى: فما الذي يحملك على التكذيب أيها الإنسان الذي خلقناه في أحسن تقويم بعد هذا البيان والبرهان بالدين بالغائبات والكائنات من أمور الدين والحسنات والجزاء ثم أحكم ذلك بردّه إليه فقال: (ألَيْسَ اللُّّّّه بِأحّكَمِ الحَاكِمينْ) التين: 8 وكذلك قوله: (وَلاَ تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنْ الدُّنْيَا) القصص: 77، المعنى: لا تترك أن تعمل في الدنيا بأيامك هذه فتدرك نصيبك غداً من الآخرة في الدنيا فإنك لا تدكه إلا فيها ثم أحكمه بقوله: (وَأَحْسِنْ كَمَا أحْسَنَ اللَّهُ إليْك) القصص: 77، أي أحسن إلى نفسك وإلى إخوانك الفقراء كالذي أحسن إليك به من المال والغنى، فبذلك تدرك نصيبك من الدنيا في الآخرة، ثم أخبر اللَّه سبحانه الكل وحذرهم فقال: (حَتَّى إذَا جَاءَتْهُمُ السًّاعةُ بَغّتَةً قالوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا َفَرَّطْنَا فِيهَا) الأنعام: 31، أي: يا ندامتنا على ما ضيعنا في الدنيا وفاتنا في الآخرة، وفي الخبر: لا يموت أحد إلا بحسرة وندامة إن كان مسيئاً كيف لم يحسن وإن كان محسناً كيف لم يزدد وذلك أن اللًّه تعالى جعل أهل السلامة والنجاة طبقتين بعضهم أعلى من بعض وجعل أهل الهلكة طبقة واحدة بعضهم أسفل من بعض فكان صاحب الشمال يتحسر كيف لم يكن من أصحاب اليمين لقوله تعالى: (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهينَةٌُ) (إلاّ أصْحَابَ اليَمينِ) المدثر: 38 - 39 وصاحب اليمين يتحسر كيف لم يكن من المقربين

والصالح من المقربين يتمنّى أن يكون من الشهداء والشهيد يوّد أنه من الصديقين فهو يوم الحسرة الذي أنذر به أهل الغفلة فكيف بهم في ذلك اليوم إذا كانوا اليوم أمواتاً ولم يكن له حسنة فإني لهم النذارة والتذكرة كما قال: (وَأنْذِرْهُمْ يَوْمَ الحَسْرَةِ إذْ قُضِيَ الأمْرُ وَهُمْ فِي غَفلَةٍ) مريم: 93، وقد قال: (لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيَّاً) يس: 07، كما قال: ( إنَّما أنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا) النازعات: 54 (إنَّمَاْ تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِاْلغَيْبِ) ، وقال تعالى: (فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَديدٌ) ق: 22، يعني إلى ماقدمت وقيل حديد إلى لسان الميزان تخاف النقصان وقال تعالى: (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بالْحَقِّ) ق: 91 قيل بالسابقة لهم وعليهم فهو الحق سبقت لهم منا الحسنى حقت عليهم كلمة ربك لايؤمنون وسقط ما دونها وقد قيل إنما يوزن من الأعمال خواتيمها والخواتم من السوابق وما بينهما زاهق والوزن يومئذ الحق ما سبق من العدل والصدق وتمت كلمة ربك صدقاً لأوليائه وعدلاً على أعدائه ألا له الخلق والأمر.

ذكر المقام السادس من مشاهدة المقربين

الخيرات هي من ثمرات الإيمان، والصالحات هي مقتضى اليقين، واللعب مقتضى الشك، والسمع والبصر وصفان للمتقين، والعمى والصمم وصفان للشك، تنتظم هذه المعاني في قول الله تعالى: (قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمُ بِهِ إيمَانُكُمْ إنْ كُنْتُمْ مُؤمِنينَ) البقرة: 93فدل أن الإيمان يأمر المؤمنين بالبر والتقوى وقوله تعالى مخبراً عمن أيقن فسمع وأبصر فينال العمل الصالح: (رَبَّنَا أبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إنَّا مُوقِنُون) السجدة: 12قوله تعالى في وصف اللاعبين: (بَلْ هُمْ فِي شَكٍ يَلْعَبُونَ) الدخان: 9، ثم ذكر حالهم لعدم اليقين فقال تعالى: (مَا كَانُوا يَسْتَطيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ) هود: 20 لأنهم لم يكونوا موقنين، فلما جاءهم اليقين وهو المعاينة أبصروا وسمعوا فقالوا: وكنا نكذب بيوم الدين حتى أتانا اليقين فوصفهم بشدة السمع والبصر حينئذ لما أيقنوا فقال عزّ وجلّ: (أَسْمِعْ بِهِمْ وَأبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا) مريم: 38أي ما أسمعهم وأبصرهم اليوم لما جاؤونا فرأوا ما عندنا وهذا للمبالغة في الوصف كما تقول: أكرم وأعظم به أي: ما أكرمه وأعظمه، فكذلك إذا أتيته اليوم وأنت موقن سمعت مالم تسمع وأبصرت ما لم ترَ قبل ذلك ولكن شغلتك الأزواج التي خلق والأشكال والأشباه التي أظهر فتألهت إليها ووقفت معها ولو فررت منها إلى الله تعالى لفررت إلى خير مفر ولأواك عنده في أحسن مقر وقد أمرك بالفرار منها إليه لو قبلت ونهاك عن التأله إليها لو سمعت وبين لك النذارة لو فهمت وجعل ما خلق من الأزواج تذكرة به ولو عرفت ورادة إليه لو أنك للذكر اتبعت ومشوقة إليه لوكنت لقربه أحببت أما سمعته يقول: (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلّكُمْ تَذَكَّرُونَ) الذاريات: 49 أي مثلين وشكلين لكي تذكروا الله بها وتشتاقوا إليه منها ثم قال: (فَفِرُّوا إلى اللهِ) الذاريات: 50 أي عنها بالزهد ثم قال: (وَلاَ تَجْعَلُوا مَعَ اللهِ إلهاً آخَرَ) الذاريات: 51 أي لا تؤلهوا معه إلهاً ولا تشركوا بتألهكم إليه إياها فهذا فهم المقربين عن سمعهم بشهادة أبصار قلوبهم فعندها كان استجابتهم له كما قال: إنما يستجيب الذين يسمعون وقال: (وَيَسْتَجِيبُ الذَّينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ) الشورى: 26 ولكن كيف يسمع من ينادي من مكان بعيد وكيف يبصر من القفل على قلبه عتيد وكيف يستجيب من لا يسمع وكيف يشهد من لا يبصر وقد قال الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حبك للشيء يعمي ويصمّ، فالهوى يعمي عن الحق والشهوة تصم عن النصح والصدق، وكذلك لو أحببته لنظرت إليه ولو نظرت إليه لعميت عمن سواه ولو أقبلت عليه لاستمعت إليه ولو سمعت لصممت عن غيره ولو أحبك لكان سمعك وبصرك وقلبك ويدك وناصرك ومؤيدك تدعوه فيجيبك وتسأله فيعطيك وتنصح له فينصح لك، كذلك جاء الخبر بذلك فشغلك به عنك وفرغك له منك فكيف تسمع عنه وتنظر إليه وتتقلب عنده وتتحرك به لا بنفسك وهواك ولا بشهوتك ودنياك فهذا وصف حبيب عن تقلب حبيب وخبر محبوب عن تثبيت محبوب فإذا تيقن العبد يقين عين لا يقين ظن وسمع بما ذكرناه من سرعة فوت الوقت وفوت دركه شغله الغم والحزن على مافات عن مثل ما سلف مما ندم عليه في مستقبل الأوقات فلم يضم إلى الفوت الأوّل فوتاً ثانياً لحزنه وندمه عليه فكيف يردفه في الحال بما يشبه ما ندم عليه من سوء الأعمال وما لا يحمد عاقبته ولا يغتبط به في المال، فمثل العبد المتيقظ في آخر غفلته مثل عبد كان عليه عمل لا بد أن يعمله في يومه ذلك إلا أنه لهي عنه لغفلة ملهية أو نومة منسية فلم يفق لعمله ذلك الذي لا بد منه إلا بعد العصر فلا يسأل عن حرصه وانكماشه وتشهيره وبداره في بقية نهاره ليدرك به ما فاته من أوّل النهار فهو يود أن وقته ذلك إلى الليل مدّ له أضعافه أو ردّ إلى أوّل النهار ليدرك ما فاته فهذا حال التائب المتيقظ من رقدته وهذا لا يستبين له إلا بعد الموت لمعاينة تقضي الأوقات ولليقين بعدم درك مافات، فهناك وقعت الندامة الكبرى وحينئذ حلت الحسرة العظمى، فالحزم عند العقلاء الموقنين هو الانكماش والتشمير فيما بقي من العمر القصير لأن الاشتغال بما فات في وقت درك مثله في المستقبل هو إضاعة ثانية لما هو آت، فحرص هذا المتيقظ واجتهاده

أن يكون له في كل وقت وقت ومن كل ساعة نصيب فأودع في كل خزانة من ساعاته التي هي خزائن أعماله شيئاً فشيئاً لئلا يرى خزائنه فارغة غداً فيتحسر على فراغه منها وهذا طريق أهل الرجاء الذين تمنوا زيادة الأعمال ورغبوا في طول البقاء بحسن خدمة المولى وهو مقام التائب المستقيم ليتدارك بحديث الأوقات ما فرط منه من الغفلة في القديم، فهذا هو الحزم والاحتياط عند العلماء فإن يكن الأمر صعباً شديداً كما يحدث عنه كان قد سلم بحسن توفيق الله تعالى من صعوبته وإن كان الأمر سهلاً قريباً كما يرجوه كانت الأعمال درجات والفضائل مقامات. يكون له في كل وقت وقت ومن كل ساعة نصيب فأودع في كل خزانة من ساعاته التي هي خزائن أعماله شيئاً فشيئاً لئلا يرى خزائنه فارغة غداً فيتحسر على فراغه منها وهذا طريق أهل الرجاء الذين تمنوا زيادة الأعمال ورغبوا في طول البقاء بحسن خدمة المولى وهو مقام التائب المستقيم ليتدارك بحديث الأوقات ما فرط منه من الغفلة في القديم، فهذا هو الحزم والاحتياط عند العلماء فإن يكن الأمر صعباً شديداً كما يحدث عنه كان قد سلم بحسن توفيق الله تعالى من صعوبته وإن كان الأمر سهلاً قريباً كما يرجوه كانت الأعمال درجات والفضائل مقامات.

ذكر المقام السابع من مشاهدة الموقنين

اعلم أن ما ذكرناه من تدارك الأوقات خوف فوتها ليس هو بتمني مكان دون مكان ولا هو بانتظار وقت ثان الذي هو في الأصل فكر الوقت الذي هو فيه ولا توقع حال سوى الحال الذي هو يليه إنما هو صوم يوم أو قيام ليلة أو ذكر في ساعة أو جمع هم عن شتات قلب أو قطع لأثر في خطر ويكون ذلك أيضاً غض طرفه وصون سمعه وكف يده وحبس قدمه وصمتاً عن كلمة دنية وترك لقمة شهية ونقصاناً من قوت وزيادة جوع للمقيت وأمراً بكلمة رشيدة ونهياً عن فعلة دنية وعقد نية حميدة وحل نية ذميمة وتجديد توبة وإعمال قلب في فكرة وإخراج سوء ظن واعتقاد حسن ظن واستقامة وصحة عزم في قصد وتسبباً إلى ما يقوي العزم ومعونة على برّ وتقوى؛ وهذا كله يكون في الوقت ويحدثه في الحال لا يسوف به ولا ينتظر منه ولا يتوقعه في وقت ثانٍ ولا يؤخر إلى زمان دون وقته ولا يتربص به في مكان دون مكان فهذا هو التدارك للأوقات في وقتك الذي أنت فيه خشية فوت الوقت فيحصل على التسويف والتمني أو في الانتظار والتراخي؛ فهذه من جنود إبليس يقطع بها المريدين وهو مقام المغترين وأحوال البطالين الذين وكلوا إلى أنفسهم وتركوا مع هواهم ولم يتداركوا في أحوالهم ولم يقدموا لغدهم نسوا الله فنسيهم والوقت إذا انقضى فقد، ولم يوجد إلى يوم القضاء والساعة إذا مرت طويت فلم تنشر إلى يوم النشور وإنما ينشر مثلها ويخلق شبهها فإذا أيقن العقد علم أن عمره كله يوم وأن يومه كله ساعة وأن ساعته كلها وقته الآن وأن وقته حاله وأن حاله قلبه فأخذ من حاله لقلبه ما يقرّبه إلى مقلبه بنهاية عمله، فعمل أفضل ما دل علمه عليه وما ندبه مولاه إليه ومما يجب أن يفجأه عليه فيكون ذلك خاتمة عمله الذي يلقى مولاه به ثم أخذ من وقته لحاله ما يصلح حاله لقلبه ويقوي قلبه ويخلصه لربه وأخذ من ساعته لوقته ما يزين به حاله عند ربه وأخذ من يومه لساعته صلاحه فيها وحاجته إليها وأخذ من شهره ليومه فكان شهره يومه وكان يومه ساعته فشغله وقته عن ساعته وشغله حاله عن وقته فكان على هذا مراعياً لوقته محافظاً على حاله قائماً على نفسه جامعاً لهمه محصياً لأنفاسه مراقباً لرقيبه مجالساً لحبيبه لا يخرج عنه نفس في أدنى وقت إلافي ذكر لمذكور أو شكر على نعمة لمنعم أو صبر في محبة عتيدة أو رضا عند شدة شديدة ويكون في ذلك كله ناظراً إلى الرقيب مصغياً إلى القريب سائحاً إلى الحبيب لا ينظر إلا إليه ولا يعكف إلا عليه وقد جعل العمر يوماً واليوم ساعة والساعة وقتاً والوقت حالاً والحال نفساً والنفس مراقبة والمراقبة مواجهة فتوجه في وجهته فلم ينثنِ وساح في قربه فلم ينِ فكان من الإيمان على مزيد ومن اليقين في تجديد وأعطي من الحياة الطيبة بغير حساب وكشف له عن قلبه الحجاب فكانت المعرفة مقامه وقصرت عليه أيامه فكان وقته وقتاً واحداً لواحد وكان قلبه واحداً لواحد وهمه منفرداً لمنفرد، وهذا حال الأبدال الذين هم من الرسل أمثال، وعددهم في الموقنين قليل ونصيبهم من اليقين وافر جليل، وهم المقربون والصديقون ومن علم ما ذكرناه على يقين فهو من الصالحين ومن آمن به ولم يشك فيه لأهله إيمان تصديق فهو من الموقنين ومن شهد منه شهادة يكون له منها مطالعات وزيادة فهو من الشاهدين وجميع ماذكرناه من مراقبة المؤمنين وشهادة المقربين يدرك بأحد مقامين: من أقيم في أحدهما جمع له ذلك استقامة في توبة وعمل بعلم فمن كان مقامه التوبة وحاله الاستقامة رفع إلى شهادة المحبين ومن كان مقامه العلم وحاله العمل بعلمه تحقق بنعت الخائفين وهما حالا العارف الدائم الوجد بقرب القائم بالشهادة بحضور الشهيد فأنفاسه وطرفاته صالحات وتصرفاته وآثاره حسنات وأفكاره وأذكاره مشاهدات فهو حاضر في تصريفه متيقظ في تقلبه وبهذا وصف العارف والدائم الوجد وحدثت عن بعض هذه الطائفة أنه دخل على بعض المنقطعين إلى الله تعالى من أهل المراقبة فقال له: أحصيت من نعم الله تعالى عليّ في نوع واحد أربعة وعشرين ألف نعمة، قلت: وكيف ذلك؟ قال: حسبت أنفاسي في اليوم والليلة فوجدتها أربعة وعشرين ألف نفس، ويقال: أن الطرفات ضعف ذلك لأن كل نفس طرفتان وسمعت أن الله عزّ وجلّ أوحى إلى بعض الأنبياء كيف تؤدي شكر نعمتي عليك ولي في كل شعرة نعمتان إن لينت أصلها وإن طمنت رأسها، وقال بعض العلماء: روي ذلك أيضاً عن علي عليه السلام: ليس

شيء أعز من الكبريت الأحمر إلا ما بقي من عمر العبد، قال: ولا يعرف مقدار مابقي من عمره إلا نبي أو صديق. يء أعز من الكبريت الأحمر إلا ما بقي من عمر العبد، قال: ولا يعرف مقدار مابقي من عمره إلا نبي أو صديق.

وقال بعضهم: لا يعرف قدر ما بقي من عمره في العزة إلا من عرف ينبوع الكبريت الأحمر فإنه يقال: إنه عيون تنبع في الظلمات لا يعرفها إلا الأبدال والكبريت الأحمر هو كيمياء الذهب الذي يعمل منه الذهب الخالص واذا ألقى منه اليسير على كيمياء الذهب المستعمل ثبت على حاله وإلا استحال وتغير بعد سنين ولا أعلم ذكر عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الكبريت الأحمر إلا في حديث علي عليه السلام الذي وصف فيه الأبدال فذكر عدتهم ونعمتهم وقال في آخر وصفهم: هم في أمتي أعز من الكبريت الأحمر ولا ذكر الذهب الإبريز إلا في حديث الابتلاء، إن الله تعالى يجرب عبده بالبلاء كما يجرب أحدكم ذهبه بالنار فمنهم من يخرج كالذهب الإبريز ومنهم من يخرج أسود محترقاً ومنهم من يخرج بين ذلك.


4hFnTkfUWdo

 

 

البحث في نص الكتاب


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



Bazı içeriklerin Yarı Otomatik olarak çevrildiğini lütfen unutmayın!