The Greatest Master Muhyiddin Ibn al-Arabi
The Greatest Master Muhyiddin Ibn al-Arabi

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد

أبو طالب المكي (المتوفى: 386هـ)

الفصل التاسع والعشرون ذكر أهل المقامات من المقربين وتمييز أهل الغفلة المبعدين

 

 


الفصل التاسع والعشرون ذكر أهل المقامات من المقربين وتمييز أهل الغفلة المبعدين

فإذا كان العبد يوصف ما ذكرنا كان كما قال الله تعالى: (والَّذِيْنَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ) (وَالَّذين هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ) المعارج32 - 33 وقال بعض العارفين: عمر العبد أمانة الله تعالى عنده يسأله عند موته، فإن كان فرط فيه ضيع أمانة الله تعالى وترك عهده، وإن راعى أوقاته فلم تخرج ساعة إلا في طاعة الله حفظ أمانته ووفى بعهده فله الوفاء من الله على الوفاء، كما قال سبحانه وتعالى: (وَأَوْفُوا بِعَهْدي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) البقرة: 40 أي في تضييع العهد وفي ترك الوفاء وكما قال تعالى: (أفَمَنْ كَانَ عَلى بَيِّنةٍ مِنْ رَبِّه وَيَتْلُوه شَاهِدٌ مِنْهُ) هود: 17أي شهد مقام الله تعالى منه بالبيان فقام بشهادة الإيقان فليس هذا كمن زين له سوء عمله واتبع هواه فآثره على طاعة مولاه بل هذا قائم بشهادته متبع لشهيده مستقيم على محبة معبوده وكان كمن وصف في قوله تعالى: (أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه) وكمن مدحه بحقيقة الإيمان في قوله تعالى: (وَإذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إيمَاناً) الأنفال: 2 أي علامته ودلائله (وعلى ربهم يتوكلون) أي به يثقون وإليه ينظرون وعليه في كل حال يعتمدون ولديه من كل شيء يطمئنون وعنده دون كل شيء يوجدون ثم قال سبحانه: (أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ) الأنفال: 4 الآية، وليس أهل الحقائق من المتوكلين الذين مدحهم الحق بالحق وأعد لهم الدرجات العلى، والكريم من الرزق كمن ذكره بعدهم فقال: وإن فريقاً من المؤمنين لكارهون يجادلونك في الحق بعد ما تبين لهم مع قوله ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا، فجعل حال هؤلاء وصفاً مشبهاً لمقام أعدائه لما بقي عليهم من أهوائهم وجعل مقام الصالحين بمعنى من وصفهم في الآية بحقيقة زهدهم فقال تعالى: (وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَات الْعُلى) طه75 فهو العلي وأحباؤه الأعلون وإنما كانو أعلين لأن الأعلى معهم وكنا نحن الأدنين لأن الدنيا عندنا، قال الله سبحانه في وصف من أعرض عن ذكره ولم يرد إلا الحياة الدنيا إذا أمر الحبيب بالإعراض عنه لأنه طلب الأدنى عاجلاً أو سوّف بالمغفرة آجلاً لقوّة جهله وضعف يقينه فقال تعالى: (يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الأدْنى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا) الاعراف: 169 وقال: (فَأعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إلاَّ الحَيَاة الدُّنْيَا) النجم: 29، وقال في وصف الصادقين المؤمنين: (رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا الله عَلَيْه) الأحزاب: 23 وقال في نعت غيرهم: (يَا أيُّهَا الذَّين آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ) الصف: 2، كبر مقتاً عند الله فشتان بين من وصف بصدق العهد وبين من ذكر بالخلف وعرض للمقت، وقال في وصف طائفة: (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَليْهِمْ إبلِيس ظَنَّهُ فَاتَّبِعُوهُ إلاَّ فَريقاً مِنَ المُؤمِنِين) سبأ: 20فخص أولياءه بترك أتباعه وأدخل بعض المؤمنين في تصديق ظنه واتباعه إلا فريقاً فهم الصديقون والشهداء ولاصالحون وحسن أولئك رفيقاً وهم المتوكلون المؤمنون حقاً الذين قال إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون وليس من باع ماله ونفسه محبة لمولاه كمن لم يسأله مولاه دون نفسه لئلا يحفيه فيخرج ضغنه عليه كما قال لطائفة من المؤمنين: (يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلاَ يَسْألْكُمْ أمْوَالَكُم) محمد: 36، إن يسألكموها فيحفكم تبخلوا ويخرج أضغانكم الأحفاء الاستقصاء أي سألكم سأل الجملة كلها وأحب منكم الزهد في نفوسكم بعدها؛ والأضغان جمع ضغن وهو الحقد تقول: فلستم في مكان سؤال إذ لا يكون البخيل زاهداً لأن أوّل الزهد الجود، فمن لم يجد لم يزهد ومن لم يزهد في الدنيا لم يحبه المولى لأنه محب لما يبغض ومريد لما لا يحب فلم يعامل مولاه بأخلاقه ولم يوافقه في مرضاته فباعده وحجبه عن مشاهدة أوصافه كما قال تعالى: (تُريدُونَ عَرَض الدُّنْيَا وَالله يُريدُ الآخِرَةَ) الأنفال: 67، وكما قال الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: المبلغ عن المآل إذا أردت أن يحبك الله فازهد في الدنيا ولا تقدر أن تصف حشو قلوب هذه

الطائفة من المؤمنين الذين وصفهم المؤمن أن لو سألهم أموالهم ظهرت عليهم أضغانهم لأنهم من الله في اغترار بما ألبسهم من الإظهار فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيراً إلا أن الله تعالى لا يسأل من يحبه إكراماً له ممن يعلم أنه يسارع إليه بجملة ما سأله لأنه كريم جواد لا يكبر عنده شيء إن سأل سأل الكلية وهو المال والنفس إلا أنه لا يسأل إلا من خلقه بخلق من أخلاقه فمتى لم يكن على العبد سواه شيء سأله محبوبه كل شيء ومتى عظم في قلبه العرض الفاني وهو ضغين لم يسأله شيء فإذا لم يبق للعبد في نفسه نفساً ولا من ماله ملكاً كان الجواد عوضاً له من ماله وكان الجبار عوضاً له من نفسه إلا أن الله سبحانه لم يذكر إياه في العوض من النفس وذكر الجنة في البدل عن المال لئلا يدخل تحت حكم وهو الحاكم وكيلا ينضم إلى عوض فيكون شفعاً وهو الفرد فأخفى نفسه وهو الدليل وذكر خلقه وهو إليه السبيل فهذا فهم أوليائه عنه. طائفة من المؤمنين الذين وصفهم المؤمن أن لو سألهم أموالهم ظهرت عليهم أضغانهم لأنهم من الله في اغترار بما ألبسهم من الإظهار فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيراً إلا أن الله تعالى لا يسأل من يحبه إكراماً له ممن يعلم أنه يسارع إليه بجملة ما سأله لأنه كريم جواد لا يكبر عنده شيء إن سأل سأل الكلية وهو المال والنفس إلا أنه لا يسأل إلا من خلقه بخلق من أخلاقه فمتى لم يكن على العبد سواه شيء سأله محبوبه كل شيء ومتى عظم في قلبه العرض الفاني وهو ضغين لم يسأله شيء فإذا لم يبق للعبد في نفسه نفساً ولا من ماله ملكاً كان الجواد عوضاً له من ماله وكان الجبار عوضاً له من نفسه إلا أن الله سبحانه لم يذكر إياه في العوض من النفس وذكر الجنة في البدل عن المال لئلا يدخل تحت حكم وهو الحاكم وكيلا ينضم إلى عوض فيكون شفعاً وهو الفرد فأخفى نفسه وهو الدليل وذكر خلقه وهو إليه السبيل فهذا فهم أوليائه عنه.

وهذه علامة المحبة الخالصة التي لاشرك فيها لسواه ولا دخل عليها من غيره إياه ولا يصلح أيضاً أن يكشف عن وصف هؤلاء المحبين لأن حالهم يجلّ عن الوصف ومقامهم يجاوز علوم العقل والوقت، إلا أن الله تعالى أحكم ذلك بقوله عزّ وجلّ: (وَفيهَا مَا تَشْتَهيهِ الأنْفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ) الزخرف: 17وبقوله: (تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقُونَهُ سَلامٌ) الأحزاب: 44 مع قوله: (وَلَكُمْ فيهَا مَا تَدَّعُونَ) (نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحيمٍ) فصلت31 - 32 وقوله: (فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبينَ فَرَوْحٌ وَرَيحَانٌ) الواقعة: 88 - 89، وأحكم ذلك بقوله تعالى: (وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) الأنعام: 127وبقوله تعالى: (هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ الله وَالله بَصير ٌ بِمَا يَعْمَلُونَ) آل عمران: 163 ففيه وصف لأهل الولايات والحب ومدح لأهل الدرجات والقرب بقوله: بصير بما يعملون أي لذلك جعلهم درجات عنده، ولقوله: وليهم بما كانوا يعملون بما تولاهم به قربهم منه وفيه أيضاً ذم المنافقين على القراءة الأخرى والله بصير بما تعلمون فقد أبصر أعمالكم أنتم فلم يجعلكم مثلهم إذ لم تكن أعمالكم كأعمالهم فهذا كما قال: (فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأنْزَلَ السَّكِينَة عَلَيْهِمْ وأثَابَهُمْ فَتْحاً قَريْباً) الفتح: 18 ثم قال في وصف قلوبنا: (وَاللهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللهُ عَليماً حَليماً) الأحزاب: 15 ثم قال في فصل من القول: ليس بهزل سوّى بين هؤلاء وهؤلاء: (إن يعلم الله في قلوبكم خيراً يؤتكم خيراً) ثم قال في ضد أولئك كلاماً فاصلاً لمفصل مفسر للمجمل: (وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فيهِمْ خَيْراً لأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أسْمَعَهُمْ لَتَولَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ) الأنفال23 أي ليس لهم فيه شيء ولا لهم منه نصيب لأنه لم يجعل عندهم مكاناً لخير فيوجد فيه خيراً فكان هذا فصل الخطاب وبلاغاً لأولي الألباب شهد لهم بذلك إذ قال: (أفَلَمْ يَيْأَسِ الّذين آمَنُوا أنْ لَوْ يَشاءُ الله لَهَدَى النَّاس جَمِيعاً) الرعد: 13.

فأيس المؤمنون من هداية هؤلاء فلم يرجو منهم مجاهدة فيه أبداً لأن الله تعالى لا يهدي من يضلّ وقيل ييأس لغة بمعنى يعلم أي فقد علموا مما أعلمهم الله تعالى، ويشهد لهذا المعنى الحرف الآخر لأنه بمعناه أفلم يتبين الذين آمنوا فبين لهم بما بين المبين فسلموا له وأقبلوا عليه وأعرضوا عنهم فسلموا منهم فكذلك قال الولي الحميد، وكذلك تولى بعض الظالمين بعضاً وقال: (تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ) البقرة: 118، فيتبعون ما تشابه منه فكم بين من ثبت قلبه فرسخ العلم فيه وبين من أزاغه فمال إلى فتنة التأويل يبتغيه وشتان بين من تولاه بنفسه إذ صلح له وبين من ولاّه إذا أعرض عنه فهذه مقامات المبعدين كما تلك مقامات المقربين فقد دخلوا تحت حكمين لم يخرجوا منهما أعلاهم دخل تحت فضله وأدناهم لم يخرج من عدله وقد أجمل سبحانه وصفهم بقوله: (لِيَجْزِيَ الَّذين آمَنُوا وَعَمِلوا الصَّالِحَاتِ من فضله) الروم: 45 وقال في ذكر العموم: (لِيَجْزِيَ الَّذينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بالقِسْط) يونس: 4، بالقسط فخص أولياءه بالفضل وعمّ خلقه بالعدل، فكم من قلب لا يشهد إلا الله ولا يسمع إلا منه ولا إليه والله هو الأغلب على همه والأقرب إلى قلبه وبين قلب حشوه الخلق وهمه الرزق لا ينظر إلا إليهم ولا يطمع إلا فيهم ولا ينظر إلا هم الخلق أغلب شيء عليه والخلق أقرب شيء إليه، فهذا من المبعدين بهم لأن البعد صفتهم وظهور النفس عليه وتحكم سلطانها فيه مكان البعد الذي يوجد البعد معه والأوّل من المقربين به لأن القرب صفته وخنوس نفسه عنه وتسخيرها له مكان القرب الذي يوجد القرب عنده فذلك من السابقين إلى ربه والمبعد مثبط بنفسه عن ربه وقد قال تعالى: (فَلا تَدْعُ مَعَ الله إلَهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبينَ) الشعراء: 213، فالبعد حجاب والمبعد في عذاب والقرب نعيم والمقرب على مزيد، ألم تسمع قوله تعالى في تعذيب المحجوب: (كَلاَّ إنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئذٍ لمَحْجُوبُونَ) المطففين: 15، ثم إنهم لصالوا لجحيم وقال في ترويح المقربين: (فَأَمَّا إنْ كَانَ مِنَ المُقَرَّبينَ) (فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ) الواقعة: 88 - 89 روح بقريب وريحان من حبيب وجنة نعيم بقرب منعم وقال المروح بالقرب المحيا بالحضور:

فروحي وريحاني إذا كنت حاضراً ... وإن غبت فالدنيا علىّ محابس

إذا لم أنافس في هواك ولم أغر ... عليك ففيمن ليت شعري أنافس

وقال المكروب بالبعد المغصص بالفقد:

فكيف يصنع من أقصاه مالكه ... فليس ينفعه طب الأطباء

من غص داوى بشرب الماء غصته ... فكيف يصنع من قد غص بالماء

وشتان بين عبد منقطع إلى ربه يخدمه وآخر منقطع لخدمة الخلق يعبدهم وكم بين عبد منقطع عن الناس وبين عبد موصول به الوسواس وشتان بين عبد منقطع بالشوق إلى المولى وبين عبد منقطع بالهوى معانق للدنيا فهذه مقامات المقربين بالحسنى وأضدادها مقامات المبعدين بالسوء فإذا كان العبد على وصف من الحقيقة وفي مقام من التقوى استحق الثناء من مولاه لتحققه بالوصف ونال القرب من القريب لتبعده عن حظوظ النفس، وفي حسن الثناء من العظيم الأعظم غاية الطالبين ونهاية رغبة الراغبين ولا يكون ذلك إلا لأوليائه المتقين وحزبه المفلحين وعباده الصالحين وهم أهل القلوب السليمة الطاهرة وذوو الجوارح الخاشعة الذاكرة وأولو الألباب الراجحة الفاخرة وهم ثلاث طبقات من مقربي أصحاب اليمين؛ أهل العلم بالله تعالى، وأهل الحب لله تعالى، وأهل الخوف من الله تعالى فهؤلاء خصوص أوليائه المقربين استحضرهم فحضروا واستحفظهم العلم فحفظوا واستشهدهم عليه فشهدوا فهم الأدلة منه عليه وهو دليلهم إليه وهم جامعو العباد به وهو جامعهم عنده لديه أبدال الأنبياء والربانيون من العلماء أئمة المتقين وأركان الدين أو القوّة والتمكين الذين كشف لهم الكتاب المستبين وهداهم إليه الطريق المستقيم عليه وهم المنظور إلى قلوبهم كفاحاً والمقصودون بالمزيد والتحف مساءً وصباحاً ومن سواهم من عموم المؤمنين من القراء والعباد وأهل المجاهدة والزهد والأوراد قد أعطاهم الولايات وفرقهم في الأعمال والسياحات وأظهر لهم الآيات تسكيناً لقلوبهم بها وطمأنينة منهم إليها لئلا تدخل عليهم الشبهات فيهلكوا ولا تجذبهم الشهوات فيرجعوا فشغلوا بالإظهار عن الظاهر وحجبوا بالظواهر عن الباطن واغتبطوا بالحجاب وسكنوا إلى الأسباب وعكفوا على المقامات واستتروا بالملكوت والآيات فهم مغبوطو الأموات من أهل الدنيا وهم مرحومو الأحياء من أهل الأعلى لأن قربهم بعد عند المقربين وكشفهم حجب عند المشاهدين وعطاءهم رد عند المواجهين إلا أن الله تعالى نظر إليهم لما نظروا لنفوسهم حكمة ورحمة منه لهم فسكنهم في حالهم ورضاهم بمقامهم كيلا تشتت قلوبهم ولا تتحير عقولهم والسابقون الأوّلون هم الوجهة العليا والمتمسكون بالعروة الوثقى نظروا إليه سبحانه وتعالى به فنظر إليهم منه فهم كما وصفهم: (ومن الناس من يشتري نفسه ابتغاء مرضاة الله) لايرجعون إلى مال ولا ينظرون إلى حال يحبهم ويحبون رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه فهم كما وصفوا في الكتب السالفة، قال الحواريون: ياروح الله صف لنا أولياء الله الذين لاخوف عليهم ولا هم يحزنون فقال: هم الذين نطق بهم الكتاب وبه نطقوا وبهم علم الكتاب وبه علموا وبهم قام الكتاب وبه قاموا نظروا إلى باطن الدنيا حين نظر الناس إلى ظاهرها وعاينوا أجل الدنيا حين عاين الناس عاجلها فأماتوا منها ماخشوا أن يميتهم وتركوا منها ما علموا أن سيتركهم فصار دركهم منها فواتاً وفرحهم بها حرماناً ما عارضهم منها رفضوه وما أشرف لهم بغير الحق وضعوه خلقت الدنيا عندهم فلم يجددوها وخربت فيما بينهم فلم يعمروها وماتت في صدورهم فلم يحيوها قدموها فبنوا بها آخرهم أحيوا ذكر الموت وأماتوا ذكر الحياة يحبون الله ويحبون ذكره ويستضيئون بنوره ويضيئون به لهم خبر عجيب وعندهم أعجب الخبر العجيب، وقال عزّ وجلّ في وصفهم: (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ الله) المائدة: 50حديثاً والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء وقال تعالى: (شَهِدَ الله أَنَّهُ لا إلهَ إلاّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وأُولُوا الْعِلْمِ قَائِماً بالْقِسطِ) آل عمران: 18 وفيها مقرأ غريب بمعنى الجمع للشهداء وكأنه جعل وصفاً لما تقدم من ذكرهم في قوله تعالى: (الصَّابِرينَ والصَّادِقينَ) آل عمران: 17، إلى قوله: (وَالْمُسْتَغْفِرينَ بِالأسْحَار) آل عمران: 17 شهد الله أنه لا إله إلا هو وقال: (كَفَى بِاللهِ شَهيداً بَيْني وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الكِتَابِ) الرعد43، فهذا وصف يزيد على كل وصف ويستغرق نعت الواصفين ويجمع هذه المقامات السبعة من المراقبة والمشاهدة حالان عن مقامين مدار المقامات كلها عليهما ومستخرج المزيد من الكرامات منهما؛ فأحدهما الخوف عن مقام العلم والحال الثاني الرجاء عن مقام العمل، فمن كان مقامه العلم بالله

كان حاله الخوف منه ومن كان مقامه الرجاء لله تعالى كانت حاله المعاملة له، ألم تسمع إلى قوله تعالى: (إنَّما يَخْشَى الله مِنْ عِبَاْدِهِ العُلَمَاءُ) فاطر: 28 وقوله: (فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَة رَبَّهِ أَحداً) الكهف110.


4hFnTkfUWdo

 

 

البحث في نص الكتاب


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



Veuillez noter que certains contenus sont traduits de manière semi-automatique !