موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب سعادة الدارين في الصلاة على سيد الكونين

للشيخ يوسف النبهاني

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


الباب الرابع فيما ورد من لطائف المرائي والحكايات في فضل الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم

الباب الرابع فيما ورد من لطائف المرائي والحكايات في فضل الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم:

ولنبدأ هذا الباب بمرائي العارف بالله سيدي الشيخ أحمد بن ثابت المغربي صاحب كتاب (التفكر والإعتبار في فضل الصلاة على النبي المختار صلى الله عليه وسلم)

وهي جملة من المرائي الحسان قد أشرقت أنوارها وأسفرت أسرارها تدل على فضل الصلاة والتسليم على هذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ذكرها في مقدمة كتابه المذكور مع حكاية بداية أمره وسبب محبته للصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

اللطيفة الأولى:

قال رحمه الله تعالى كنت في أول بدايتي بأرض تونس أختلف إلى سيدي محمد المَلْيَانِي أتعلم عليه في أسرار الحروف في البسط والتكسير ومعرفة الطبائع ثم فارقته من غير طائل

ومنَّ الله علينا بمعرفة السيد المربي منيتي ووسيلتي إلى ربي عز وجل سيدي محمد المِهْبالي فأردت منه تعليم ما تقدم فقلت له يا سيدي إني محب لأسرار الحروف

فقال عليك بمعرفة الأسماء المجردة من غير كسر ولا جدول لأن صاحب التكسير يحتاج إلى الطالع وإن هو نال مقصوده يخشى عليه السلب مهما ضيع شيئا من شروطه وأما الأسماء المجردة فلا يلزمك إلا عددها ومعرفة طبائعها

وأقبل عليَّ بالحنانة والعطف كإقبال الوالد على ولده وأنساني حب والدي وأطلعني على سره وما يأوي إليه من العالم الروحاني ومعرفة الأسماء والأذكار من دون إخواني

وكان يتفقدني في كل ساعة ولا يغفل عني ساعة من النهار وهو يستخبرني كيف تجد نفسك كيف تجد قلبك كيف تجد محبة الناس في قلبك فأخبره بكل ما أجد من الزيادة والنقصان في نفسي وقلبي وجسمي

ثم يسألني عن محبة الخلق فأقول له أحبهم حب الجلوس والكلام معهم وكان يقول لي إحذر الكذب لا تخبرني بما لا تجده في نفسك فيكون بنيانك على غير أساس

فلما اطلع على إنتقالي من حال إلى حال ونتيجة أمري لم يبق يسألني إلا عن محبة الناس فأقول له يا سيدي مرني بالخلوة فيقول وكيف تجد إلى الخلوة سبيلا وأنت قلبك محب في الناس والجلوس معهم

والخلوة تنقسم ثلاثة أقسام خلوة بالقلب دون الجوارح وخلوة بالجوارح دون القلب وخلوة بالقلب والجوارح

فأما الخلوة التي بالقلب دون الجوارح فانفراد القلب بالرب دون ما سواه فإذا تفرغ القلب للذكر صار صاحبه في خلوة ولا يبالي أهو في خلا أو ملا

وأما الخلوة التي بالجوارح دون القلب فانفراد الشخص عن الخلق واعتزاله عنهم وإرسال القلب إليهم فهذا لا تصح له خلوة

وأما الخلوة التي بالقلب والجوارح فأجلّ وهي إنفراد القلب بالرب واعتزال الجوارح عن الخلق فهذه الخلوة التي بالقلب والجوارح

فقلت له نعم يا سيدي ادع الله أن يفرد قلبي به دون ما سواه قال عليك بالمحبة الباقية دون ما هي فانية محبة الخالق باقية ومحبة الخلق فانية

فما قمت من عنده حتى تفرغ قلبي من محبة جميع الناس إلا بعض الخواص ثم بعد أيام استخبرني فوجدني كما ذكرت آنفا ثم سألني بعد أيام فوجدني قد تخليت من الجميع ولم يبق في قلبي سوى حب الله ورسوله وكلما سألني عن الناس ازددت منهم فرارا

فما مرت عليَّ ثلاثة أيام حتى رجعت إليه وطلبت منه الخلوة فقال أتقدر على الخلوة أربعين يوما فقلت نعم فسكت عني

ثم بعد أيام سألته الخلوة فقال أتلزمها ستين يوما فقلت ألزمها ثلاثة أشهر فسكت عني فازداد في قلبي حب الخلوة فقلت يا سيدي مرني بالخلوة فإني ألزمها عاما فسكت عني فشعلت في قلبي محبة الله عز وجل بانفرادي بالخلوة وكرهت ما على الأرض وتقوى كُرهي حتى أني كرهت الشيخ رضي الله عنه وخطر في نفسي أن أفر بنفسي إلى القفار وقلت للشيخ بقاك الله بخير وعزمت أن لا آوي إلى العمران ما دمت حيا فأخبرته بما خطر إليَّ

فقال الآن أنت من أهل الخلوة وأمرني بها فأدخلني الخلوة وعرفني بما يخطر عليَّ وما يأوي إليَّ وما يظهر لي فيها ونهاني أن أقبل ما يأتوني به ويهتف لي فيها من الأمور الدنيوية وقال إياك والإغترار بما يأتيك به الأشخاص مما يؤدي إلى الفتن

فدخلت الخلوة الأولى فمكثت فيها ثلاثة أشهر وخرجت منها وقد عرفت حكم الخاطر ودخلت إلى الخلوة ثانية على ساحل البحر عند سيدي على المكي الذي في غار الملح فمكثت فيها ثلاثة أشهر

فلما استقررت في الخلوة ومكثت فيها أياما خطر لي خاطر يوما من الأيام أن أضع اسمي حرفيا في لوح وأكسره واستخرج من تلك الحروف أسماء أذكرها ففعلت كما خطر لي فاستخرجت من إسمي أسماء عديدة فأخذت ما يليق بي وتركت الباقي وأحصيت عددها وأخذت أذكرها فذكرتها من وقت الصبح إلى وقت الضحى

فدخل عليَّ شخص فقال من أين لك هذا فأخبرته بالخاطر

فقال لي كم عددها فقلت له عددها كذا وكذا

فقال لي بأي عدد مزجتها فقلت له بالجزم الكبير

فقال لي وما يقال له فقلت له (أبجد)

فقال إنه يعرف عددا أكبر منه فقلت له وما يقال له

فقال انظره في كتاب (تحفة الورد في معرفة اسمي الصمد والفرد)

فقلت له يرحمك الله أعطني قاعدة استدل بها على هذا الحساب

فقال لي كم عدد اسم الله فقلت ستة وستون

فقال لي كم رتب (أبجد) فقلت أربع مراتب

فقال وما هي فقلت الآحاد والعشرات والمئات والألاف

فقال ضع هذا الاسم العظيم على هذه المراتب الأربع وضع الأعداد يعني الآحاد والعشرات والمئات والآلاف يظهر لك كم عدد اسم الله بهذا الحساب وله نتيجة أخرى فهذا منتهى الأعداد وعند تمام الذكر يأتيك الشخص وانصرف عني وتركني

وجعلت أذكر الأسماء المعلومة فلما صليت العصر دخل علي شخص في يده كتاب مورق غير مسفر ناولنيه

فلما قلبت الورقة الأولى إذا فيها علم جابر فقلبت الثانية إذا فيها علم جابر فقلبت الثالثة والرابعة وجعلت أقلب ورقة بعد ورقة إلى أن نظرت منه نحو النصف فلم أجد فيه إلا علم جابر

فقلت له هل عندك خلاف هذا من النصائح وأردت بكلامي هذا ما يؤدي إلى أمور الآخرة وترك حطام الدنيا لأن الشيخ رضي الله عنه كان ينهاني عن الإغترار بالدنيا وبما يأتيني به الأشخاص من الأمور الدنيوية

فقال لا فقلت اذهب أنت وكتابك وألقيته من يدي وذهب

فمكثت ساعة فدخل علي شخص آخر وفي يده كتاب في قالب الثاني ناولني منه ورقة فإذا فيها

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما

فصل مكتوب فيه هذه دعوة (لا إله إلا الله) فقرأتها

فإذا هي مقسومة على الذات والصفات والأفعال فلما أتممت قراءة الدعوة وحفظتها شرعت في شرحها فإذا هي تتصرف في ألفين ومائتي مسألة في الأمور الظواهر وسيأتي جدولها وكيفية استعمالها

فإذا أنا بسيدي أحمد بن موسى وهو الذي يملأ إليَّ الماء للخلوة وهو رجل صالح ساكن عند قبر الشيخ سيدي علي المكي فلما قرع الباب تكلمت معه على باب الخلوة فأخذ ذلك الشخص من يدي الكتاب قبل أن أكمل الشرح ولا أعرف الجدول ولا صفة الخلوة

وطار قلبي مع تلك الدعوة وتغير قلبي على ذلك الرجل الذي يملأ إليَّ الماء لكونه أتاني في تلك الساعة فمنعني سر تلك الدعوة وبقيت مهموما لما رأيته من سر لا إله إلا الله وليس هو كدعوة الجلالة المعروفة عند الناس وبقيت ليلتي ويومها ومن غد متحيرا متفكرا في أمرها ولم أذكر شيئا من الأذكار وأنا مهموم في حالي لما فاتني من إدراك هذه الدعوة فلما كان الوقت الذي أتاني فيه ذلك الشخص فإذا بشخص آخر دخل عليَّ

وقال لي مالي آراك متغيرا في حالك على ما قد فاتك

فقلت له يا عبد الله إني مشغوف بأسرار الخلوة وقد دخل عليَّ شخص في يده كتاب فيه دعوة لا إله إلا الله ولها سر عظيم وحال بيني وبينها سبب أعني أمر ذلك السيد الذي يملأ لي الماء

فقال أنا أنصحك إن كنت تقبل نصيحتي فقلت له نعم

فقال لي عليك بالباقيات الصالحات والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم تسليما وصار يسوق لي من الأحاديث التي وردت في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم تسليما وجعل يؤكد عليَّ في ملازمة ذكرها ولا زال يسوق لي من الأحاديث الواردة في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم تسليما يشوقني إليها حتى امتلأ قلبي بحبها ونسيت تلك الدعوة وغيرها من سائر الأذكار بسبب ما دخل قلبي من النور والسرور بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما بسبب ذلك الشخص جزاه الله عني خيرا وأحسن إليه وما فارقني حتى ملأ قلب نورا وسرورا وعزمت على أن لا أذكر غير الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما ثم انصرف عني وتركني فرحا مسرورا مما سمعت من الثواب الجزيل والخير العميم والنور المزيد في فضل الصلاة على صاحب التوحيد وإنها أفضل الأعمال والعبادات كما تبين الآيات حين صلى عليه رب الأرضين والسماوات بنفسه وثنى بملائكة قدسه وأمر المؤمنين من عالم جنه وأنسه فقال تعالى {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} وهذا دليل على أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم تسليما أفضل العبادات

وجعلت أتفكر في خلق السماوات والأرض وفي الجنة والنار وتعاقب الليل والنهار ومرور السنين والدهور والأيام والشهور وفي اختلاف أصناف المخلوقات وما فيها من الموزور والمأجور وفي اختلاف دواب البر والبحر والطيور وما في الأقطار والبراري والقفار والبحور وما في الأرض من الخلا والملا والكدى والسهل والجبل والغور وفي النبات واختلاف ألوانه والأشجار وأوراقها وفي الأزهار ورائحتها وفي الثمار واختلاف طعمها وفي الحيوان واختلاف أنواعه وما في السماء من النجوم الزاهرة والقمر والشمس والسحاب الممطرات والرعد والبرق وفي اختلاف العوالم الناطقات والجامدات وأولاد آدم وأخلاقهم وفي اللغات

فخطر لي أن أصنف كتابا في الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما على ما أدركه عقلي من التفكر في أنواع المخلوقات على عدد ما ذكرت فيه كي يصح لي فضل الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما وفضل التفكر حيث قال صلى الله عليه وسلم [تفكر ساعة خير من عبادة سنة] وسميته (كتاب التفكر والاعتبار في فضل الصلاة على النبي المختار) ثم ذكر المرائي التي رآها أو رؤيت له في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وها هي.

اللطيفة الثانية:

وقد رأيت لها من الفضائل والبشائر ما لا ينحصر ورجوت الله أن يبلغني مقصودي ويحسن نيتي وما وعدني به رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما

وأول ما بشرت به يوم بدأت بهذا الكتاب في غار الملح عند سيدي على المكي رضي الله عنه ونظمت (أي ألفت لأن كتابه نثر لا نظم) منه نحو البابين وأنا في الخلوة ثم قدم علينا سيدي أحمد بن إبراهيم الحيدري وهو أخي من الشيخ فاجتمعنا عند قبر الشيخ سيدي علي المكي رضي الله عنه مع سيدي أحمد بن موسى فلما صلينا العشاء وقضى كل واحد منا ورده أخذ كل واحد منا مضجعه ليستريح فنام أصحابي وبقيت متفكرا في فضل الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما إلى نحو الثلث من الليل فاستيقظ أخي سيدي أحمد بن إبراهيم من النوم وتوضأ وصلى ما شاء ثم دعا ما شاء ثم نام فأخذ غفوة من النوم وبقيت على حالي مشتغلا بنظم الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما ثم استيقظ وقال لي ادع لي دعوة ينفعني الله بها فقلت له وما ظهر لك من حالي حتى أدعو لك فقال رأيت فيما يرى النائم برَّاحا يبرح (البراح هو المنادي وهي لغة مغربية) وهو يقول من أراد أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم فليسع معنا فأخذت يدي في يدك وأقبلنا نسعى فأقبلنا إلى دار فوجدنا بابها مغلوقا وكل الناس ينتظرون أن يفتح لهم الباب فأقبلت أنا للباب لأفتحه فلم يفتح فقلت لي أنت تأخر يا مسكين وتقدمت أنت فانفتح لك الباب فأخرتك وسبقتك في الدخول إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما

فلما رأيته دار بوجهه عني وغطاه وقال لي إليك عني يا فلان مازلت وأقبل عليك وأخذك وضمك إلى صدره فاستيقظت مرعوبا وتوضأت وصليت وقرأت من القرآن ما شاء الله وتوسلت إلى الله أن يرينيه مرة أخرى فنمت فإذا بالبرَّاح الأول وأخذت يدي في يدك كأول مرة ومررنا نسعى فوجدنا قوما واقفين بالباب الأول والباب مردود فتقدمت لأفتح الباب فأبي أن ينفتح لي فتقدمت أنت ففتحته وسبقتك للدخول فوجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما ودار بوجهه عني وقال إليك عني يا فلان مازلت وأقبل عليك يا أخي وضمك إليه ولا شك أن لك من الأعمال ما يرضي رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما فلهذا قلت لك ادع لي

فعلمت أن نيتي محمودة وصلاتي عليه مقبولة غير مردودة وكتمت أمرها إلى أن توفى شيخنا وأخونا ذلك رحمة الله علينا وعليهما ولم أخبر بها أحد حتى فتح الله عليَّ برؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما غير ما مرة ونرجو أن يزيدنا من فضله ويمن علينا برؤية نبينا بحرمة من صلى وسلم عليه من الملائكة والجن والإنس أجمعين.

اللطيفة الثالثة:

ومن فضائل ما رأيت لهذه الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما أني لمَّا انصرفت من غار الملح إلى تونس واستأذنت شيخنا أن يأذن لي في زيارة المغرب فأذن لي في ذلك ركبت في البحر من (بنزرت) فأعوزنا الريح نحو ثمانية عشر يوما حتى ضاقت الرفقة واشتد بهم القلق وضقت أنا معهم وتحدثنا في أمر النزول والمشي في البر فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما في تلك الليلة مرتين رأيته في الثلث الأول من الليل وقال لي غدا تسافر إن شاء الله تعالى فسألته أن يدعو الله تعالى أن يسرحنا بيسر وعافية وأن لا يعطلنا الريح إلى أن نبلغ (بجاية) ثم سألته أن يوصيني بوصية ينفعني الله بها فقال لي زد في الصلاة عليَّ وإياك واللهو ثم استيقظت من منامي وصليت على رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما ثم دعوت الله تعالى أن يرينيه مرة أخرى فنمت فإذا به صلى الله عليه وسلم في الصورة الأولى والنعت الأول فسألته كأول مرة فعاد إليَّ مقالته الأولى وأمرني بالزيادة في الصلاة عليه وقال لي إياك واللهو ولم أعلم أي الملاهي هي تعلقت بها حتى أتركها ثم استيقظت من نومي وأخبرت أصحابي الذين بجانبي فقالوا لي إن كانت الرؤيا صالحة وصادقة وأنه رسول الله صلى الله عليه وسلم حق القائل لك هذه المقالة نحن في هذا اليوم نسافر على بركة الله وحسن عونه فلما طلع النهار وانتشرت الشمس ومازال الريح في وجوهنا فبقيت متحيرا في نفسي وهل يتمثل في صورة النبي صلى الله عليه وسلم شيء من عالم الجن والإنس وهو معصوم في صورته ولا يتمثل بها شيطان ولا غيره فما تمَّ لي الخاطر حتى سكن الريح في وجوهنا وسرنا نحو الميلين أو الثلاثة وإذا بريح عاصف في وجوهنا فردَّنا إلى المرسى وأرست السفينة ونزل كثير من الركاب وهممت أن أنزل معهم وكان نزولهم في صندل صغير فما وجدت إليه سبيلا ومنعني من ذلك الأتراك بالإزدحام عليه فلما استقروا في البر ورجع الصندل مرة أخرى قلت للبحرية إن

سخركم الله تعالى تنزلوني نأتي بإناء نملأ فيه الماء فقالوا لي الماء عندنا كفيناك ثم قال الريس الريح تبدل نسافر فنادى من كان في البر فطلعوا كلهم وانقطع رجلان أو ثلاثة وقوى الريح الذي نسافر به ولحق بنا رجل من الذين انقطعوا وتكلم مع الريس من البر أن ينزل له الصندل وقد رفعوا قلوع السفينة فقال له هذا ريح السلامة فلا نرجوك (أي ننتظرك لغة مغربية) ولا غيرك ثم أوصاه أن يعطي حوائجه لبعض أصحابه وسافرنا في يومنا ذلك ببركة رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما ولم يعطلنا شيء إلى أن دخلنا (بجاية) [مدينة بالمغرب] والحمد لله بخير وعافية ونرجو الله أن يزيدنا من فضله وأن يمنَّ علينا برؤية نبيه محمد صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا.

اللطيفة الرابعة:

ومن فضائل ما رأيت لهذه الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما أني رأيت ذات ليلة رجلين يتخاصمان ويتخانقان فقال أحدهما لصاحبه سر معي نتحاكم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما فسارا واتبعتهما فإذا هو في مكان مرتفع فقال أحدهما يا رسول الله إن هذا اتهمني بحرق داره فقال له صلى الله عليه وسلم افترى عليك تأكله النار واستيقظت فلم أخاطبه بشيء

ودعوت الله أن يرينيه مرة أخرى فنمت فإذا ببرَّاح (أي منادي) يقول من أراد أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم فليسع معنا وإذا بأقوام يتبعون البرَّاح وعليهم لباس أبيض فقلت لأحدهم سألتك بالله العظيم ونبيه الكريم إلا ما أخبرتني أين رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي هو بالمكان الفلاني فدعوت الله بحرمة الصلاة على نبيه صلى الله عليه وسلم أن يبلغني إليه قبل تلك المخلوقات لأنفرد به وأنال منه مرغوبي فرفعني شيء كالبرق حتى أدخلني عليه فوجدته مستقبل القبلة وحده والنور يلوح من وجهه

فقلت الصلاة والسلام عليك يا رسول الله فقال لي مرحبا بك وتمرغت بوجهي في حجره ثم قلت يا رسول الله أردت أن توصيني بوصية ينفعني الله بها فقال لي زد في الصلاة علي فقلت يا رسول الله اضمني أن أكون وليا لله فقال لي إني ضمنتك أن تموت على الخاتمة فقلت يا رسول الله اضمني أن أكون وليا لله فقال ألم تعلم أن الأولياء كلهم يطلبون الله في الخاتمة إني ضمنتك أن تموت على الخاتمة فقلت نعم قد قبلت منك

ثم خطر لي في نفسي أن يريني الله سيدنا الخضر عليه السلام فقال لي قبل أن أساله عليك بكثرة الصلاة عليَّ وزيارة هذا المقام وكل ما يخصك نكمله لك فأخذتني حشمة في نفسي حيث رأيت سيد أهل السماوات والأرضين ولم نكتف

فقلت يا رسول الله ما من نبي ولا رسول وكل الأولياء وسيدنا الخضر عليه السلام إلا من نورك اقتبسوا ومن بحرك اغترفوا ولما رأيتك كأني رأيتهم جميعا والحمد لله

ثم دخل القوم الذين خلَّفتهم وهم يقولون الصلاة والسلام عليك يا رسول الله بأعلى أصواتهم ودخلوا عليه وأنا جالس بجانبه فأقبل عليهم بالبشائر إلا رجل واحد طرده وقال له إليك عني يا طريد يا وجه النار فنظرت إليه فإذا خلقته ليست كخلقة أولئك القوم لأنه شيطان ولما انقضت مخاطبته مع أولئك القوم قال لهم انصرفوا بارك الله فيكم واتركوني مع حفيدي وأشار بيده إليَّ

فقلت له أنا شريف يا رسول الله فقال أنت شريف فقلت له أنا شريف من نسلك يا رسول الله فقال أنت من نسلي فحمدت الله تعالى على ذلك ثم قلت أوصني بوصية ينفعني الله بها فقال لي عليك بالزيادة في الصلاة علي وازهد في الدنيا وإياك واللهو

فاستيقظت من نومي فقلت في نفسي وأي الملاهي هي حتى نتركها فتفقدت أحوالي فلم يظهر لي لهو وفوضت أمري إلى الله وقلت في نفسي إلا إذا كان هذا اللهو مستقبلي ولا حول ولا قوة إلا بالله ولا عاصم من أمر الله إلا من رحم.

اللطيفة الخامسة

ومن فضائل ما رأيت لهذه الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما

أني قمت ليلة من الليالي وصليت وردي في وسط الليل وجلست أصلي على رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما فمر بي سنة من النوم

فرأيت رجلا مغلولا وفي وسطه سراويل من قطران إلى الكعبين وهو عظيم الخلقة كبير الرأس ووجهه أسود كبير الأنف وفي وجهه أثر كأنه الجدري أو الجراح وقوم يسحبونه فقلت لهم يا قوم سألتكم بالله العظيم ونبيه الكريم إلا ما أخبرتموني من يكون هذا فقالوا هذا أبو جهل الملعون فقلت هذا جزاؤك يا عدو الله وجزاء من كفر بالله ورسوله

ثم قلت اللهم إن هذا عدو لك ولنبيك وأين نبيك اللهم أرني نبيك كما أريتني عدوه وأنعمني برؤيته يا أرحم الراحمين

ثم مررت بأرض لا أعرفها فإذا برجل من الصالحين حاج بيت الله الحرام كنت أعرفه فسلمت عليه فرد علي السلام فقلت له إلى أين تريد فقال إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما فسرت معه ساعة إلى أن دخلنا مسجدا فقال هذا مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما فقلت هذا مسجد رسول الله وأين رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما فقال لي الساعة يقدم عليك

فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما ومعه رجل كامل ودمه دم العرب في وجهه نور فقال لي سلم على خليل الرحمن إبراهيم فسلمت عليه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما وطلبت منهما الدعاء فدعوا لي ثم طلبتهما أن يضمناني فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما إني ضمنتك أن تموت على الخاتمة ثم سألته أن يوصيني بوصية ينفعني الله بها فقال لي زد في الصلاة علي فقلت يا رسول الله هل تسمعني وقت أصلي عليك فقال نعم وتحضر في مجلسك ملائكة مقربون ثم قلت اضمني فقال أنت في ضمانتي ثم قلت له اضمن أصحابي فقال قد ضمنت أصحابك فقلت له من أصحابي فلان قال ذلك رجل من الصالحين ثم سألته عن شيخنا فقال هو من أولياء الله ثم قلت له أردت أن تضمن كل من قرأ في كتابي هذا الذي نظمت فيه الصلاة عليك فقال قد ضمنت قارئها وكل من صلى عليَّ بهذه الصلاة وعليك بها وبالزيادة فيها ولك كل ما سألت ثم استيقظت من منامي وأرجو الله في الزيادة وأن لا يحرمنا من النظر إلى وجه نبيه صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة بمنه آمين.

اللطيفة السادسة

ومن فضائل ما رأيت لهذه الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما أني كنت يوما أنظم في بعض البيان من هذه الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما وأنا مستند بظهري إلى الحائط متوجه إلى القبلة والقلم في يدي واللوح في حجري فثقل بي الحال فأخذتني سنة من النوم فإذا أنا في أرض خالية لم أر فيها عمارة سوى القوم الذين وجدتهم على الباب وقوم آخرين داخل الجامع فدخلت عليهم ونظرت أين أجلس فلم أجد موضعا وإذا برجل يشير عليَّ بيده من بين المنبر والمحراب فدنوت منه فأراد أن يجلسني مكانه فتذكرت الحديث فقلت له ما تعرف الحديث فيمن جلس في مكان غيره فقال آخر الجالسين افسحوا يفسح الله لكم ففسَّحوا لي وجلست بينهم

ونظرت عن يميني شابا لم أرَ أجمل منه فتعجبت من النور الذي في وجهه وحسن قامته وفيه سمة الصالحين فقلت في نفسي لابد أن أعرف اسمه ونسبه فقلت له يا هذا سألتك بالله العظيم ونبيه الكريم ما اسمك وما نسبك فقال لي وأي شيء يحصل لك من معرفة إسمي ونسبي فقلت أرى في وجهك سمة الصالحين فأردت صحبتك فقال أما إسمي فرومان وأما نسبي فمن ملائكة الرحمن فقلت له سألتك بمائة ألف وأربعة وعشرين ألف نبي إلا ما أخبرتني ما أسمك وما نسبك فقال لي يا عبد الله أما إسمي فرومان وأما نسبي فمن ملائكة الرحمن ثم سألته ثلاثا فأجابني كأول مرة فقلت وما أتى بك في حضرة الآدميين فقال بل والله كل من ترى هنا ملائكة مقربون وروحانية مؤمنون فقلت له أردت صحبتك فقال لي أتريد صحبتي دواما فقلت له نعم فقال لي ما لك عندي صحبة ساعة واحدة ولكن نأمر لك شخصا من مؤمني الجن وجنية مؤمنة يصحبونك فقلت نعم وقلت في نفسي إذا صحبوني يرعون حقي ويقهرون كل عدو لي فنادى يا فلان يا فلانة فإذا بالرجل والمرأة واقفين بين يديه فقال لهما إصحبا هذا الآدمي صحبة الدوام فقالا ذلك الشخص يريد أن يقهر بنا الأعداء والظلام وليس لنا على ذلك قدرة وإنما هذا إباء من حلول القضاء فلما سمعت مقالتهم تلك كرهتهم وقلت لهم ليس لي في صحبتكم حاجة ثم قلت له يا سيدي سألتك بالله العظيم ونبيه الكريم إلا ما أخبرتني من هنا من الملائكة المقربين فقال لي هنا جبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل فقلت له سألتك بمائة ألف وأربعة وعشرين ألف نبي إلا ما أريتني الأمين جبريل عليه السلام حبيب رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما فقال شخص من إزاء المحراب أنا عبد الله جبريل فدنوت منه فوجدته أجمل ما رأت عيني فسلمت عليه وتمرغت عليه وطلبته في الدعاء فدعا لي ثم قلت له سألتك بالله العظيم ونبيه الكريم إلا ما أوصيتني وصية ينفعني الله بها فقال لي اللهو يأتيك فاحترز منه وأد الأمانة وبلغها فقلت له سألتك بمائة

ألف وأربعة وعشرين ألف نبي إلا ما أريتني سيدنا ميكائيل فقال شخص آخر من الجالسين أنا عبد الله ميكائيل فدنوت منه وتمرغت عليه وطلبت منه الدعاء فدعا لي ثم قلت له يا سيدي سألتك بالله العظيم ونبيه الكريم إلا ما أوصيتني وصية ينفعني الله بها فقال عليك بالعدل والوفاء ثم قلت له سألتك بالله العظيم ونبيه الكريم إلا ما أريتني سيدنا إسرافيل فقام شخص لم أر أنور منه فقال أنا عبد الله إسرافيل فدنوت منه وتمرغت عليه وطلبت منه الدعاء فدعا لي ثم قلت في نفسي ويحيى هؤلاء ملائكة الله أم استدراج حلَّ بي وكيف يكون هذا إسرافيل وقد ورد فيه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما أن رأسه تحت العرش ورجلاه تحت تخوم الأرض السابعة السفلى فما استتم لي هذا الخاطر حتى وثب قائما فغاصت رجلاه في الأرض وخرق رأسه سقف المسجد فرأسه يرقى في السماء ورجلاه يغوصان في الأرض ثم تعلقت به وقلت له سألتك بمائة ألف وأربعة وعشرين ألف نبي إلا ما رجعت أنت ملك الله حقا ثم رجع كما كان ثم قلت له يا سيدي سألتك بالله العظيم ونبيه الكريم إلا ما أوصيتني وصية أنتفع بها فقال اترك الدنيا ترى رضا مولاك وفارق ما في يدك تحظى بمحبة الله ثم قلت له سألتك بمائة ألف وأربعة وعشرين ألف نبي إلا ما أريتني سيدنا عزرائيل فقام شخص لم أر أجمل منه فقال أنا عبد الله عزرائيل فدنوت منه وتمرغت عليه وطلبته في الدعاء فدعا لي ثم قلت له سألتك بالله العظيم ونبيه الكريم أن ترفق بي عند الموت فقال أكثر من الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما ثم سألته أن يوصيني وصية ينفعني الله بها فقال أذكر هاذم اللذات وقاتل الآباء والأمهات ومفرق البنين والبنات وقابض أرواح ما سوى خالق الأرض والسماوات فانتبهت وأرجو الله أن ينفعني بدعائهم وأن يوفقنا لإمتثال وصيتهم وأن يرفق بنا عند الممات بحرمتهم وأن يمتعنا برؤية نبينا محمد صلى الله عليه وسلم تسليما في الدارين اللهم آمين يا رب العالمين وسلام على جميع الأنبياء والمرسلين والحمد لله رب العالمين.

اللطيفة السابعة:

ومن فضائل ما رأيت لهذه الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا أثيرا رأيت فيما يرى النائم كأني رقيت منبرا في فلاة من الأرض فلما رقيت منه درجات التفت إلى الأرض فإذا بالمنبر في الهواء وبعدت من الأرض فقلت ما لي إلا أن أرقى فحيث أوصلني الله وصلت وليس في الرجوع سبيل فرقيت درجات منه والتفت إلى الدرجات التي رقيت فلم أجدها ولم أجد سوى التي تحت قدمي فنظرت يمينا وشمالا فلم أر إلا الهواء فدعوت الله بحرمة الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما أن يسلك بي سبيل السلامة وإذا بخيط ممتد على ظلمة كأنه الصراط فقلت في نفسي ويحيى هذا الصرط حضرني وليس لي عمل يجوزني إلا فضل الله العظيم والصلاة على رسوله الكريم فسمعت هاتفا يقول إن أنت جزته تلق رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما وأصحابه فلما سمعت ذلك استبشرت بتلك المقالة وتوسلت إلى الله بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما فحملتني غمامة من النور ووضعتني بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما وأصحابه الأربعة

وهو جالس وأبو بكر عن يمينه وعمر عن يساره وعثمان خلفه وعلي أمامه فقلت اضمني يا رسول الله صلى الله عليك وسلم فقال إني ضمنتك وتموت على الخاتمة وطلبت منه الدعاء فقال عليك بكثرة الصلاة عليَّ وإياك واللهو ثم توجهت إلى سيدنا علي ابن أبي طالب رضي الله عنه فقلت له ادع لي يا خالي فأخذني من أكتافي وهزني وقال أنا جدك وهذا جدك وأشار بيده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما واستيقظت مرعوبا من هزه لأكتافي ولقد وجعني أكتافي وبقيت محشوما من جهلي وغفلتي وسهوي حيث قلت لسيدنا علي يا خالي والله لقد بقيت محتشما أياما من تلك المقالة فلما استيقظت تفكرت في مقالته صلى الله عليه وسلم كل مرة (إياك واللهو) فنظرت أي اللهو خضت فيه فاتركه فلما مرت عليَّ أيام فإذا أنا دخلت لهوا عظيما في نزاع على المِلك وأمر الزواج وكان سبب دخولي في ذلك رجل من الصالحين وهو في ظاهر الشرع مستحسن ولم يتبين لي أنه لهو إلا بطول المدة فمكثت نحو العام ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما فلما طالت الخصومة طلعت إلى جبل (بجاية) بنية الإعتكاف ورجاء أن يجمع الله بيني وبين رجل كان هنالك كي أساله عن حالي فلما بت تلك الليلة إذا بثلاثة من الصالحين وقفوا عندي وقالوا لي ما أتى بك إلى ههنا إن أنت إلا على شأن الخصومة التي بينك وبين عمك أما إبنته فليست هي من أزواجك ولا أنت من أزواجها فأرح نفسك ودع عنك هذا اللهو واجتهد فيما أنت عليه فإن تقم هنا فأهلا بك وإن

مشيت ففي أمان الله فقلت في نفسي ويحيى هذا هو اللهو الذي كان ينهاني عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما وخضت أنا فيه يا طول غفلتي أين مرت فكرتي حتى نسيت ما نهاني عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما حتى منعت من رؤيته صلى الله عليه وسلم تسليما نحو السنة وأكثر فتبت من ذلك إلى الله تعالى ورجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما فمكثت أياما وأنا نادم على ما وقع مني وجعلت أتوسل إلى الله بجاه الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما أن يريني رسوله وخيرته من خلقه وأن يثبتني بأحسن المخاطبة له صلى الله عليه وسلم تسليما فرأيت فيما يرى النائم كأن الله تبارك وتعالى أوقفني بين يديه وهو يوبخني من أجل ما دخلته مع أهل الدنيا في دنياهم ودخولي في اللهو الذي صدر مني وأنا أقول بفضلك يا رب بجودك يا رب بكرمك يا رب برحمتك يا رب وهو يوبخني حتى قلت في نفسي أنا من أهل النار فخطر في نفسي كيف وقد ضمنك رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما من النار فقلت يا رب أمَا إني أصلي على حبيبك وقد ضمنني وإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما يقول أنا صاحب الشفاعة أنا صاحب العناية أنا صاحب الوسيلة فسمعت قائل يقول يا رب أهو من أهل النار فقال لا هو مأمون من النار فاستيقظت فزعا مرعوبا وأنا أرجو الله

أن يمن علينا برحمته وأن لا يخزينا يوم لقائه

اللطيفة الثامنة

ومن فضائل ما رأيت لهذه الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما بعدما تأهلت حدثتني نفسي أن تجعل معي بعض الطلبة لنستأنس بهم وأصلي معهم صلاة الجماعة وأنتفع بهم فاستقريت مع بعض الإخوان نحو العام ونحن بخير من الله وعافية وكادت لي نفسي وأتتني من باب النصيحة على أن نجمع طلبة القرآن من غير إذن في ذلك بقصد الإنتفاع وبخدمتهم ورجاء أن يحشرني الله في زمرتهم فلما كثروا كثر مع وجودهم كثرة اهتمامنا بالرزق من أجلهم وتحيّلت على الدنيا بسببهم وأدخلتني في شباكها واصطادتني بشراكها وأمسيت في مهواة الغفلة وأصبحت في خسارتها وجعلت نتسبب في اكتسابها من المباح واستحسنت ذلك من جهة الشرع فجعل بعض إخواننا من الصالحين الذين سلكت معهم طريقة الزهد ينهوني ويزجروني على ما تعلقت به من الطلبة والإهتمام بهم ودخولي في الدنيا بسببهم فلم أنصت إليهم

فرأيت فيما يرى النائم جواري كأنهن الحور العين ليس يرى مثلهن في الجمال والكمال عليهن حُلل خضر واستقبلن إليَّ فلما قربن مني عرفت منهن جدتي من أمي وكانت امرأة صالحة شريفة الطرفين فسلمت عليها وقلت لها ألست قدمت

(أي انتقلت إلى الدار الآخرة) فقالت بلى فقلت لها ما فعل الله بك فقالت رحمني بفضله وأكرمني وإني في جوار فاطمة الزهراء وها هي مستقبلة إليك فقلت لها أين هي فقالت ها هي في هذه الجواري المقبلة فأقبلت إليَّ وعلى وجهها نور ساطع فقالت هذا أحمد بن ثابت المكثر من الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما فقلت بفضل ربي هذا الذي وفقني لذلك وأعانني عليه فقالت مالك اشتغلت عنا بالإهتمام الدنياوي انته عما أنت عليه ودع عنك الإهتمام فقلت لها نعم فقالت لا أفارقك حتى تسير معي إلى أبي رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما يأخذ عليك العهد والميثاق على أنك لا تعود إلى الدنيا أبدا فأخذت بيدي وسارت وسرت معها إلى أن دخلنا مدينة لا أعرفها فوجدت أقواما يصلون على النبي صلى الله عليه وسلم تسليما لا يعلم عددهم إلا الله عز وجل ويرفعون أصواتهم بهذه الصلاة اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وبارك على محمد وعلى آل محمد فقصدتهم وجعلت أصلي بصلاتهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما وجعلت أسعى بين القوم وسيدتي فاطمة الزهراء معي حتى أوقفتني عند رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما فوجدته مع أصحابه العشرة رضي الله عنهم وهم يأكلون طعاما ولحما فوجدت في يد رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما كتفا بلحم يأكل منه وهو يلتفت إلى أصحابه ويتحدث معهم فمنعني الأدب أن أسلم عليه فقلت في نفسي حتى يفرغوا من الأكل فنسلم عليه فجعلت أصلي مع أولئك القوم وأنظر إليه صلى الله عليه وسلم فانتبهت بضجة صلاة أولئك القوم على رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما وأسأل الله الكريم أن يمن علينا برؤية حبيبنا ووسيلتنا إلى الله عز وجل سيدنا ومولانا محمد صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا آمين والحمد لله رب العالمين.

اللطيفة التاسعة

ومن فضائل ما رأيت لهذه الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما رأيت سيدي علي الحاج بعد موته وهو من أهل الصلاح والسداد وهو من علماء المسلمين من أصحاب سيدي أبي الغيث القشاشي نفعنا الله تعالى ببركاتهم

فقلت له يا سيدي ما فعل الله بك فقال أكرمني بفضله ورحمته ووجدته رحيما كريما ثم سألته عن بعض إخواني دفنوا بإزائه فقال هم بخير

ثم قلت له أوصني بوصية ينفعني الله بها فقال عليك بأمك فإنها من الصالحات ثم قلت له يا سيدي سألتك بالله العظيم ونبيه الكريم ما ظهر لك من حالنا واجتهادنا فقال لي أوصيك كل الوصية زد في الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما وزد فيما نظمت من الصلاة علي رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما وأكثر منها فقلت له وهل تبلغ لك ومن أين علمت بها وإني نظمتها بعد موتك فقال والله لقد لاح نورها في السماوات السبع والأرضين السبع عليك بها والزيادة فيها أسأل الله أن يجعلنا من الذين أحيا قلوبهم بذكره والصلاة على نبيه صلى الله عليه وسلم تسليما وأن يجعلنا وأحبتنا من جيرانه وأن لا يحرمنا من النظر إلى وجهه الكريم في الدنيا والآخرة بمنه وكرمه إنه ولي التوفيق لا رب غيره ولا معبود سواه

اللطيفة العاشرة

ومن فضائل ما رأيت لهذه الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما رأيت في ليلة من الليالي فيما يرى النائم برَّاحا يبرح (أي مناديا ينادي) وهو يقول من أراد زيارة رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما فليسع معنا فمررت مع البرَّاح وإذا أنا بأناس يقبلون إليه فأقبلنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما في غرفة عالية فأخذت عن شمالها بطلب الباب فصاح بي الناس ارجع عن يمين الغرفة فوجدت الباب فدخلت فإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما جالسا مع أصحابه رضي الله عنهم فلما دنوت منهم حال بيني وبينهم غمام ولم نر وجه أحد منهم فقلت الصلاة والسلام عليك يا رسول الله صلى الله عليك وسلم تسليما وعلى آلك والرضا عن أصحابك وأهل بيتك أما كانت هذه عادتي معك يا رسول الله صلى الله عليك وسلم تسليما فقال قد حالت بيني وبينك أغطية الدنيا وجعل يوبخني ويقول نحن ننهاك عن الدنيا والإهتمام وأنت تهتم وطال توبيخه في حتى قلت في نفسي ما حال هذا بيني وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما إلا لشقوتي وجعلت نبكي ونقول أليس قد ضمنتني يا رسول الله صلى الله عليك وسلم تسليما فقال لي أنت من أهل الجنة ثم قلت له سألتك بالله العظيم وبجاهك عند الكريم إلا ما دعوت الله أن يرفع هذا الغمام الذي حال بيني وبينك فجعل ذلك الغمام يذهب شيئا بعد شيء حتى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما وأصحابه وجعلت نتمرغ عليه ونقول له يا رسول الله صلى الله عليك وسلم أليس قد ضمنتني فقال أنت من أهل الجنة وجعل يقول نحن نقول لك قيلك (أي دع) الإهتمام وأنت تهتم وتيقظت عند قوله قيلك الإهتمام نسأل الله العظيم بجاه نبيه الكريم أن يجعل اهتمامنا فيما يبقي وأن يصرف همتنا عما يفني بجاه سيدنا ووسيلتنا إلى ربنا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم تسليما ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.

اللطيفة الحادية عشر

ومن فضائل ما رأيت لهذه الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما رأيت في ليلة من الليالي برَّاحا (أي منادي) كأنه الأول وكان بينها وبين الرؤية التي قبلها ليلة واحدة وهو يقول يا من يريد زيارة قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما فليسع معنا فسرنا جماعة خلفه فوقفنا على قبره صلى الله عليه وسلم تسليما فجعلت نصلي عليه وندعوا إلى الله بحرمة الصلاة على نبيه صلى الله عليه وسلم ونقول إلهي هذا قبر نبيك أريتنيه وأين نبيك إلهي كنت أرى وجهه والآن هذا قبره أسالك اللهم بقدره عندك وبجاهه لديك إلا ما أريتنيه فإذا به صلى الله عليه وسلم تسليما ومعه أقوام كل لباسهم أخضر وهم نازلون من درج من مكان مرتفع فلما رآني قال لي نحن نقول لك قيلك الإهتمام وأنت تهتم فألهمني الله فقلت له يا رسول الله صلى الله عليك وسلم أنا مريض ادع الله أن يشفي مرض غفلتي فدنا مني فقبض بيده المباركة على رأسي وجعل يضرب بيده على رأسي وهو يقول سيشفيك الله ثم قال قد شفاك الله ثلاثا وكل كلمة بضربة على رأسي ويده الأخرى قابضة فوالله قد أحسست بشيء قد نزل من رأسي على قلبي بارد كالثلج مع حلاوة وأحسست بشيء قد خرج من قلبي وباطني إلى أن خرج من أقدامي إلى الأرض فوالله ما نزع يده من رأسي حتى استنار قلبي وسطع فيه نور ثم قال لقوم حوله عليهم لباس أخضر لم أر أجمل منهم والنور يلوح من وجوههم احملوه معكم فبسطوا لي بساطا واجلسوني فيه وجلسوا معي ثم طار بنا الفراش في الهواء فنظرت إلى الأرض فرأيت بحورا بيضا تحتنا ثم قطعنا تلك البحور فرأيت تحتنا بحرا أخضر وكل ما حوله أخضر فداخلني شيء من الخوف مما رأيت تحتنا من البحور والبساط يرقى بنا فبلغنا إلى عمود ممتد من نور لا يعلم منتهاه إلا الله عز وجل وفيه قصور خضر وغرف خضر وسكانه كلهم بلباس أخضر والنور من تلك القصور والغرف والروضات يلوح مرة بعد مرة كالبرق ولكنه أخضر كذلك يلوح من وجوه القوم ومن لباسهم

فقالوا لي إجلس هنا أنت من هؤلاء القوم أنت من سكان هذا المكان فقلت لهم سألتكم بالله العظيم وبنيه الكريم إلا ما أخبرتموني كيف يقال لهذا المكان فقالوا لي هذه خضرة المتحابين في الله فقلت لهم سألتكم بالله العظيم وبنيه الكريم بم نلت أنا هذه المرتبة فقالوا لي هذه بمحبتك في الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما وبما اخترتها على سائر الأذكار فجعلت نصلي على رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما في ذلك المكان وانتبهت وأنا أصلي عليه صلى الله عليه وسلم تسليما وأسأل الله أن يجعلنا وأحبتنا من سكان الفردوس الأعلى وأن يمدنا برؤيته صلى الله عليه وسلم تسليما في الدنيا والآخرة بمنه وكرمه

اللطيفة الثانية عشر

ومن فضائل ما رأيت لهذه الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما رأيت في ليلة من الليالي بعض إخواني بعد موته فسألته عن حاله فقلت له ما فعل الله بك فقال رحمني وأكرمني بفضله ثم قلت له يا أخي هل ظهر لك شيء من حالنا فقال أبشر يا أخي أنت عند الله من الصديقين فقلت له بم أنا عند الله من الصديقين قال بما نظمت من الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما.

اللطيفة الثالثة عشر

ورأيت أيضا رجلين كنت أعرفهما في طريق المخزن (أي الحكومة في لغة المغرب) فرأيتهما بعد موتهما فقلت لهما أليس قدمتما فقالا بلى قلت لهما سألتكما بالله العظيم ونبيه الكريم ما فعل الله بكما فقالا رحمنا بفضله قلت لهما أنتما قد توفيتما وأنتما في المخزن جنديان فقالا كان ذلك ولكنا متنا بالطاعون فرحمنا الله بفضله وغفر لنا ثم قلت لهما سألتكما بالله العظيم ونبيه الكريم هل ظهر لكما شيء من حالنا أو وقفتما على شيء من عاقبة أمرنا فقالا أبشر أنت عند الله من الصديقين فقلت لهما سألتكما بالله العظيم ونبيه الكريم أحق ما تقولان قالا نعم والله إن لك عند الله خيرا كثيرا فقلت بم ذلك قالا بما نظمت من الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما ثم سألتهما عن رجل كنت أعرفه توفى فقالا هو بخير فانتبهت وأنا أرجو الله أن ينفعنا وأحبتنا بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا.

اللطيفة الرابعة عشر

ومن فضائل ما رأيت لهذه الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما رأيت ليلة من الليالي جماعة من رهبان اليهود وهم يتناولون في أخبار الرسل ورسالتهم فقالوا الدليل على رسالة موسى كذا وكذا والدليل على رسالة عيسى كذا وكذا وما الدليل على رسالة محمد فقلت لهم الدليل على رسالته الوحي والتنزيل وانشقاق القمر له وسجود الأشجار له وسلمت عليه الأحجار ونطقت الجمادات وصلى عليه رب الأرض والسموات والمعجزة نازلة منزلة قوله تعالى صدق عبدي في كل ما بلغ عني فقال واحد منهم صدقت والباقون لم يصدقوني ولم يكذبوني فإذا بالبراح يبرح (أي المنادي ينادي) وقول يا من أراد أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما فليلتحق بي فممرت نسعى مع من سعى فوجدنا عينا تجري بماء أبيض كالحليب وأبرد من الثلج وأحلى من العسل ورسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما جالس عندها وجبريل معه فقلت الصلاة والسلام عليك يا رسول الله فدنوت منه وسلمت عليه فقال لي سلم على الروح الأمين جبريل عليه السلام فسلمت عليه وتمرغت بوجهي عليهما وطلبتهما في الدعاء فدعوا لي ثم قلت يا رسول الله صلى الله عليك وسلم تسليما اسقني بيدك المباركة من هذه العين فسقاني ثلاث غرفات بيديه جميعا ثم قلت لسيدنا جبريل اسقني بيدك المباركة فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما أن يسقيني فسقاني وفي كل شربة من يديهما أنوي عند شربها نية فانتبهت وأرجو الله أن يبلغني ما قصدت منهما جميعا عليهما من الله أفضل الصلاة وأزكى التسليم وهذه الرؤيا ليس فيها ذكر فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ولكن ببركتها حصل له ما حصل فيها من الخير العظيم.

اللطيفة الخامسة عشر

ومن فضائل ما رأيت لهذه الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما رأيته في ليلة من الليالي فطلبته أن يضمنني فقال أكثر من الصلاة عليَّ وإني قد ضمنتك وضمنت أمك وأباك وجعل يسمي أجدادي بأسمائهم واحدا بعد واحد إلى سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه ثم قلت يا رسول الله أردت رؤيتك كل ليلة جمعة فقال إن أردت رؤيتي كل ليلة جمعة فصم النهار (نهار الخميس) وقم الليل (ليلة الجمعة) وأكثر من الصلاة عليَّ ثم ركب على فرس وركبت معه وأخذ في يده طيرا ومررنا في فلاة من الأرض فأرسل طيره على صيد فأخذ طيرا يشبه الحباري فنزلت إليها فذبحتها فبلغ إليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما وقال كيف قلت على ذبحها فقلت بسم الله والله أكبر فقال وإن شئت قلت بسم الله وصلى الله على سيدنا محمد النبي الكريم أجزأك فانتبهت عند قوله أجزأك وأسأل الله الكريم أن يزيدنا من فضله وأن يجعل ذبحي لتلك الحباري أن تكون هي النفس لأنها تموت بذكر الله والصلاة على رسول الله وإلا فالصلاة على رسول الله مشروعة عند الذبح في مذهب إمامنا الشافعي رضي الله عنه وهذه الرؤيا تؤيده ورائيها مالكي المذهب.

اللطيفة السادسة عشر

ومن فضائل ما رأيت لهذه الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما رأيت ليلة من الليالي أني واقف عند نفر من الجن فسألتهم من أين أقبلتم قالوا أقبلنا من عند سيدي فلان وكان ذلك الذي أقبلوا من عنده من قرابتنا فقلت لهم إلى أين تريدون فقالوا إلى مكة إن شاء الله تعالى وإلى قبر نبيه محمد صلى الله عليه وسلم تسليما فقلت لهم احملونى معكم فقالوا إن شئت على بركة الله فوثبت قائما فأخذوني بينهم وطاروا بي في الهواء كالبرق فما أتى علينا ساعة حتى نزلوا بمكة وقالوا هذا بيت الله الحرام فطافوا وطفت معهم ثم قالوا على بركة الله فأخذوني معهم كأول مرة فما كان أسرع وقت حتى نزلوا بمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما وجلسنا فدخل علينا شخص لم يُر أجمل منه في يده طبق فيه ثريد وعسل فقال كُلْ على بركة الله فقلت له أردت أن أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما فقال كُلْ الآن يأتيك رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما وتراه إن شاء الله فقلت في نفسي يا عجبا الساعة فارقت منزلي ولم تمر عليَّ ساعة حتى بلغت إلى مكة وقبر رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما ولم أعرف أصحابي الذين حملوني ما اسمهم وما نسبهم فقلت لهم سألتكم بالله العظيم ونبيه الكريم وسألتكم بني الله سليمان بن داود عليه السلام إلا ما أخبرتموني أين مكانكم وما نسبكم فمدوا رقابهم إلى الأرض وقالوا نحن عشيرة من الجن من المؤنين من سكان مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما فقلت لهم أردت رؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما فقالوا كُلْ وتراه إن شاء الله تعالى فأكلت من ذلك الطعام ثم خرجنا وإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما مقبلا في جماعة فكان أطول منهم عنقا فائقا عليهم بأكتافه ورقبته فلما رآني قال يا أحمد أردت أن تجمع الخير كله دفعة واحدة ارفق بنفسك ليس لك إلا أن تجمع بين العبادة والخدمة على الطلبة لا يبقى لك إلا أصحابك الأولون أكثر

من الصلاة عليَّ ولك كل خير فقلت له اضمني يا رسول الله قال عليك بالصلاة عليَّ ولك كل ما سألت فانتبهت عند مقالته ولك كل ما سألت وأسأل الله العظيم بجاه نبيه الكريم أن يغفر لنا ولأحبتنا وجميع أشياخنا وناصحنا ومن آمن بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم تسليما إنه غفور رحيم وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وجميع إخوانه المرسلين.

اللطيفة السابعة عشر

ومن فضائل ما رأيت لهذه الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما قمت ذات ليلة آخر الليل فتوضأت وصليت ما أمكنني وأسندت ظهري إلى الحائط أنتظر طلوع الفجر فأخذتني سنة فإذا بأقوام حولي يمشون فمشيت معهم فآويت إلى شاب صغير منهم فاستحسنته لقربه من سني فأسرعت إليه لأسأله عن النفر من يكون من خلق الله فقلت للشاب أقسمت عليك بالله العظيم ونبيه الكريم إلا ما أخبرتني من أنتم من الخلق فقال نحن طائفة من الجن المؤمنين ونحن سائرون إلى زيارة عابد من عباد جن المؤمنين بالجنان قال لي ذلك سرا من أصحابه فقلت له

أقسمت عليك بالله وبمائة ألف نبي وأربعة وعشرين ألف نبي إلا ما أخبرتني من أنتم فقال لي جهرا حتى سمعه كل من كان من القوم الماشين معنا نحن طائفة من الجن المؤمنين ثم سرنا إلى أن بلغنا مدينة لا أعرفها فدخلنا المدينة فأقسم عليَّ وقال لي سر معي إلى دارنا لتراك أمي فلما أقسم عليَّ أسعفته فدخلنا الدار فقال لوالدته يا أماه هذا أحمد بن ثابت فقالت أنت أحمد بن ثابت فسلمت عليها وقلت لها من أين عرفتموني أنا أحمد بن ثابت فقالت لي من حين ابتدأت نظم الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما فقلت لها وهل تعرفون أحدا من أولياء الله وتعاملونه وتخدمونه فقالت لي نحن لم نعرف إلا سيدي محمد السعدي من عمارة عروس فقلت لها سبحان الله وهل لم يكن لله ولي إلا سيدي محمد السعدي فقالت لا نعرف إلا ذلك الشخص وهو رجل خفي عندكم وظاهرا عندنا ثم أخذ بيدي وأقبل بي إلى ذلك الرجل الصالح الذي قدمنا لزيارته فوجدته في مكان مرتفع ومعه جماعة يذكرون الله تعالى ويصلون على رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما وهم يقولون والله ما طلعت شمس ولا قمر أضوأ من وجهك يا سيد البشر فلما رآني قام إليَّ وأخذ بيدي وأجلسني إلى جانبه بعد أن سلم عليَّ فسكت كل من كان حوله وأقبل على جلسائه وقال هذا أحمد بن ثابت يا من يريد صحبته فقام جلساؤه كلهم عليَّ

ثم قلت له يا سيدي سألتك بالله العظيم ونبيه الكريم من أين تعرفني عسى أن يكون أحمد بن ثابت غير الذي مدحته لأصحابك فقال أنت أحمد بن ثابت الكائن في صباحه فقلت له أنا عبد الله أحمد بن ثابت ثم قلت سألتك بالله العظيم ونبيه الكريم من أي وقت عرفتني وأنا لا أعرفك فقال عرفتك من يوم بدأت تنظم الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما أبشر بما كان لك من خير عند الله ولا تخش ثم قلت يا سيدي سألتك بالله العظيم ونبيه الكريم ما اسمك وما نسبك فقال أما اسمي فأنا عبد الله خنجرة بن محمد من مدينة واق واق وأتيت إلى زيارة الجنان وأقبل يوصيني في الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما ووعدني فيها خيرا كثيرا ونسأل الله في الزيادة من فضله إنه ولي التوفيق ولا رب غيره ولا معبود سواه ثم قام يؤذن لصلاة الصبح فلما بلغ الصلاة خير من النوم قال عوضا منه العبادة لله الواحد القهار ثم أخذ بيدي وقال لي قم فصل الصبح فقمت وأنا في مكاني مستندا إلى الحائط فكلمت صاحبي وكان يرصد الفجر قبلا فقال لي غطَّاه السحاب ثم قال لي ها هو قد زال السحاب وطلع الفجر فأسبغت الوضوء وصليت والحمد لله بجميع محامده ما علمت منها وما لم اعلم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما اللهم مُنَّ علينا بما مننت به على أوليائك وجد علينا بما جدت به على أصفيائك إنك ولي التوفيق لا رب غيرك ولا معبود سواك.

اللطيفة الثامنة عشر وهي رؤية يقظة لا رؤيا منام

ومن فضائل ما رأيت لهذه الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما كنت في الخلوة وأتاني شخص فأدخل عليَّ الفتنة من كونه شكا لي فقره وهمه وعرض عليَّ تربيعا بيده لنصلحه له فأخذته فوجدته مصحفا فأصلحته له فلما فارقني فإذا شخص أشار عليَّ وقال هو لا ينتفع بذلك التربيع وأنت يُخاف عليك فبقيت أبكي ما بين الصلاتين ثم أقبل إليَّ شخص وقال لي توسل إلى الله عز وجل بالنبي صلى الله عليه وسلم تسليما وسيدي خالد صاحب مكة فجعلت أتوسل إلى الله عز وجل بالنبي صلى الله عليه وسلم تسليما وأستغيث به طول ليلتي ثم أقبلت لزيارة بعض الصالحين فأخذت وقت صلاة المغرب قرب منزله فأقمت الصلاة ودخلت فيها فإذا أنا بأقوام أقبلوا عليَّ وأنا في وسطهم ثم ضُرب بيني وبينهم سور في أسرع من طرفة العين فحال بيني وبينهم فضاق بي الحال كثيرا وأنا في صلاتي لم أقطعها وإذا بسيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلم تسليما رسول رب العالمين وقائد الغر المحجلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم تسليما أخذ بيدي وأدخلني الحلقة وقال صلى الله عليه وسلم تسليما أنا شفيع الأنام فسكنت روعتي وأتممت صلاتي وهذه الرؤية مشاهدة ليست مناما فلما أتممت صلاتي قدمت إلى ذلك الولي المزور فقال يمنعك السور فقلت له يا سيدي إلى ما شاهدت أوصلك حالك ولم تصل إلى ما وراء ذلك فأطرق برأسه ساعة ثم رفعه وقال قد فكك زين الحزام وأدخلك الحلقة فاحمد الله على ذلك وهذه الرؤية مما تفضل الله بها علينا مع كون أحوالنا قاصرة عن ذلك ولم تكن فينا أهلية حتى لرؤيته صلى الله عليه وسلم في المنام ولكن فضل الله يؤتيه من يشاء فله الحمد والشكر على ما أنعم به علينا ونسأله سبحانه وتعالى المزيد من فضله كما يحب ربنا ويرضى بمنه وكرمه.

اللطيفة التاسعة عشر

ومن فضائل ما رأيت لهذه الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما رأيت فيما يرى النائم كأنني دخلت النار أعاذنا الله وإياكم منها وأنا أصلي على رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما فلم تعد عليَّ النار فلقيتني امرأة كان زوجها صديقا لي فقالت لي يا سيدي أحمد أوما علمت بصديقك فلان وزوجته في النار فأغمني ذلك كثيرا من كون الرجل صديقا لي فدخلت بيته فإذا فيه قِدر من قطران فقالت لي هذا شرابه فقلت لها من أين له هذا ومن أين أتى وهو رجل ظاهره الصلاح؟ فقالت لي جمع المال من حلال وحرام فأُخذ بذلك فنظرت في النار فإذا فيها خنادق من النار وأودية عافانا الله منها بمنه وكرمه آمين ثم ارتفعت في الهواء نحو السماء إلى أن بلغت عنان السماء فسمعت الملائكة يسبحون ويقدسون ويوحدون الله عز وجل فسمعت قائلا يقول أبشر بالخير فإنك من أهل الخير أو كلاما هذا معناه ثم رجعت هابطا إلى الأرض حتى نزلت في المكان الذي كنت فيه فإذا بالمرأة وإذا بالباب انفتح وخرج زوجها وقال قد نجانا الله بسببك وبحرمة الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما ثم دخلت موضعا لم ير الراؤن أحسن منه وفيه غرفة عالية وجدت امرأة ذات حسن وجمال لم ير الراؤن أحسن منها وهي قاعدة تعجن عجينا أبيض من الثلج في قصعة ورأيت في العجين شعرة طويلة فاختلطت بذلك العجين فكرهت اختلاط تلك الشعرة فقلت لتلك المرأة انزعي تلك الشعرة يرحمك الله أفسدت العجين فقالت لي لا قدرة لي عليها وأنت القادر عليها وحكمها بيدك وهي ما بقي من حب الدنيا في قلبك فإن شئت فانزعها وإن شئت فاتركها فافقت عند كلامها بذلك وهذا آخرها ولكن بقي منها أن رجلا قال لي يا أحمد بن ثابت إن خالك فلانا الذي يسألك كل ساعة عن عاقبة أمره فهو من أولياء الله لكن أخفى الله أمره إلى يوم القيامة فاستيقظت وأنا مسرورا بما أرانيه الله لكن هالني أمر تلك الشعرة والله أعلم وهذا آخر ما رأيته من المرائي. انتهت



  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!