موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب سعادة الدارين في الصلاة على سيد الكونين

للشيخ يوسف النبهاني

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


استطراد في ذم بغض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم

استطراد في ذم بغض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم

الشيء بالشيء يذكر رأيت من المناسب هنا بمناسبة اللطيفة الأخيرة ذكر عدة حكايات في ذم بغض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم

قال الإمام العلامة أبو عبد الله محمد ابن النعمان التلمساني في كتابه (مصباح الظلام في المستغيثين بخير الأنام في اليقظة والمنام) ومنه نقلت

١ - قال أبو عبد الله المهتدي حججت إلى بيت الله فوافيت بالحرم رجلا ذكر لي أنه لا يشرب الماء فسألته عن ذلك فقال أنا أخبرك بسبب ذلك أنا رجل من أهل الحلة من الطائفة المتشيعة نمت ليلا فرأيت كأن القيامة قد قامت والناس في كرب وشدة وعطش فأصابني عطش عظيم فأتيت حوض النبي صلى الله عليه وسلم فوجدت عليه أبا بكر وعمر وعثمان وعليا رضي الله عنهم وهم يسقون الناس قال فأتيت عليا رضي الله عنه لإدلالي عليه ومحبتي له وتقديمي إياه ليسقيني فأعرض بوجهه عني فأتيت أبا بكر رضي الله عنه فأعرض بوجهه عني فأتيت عمر رضي الله عنه فأعرض بوجهه عني فأتيت عثمان رضي الله عنه فأعرض عني والنبي صلى الله عليه وسلم واقف في المحشر يذود الناس فأتيته فقلت يا رسول الله أصابني عطش عظيم فأتيت عليا ليسقيني فأعرض عني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يسقيك وأنت تبغض أصحابي فقلت يارسول الله ما لي من توبة قال لي نعم أسلم وتب وأسقيك شربة لا تظمأ بعدها أبدا فأسلمت وتبت على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم فناولني كأسا فشربتها فاستيقظت فلم أجد عطشا وبقيت على ذلك إن شئت أشرب وإن شئت لا أشرب فمضيت إلى أهلي إلى الحلة وتبرأت منهم إلا من أجاب ورجع عن ذلك

قال ابن النعمان ويشهد لصحة هذه الحكاية الحديث وساق سنده فيه إلى أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [إن لحوضي أربعة أركان فأول ركن منها في يد أبي بكر والركن الثاني في يد عمر والركن الثالث في يد عثمان والركن الرابع في يد علي فمن أحب أبا بكر وأبغض عمر لم يسقه أبو بكر ومن أحب عمر وأبغض أبا بكر لم يسقه عمر ومن أحب عثمان وأبغض عليا لم يسقه عثمان ومن أحب عليا وأبغض عثمان لم يسقه علي ومن أحسن القول في أبي بكر فقد أقام الدين ومن أحسن القول في عمر فقد أوضح السبيل ومن أحسن القول في عثمان فقد استنار بنور الله ومن أحسن القول في علي فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها ومن أحسن القول في أصحابي فهو مؤمن] قال وهذا الكلام يروى عن أبي أيوب السختياني رضي الله عنه أعني قوله [ومن أحسن القول في أبي بكر إلى آخره] بلفظ قريب من لفظ الحديث وهو [من أحب أبا بكر فقد أقام الدين ومن أحب عمر فقد أوضح السبيل ومن أحب عثمان فقد استضاء بنور الله ومن أحب عليا فقد أخذ بالعروة الوثقى ومن أحسن الثناء على أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فقد بريء من النفاق] ومن انتقص أحدا منهم فهو مبتدع مخالف للسنة وللسلف الصالح وأخاف أن لا يصعد له عمل إلى السماء حتى يحبهم جميعا ويكون قلبه سليما

على هذا الاعتقاد درج السلف وبذلك اقتدى العلماء خلفا بعد خلف

٢ - وقال رضوان السمان كان لي جار في منزلي وسوقي وكان يشتم أبا بكر وعمر رضي الله عنهما قال فكثر الكلام بيني وبينه فلما كان ذات يوم شتمهما وأنا حاضر فوقع بيني وبينه كلام حتى تناولته وتناولني وانصرفت إلى منزلي وأنا مغموم حزين ألوم نفسي فنمت وتركت العشاء فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في منامي من ليلتي فقلت يا رسول الله فلان جاري في منزلي وفي سوقي يسب أصحابك قال مَنْ مِنْ أصحابي قلت أبا بكر وعمر رضي الله عنهما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خذ هذه المدية فاذبحه بها قال فأخذتها فأضجعته فذبحته فرأيت كأن يدي قد أصابها من دمه فألقيت المدية وأهويت بيدي إلى الأرض أمسحها فانتبهت وأنا أسمع الصراخ من نحو داره فقلت انظروا ما هذا الصراخ قالوا فلان مات فجأة فلما أصبحنا نظرت فإذا خط موضع الذبحة

٣ - حكي عن شيخ دمشقي جاور بالحجاز سنين قال جاورت بالمدينة سنة مجدبة فخرجت إلى السوق لأشتري برباعي دقيقا فأخذ الدقيقي من الرباعي وقال إلعن الشيخين حتى أبيعك الدقيق فامتعنت من ذلك فراجعني مرات وهو يضحك فضجرت وقلت لعن الله من لعنهما فلطم عيني ورجعت إلى المسجد والدموع تسيل منها قال وكان لي صديق من ميافارقين زاهد جاورنا في المدينة سنين فسألني عن حالي فذكرت له القضية فقام معي إلى التربة وقال السلام عليك يا رسول الله قد جئناك مظلومين فخذ بثأرنا وتضرع كثيرا ورجعنا فلما جنَّ عليَّ الليل نمت فحين أصبحت صادفت العين أحسن مما كانت كأنها لم يصبها ضرب قط ثم لم يكن إلا ساعة وإذا رجل مبرقع قد دخل من باب المسجد يسأل عني فدُلَّ عليَّ فجاء وسلم وقال ناشدتك الله إلا جعلتني في حل فأنا الرجل الذي لطمك فقلت لا أو تذكر لي قصتك فقال نمت فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أقبل ومعه أبو بكر وعمر وعلي فتقدمت وقلت السلام عليكم فقال علي رضي الله عنه لا سلم الله عليك ولا رضي عنك أنا أمرتك أن تلعن الشيخين وجعل إصبعه كذا في عيني ففقأها وانتبهت وأنا تائب إلى الله تعالى وأسألك التجاوز عن جرمي فحين سمعت قوله قلت اذهب فأنت في حل من قِبَلي

٤ - وقال جماعة من الحفاظ والفضلاء ألفاظهم مختلفة والمعنى واحد أراد رجل الحج فأحضره الأمير مقلد فقال له يا فلان أتريد الحج قال نعم قال إذا حججت وأتيت المدينة فأقرأ على النبي صلى الله عليه وسلم مني السلام وقل له لولا صاحباك لزرتك قال الرجل فحججت وأتيت المدينة ولم أقل الكلام عند القبر إجلالا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فلما كان الليل ونمت رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في منامي فقال يا فلان لِمَ لم تؤد الرسالة من مقلد قلت يا رسول الله أجللتك أن أقول لك في صاحبيك ذلك فرفع رأسه إلى رجل قائم فقال خذ هذا الموسى واذبحه به فوافيت إلى العراق فسمعت أن الأمير مقلد ذبح على فراشه فلما قدمت البلد سألت عنه فقيل لي أنه ذبح على فراشه فذكرت للناس الرؤيا التي رأيتها فشاعت إلى أن بلغت الأمير قراوش بن المسيب فأحضرني وقال لي اشرح لي الحال فشرحته له فقال لي أتعرف الموسى فقلت نعم فأحضر طبقا مملوأ مواسي والموسى في الجملة فقال لي أخرج الموسى منها فضربت بيدي وأخذت الموسى الذي رأيته بيد النبي صلى الله عليه وسلم وقد ناوله الرجل فقال صدقت هذا الموسى وجدته عند رأسه وهو مذبوح

٥ - قال أبو محمد عبد الله ابن محمد الفقيه الحنبلي اجتمع جماعة إلى الطريق قاصدين إلى مكة في عروض السنة وكان أحدهم كثير الصلاة فمات وأهمهم دفنه فنظروا إلى بيت شعر في الصحراء فقصدوه فإذا فيه عجوز وإذا في البيت قدوم فسألوها أن تدفع القدوم إليهم فقالت تعاهدوني بالله أنكم تردونه إليَّ فأعطوها ما أرادت ثم أخذوا القدوم فحفروا به قبرا وواروا الرجل ونسوا القدوم في القبر وذكروا العهد فدعتهم الضرورة إلى أن ينبشوه فإذا هو قد صار غلا من يد الميت إلى عنقه فردوا عليه التراب وذهبوا إلى العجوز وخبروها الخبر فقالت لا إله إلا الله رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامي فقال لي احتفظي بهذا القدوم فإنه غل لرجل يسب أبا بكر وعمر رضي الله عنهما

٦ - قال أبو محمد الخرساني كان عندنا ملك من ملوك خراسان وكان له خادم يتعبد فلما أخذ في التأهب للحج استأذن الخادم مولاه في الحج فلم يأذن له فقال له الخادم إنما أستأذنك في طاعة الله وطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له لست آذن لك حتى تضمن لي حاجة فإن ضمنتها أذنت لك وإن لم تضمنها لم آذن لك فقال الخادم هاتها قال أبعث معكم برجال وخدم ونوق وزوامل فإذا بلغت إلى قبر المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم فقل يا رسول الله مولاي يقول لك إني بريء من ضجيعيك قال فقلت له سمعا وطاعة وربي يعلم ما في قلبي ثم انتهينا إلى المدينة فبادرت إلى القبر فسلمت على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى أبي بكر وعمر واستحييت من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أبلغه الرسالة المنكرة قال فنمت في المسجد بإزاء القبر فغلبتني عيناي فرأيت في المنام كأن حائط القبر قد انفتح وإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم قد خرج وعليه ثياب خضر ورائحة المسك تفوح من بدنه وإذا أبو بكر عن يمينه وعليه ثياب خضر وإذا عمر عن يساره وعليه ثياب خضر وكأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول لي يا كيِّس ما لك لا تؤدي الرسالة قال فقلت يا رسول الله وقمت قائما هيبة للنبي صلى الله عليه وسلم وقلت إني استحييت منك أن أسمعك في ضجيعيك ما قال لي مولاي قال فقال لي إعلم أنك تحج وترجع سالما إلى خراسان إن شاء الله فإذا بلغت إليه فقل له النبي صلى الله عليه وسلم يقول لك إن الله عز وجل وإني بريئان ممن تبرأ منهما أفهمت قلت نعم يا رسول الله ثم قال واعلم أنه يموت في اليوم الرابع من قدومك عليه أفهمت قلت نعم ثم قال لي واعلم أنه يخرج من وجهه بثرة قبل أن يموت أفهمت قلت نعم يا رسول الله ثم انتبهت فحمدت الله تعالى على أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ورأيت ضجيعيه وحمدته على ما كفاني من تبليغ الرسالة المذكورة ثم إني حججت ورجعت إلى خرسان سالما وقد جئته بهدايا سنية فسكت عني يومين

فلما كان في اليوم الثالث قال لي ما صنعت في الحاجة قلت قد قضيت قال هاتها قلت لا تريد يا مولاي أن تسمع الجواب فقال لي هاته فقصصت عليه القصة فلما بلغت إلى قوله إن الله وإني بريئان ممن تبرأ منهما تضاحك ثم قال تبرأنا منهم وتبرأوا منا واسترحنا فقلت في نفسي سوف تعلم يا عدو الله قال فلما كان اليوم الرابع من قدومي ظهرت في وجهه بثرة فآلمته فلم نصل الظهر إلا وقد دفناه.

٧ - قال أحد المشايخ المعمرين كنت بجامع عمرو بن العاص في آخر دولة المصريين ونحن في الصلاة أراها صلاة الصبح فسمعت ضجيجا بصحن الجامع فلما فرغنا من الصلاة اجتمع الناس فرأوا رجلا مذبوحا فقال رجل من الحاضرين أنا ذبحته فإني سمعته يسب ابا بكر وعمر رضي الله عنهما فحمل إلى السلطان فسأله عن القصة فقال أنا قتلته فأمر السلطان بالرجل القاتل أن يحبس وأمر أن يدفن الميت فحفروا له موضعا فوجدوا ثعبانا ثم حفروا له موضعا آخر فوجدوا فيه ثعبانا أيضا فحفروا له قبرا ثالثا فوجدوا فيه ثعبانا فدفنوه فيه.

٨ - وحدَّث مؤذن عك قال جزت أنا وأعمى إلى مكران ومعنا رجل يسب ابا بكر وعمر رضي الله عنهما فنهيناه فلم ينته فقلنا اعتزلنا فاعتزلنا فلما دنا خروجنا تذممنا فقلنا لو صحبنا حتى نرجع إلى الكوفة فلقينا غلام له فقلنا قل لمولاك يعود إلينا قال إن مولاي قد حدث به أمر عظيم قد مسخت يداه يدي خنزير قال فأتيناه فقلنا ارجع إلينا قال قال قد حدث بي أمر عظيم وأخرج ذراعيه فإذا هما ذراعا خنزير قال فصحبنا حتى انتهينا إلى قرية من قرى السواد كثيرة الخنازير فلما رآها صاح صيحة ووثب فمسخ خنزيرا وخفي علينا فجئنا بغلامه ومتاعه إلى الكوفة.

٩ - وحدَّث رجل قال خرجنا في سفر ومعنا رجل يشتم أبا بكر وعمر رضي الله عنهما فنهيناه فلم ينته فخرج لبعض حاجته فاجتمع عليه الدبر يعني الزنابير واستغاث فأغثناه فحملت علينا حتى تركناه فما أقلعت عنه حتى قطعته.

١٠ - قال شهر بن حوشب كنت أخرج إلى الجبانة وأصلي على الجنائز إلى أن أيأس من مجيء الجنائز فأدخل فخرجت ذات يوم فلقيت رجلين قد تواثبا وعليهما ثياب صوف وقد أدمى أحدهما صاحبه فدخلت لأفرق بينهما وقلت أرى ثيابكما ثياب الأخيار وفعالكما فعال الأشرار فقال الذي أدمى صاحبه دعني فما تدري ما يقول هذا قلت ما يقول قال يقول إن خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وأن أبا بكر وعمر كفرا بعد إسلامهما وارتدا عن الإسلام وقاتلا المسلمين ويكذب بالقدر ويرى رأي الخوارج ويبتدع في الدين فقلت له هكذا تقول قال نعم فقلت لصاحبه دعه فإن لك وله ربا بالمرصاد قال لا أدعه أو تحكم بيني وبينه فقلت بماذا وقد مات النبي صلى الله عليه وسلم وانقطع الوحي فنظر إلى أتون بحذائه قد أوقده صاحبه ويريد أن يطبق عليه فقال ندخل جميعا إلى هذا الأتون فمن كان منا على حق نجا ومن كان على باطل احترق فقلت للآخر أتفعل ذلك قال نعم فتقدما إلى صاحب الأتون متلبيين وقالا لا تطبق الباب فإنا نريد أن ندخله فمنعهما فقالا لابد لنا من أن ندخله فقال ما شأنكما وما الذي حملكما على هذا فحدثاه بالقصة فناشدهما أن لا يفعلا فأبيا وقال السني للبدعي أتقدم أو تتقدم فقال بل تقدم فتقدم السني فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله وقال اللهم إنك تعلم أن ديني واعتقادي أن أخير الناس بعد رسولك أبو بكر الصديق الذي نصر رسولك وواساه بنفسه وماله ونصره حيث كان أول من أسلم وآزره على أمره وآمن به وبما جاء به حيث ليس أحد غيره ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فذكر من فضائله ثم عمر بن الخطاب الذي أعززت به الإسلام وفرقت به بين الحق والباطل ثم عثمان بن عفان زوج ابنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له لو كان لنا ثالثة لزوجناك الذي جهز جيش العسرة وقام بأمر النبي صلى الله عليه وسلم في نوائبه مع ذكر فضائله ثم علي بن أبي طالب ابن

عم رسولك وزوج ابنته فاطمة أعز الخلق عليه وأبو ولديه الحسن والحسين وكاشف الكرب عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم مع ذكر فضائله وإني اؤمن بالقدر خيره وشره وبما آمن به رسولك وما نهى عنه ولا أرى رأي الخوارج واؤمن بالبعث والنشور وأنك الحق المبين ليس كمثلك شيء وأنك تبعث من في القبور وأتبع ولا أبتدع ثم قال اللهم هذا ديني واعتقادي فإن كنت على حق فبرد هذه النار كما بردتها على إبراهيم واصرف عني حرها ولهبها وأذاها بحولك وقوتك فإني إنما أفعل هذا غيرة لدينك ولما جاء به رسولك واؤمن بالله ثم دخل الأتون وتقدم البدعي فحمد الله مثل تحميده ثم قال الذي أدين به أن خير الناس بعد رسولك علي بن أبي طالب ثم ذكر من فضائله مثلما ذكر السني وقال لا أعرف لأحد غيره حقا لأن أبا بكر كفر بعد إسلامه وقاتل المسلمين وارتد عن الدين وكذلك عمر وعثمان ثم ذكر ما يذهب إليه من البدعة ويكذب به ثم قال اللهم إن هذا ديني واعتقادي وقال كما قال صاحبه ودخل وأطبق صاحب الأتون عليهما وانصرف على أنهما محترقان قد جنيا على أنفسهما وبقيت وحدي لا أريد الإنصراف حتى يتبين أمرهما فلم أزل أتنقل من فيء إلى فيء وعيني إلى الأتون حتى زالت الشمس فسقط الطابق وخرج عليَّ السني وجبينه يعرق فقمت إليه وقبلت وجهه وقلت له كيف كنت فقال بخير أُدخلت إلى مجلس مفروش بأنواع الفرش وفيه أنواع الرياحين والخدم فنُومت على الفرش إلى الساعة ثم جاءني جاء فقال لي قم فقد حان لك أن تخرج من هاهنا وقد جاء وقت الصلاة فقم وصل فخرجت فسألته التوقف ووجهنا خلف صاحب الأتون فجاء ومعه حديدته فلم يزل يطلب البدعي حتى وقعت في موضع من بدنه فجَّره وأخرجه وقد صار حُممة إلا جبهته فإنها بيضاء عليها سطران مكتوبان يقرؤهما الصادر والوارد هذا عبد طغى وبغى وكفر بأبي بكر وعمر آيس من رحمة الله فأغلق الناس دكاكينهم ثلاثة أيام لم يفتحوها ينتابه الناس ينظرون إليه ويسمعون من السني حديثه وتاب

عن سب أبي بكر وعمر أربعة آلاف نفس.

انتهى إلى هنا من كتاب (مصباح الظلام)

١١ - ويناسب هذا المعنى حكاية عجيبة وهي في كتاب (خلاصة الوفا في أخبار دار المصطفى) صلى الله عليه وسلم للعلامة السمهودي قال رحمه الله وفي (الرياض النضرة) للمحب الطبري أخبر هارون ابن الشيخ عمر بن الزغب وهو ثقة صدوق مشهور بالخير والصلاح عن أبيه وكان من الرجال الكبار قال قال لي شمس الدين صواب اللمطي شيخ خدام النبي صلى الله عليه وسلم وكان رجلا صالحا كثير البر بالفقراء أخبرك بعجيبة كان لي صاحب يجلس عند الأمير ويأتيني من خبره بما تمس حاجتي إليه فبينا أنا ذات يوم إذ جاءني فقال لي أمر عظيم حدث اليوم جاء قوم من أهل حلب وبذلوا للأمير مالا كثيرا ليمكنهم من فتح الحجرة الشريفة وإخراج أبي بكر وعمر رضي الله عنهما منها فأجابهم لذلك فلم ألبث أن جاء رسول الأمير يدعوني فأجبته فقال يا صواب يدق عليك الليلة أقوام المسجد فافتح لهم ومكنهم مما أرادوا ولا تعترض عليهم فقلت سمعا وطاعة ولم أزل خلف الحجرة أبكي حتى صليت العشاء وغلقت الأبواب فلم أنشب أن دق عليَّ الذي حذاء باب الأمير أي هو باب السلام ففتحت الباب فدخل أربعون رجلا أعدهم واحدا بعد واحد ومعهم المساحي والمكاتل والشموع وآلات الهدم والحفر قال وقصدوا الحجرة الشريفة فوالله ما وصلوا المنبر حتى ابتلعتهم الأرض جميعهم بجميع ما كان معهم فاستبطأ الأمير خبرهم فدعاني وقال يا صواب ألم يأتك القوم قلت بلى ولكن اتفق عليهم كيت وكيت قال انظر ما تقول قلت هو ذاك وقم فانظر هل ترى لهم أثرا فقال هذا موضع هذا الحديث وإن ظهر منك كان بقطع رأسك قال الطبري فحكيتها لمن أثق بحديثه فقال وأنا كنت حاضرا في بعض الأيام عند الشيخ أبي عبد الله القرطبي بالمدينة والشيخ شمس الدين صواب يحكي هذه الحكاية سمعتها من فيه أ. هـ

وقذ ذكرها مختصرة أبو محمد عبد الله بن أبي عبد الله بن أبي محمد المرجاني في (تاريخ المدينة) له وقال سمعتها من والدي يعني الإمام الجليل أبا عبد الله المرجاني قال سمعتها من والدي أبي محمد المرجاني سمعها من خادم الحجرة ثم سمعتها أنا من خادم الحجرة وذكر نحو ما تقدم.

وذكرها الإمام الشعراني مختصرة في الباب الثاني عشر من كتابه (المنن الكبرى) وزاد نقلا عن المحب الطبري أيضا أن ناظر الحرم الذي أذن لهم طلع فيه الجذام حتى تقطعت أعضاؤه ومات على أسوأ حال قال ثم إن جماعة من الروافض الذين كانوا أرسلوا الأربعين رجلا بلغهم خبر الخسف فأتوا المدينة متنكرين وعملوا الحيلة على الخادم وأدخلوه دارا لا ساكن فيها وقطعوا لسانه ومثلوا به فجاءه النبي صلى الله عليه وسلم فمسح عليه وعلى فمه فأصبح وليس به ضرر ثم عملوا عليه الحيلة ثاني مرة وقطعوا لسانه وضربوه ضربا شديدا فجاءه النبي صلى الله عليه وسلم فمسح عليه فأصبح وما به ضرر فعملوا معه الحيلة ثالثا وضربوه وقطعوا لسانه وأغلقوا عليه الباب فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح عليه فأصبح وما به ضرر. أ. هـ

١٢ - وقال رضي الله عنه قال الشيخ عبد الغفار القوصي رضي الله تعالى عنه وكذلك بلغنا أن رجلا كان يسب أبا بكر وعمر رضي الله عنهما وتنهاه زوجته وولده عن ذلك فلم يرجع فمسخه الله تعالى خنزيرا في عنقه سلسلة عظيمة وصار ولده يُدخل الناس عليه ينظرونه ثم مات بعد أيام فرماه ولده في مزبلة.

قال الشيخ عبد الغفار ورأيته أنا بعيني حال حياته وهو يصرخ صراخ الخنازير ويبكي.

ثم أخبرني الشيخ محب الدين الطبري أن شخصا ذكر له أنه اجتمع بولد هذا الرجل وذكر له القصة وأنه كان يضربه ويقول له سب أبا بكر وعمر فلم يفعل. انتهت عبارة الشعراني.

١٣ - ويناسب هذه العجيبة عجيبة مثلها ذكرها رضي الله عنه في (المنن الكبرى) أيضا في الباب الرابع عشر وهو قوله

ومما منَّ الله تبارك وتعالى به عليَّ من صغري عدم مزحي مع أحد وهو في عبادة أدبا مع الله تبارك وتعالى فلم يقع مني قط أني غمزت صبيا مصليا أو قارئا أو ذاكرا بعيني أو يدي وقَلَّ طفل يسلم من ذلك مع إخوانه في المكتب وهذا من أكبر نعم الله عز وجل عليَّ لكونه حفظني من مثل ذلك في صغري.

وفي تاريخ الملك منصور بن السلطان شعبان أنه في سنة اثنتين وثمانين وسبعمائة ورد بريد من نائب حلب إلى مصر بكتاب يتضمن أن إماما صلى بقوم في جامع فجاء شخص وعبث به في صلاته من باب المداعبة فلم يقطع الإمام صلاته حتى فرغ فلما سلَّم انقلب وجه العابث وجه خنزير ثم هرب ودخل غابة هناك فتعجب الناس من هذا الأمر وكتب بذلك محضرا وهذا من جملة غيرة الله تعالى وعقوبته المعجلة لمن أساء معه الأدب فإياك يا أخي أن تمكن أولادك من مثل ذلك والحمد لله رب العالمين. أ. هـ

١٤ - وقال العلامة ابن حجر المكي في (الزواجر) ولقد شوهد على سابِّيهم يعني الصحابة رضي الله عنهم قبائح تدل على خبث بواطنهم وشدة عقابهم.

منها ما حكي أنه لما مات ابن منير خرج جماعة من شُبان حلب يتفرجون فقال بعضهم لبعض قد سمعنا أنه لا يموت أحد ممن سب أبا بكر وعمر إلا ويمسخه الله في قبره خنزيرا ولا شك أن ابن منير كان يسبهما فأجمعوا على المضي إلى قبره فمضوا ونبشوه فوجدوا صورته صورة خنزير ووجهه منحرف عن القبلة إلى جهة الشمال.

فأخرجوه على شفير قبره ليشاهده الناس ثم أحرقوه في النار وأعادوه في قبره وردوا عليه التراب.

١٥ - وقال الإمام الشعراني في الباب الثاني عشر من (المنن) أيضا ومما منَّ الله تبارك وتعالى به عليَّ رؤيتي أولاد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعين التي كنت أرى بها والدهم لو أدركته حتى كأني بحمد الله تعالى صحبت جميع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في تفاوت حياتهم مع تفاوت مراتبهم التي ظهرت من رسول الله صلى الله عليه وسلم دون ما يقع في نفوسنا نحن من التعظيم فربما أدخل الشيطان علينا من العصبية في محبتنا بخلاف من كان محبته تبعا لما بلغه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه يكون سالما من العصبية في عقيدته.

وحكى عن المحب الطبري مفتي الحرمين أن الشريف أبا نميّ قال له بأي طريق قدَّمتم أبا بكر على علي مع غزارة علمه وقربه من رسول الله صلى الله عليه وسلم

فقال له يا سيدي إننا لم نقدم أبا بكر برأينا وما لنا في ذلك أمر وإنما جدك صلى الله عليه وسلم قال [سدوا كل خوخة في المسجد إلا خوخة أبي بكر] وقال صلى الله عليه وسلم [مروا أبا بكر فليصل بالناس] وقرأنا هذا الحديث بالسند الصحيح إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت الصحابة من رضيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقدمه لديننا قدمناه لدنيانا فقال الشريف أبو نميّ نعم فعمر

فقال المحب الطبري وأما عمر فإن أبا بكر عند موته إختاره للمسلمين

قال الشريف نعم فعثمان

فقال المحب الطبري إن عمر جعل الأمر شورى بين من توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض فقدموا عثمان

فقال الشريف فمعاوية فقال المحب الطبري هو مجتهد كما أن عليا كان مجتهدا فقال الشريف فتقاتل مع من لو كنت أدركتهما فقال مع علي رضي الله تعالى عنه فقال الشريف فجزاك الله تعالى عنا خيرا.

قال الشعراني رضي الله عنه فانظر يا أخي هذا الكلام النفيس من هذا العالم الذي لا يخرج عن التبعية في شيء فإنه لم يجعل لنفسه اختيارا في ذلك كله فعُلم أن الواجب علينا أن نحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تبعا لحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحب أولادهم كذلك لحب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا بحكم الطبع ونقدم أولاد فاطمة على أولاد أبي بكر الصديق كما كان أبو بكر يقدمهم على أولاده عملا بحديث [لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من أهله وولده والناس أجمعين]

وقيل مرة للإمام علي ابن أبي طالب رضي الله عنه لِمَ قدموا عليك أبا بكر وعمر

فقال إن الله هو الذي قدمهما عليَّ لقوله تعالى {وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ} وقد ركن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر وعمر وتزوج ابنتيهما ولو كانا ظالمين لما تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنتيهما ولا ركن إليهما.

١٦ - وقد ذكر الشيخ عبد الغفار القوصي رضي الله عنه في كتابه المسمى بـ (الوحيد في علم التوحيد) أنه كان له صاحب من أكابر العلماء فمات فرآه بعد موته فسأله عن دين الإسلام فتلكأ في الجواب قال فقلت له أما هو حق فقال نعم هو حق فنظرت إلى وجهه فإذا هو أسود كالزفت وكان في حياته رجلا أبيض فقلت له فما الذي سوَّد وجهك كما أرى إن كان دين الإسلام حقا فقال بخفض صوت كنت أقدم بعض الصحابة على بعض بالهوى والعصبية قال وكان هذا العالم من بلد تنسب إلى الرافض.

انتهت عبارة (المنن) ولا بأس أن نختم هذا الباب برؤيا نافعة عجيبة ذكرها الإمام تاج الدين عبد الوهاب ابن السبكي في (طبقات الشافعية الكبرى) في ترجمة الإمام حجة الإسلام الغزالي رضي الله عنه.

١٧ - قال رحمه الله تعالى (ذكر المنام الذي أبصره الإمام الساوي بمكة) قال الحافظ أبي القاسم بن عساكر في كتاب (التبيين) الشيخ الفقيه الإمام أبا القاسم سعد بن علي بن أبي القاسم أبي هريرة الإسفرائيني الصوفي الشافعي بدمشق قال

سمعت الشيخ الإمام الأوحد زين القراء جمال الحرم عامر بن نجا بن عامر الساوي بمكة حرسها الله تعالى يقول

دخلت المسجد الحرام يوم الأحد فيما بين الظهر والعصر الرابع عشر من شوال سنة خمس وأربعين وخمسمائة وكان بي نوعا تكسر ودوران رأس بحيث إني لا أقدر أن أقف أو أجلس لشدة ما بي فكنت أطلب موضعا أستريح فيه ساعة على جنبي فرأيت باب بيت الجماعة للرباط الرامسي عند باب الحزَوَّرَة مفتوحا فقصدته ودخلت فيه ووقعت على جنبي اليمين بحذاء الكعبة المشرفة مفترشا يدي تحت خدي لكيلا يأخذني النوم فتنتقض طهارتي فإذا رجل من أهل البدع معروف بها جاء ونشر مصلاه على باب ذلك البيت وأخرج لويحا من جيبه أظنه كان الحجر وعليه كتابة فقبله ووضعه بين يديه وصلى صلاة طويلة مرسلا يديه فيها على عادتهم وكان يسجد على ذلك اللوح في كل مرة وإذا فرغ من صلاته سجد عليه وأطال فيه وكان يمعك خده من الجانبين عليه ويتضرع في الدعاء ثم رفع رأسه وقبله ووضعه على عينيه ثم قبله ثانيا وأدخله في جيبه كما كان قال فلما رأيت ذلك كرهته واستوحشت ذلك وقلت في نفسي لئن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حيا فيما بيننا لنخبره بسوء صنيعهم وما هم عليه من البدع ومع هذا التفكر كنت أطرد النوم عن نفسي كيلا يأخذني فيفسد طهارتي فبينما أنا كذلك إذ طرأ عليَّ النعاس وغلبني فكأني بين اليقظة والمنام فرأيت عرصة واسعة فيها أناس كثيرون واقفون وفي يد كل واحد منهم كتاب مجلد قد تحلقوا كلهم على شخص فسألت الناس عن حالهم وعمن في الحلقة قالوا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وهؤلاء أصحاب المذاهب يريدون أن يقرؤا مذاهبهم واعتقادهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويصححوها عليه قال فبينا أنا كذلك أنظر إلى القوم إذ جاء واحد من أهل الحلقة وبيده كتاب قيل إن هذا هو الشافعي رضي الله عنه فدخل في وسط الحلقة وسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في جماله وكماله متلبسا بالثياب البيض المغسولة النظيفة من العمامة والقميص وسائر الثياب على زي أهل التصوف

فرد عليه الجواب ورحب به وقرأ الشافعي بين يديه وقرأ من الكتاب مذهبه واعتقاده عليه وبعد ذلك جاء شخص آخر قيل هو أبو حنيفة رضي الله عنه وبيده كتاب فسلم وقعد بجنب الشافعي وقرأ من الكتاب مذهبه واعتقاده عليه ثم أتى بعده كل صاحب مذهب إلى أن لم يبق إلا القليل وكل من يقرأ يقعد بجنب الآخر فلما فرغوا إذا واحد من المبتدعة الملقبة بالرافضة قد جاء وفي يده كراريس غير مجلدة فيها ذكر عقائدهم الباطلة وهمَّ أن يدخل الحلقة ويقرأها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج واحد ممن كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه وزجره وأخذ الكراريس من يده ورمى بها إلى خارج الحلقة وطرده وأهانه قال فلما رأيت أن القوم قد فرغوا وما بقي أحد يقرأ عليه شئيا تقدمت قليلا وكان في يدي كتاب مجلد فناديت وقلت يا رسول الله هذا كتاب معتقدي ومعتقد أهل السنة لو أذنت لي حتى أقرأه عليك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وايش ذاك قلت يا رسول الله هو (قواعد العقائد) الذي صنفه الغزالي فأذن لي في القراءة فقعدت وابتدأت

[بسم الله الرحمن الرحيم كتاب (قواعد العقائد) وفيه أربعة فصول الفصل الأول في ترجمة عقيدة أهل السنة في كلمتي الشهادة التي هي أحد مباني الإسلام فنقول وبالله التوفيق

{الحمد لله المبديء المعيد الفعال لما يريد ذي العرش المجيد والبطش الشديد الهادي صفوة العبيد إلى المنهج الرشيد والمسلك السديد المنعم عليهم بعد شهادة التوحيد بحراسة عقائدهم عن ظلمات التشكيك والترديد السالك بهم إلى اتباع رسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم واقتفاء آثار صحبه الأكرمين المكرمين بالتأييد والتسديد المتجلي لهم في ذاته وأفعاله بمحاسن أوصافه التي لا يدركها إلا من ألقى السمع وهو شهيد المعرِّف إياهم أنه في ذاته واحد لا شريك له فرد لا مثل له صمد لا ضد له متفرد لا ند له وأنه واحد قديم لا أول له أزلي لا بداية له مستمر الوجود لا آخر له أبدي لا نهاية له قيوم لا انقطاع له دائم لا انصرام له لم يزل ولا يزال موصوفا بنعوت الجلال لا يُقضى عليه بالإنقضاء والإنفصال بتصرم الآباد وانقراض الآجال بل هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم (التنزيه) وأنه ليس بجسم مصور ولا جوهر محدود مقدر وأنه لا يماثل الأجسام في التقدير ولا في قبول الإنقسام وأنه ليس بجوهر ولا تَحلُّه الجواهر ولا بعرض ولا تَحلُّه الأعراض بل لا يماثل موجودا ولا يماثله موجود ليس كمثله شيء ولا هو مثل شيء وأنه لا يَحُدُّه المقدار ولا تحويه الأقطار ولا تحيط به الجهات ولا تكتنفه الأرضون ولا السماوات وأنه مستو على العرش على الوجه الذي قاله وبالمعنى الذي أراده استواء منزها عن المماسة والإستقرار والتمكن والحلول والإنتقال لا يحمله العرش بل العرش وحملته محمولون بلطف قدرته ومقهورون في قبضته وهو فوق العرش والسما وفوق كل شيء إلى تخوم الثرى فوقية لا تزيده قربا إلى العرش والسما كما لا تزيده بعدا عن الأرض والثرى بل هو رفيع الدرجات عن العرش والسما كما أنه رفيع الدرجات عن الأرض والثرى وهو مع ذلك قريب من كل موجود وهو أقرب إلى العبد من حبل الوريد وهو على كل شيء شهيد إذ لا يماثل قربه قرب الأجسام كما لا تماثل ذاته ذات الأجسام وأنه لا

يَحلُّ في شيء ولا يَحلُّ فيه شيء تعالى عن أن يحويه مكان كما تقدس عن أن يحده زمان بل كان قبل أن خلق الزمان والمكان وهو الآن على ما عليه كان وأنه بائن من خلقه بصفاته ليس في ذاته سواه ولا في سواه ذاته وأنه مقدس عن التغير والإنتقال ولا تحله الحوادث ولا تعتريه العوارض بل لا يزال في نعوت جلاله منزها عن الزوال وفي صفات كماله مستغنيا عن زيادة الاستكمال وأنه في ذاته معلوم الوجود بالعقول مَرْئيُّ الذات بالأبصار نعمة منه ولطفا بالأبرار في دار القرار وإتماما للنعيم بالنظر إلى وجهه الكريم

(الحياة والقدرة) وأنه تعالى حي قادر جبار قاهر لا يعتريه قصور ولا عجز ولا تأخذه سنة ولا نوم ولا يعارضه فناء ولا موت وأنه ذو الملك والملكوت والعزة والجبروت له السلطان والقهر والخلق والأمر والسماوات منطويات بيمينه والخلائق مقهورون في قبضته وأنه المنفرد بالخلق والإختراع المتوحد بالإيجاد والإبداع خلق الخلق وأعمالهم وقدر أرزاقهم وآجالهم لا يشذ عن قبضته مقدور ولا يعزب عن قدرته تصاريف الأمور لا تُحصَى مقدوراته ولا تتناهى معلوماته (العلم) وأنه عالم بجميع المعلومات محيط علمه بما يجري في تخوم الأرضين إلى أعلى السماوات وأنه عالم لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء بل يعلم دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء ويدرك حركة الذر في جو الهوا ويعلم السر وأخفى ويطلع على هواجس الضمائر وحركات الخواطر وخفيات السرائر بعلم قديم أزلي لم يزل موصوفا به في أزل الآزال لا بعلم متجدد حاصل في ذاته بالحلول والإنتقال

(الإرادة) وأنه تعالى مريد للكائنات مدبر للحادثات فلا يجري في الملك والملكوت قليل أو كثير صغير أو كبير خيرا أو شر نفع أو ضر إيمان أو كفر عرفان أو نكر فوز أو خسران زيادة أو نقصان طاعة أو عصيان إلا بقضائه وقدره وحكمته ومشيئته فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن لا يخرج عن مشيئته لفته ناظر ولا فلتة خاطر بل هو المبديء المعيد الفعال لما يريد لا راد لحكمه ولا معقب لقضائه ولا مهرب لعبد من معصيته إلا بتوفيقه ورحمته ولا قوة له على طاعته إلا بمشيئته وإرادته فلو اجتمع الإنس والجن والملائكة والشياطين على أن يحركوا في العالم ذرة أو يُسَكِّنوها دون إرادته ومشيئته لعجزوا عن ذلك وأن إرادته قائمة بذاته في جملة صفاته لم يزل كذلك موصوفا بها مريدا في أزله لوجود الأشياء في أوقاتها التي قدرها فوُجِدَت في أوقاتها كما أراد في أزله من غير تقدم ولا تأخر بل وقعت على وفق علمه وإرادته من غير تبدل ولا تغير دبر الأمور لا بترتيب أفكار ولا تربص زمان فلذلك لم يشغله شأن عن شأن (السمع والبصر) وأنه تعالى سميع بصير يسمع ويرى لا يعزب عن سمعه مسموع وإن خفى ولا يغيب عن رؤيته مرئي وإن دق ولا يَحْجُبُ سمعه بُعد ولا يدفعُ رؤيته ظلام ويرى من غير حدقة وأجفان ويسمع من غير إصمخة وآذان كما يعلم بغير قلب ويبطش بغير جارحة ويَخلُقُ بغير آلة إذ لا تشبه صفاته صفات الخلق كما لا تشبه ذاته ذوات الخلق

(الكلام) وأنه تعالى متكلم آمر ناه واعد متوعد بكلام أزلي قديم قائم بذاته لا يشبه كلام الخلق فليس بصوت يحدث من انسلال هواء أو اصطكاك أجرام ولا بحرف ينقطع بإطباق شفة أو تحريك لسان وأن القرآن والتوراة والإنجيل والزبور كتبه المنزلة على رسله عليهم السلام وأن القرآن مقروء بالألسنة مكتوب في المصاحف محفوظ في القلوب وأنه مع ذلك قديم قائم بذات الله تعالى لا يقبل الإنفصال والإفتراق بالإنتقال إلى القلوب والأوراق وأن موسى عليه السلام سمع كلام الله بغير صوت ولا حرف كما يرى الأبرار ذات الله تعالى في الآخرة من غير جوهر ولا عرض وإذا كانت له هذه الصفات كان حيا عالما قادرا مريدا سميعا بصيرا متكلما بالحياة والعلم والقدرة والإرادة والسمع والبصر والكلام لا بمجرد الذات

(الأفعال) وأنه سبحانه وتعالى لا موجود سواه إلا وهو حادث بفعله وفائض من عدله على أحسن الوجوه وأكملها وأتمها وأعدلها وأنه حكيم في أفعاله عادل في أقضيته ولا يقاس عدله بعدل العباد إذ العبد يتصور منه الظلم بتصرفه في ملك غيره ولا يتصور الظلم من الله تعالى فإنه لا يصادف لغيره ملكا حتى يكون تصرفه فيه ظلما فكل ما سواه من إنس وجن وشيطان وملك وسماء وأرض وحيوان ونبات وجوهر وعرض ومدرك ومحسوس حادث اخترعه بقدرته بعد العدم اختراعا وأنشأه بعد أن لم يكن شيئا إذ كان في الأزل موجودا وجده ولم يكن معه غيره فأحدث الخلق بعد إظهارا لقدرته وتحقيقا لما سبق من إرادته وحق في الأزل من كلمته لا لافتقاره إليه وحاجته وأنه تعالى متفضل بالخلق والاختراع والتكليف لا عن وجوب ومتطول بالإنعام والإصلاح لا عن لزوم له الفضل والإحسان والنعمة والامتنان إذ كان قادرا على أن يصب على عباده أنواع العذاب ويبتليهم بضروب الآلام والأوصاب ولو فعل ذلك لكان منه عدلا ولم يكن قبيحا ولا ظلما وأنه يثيب عباده على الطاعات بحكم الكرم والوعد لا بحكم الإستحقاق واللزوم إذ لا يجب عليه فعل ولا يتصور منه ظلم ولا يجب لأحد عليه حق وأن حقه في الطاعات وجب على الخلق بإيجابه على لسان أنبيائه لا بمجرد العقل ولكنه بعث الرسل وأظهر صدقهم بالمعجزات الظاهرة فَبلَّغوا أمره ونهيه ووعده ووعيده فوجب على الخلق تصديقهم فيما جاؤا به

(معنى الكلمة الثانية وهي رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم) وأنه تعالى بعث النبي الأمي القرشي محمدا صلى الله عليه وسلم برسالته إلى كافة العرب والعجم والجن والإنس}]

قال فلما بلغت إلى هذا رأيت البشاشة والبشرى في وجهه صلى الله عليه وسلم إذ انتهيت إلى نعته وصفته فالتفت إليَّ وقال أين الغزالي فإذا بالغزالي كأنه واقف على الحلقة بين يديه فقال ها أنا ذا رسول الله وتقدم وسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فرد عليه الجواب وناوله يده العزيزة والغزالي يقبل يده ويضع خديه عليها تبركا به وبيده العزيزة المباركة ثم قعد قال فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر استبشارا بقراءة أحد مثلما كان بقرائتي عليه (قواعد العقائد) ثم انتبهت من النوم وعلى عيني أثر الدمع مما رأيت من تلك الأحوال والمشاهدات والكرامات فإنها كانت نعمة جسيمة من الله تعالى سيما في آخر الزمان مع كثرة الأهواء فنسأل الله تعالى أن يثبتنا على عقيدة أهل الحق ويحيينا عليها ويميتنا عليها ويحشرنا معهم ومع الأنبياء والمرسلين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا فإنه بالفضل جدير وعلى ما يشاء قدير.

قال الشيخ الإمام أبو القاسم الإسفرائيني هذا معنى ما حكى لي أبو الفتح الساوي أنه رآه في المنام لأنه حكاه بالفارسية وترجمته أنا بالعربية.

وتتمة الفصل الأول من فصول (قواعد العقائد) الذي يتم الإعتقاد به ولم يتفق قراءته إياه على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن المصلحة إثباته ليكون الإعتقاد تاما في نفسه غير ناقص لمن أراد تحصيله وحفظه بعد قوله

[{وأنه تعالى بعث النبي الأمي القرشي محمدا صلى الله عليه وسلم برسالته إلى كافة العرب والعجم والجن والإنس فنسخ بشرعه الشرائع إلا ما قرر وفضله على سائر الأنبياء وجعله سيد البشر ومنع كمال الإيمان بشهادة التوحيد وهي قول لا إله إلا الله ما لم يقترن بها شهادة الرسول وهي محمد رسول الله فألزم الخلق تصديقه في جميع ما أخبر به من الدنيا والآخرة وأنه لا يقبل إيمان عبد حتى يوقن بما أخبر عنه بعد الموت وأوله سؤال منكر ونكير وهما شخصان مهيبان هائلان يُقعدان العبد في قبره سويا ذا روح وجسد فيسألانه عن التوحيد والرسالة ويقولان من ربك وما دينك ومن نبيك وهما فتانا القبر وسؤالهما أول فتنة للقبر بعد الموت وأن يؤمن بعذاب القبر وأنه حق وحكمه عدل على الجسم والروح على ما يشاء ويوقن بالميزان ذي الكفتين واللسان وصفته في العِظَم أنه مثل طباق السماوات والأرضين وتوزن فيه الأعمال بقدرة الله تعالى والصنج يومئذ مثاقيل الذر والخردل تحقيقا لتمام العدل وتطرح صحائف الحسنات في صورة حسنة في كفة النور فيثقُل بها الميزان على قدر درجاتها عند الله بفضل الله تعالى وتطرح صحائف السيئات في كفة الظلمة فيخف بها الميزان بعدل الله تعالى وأن يؤمن بأن الصراط حق وهو جسر ممدود على متن جهنم أحد من السيف وأدق من الشعر تزل عليه أقدام الكافرين بحكم الله تعالى فيهوى بهم إلى النار وتثبت عليه أقدام المؤمنين فيساقون إلى دار القرار وأن يؤمن بالحوض المورود حوض محمد صلى الله عليه وسلم يشرب منه المؤمنين قبل دخول الجنة وبعد جواز الصراط من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها ابدا عرضه السماء فيه ميزابان يصبان من الكوثر ويؤمن بيوم الحساب وتفاوت الخلق فيه إلى مناقَش في الحساب وإلى مسامح فيه وإلى من يدخل الجنة بغير حساب وهم المقربون فيسأل من شاء من الأنبياء عن تبليغ الرسالة ومن شاء من الكفار عن تكذيب المرسلين ويسأل المبتدعين عن السنة ويسأل المسلمين

عن الأعمال ويؤمن بإخراج الموحدين من النار بعد الانتقام حتى لا يبقى في جهنم موحد بفضل الله تعالى ويؤمن بشفاعة الأنبياء ثم العلماء ثم الشهداء ثم سائر المؤمنين كل على حسب جاهه ومنزلته ومن بقي من المؤمنين ولم يكن له شفيع أُخرج بفضل الله تعالى ولا يخلد في النار مؤمن بل يخرج منها من كان في قلبه مثقال ذرة من الإيمان وأن يعتقد فضل الصحابة وترتيبهم وأن أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضي الله عنهم وأن يحسن الظن بجميع الصحابة ويثني عليهم كما أثنى الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين فكل ذلك مما وردت به السنة وشهدت به الآثار فمن اعتقد جميع ذلك موقنا به كان من أهل الحق وعصابة السنة وفارق رهط الضلال والبدعة فنسأل الله تعالى كمال اليقين والثبات في الدين لنا ولكافة المسلمين إنه أرحم الراحمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين}]



  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!