موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب سعادة الدارين في الصلاة على سيد الكونين

للشيخ يوسف النبهاني

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


الباب الخامس في المواطن التي تشرع فيها الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

الباب الخامس في المواطن التي تشرع فيها الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم:

تشرع الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في أزمنة وأمكنة وحالات مخصوصة وقد توارد على عدِّ أكثرها العلامة ابن القيم في (جلاء الأفهام) وشيخ الإسلام قطب الدين الخضيري الشافعي في كتابه (اللواء المعلم بمواطن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم) والحافظ السخاوي في (القول البديع) والإمام القسطلاني في (مسالك الحنفا) ولمَّا كان الإمام القسطلاني هو المتأخر اخترت تلخيص ما في كتابه ولم أتعرض لكثير من الأحاديث التي ذكرها في هذا الباب لأنها مجموعة مع غيرها في الباب الثاني من هذا الكتاب وقبل الشروع في ذلك أنقل عبارة الحافظ بن حجر التي نقلها الجمل عن المناوي في هذا الشأن وهي قوله

تتأكد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في مواضع

ورد فيها أخبار خاصة أكثرها بأسانيد جياد عقب إجابة المؤذن وأول الدعاء وأوسطه وآخره وأوله آكد وآخر القنوت وفي أثناء تكبيرات العيد وعند دخول المسجد والخروج منه وعند الإجتماع والتفرق وعند السفر والقدوم والقيام لصلاة الليل وختم القرآن وعند الكرب والهم والعقوبة وقراءة الحديث وتبليغ العلم والذكر ونسيان الشيء

وورد أيضا في أحاديث ضعيفة عند استلام الحجر وطنين الأذن والتلبية وعقب الوضوء وعند الذبح والعطاس وورد المنع منها عندهما أيضا. أ. هـ

فمن المواطن المخصوصة للصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

١ - يوم الجمعة

للأحاديث الواردة في ذلك كقوله صلى الله عليه وسلم [أكثروا عليَّ من الصلاة في الليلة الزهراء واليوم الأزهر (يعني يوم الجمعة) فإن صلاتكم معروضة عليَّ] رواه الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة رضي الله عنه وفيه أحاديث أخرى مذكورة في الباب الثاني

وعن عمر بن عبد العزيز أنه كتب [أن انشروا العلم يوم الجمعة فإن غائلة العلم النسيان وأكثروا الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة] رواه ابن وضاح وغيره

وعن إمامنا الشافعي رضي الله عنه قال [أحب كثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في كل حال وأنا في يوم الجمعة وليلته أشد استحبابا لأنه أفضل أيام الأسبوع وهو يوم شريف]

قال الخطيب في شرح (المنهاج) وغيره [يسن الإكثار من سورة الكهف والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة وليلتها وأقل الإكثار من الأولى (سورة الكهف) ثلاث مرات ومن الثانية (الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم) ثلاثمائة].أ. هـ

وعبارة الشمس الرملي عليه [ويستحب الإكثار من ذلك أي قراءة سورة الكهف كما نقل عن الشافعي فقد صح {من قرأها يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين} وورد {من قرأها ليلتها أضاء له النور ما بينه وبين البيت العتيق}

وقراءتها نهارا آكد وأولاها بعد الصبح مسارعة للخير ما أمكن

وحكمة ذلك أن الله ذكر فيها أهوال يوم القيامة والجمعة تشبهها لما فيه من اجتماع الخلق ولأن القيامة تقوم يوم الجمعة كما في مسلم

ثم قال الرملي [ويكثر من الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم في يومها وليلتها لخبر {إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة فأكثروا من الصلاة عليَّ فيه فإن صلاتكم معروضة عليَّ} رواه أبو داود

وخبر {أكثروا من الصلاة عليَّ في ليلة الجمعة ويوم الجمعة فمن صلى عليَّ صلاة صلى صلى الله عليه بها عشرا}

قال وتنصيص المصنف يعني الإمام النووي على الصلاة ليس بقيد بل يجري طلب الإكثار في الذكر والتلاوة أيضا نعم يؤخذ من الخبر أن الإكثار منها أفضل منه بذكر أو قرآن].أ. هـ

قال الشبراملسي في حاشيته [وأقله ثلاثمائة بالليل ومثله بالنهار وإنها تحصل بأي صيغة كانت قال والاشتغال بها في ليلة الجمعة ويومها أفضل من الاشتغال بغيرها مما لم يرد فيه نص بخصوصه أما ما ورد فيه ذلك كقراءة الكهف والتسبيح عقب الصلوات فالاشتغال به أفضل].أ. هـ

قال ابن القاسم في حاشيته (التحفة) [وليس المراد بأفضلية الاشتغال بنحو سورة الكهف في ليلة الجمعة ويومها عدم الاشتغال بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيها بالكلية بل المراد أنه إذا تعارض الأمران وكان لو اشتغل بأحدهما يعجز عن الآخر لعذر من الأعذار فالاشتغال بالفاضل أفضل حينئذ وأما إذا أمكنه الاشتغال بهما فهو الأفضل الأكمل بحيث يعد مكثرا من كل واحد منهما لورود طلب الإكثار منهما كما دلت عليه الأحاديث وصرحوا به].أ. هـ

وقال الشبراملسي قال المناوي في شرح (الجامع الصغير) في أول الجزء الثالث بعد قوله صلى الله عليه وسلم [{إن الأعمال ترفع يوم الإثنين والخميس فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم} ما نصه أخذ منه القسطلاني تبعا لشيخه البرهان بن أبي الشريف مشروعية الإجتماع للصلاة على النبي صلى الله عليه وصلم في ليلة الجمعة والإثنين كما يفعل في الجامع الأزهر ورفع الصوت بذلك لأن الليلة ملحقة باليوم لأن اللام في الأعمال للجنس فيشمل الذكر والصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء لا سيما في ليلة الإثنين فإنها مؤكدة وقد قال ابن مرزوق أنها أفضل من ليلة القدر].أ. هـ

وقال الجمل في حاشية (المنهج) [إذا وقع العيد ليلة الجمعة

فهل يراعى شعاره من التكبير فيشتغل به دون الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وقراءة الكهف

أو يراعى الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وقراءة الكهف

أو يفرق بين الفطر فيراعى تكبيره لثبوته بالنص القرآني وثبوت الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بالنص النبوي دون الأضحى لثبوت تكبيره بالقياس

كل محتمل ولعل الثالث (يفرق بين الفطر فيراعى تكبيره لثبوته بالنص القرآني وثبوت الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بالنص النبوي دون الأضحى لثبوت تكبيره بالقياس) أقرب

وإن كان الثاني (يراعى الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وقراءة الكهف) غير بعيد لأن الصلاة شعار هذه الليلة من حيث ذاتها (أي الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم تعتبر ذات في هذه الليلة لأنها مستمرة طوال العام) والتكبير من حيث العروض (أي عارض في وقت معين من السنة ليلة العيد) فمراعاة ما هو للذات أولى ولآنها أفضل من ليلة العيد فرعاية شعارها من حيث كونها ليلة الجمعة أولى لفضلها عليها وقيل إنها أفضل من ليلة القدر وأيضا قيل بوجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الجملة فرعايتها لهذا المعنى أولى

وإذا تأملت ما ذكر علمت ترجيح التكبير مطلقا (أي في أي وقت) مما لا وجه له يعتبر

ولعل وجه ما ذكر أن يقال لا يقدم أحدهما على الآخر (أي الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والتكبير) لتعارض النظر إليهما من الخصوص في الجملة فيشتغل بأحدهما بحيث يعد مكثرا منه ثم يشتغل بالآخر وهكذا وعلى هذا أيهما أولى في البداءة أو يستويان فليحرر]

ثم قال الجمل [ويسن أيضا قراءة سورة آل عمران في يومها لخبر {من قرأ آل عمران في يوم الجمعة غربت الشمس بذنوبه} قال في (الإيعاب) والظاهر أن حكمة ذلك أن الله تعالى ذكر خلق آدم بقوله {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ} وآدم خلق يوم الجمعة

وسورة هود كذلك لخبر {اقرؤا هودا يوم الجمعة}

وحم الدخان {من قرأ حم الدخان ليلة الجمعة غفر له}

قال شيخنا البابلي وينبغي إذا أراد الاقتصار على قراءة سورة من المذكورات أن يقدم الكهف على غيرها لكثرة أحاديثها]

وقد ورد أن {من داوم على العشر آيات أولها أمن من الدجال}] انتهت عبارة الجمل

وفي (بغية المسترشدين)

فائدة: ورد أن {من قرأ الفاتحة والإخلاص والمعوذتين سبعا سبعا عقب سلامه من الجمعة قبل أن يثني رجليه غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وأعطي الأجر بعدد من آمن بالله ورسوله وبُوعِد من السوء إلى الجمعة الأخرى}

وفي رواية زيادة {وقبل أن يتكلم حفظ له دينه ودنياه وأهله وولده} ويقول بعدها أربع مرات {اللهم يا غني يا حميد يا مبديء يا معيد يا رحيم يا ودود اغنني بحلالك عن حرامك وبطاعتك عن معصيتك وبفضلك عمن سواك}

ونقل عن ابي الصيف أن [من قال هذا الدعاء (اللهم يا غني يا حميد يا مبديء يا معيد يا رحيم يا ودود اغنني بحلالك عن حرامك وبطاعتك عن معصيتك وبفضلك عمن سواك) يوم الجمعة سبعين مرة لم تمض عليه جمعتان حتى يستغنى]

ونقل عن أبي طالب المكي أن [من واظب على هذا الدعاء (اللهم يا غني يا حميد يا مبديء يا معيد يا رحيم يا ودود اغنني بحلالك عن حرامك وبطاعتك عن معصيتك وبفضلك عمن سواك) من غير عدد أغناه الله تعالى عن خلقه ورزقه من حيث لا يحتسب].أ. هـ

ونقل الكردي عن ابن حجر [ولا تفوت سنة المسبعات (أي المسبعات العشر) والأذكار المأثورة عقب صلاة الجمعة بكلام (أي كلام دنيوي) أو انتقال (أي انتقال من مكان الصلاة) نعم يفوت ثوابها المخصوص (أي المخصوص بالمكان) ولو بجعل يمينه للقوم (أي يمد يمينه ليسلم على القوم)]

وقال بعضهم [لا يفوت الثواب بل كماله] من فتاوى باسودان

فائدة: نقل شيخ مشايخنا الشيخ إبراهيم الباجوري في حاشيته على ابن القاسم عن سيدي عبد الوهاب الشعراني أن {من واظب على هذين البيتين في كل يوم جمعة توفاه الله على الإسلام من غير شك ويقرآن خمس مرات

إلهي لست للفردوس أهلا **** ولا أقوى على نار الجحيم

فهب لي توبة واغفر ذنوبي **** فإنك غافر الذنب العظيم

٢ - الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم ليلة الإثنين

ومنها الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم ليلة الإثنين

ذكرها أبو موسى المديني في (وظائف الليالي والأيام)

والغزالي في (الإحياء)

قلت ومن ذلك مجلس العارف بالله سيدي الشيخ نور الدين الشوني شيخ الإمام الشعراني في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الجامع الأزهر وتفرع منه إلى كثير من البلدان واستمر بعد حياته مددا طويلة وقد كان ترتيبه ليلة الجمعة وليلة الإثنين من المغرب إلى صلاة الصبح وفي يوم الجمعة إلى صلاة الجمعة رضي الله عنه

وإنما خصص ليلة الإثنين لكونها ليلة ولادته صلى الله عليه وسلم

٣ - الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم ليلة الثلاثاء

ومنها الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم في ليلة الثلاثاء

روى فيها أبو موسى المديني حديثا عن جابر مرفوعا بسند فيه من اتُهم بالكذب [من صلى ليلة الثلاثاء أربع ركعات بعد العتمة قبل أن يوتر يقرأ في كل ركعة الحمد مرة وقل هو الله أحد ثلاث مرات وقل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس مرة فإذا فرغ استغفر خمسين مرة وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم خمسين مرة يبعثه الله يوم القيامة ووجهه يتلألأ نورا] وذكر ثوابا كثيرا

٤ - الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم عند طرفي النهار

لحديث [من صلى عليَّ مساء غفر له قبل أن يصبح ومن صلى عليَّ صباحا غفر له قبل أن يمسي]

قلت ومن ذلك ترتيب مشايخ الصوفية رضي الله عنهم أورادهم في الصباح والمساء.

٥ - الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في شهر شعبان

ذكر ابن أبي الصيف الفقيه اليمني في جزء له في (فضل شعبان) أنه روي عن جعفر الصادق أنه قال [من صلى على النبي صلى الله عليه وسلم في شعبان في كل يوم سبعمائة مرة يوكل الله ملائكته ليوصلوها إليه وتفرح روح محمد صلى الله عليه وسلم لذلك]

قال وروى طاوس اليماني أنه قال سألت الحسن بن علي رضي الله عنهما عن ليلة الصك يعني ليلة النصف من شعبان وعن العمل فيها فقال أنا أجعلها أثلاثا

فثلث أصلي فيه على جدي النبي صلى الله عليه وسلم ائتمارا لأمر الله عز وجل حيث يقول {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}

وثلث أستغفر الله تعالى فيه لقوله تعالى {وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}

وثلث أركع فيه وأسجد ائتمارا لقوله تعالى {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ}

فقلت وما ثواب من فعل ذلك قال سمعت أبي يقول قال النبي صلى الله عليه وسلم [من أحيا ليلة الصك كتب من المقربين] يعني الذين في قوله تعالى {فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ} وتقدم في الباب الأول عن الحافظ السخاوي نقلا عن أبي الصيف المذكور أنه قيل إن شعبان شهر الصلاة على محمد المختار لأن آية الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم نزلت فيه.

٦ - الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم عند الوضوء والفراغ منه

لما رواه ابن أبي عاصم عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [لا وضوء لمن لم يصل عليَّ]

وفيه أحاديث أخرى تقدمت في الباب الثاني.

٧ - الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم بعد التييم والغسل من الجنابة والحيض

أشار إليه النووي في أذكاره.

٨ - الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم بعد الآذان لكل من المؤذن والمجيب

لقوله صلى الله عليه وسلم [إذا سمعتم المؤذن فقولوا كما يقول وصلوا عليَّ فإنه ليس من أحد يصلي عليَّ إلا صلى الله عليه بها عشرا وسلوا الله لي الوسيلة فإن الوسيلة منزلة في الجنة لا ينبغي أن تكون إلا لعبد من عباد الله عز وجل وأرجو أن أكون أنا هو فمن سألها لي حلت له شفاعتي] رواه مسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وفيه أحاديث أخرى تقدمت في الباب الثاني.

قال ابن حجر في (الدر المنضود) بعد ذكره هذا الحديث و (حلت) وجبت كما صرح به في روايات صحيحة

ومعنى (وجبت) أنها ثابتة لابد منها بالوعد الصادق أو نزلت به فعلى الأول (يقصد أنها ثابتة لابد منها بالوعد الصادق) مضارعه يحِل بكسر الحاء

وعلى الثاني (يقصد نزلت به) يحُل بضمها

وليس من الحِل ضد الحُرمة لأنها لم تكن محَرَّمة قبل

قال وفيه بشرى عظيمة لقائل ذلك أنه يموت على الإسلام إذ لا تجب الشفاعة إلا لمن هو كذلك وشفاعته صلى الله عليه وسلم لا تختص بالمذنبين بل تكون برفع الدرجات وغير ذلك كما يأتي

فالشفاعة الواجبة لسائل الوسيلة إما برفع درجات أو تضعيف حسنات أو بإكرامه بإيوائه إلى ظل العرش أو كونه في مروج أو على منابر أو الإسراع به إلى الجنة أو غير ذلك من خصوص الكرامات الواردة لبعض دون بعض

قال وقيد القاضي عياض ذلك عن بعض شيوخه بمن قاله مخلصا مستحضرا لجلاله صلى الله عليه وسلم دون من قصد به مجرد الثواب

ورُدَّ بأنه تحَكُّم غير مرضي ولو أخرج الغافل اللاهي لكان أشبه

وفائدة طلبه الوسيلة مع رجائه لها ورجاؤه صلى الله عليه وسلم لا يخيب

إعلامنا بأن الله تعالى لا يجب عليه لأحد من خلقه شيء وأن له أن يفعل بمن شاء وإن جلت مرتبته ما شاء

ففي ذلك إظهار عظيم تواضعه صلى الله عليه وسلم وخوفه المقتضي لمزيد رقيه وعلوه

ففائدته عائدة عليه صلى الله عليه وسلم وعلينا ولقد غفل من لم يمعن النظر في هذا المقام كما ذكرته فأجاب بانحصار فائدة ذلك لنا بإمتثال ما أمرنا به في جهته الكريمة صلى الله عليه وسلم

وروى أحمد [من قال حين ينادي المنادي {اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة صل على محمد وارض عني رضا لا سخط بعده} استجاب الله دعوته]

وأخرج ابن أبي عاصم عن أبي الدرداء [أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا سمع المؤذن يقيم {اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة صل على محمد وآته سؤله يوم القيامة} وكان يسمعها من حوله ويحب أن يقولوا مثل ذلك إذا سمعوا المؤذن ومن قال مثل ذلك إذا سمع المؤذن وجبت له شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم يوم القيامة]

واخرجه الطبراني لكن بلفظ [كان إذا سمع النداء قال {اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة صل على محمد عبدك ورسولك واجعلنا في شفاعته يوم القيامة} قال صلى الله عليه وسلم من قال هذا عند النداء جعله الله في شفاعتي يوم القيامة]

وسؤله صلى الله عليه وسلم حاجته من نحو الشفاعة العظمى والحوض ولواء الحمد والوسيلة وغير ذلك مما أعده الله تعالى له صلى الله عليه وسلم.

وأخرج الطبراني [من قال حين يسمع النداء {أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله اللهم صل على محمد وبلغه درجة الوسيلة عندك واجعلنا في شفاعته يوم القيامة} وجبت له الشفاعة]

واعلم أنه مرَّ تفسيره صلى الله عليه وسلم الوسيلة بأنها أعلى منزلة أو درجة في الجنة

وأصلها لغة ما يتقرب به للكبير قال تعالى {وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ}

قال جمع هي القربة.

وقال آخرون كل ما يتوسل أي يتقرب به كالتوسل إلى الله تعالى بنبيه صلى الله عليه وسلم.

والمقام المحمود هو الشفاعة العظمى في فصل القضاء يحمده فيه الأولون والآخرون ومرَّ تفسيره في أحاديث الشفاعة وعليه اجماع المفسرين على ما قاله الواحدي

وقيل شهادته لأمته وعليهم

وقيل اعطاؤه لواء الحمد يوم القيامة

وقيل هو أن يجلسه الله عز وجل على العرش

وفي صحيح ابن حبان [يبعث الله الناس فيكسوني ربي حلة خضراء فأقول ما شاء الله أن أقول فذلك المقام المحمود]

ولا ينافي الأول (يقصد الشفاعة العظمى في فصل القضاء) لاحتمال أن هذه الكسوة علامة على الإذن له في الشفاعة العظمى.

ثم رأيت بعض المحققين ذكر ما يقرب منه فقال

يظهر أن المراد بالقول المذكور وهو الثناء الذي يقدمه بين يدي الشفاعة وأن المقام المحمود هو جميع ما يحصل له في تلك الحالة.

وله صلى الله عليه وسلم شفاعات غير العظمى

كالشفاعة لمن يدخل من أمته الجنة بغير حساب وهذه العظمى من خصائصه صلى الله عليه وسلم وإنكار المعتزلة لهذه من ضلالاتهم كيف وقد صحت الأحاديث الكثيرة بها من غير معارض لها.

ولقوم استحقوا دخولها فلم يدخلوها قال النووي ويجوز أن يشركه في هذه الأنبياء والعلماء والأولياء.

وفي قوم حبستهم الأوزار عن دخول الجنة.

ولبعض أهل الجنة في رفع درجاتهم فيعطي كل منهم ما يناسبه قال (يقصد النووي) وهذه يجوز أن يشركه فيها من ذكر أيضا.

ولمن مات بالمدينة الشريفة.

ولمن زار قبره صلى الله عليه وسلم.

ولفتح باب الجنة كما رواه مسلم.

ولمن أجاب المؤذن.

ولقوم كفار لهم سابق خدمة له صلى الله عليه وسلم في تخفيف عذابهم.

والشفاعة لأهل المدينة بالمعنى السابق في الشفاعة لسائل الوسيلة.

واعلم أن للغزالي رحمه الله تعالى في معنى الشفاعة وسببها كلاما نفيسا حاصله

أنها نور يشرق من الحضرة الإلهية على جوهر النبوة وينشر منه إلى كل جوهر استحكمت مناسبته مع جوهر النبوة لشدة المحبة وكثرة المواظبة على السنن وكثرة الذكر له بالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم

ومثاله نور الشمس إذا وقع على الماء فإنه ينعكس منه إلى محل مخصوص من الحائط دون جميعه وسبب الاختصاص المناسبة بينه وبين الماء في الموضع الذي إذا خرج منه خط إلى موضع النور من الماء حصلت منه زاوية إلى الأرض مساوية للزاوية الحاصلة من الخط الخارج من الماء إلى قرص الشمس بحيث لا يكون أوسع منها أو أضيق وهذا لا يمكن إلا في موضع مخصوص من الجدار فكما أن المناسبات الوضعية تقتضي الاختصاص بانعكاس النور فالمناسبات المعنوية العقلية أيضا تقتضي ذلك في الجواهر المعنوية ومن استولى عليه التوحيد (يقصد النبي صلى الله عليه وسلم) فقد تأكدت مناسبته مع الحضرة الإلهية وأشرق عليه النور من غير واسطة ومن استولى عليه السنن والاقتداء به صلى الله عليه وسلم ومحبته ومحبة إتباعه ولم يترسخ قدمه في ملاحظة الوحدانية لم تستحكم مناسبته إلا مع الواسطة فافتقر إلى واسطة في اقتباس النور كما يفتقر الحائط الذي ليس مكشوفا للشمس إلى واسطة الماء المكشوف للشمس

وإلى مثل هذا ترجع حقيقة الشفاعة في الدنيا فالوزير الأقرب للملك يحمله على العفو عن جرائم أصحابه لا لمناسبة بينهم وبين الملك ففاضت عليهم العناية بواسطة الوزير لا بأنفسهم

ولو ارتفعت الواسطة لم تشملهم العناية أصلا لأن الملك لا يعرفهم ولا يعرف اختصاصهم بالوزير إلا بتعريفه وإظهار الرغبة في العفو عنهم فسمي لفظه من التعريف إظهارا للرغبة شفاعة مجازا

وإنما الشفيع مكانته عند الملك واللفظ لإظهار الغرض والله سبحانه وتعالى مستغن عن التعريف

ولو عرف الملك حقيقة اختصاص غلام الوزير به لاستغنى عن التعريف وحصل العفو بشفاعة لا نطق فيها ولا كلام والله سبحانه وتعالى عالم به

ولو أذن للأنبياء عليهم الصلاة والسلام بما هو معلوم له فكانت ألفاظهم أيضا ألفاظ الشفعاء بمثال يدخل في الحس والخيال لم يكن ذلك التمثيل إلا بألفاظ مألوفة في الشفاعة

ويدلك على انعكاس النور بطريق المناسبة أن جميع ما ورد من الأخبار عن استحقاق الشفاعة معلق بما يتعلق به صلى الله عليه وسلم من صلاة عليه أو زيارة لقبره أو جواب المؤذن والدعاء له عقيبه وغير ذلك مما تحكم علاقته المحبة والمناسبة معه صلى الله عليه وسلم انتهى.

وقال الرازي الشفاعة أن يستوهب أحد لأحد شيئا ويطلب له حاجة وأصلها من الشفع ضد الوتر كأن صاحب الحاجة كان فرد فصار الشفيع له شفعا أي صار زوجا. انتهى كلام ابن حجر

فائدة: قال في (القول البديع) قد أحدث المؤذنون الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم عقب الآذان للفرائض الخمس إلا الصبح والجمعة فإنهم يقدمون ذلك فيها على الآذان وإلا المغرب فلا يفعلونه غالبا لضيق وقتها

وكان ابتداء حدوث ذلك في أيام السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب وبأمره

وأما قبل ذلك فإنه لما قتل الحاكم بن العزيز أمرت أخته ست الملك أن يسلم على ولده الظاهر فسلم عليه بما صورته السلام على الإمام الظاهر ثم استمر السلام على الخلفاء خلفا بعد سلف إلى أن أبطله الصلاح المذكور وعوض عنه الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم جوزي خيرا

قال ثم رأيت في بعض التواريخ في أول شعبان سنة سبعمائة وواحد وتسعين أمر المؤذنون بالقاهرة ومصر أن يزيدوا في الآذان لكل صلاة بعد الفراغ منه الصلاة والسلام عليك يا رسول الله عدة مرات لأن رجلا من الفقراء المعتقدين سمع في ليلة الجمعة بعد آذان العشاء الآخرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فأعجبه ذلك وقال لأصحابه أتحبون أن يعمل هذا في كل آذان قالوا نعم فبات وأصبح وقد زعم أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامه يأمره أن يقول للنجم الطنبدي المحتسب يأمر المؤذنين أن يصلوا عليه صلى الله عليه وسلم عقب كل آذان فمضى إليه فسر بهذه الرؤيا وأمر بذلك فاستمر إلى يومنا

فإن صح ذلك فلعله كان تٌرك إلى هذا التاريخ أو كان أمر الصلاح بذلك في ليلة الجمعة خاصة والله أعلم.

قال وقد اختلف في ذلك (يقصد الصلاة على الرسول صلى اله عليه وسلم بعد الآذان) هل هو مستحبا أو مكروه أو بدعة أو مشروع

واستدل للأول (مستحبا) بقوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}

ومعلوم أن الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم من أجل القرب لا سيما وقد تواردت الأخبار على الحث على ذلك مع ما جاء في فضل الدعاء عقب الآذان والثلث الأخير من الليل وقرب الفجر والصواب أنه بدعة حسنة يؤجر فاعله بحسن نيته. أ. هـ

٩ - الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم عن إقامة كالصلاة عليه عند الآذان

وفيه أحاديث تقدمت في الباب الثاني.

١٠ - الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم عند دخول المسجد والخروج منه

لقوله صلى الله عليه وسلم [إذا دخل أحدكم المسجد صلى على محمد صلى الله عليه وسلم ثم قال {اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك} وإذا خرج صلى على محمد صلى الله عليه وسلم ثم قال {اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك}] رواه الإمام أحمد وغيره عن السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها

وفيه أحاديث تقدمت في الباب الثاني.

١١ - الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم في المساجد

روى حديثها ابن بشكوال عن عقبة بن عامر رضي الله عنه وقد تقدم في الباب الثاني [إن للمساجد أوتادا جلساؤهم الملائكة إن غابوا فقدوهم وإن مرضوا عادوهم وإن رأوهم رحبوا بهم وإن طلبوا حاجة أعانوهم فإذا جلسوا حفت بهم الملائكة من لدُن أقدامهم إلى عنان السماء بأيديهم قراطيس الفضة وأقلام الذهب يكتبون الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ويقولون اذكروا رحمكم الله زيدوا زادكم الله فإذا استفتحوا الذكر فتحت لهم أبواب السماء واستجيب لهم الدعاء وتطلع عليهم الحور العين وأقبل الله عز وجل عليهم بوجهه ما لم يخوضوا في حديث غيره ويتفرقوا فإذا تفرقوا قام الزوار يلتمسون حلق الذكر].

١٢ - الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم عند المرور بالمساجد ورؤيتها

قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه [إذا مررتم بالمساجد فصلوا على النبي صلى الله عليه وسلم] رواه القاضي اسماعيل.

١٣ - الصلاة عليه حال قراءة القرآن إذا مر فيه بذكره أو بقوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}

* نص على ذلك الإمام أحمد والحسن البصري في صلاة التطوع

* وأطلق (أي في التطوع وغيرها) الشعبي

وظاهر إطلاقه استحبابه في التطوع والفريضة وكذا أطلق العجلي كما حكاه صاحب (الأنوار) من الشافعية

* وفي فتاوى النووي لا يصلي

والأول (في صلاة التطوع) أقرب قاله القسطلاني في (مسالك الحنفا).

١٤ - الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم في آخر قنوت الصبح

قال ابن حجر وتسن آخر القنوت لورودها في قنوت الوتر وقِيس به قنوت الصبح

ولفظه [وصلى الله على النبي] من غير زيادة

ووَهِم من زاد عليه [محمد وسلم] ونسبه لسنن النسائي إذ ليس فيها عند جمع رواية ذلك

قال النووي وحديثه صحيح أو حسن

وصح عن بعض الصحابة رضي الله عنهم موقوفا عليه أنهم كانوا يصلون على النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت

وصح عن الزهري أنهم كانوا يصلون على النبي صلى الله عليه وسلم في قنوت وتر رمضان

وعن بعض الصحابة أنه كان إذا دخل العشر أي الأخير من رمضان زاد فيه [اللهم صل على محمد كما صليت على إبراهيم اللهم بارك على محمد كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم صل على محمد عبدك ورسولك والسلام عليه ورحمة الله وبركاته].

١٥ - الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول

وفيه أحاديث تقدمت في الباب الثاني.

١٦ - الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير

وهي عند الشافعي ركن لا تصح الصلاة إلا بها

وسيأتي الكلام عليها في آخر هذا الباب وإنما أخرته لطوله.

١٧ - الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم عقب الصلوات الخمس

وفي فضل ذلك حكاية عن الشبلي مذكورة في باب اللطائف.

١٨ - الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم عقب صلاة الصبح والمغرب

وتقدم في الباب الثاني قوله صلى الله عليه وسلم [من صلى عليَّ مائة صلاة حين يصلي الصبح قبل أن يتكلم قضى الله له مائة حاجة يعجل له منها ثلاثين ويدخر له سبعين وفي المغرب مثل ذلك قالوا وكيف الصلاة عليك يا رسول الله قال ({إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} اللهم صل على محمد) حتى تعد مائة]

١٩ - الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم عند القيام للتهجد

عن ابن مسعود رضي الله عنه قال [يضحك الله إلى رجلين رجل لقى العدو وهو على فرس مع خيل أصحابه فانهزموا وثبت فإن قُتل استشهد وإن بقي فذاك الذي يضحك الله إليه ورجل قام في جوف الليل لا يعلم به أحد فتوضأ فأسبغ الوضوء ثم حمد الله ومجده وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم واستفتح القرآن فذاك الذي يضحك الله إليه يقول انظروا إلى عبدي قائما لا يراه أحد غيري] رواه النسائي في سننه الكبرى بسند صحيح.

وقال في (عوارف المعارف) في باب تقسيم قيام الليل {وكلما يصلي يعني المتهجد بالليل يجلس قليلا بعد كل ركعتين ويسبح ويستغفر ويصلي على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه يجد بذلك ترويحا وقوة على القيام وقد كان على بن عبد الله بن عباس رضي الله عنهم إذا فرغ من صلاته بالليل حمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم بالكيفية الآتية في باب الكيفيات من هذا الكتاب وهي [اللهم إني أسألك بأفضل مسألتك وأحب الأسماء إليك وأكرمها عليك ... ] إلخ.

وعن سعيد بن هشام أن عائشة رضي الله عنها قالت [كنا نُعِد لرسول الله صلى الله عليه وسلم سواكه وطهوره فيبعثه الله عز وجل لمَّا يشاء أن يبعثه من الليل فيستاك ويتوضأ ويصلي تسع ركعات لا يجلس بينهن إلا عند الثامنة ويحمد الله ويصلي على نبيه صلى الله عليه وسلم ويدعوا بينهن ولا يسلم ثم يصلي التاسعة ويقعد أو ذكر كلمة نحوها ويحمد الله ويصلي على نبيه صلى الله عليه وسلم ويدعو ثم يسلم تسليما يسمعنا ثم يصلي ركعتين وهو قاعد]

٢٠ - الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم في الخطب

كخطبة الجمعة والعيدين والكسوفين والاستسقاء وغيرها

وكذلك لخطبة التزويج وعقد النكاح

وفي ذلك آثار كثيرة عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن بعدهم وعليه عمل الناس خلفا بعد سلف فمن ذلك

ما رواه الإمام أحمد عن عون بن أبي جحفة قال [كان أبي شُرَط علي رضي الله عنه وكان تحت المنبر فحدثني يعني عن علي رضي الله عنه أنه صعد المنبر فحمد الله وأثني عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم وقال {خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر والثاني عمر وقال يجعل الله الخير حيث شاء}]

وأخرج ابن بشكوال عن محمد بن عبد الله بن الحكم قال [خطبنا أمير المؤنين يوم الجمعة فأنسي الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فلما انقضت خطبته صاح الناس عليه من كل جانب فتقدم إلى مصلاه فلما قضاها كر راجعاً إلى المنبر فرقيه وقال {أيها الناس إن الشيطان لا يدع أن يكيد ابن آدم في كل وقت وقد كادنا في يومنا هذا فأنسانا الصلاة على نبينا صلى اله عليه وسلم فأرغموا أنفه بالصلاة عليه اللهم صل على محمد كثيرا كما تحب أن يصلى عليه}]

وهي شرط لصحة الخطبة عند إمامنا الشافعي

قال المجد الفيروزبادي [إنما اعتمد الشافعي رضي الله عنه على فعل الخلفاء الراشدين ومن بعدهم فإنه لم ينقل عن أحد منهم ولا ممن بعدهم خطبة في أمر مهم فضلا عن الجمعة إلا بدأ فيها بالحمد لله والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان السلف يسمون الخطبة بغير الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم البتراء]

٢١ - الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم في أثناء تكبيرات العيد

٢٢ - الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم عند العجز عن الصدقة

فقد روى ابن وهب عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [أيما رجل لم يكن عنده صدقة فليقل في دعائه {اللهم صل على محمد عبدك ورسولك وصل على المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات} فإنها له زكاة]

٢٣ - الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم عند كتابة الوصية

فعن الحسن البصري قال [لما حضرت أبا بكرة الوفاة قال اكتبوا وصيتي فكتب الكاتب هذا ما أوصى به أبو بكرة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكرة {أأكتنى عند الموت امح هذا واكتب هذا ما أوصى به نفيع الحبشي مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً صلى الله عليه وسلم نبيه وأن الإسلام دينه وأن الكعبة قبلته وأنه يرجو من الله ما يرجو المعترفون بتوحيده والمقرون بربوبيته ... } وذكر الوصية إلى آخرها]

٢٤ - الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم في صلاة الجنازة

قال إمامنا الشافعي رضي الله عنه حدثنا مطرف بن مازن عن معمر عن الزهري قال أخبرنا أبو أمامة بن سهل بن حنيف أنه أخبره رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن السنة في الصلاة على الجنازة [أن يكبر الإمام ثم يقرأ فاتحة الكتاب بعد التكبيرة الأولى سراً في نفسه ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويخلص الدعاء للجنازة في التكبيرات لا يقرأ في شيء منهن ثم يسلم سراً في نفسه]

٢٥ - الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم عند إدخال الميت القبر

وهو مذهب إمامنا الشافعي رضي الله عنه

٢٦ - الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم عند ركوب الدابة

روى الطبراني في (الدعاء) من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله قال [من قال إذا ركب دابة {بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء سبحانه ليس له سَمِي سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد عليه السلام} قالت الدابة بارك الله عليك من مؤمن خففت عن ظهري وأطعت ربك وأحسنت إلى نفسك بارك الله في سفرك وأنجح حاجتك]

٢٧ - الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم عند إرادة السفر

قال الإمام النووي في أذكار المسافر [ويفتتح دعاءه ويختمه بالتمجيد لله والصلاة والتسليم على رسول الله صلى الله عليه وسلم]

٢٨ - الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم في أعمال الحج

فمن ذلك الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم بعد الفراغ من التلبية

ومن ذلك الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم على الصفا والمروة

ومن ذلك الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم عند استلام الحجر

ومن ذلك الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم في موقف عرفه

ومن ذلك الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم بالخيف

ومن ذلك الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من طواف الوداع

وفي جميع ذلك آثار مروية عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن بعدهم.

٢٩ - الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم عند قدومه المدينة الشريفة

إذا وقع بصره على حرمها ونخيلها وأماكنها وعند قبره الشريف صلى الله عليه وسلم

قال في (المسالك) [اعلم أنه يستحب للمرء أنه كلما قرب من المدينة يزيد من ذلك ويستحضر في خاطره تعظيم عرصاتها وتمجيد منازلها ورحباتها وإنها مواطن عمرت بالوحي والتنزيل وكثر فيها ترداد جبريل وميكائيل وإنه صلى الله عليه وسلم ثاوٍ في بقعتها ومدفون في مقدس تربتها ويتفكر في كونه أشرف على شريف حومته وعزم على دخول حضرته ليستشعر بذلك عظيم منزلته ويتحلى هناك بأوصاف جلال هيبته وكمال محبته ويبادر إلى ما يعلمه أنه مراده من إخلاص توبته وصدق نيته ثم يتوجه وعليه السكينة والوقار ماشيا على قدميه احتسابا لتلك الآثار وإعظاما لمن حل بتلك الديار

أتيتك زائرا وودت أني ***** جعلت سواد عيني أمتطيه

ومالي لا أسير على الأماقي ***** إلى قبرٍ رسول الله فيه

ثم يقف على باب المسجد الشريف وقوف هيبة وإجلال بخضوع وابتهال ثم يدخل قائلا {اللهم صل على محمد وعلى آل محمد اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك} مع الحرمة والوقار كأنه مشاهد النبي المختار صلى الله عليه وسلم ويصلي ركعتين تحية المسجد ثم يأتي القبر الشريف من ناحية القبلة ثم يقف قبالة وجهه صلى الله عليه وسلم جاعلا ظهره إلى القبلة ووجهه قبالة المسمار الفضة المضروب في الرخامة الحمراء مع المبالغة في الأدب ويتأمل بين يدي من هو ويعلم قدر من يخاطب وأنه صلى الله عليه وسلم يسمع سلامه ويرد عليه]

قال رحمه الله [وليقل مقتصدا غير رافع صوته مما رأيته وجمعته من كتب المناسك وغيرها

{السلام عليك يا رسول الله *

السلام عليك يا نبي الله *

السلام عليك يا حبيب الله *

السلام عليك يا صفوة الله *

السلام عليك يا خير خلق الله *

السلام عليك يا سيد المرسلين *

السلام عليك يا خاتم النبيين

السلام عليك يا إمام المتقين *

السلام عليك يا قائد الغر المحجلين *

السلام عليك يا نبي الرحمة *

السلام عليك يا فارج الغمه *

السلام عليك يا من بهرت لوامع مجده *

السلام عليك يا من همعت هوامع رفده *

السلام عليك يا من ظهرت أنوار علائه *

السلام عليك يا من بهرت آثار سنائه *

السلام عليك يا نتيجة الشرف الباذخ *

السلام عليك يا زبدة المجد الراسخ *

السلام عليك يا إمام الأنبياء *

السلام عليك يا صفوة الأصفياء *

السلام عليك يا درة لؤي *

السلام عليك يا غرة قصي *

السلام عليك يا منبع المكارم *

السلام عليك يا سلالة الأكارم *

السلام عليك يا من بهرت آياته *

السلام عليك يا من ظهرت معجزاته *

السلام عليك ايها النبي ورحمة الله وبركاته *

سلام تضوَّع عن مسكه ***** يجر بدارين ذيلا طويلا

وينفح عن نسمة لم تزل ***** تعيد عليك الثناء الجميلا

وتتلو أحاديث قرب غدت ***** تبلُ العليل وتُروي الغليلا

السلام عليك وعلى سائر الأنبياء والمرسلين *

السلام عليك وعلى أهل بيتك الطيبين الطاهرين *

السلام عليك وعلى أزواجك الطاهرات أمهات المؤمنين *

السلام عليك وعلى أصحابك أجمعين *

السلام عليك وعلى عباد الله الصالحين *

وصلى الله عليك كلما ذكرك الذاكرون وكلما غفل عن ذكرك الغافلون وصلى عليك في الأولين وصلى عليك في الآخرين أطيب وأفضل ما صلى على أحد من الخلق أجمعين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك عبده ورسوله وأنك قد بلغت الرسالة وأديت الأمانة ونصحت الأمة وجاهدت في الله حق جهاده}

ثم يدعو لنفسه وللمؤمنين والمؤمنات ثم يسلم على أبي بكر ثم على عمر رضي الله عنهما ينتقل على يمينه قدر ذراع فيسلم فيقول إن شاء

{السلام عليك يا خليفة سيد المرسلين *

السلام عليك يا من أيد الله به يوم الردة الدين *

السلام عليك يا من أنفق في ذات الله ورسوله ماله قليله وجليله ولم يترك لنفسه ولا أهله إلا الله ورسوله}

ثم ينتقل أيضا عن جهة يمينه قدر ذراع فيسلم على عمر فيقول إن شاء

{السلام عليك يا أمير المؤمنين *

السلام عليك يا من أيد الله به الدين *

السلام عليك يا من لم تأخذه في الله لومة لائم فلم يدع الحق له صديقا *

السلام عليك يا من لقيه الشيطان سالكا طريقا إلا اتخذ غير طريقه طريقا *

السلام عليك يا محدَّث هذه الأمة الناطق بالصواب *

السلام عليم يا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب}]

وعن عبد الله بن دينار قال [رأيت ابن عمر رضي الله عنهما يقف عند النبي صلى الله عليه وسلم فيصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو لأبي بكر وعمر] رواه اسماعيل القاضي وغيره من طريق مالك.

وسيأتي في باب الكيفيات صيغة سيدي أبي الحسن الشاذلي التي تقال عن زيارة النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك صيغة برهان الدين المواهبي

وذكرت في كتاب (أفضل الصلوات على سيد السادات) صيغة الإمام النووي وصيغة أبي المواهب الشاذلي.

وعن بعضهم يقول بعد الفراغ من السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم [الحمد لله الذي أقر عيني برؤيتك وأحلني شريف روضتك وقضى أن أفوز بزورتك وأحرز سابق السعادة بحلول بلدتك

حيث النبوة جرت من ذوائبها ***** فضلا وأجرت ينابيعا من الحكم

حيث السنا مُشرق والعز منبثق ***** والجو مغْدودق بالجود والنعم

حيث الضريح وما ضمت صفائحه ***** من النبي الرضي الطاهر الشيم

أنواره غرة في المجد نيرة ***** وفخره شمم في مِعطس الكرم

ولاح في نوره معنى أفاد به ***** مقام آدم فخرا وهو في العدم

انسان عين العلى سر الكمال سنا ***** فخر النبوة نور اللوح والقلم

يا آخرا عند ختم الأنبياء به ***** وأول الرسل عند الله في القدم

يا غرة أوضحت طه أسرتها ***** ودرة جليت في ن والقلم

كانت حياتك ما بين الأنام حيا ***** سقي تراهم بغيث وأكف الديم

وكان فقدك خطبا شاك أنفهمُ ***** لما ألمَّ بصدع غير ملتئم

فالآن ليس سوى قبر حللت به ***** ملجا الطريد ومنجى كل معتصم

وقد حططنا لديك الرحل همتنا ***** على الصدى نهلت من مورد الكرم

نقبل الترب إجلالا لساكنه ***** فكل موطيء أقدام مقر فم

هذا عطاؤك فاغمرنا بمرسله ***** فقد مددنا أكف الفقر والعدم

وإن رمتنا الخطايا وسط مهلكة ***** فأنت ملجأ خلق الله كلهم

حسبي شفاعتك العظمى إذا صفرت ***** يداي أو أسفرت عن زلة القدم

فالعفو شيمتك العظمى التي شهرت ***** إذ كانت الموبقات السود من شيمي

صلى عليك إله العرش ما حملت ***** عنك الثناء المرّجى السن الأمم

وناسم المسك أنفاس النسيم على ***** هذا الضريح وهذا البيت والحرم

فائدة

قال الحافظ السخاوي [والحث على زيارة قبره الشريف صلى الله عليه وسلم قد جاء في عدة أحاديث لو لم يكن منها إلا وعد الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم بوجوب الشفاعة وغير ذلك لزائره لكان كافيا في الدلالة على ذلك وقد اتفق الأئمة من بعد وفاته صلى الله عليه وسلم وإلى زماننا هذا على أن ذلك من أفضل القربات

وقال شيخ الإسلام الحسن السبكي في (شفاء الأسقام) اعتمد جماعة من الأئمة على هذا الحديث {ما من أحد يسلم عليَّ إلا رد الله تعالى إليَّ روحي حتى أرد عليه السلام}

في استحباب زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وهو اعتماد صحيح لأن الزائر إذا سلم وقع الرد عليه عن قرب وتلك فضيلة مطلوبة]

قال في (السدر المنضود) في الفصل الرابع منه [ومنها أي فوائد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أن ملكا قائم على قبره يبلغه إياها وأنه يرد سلام من سلم عليه وذكر في ذلك عدة أحاديث تقدمت مع غيرها في الباب الثاني من هذا الكتاب منها

قوله صلى الله عليه وسلم {ما من أحد يسلم عليَّ إلا رد الله تعالى إليَّ روحي (أي نطقي) حتى أرد عليه السلام}

ومنها قوله صلى الله عليه وسلم {من صلى عليَّ عند قبري سمعته ومن صلى عليَّ نائيا وكل الله به ملكا يبلغني وكفي أمر دنياه وآخرته وكنت له يوم القيامة شهيدا وشفيعا}

ومنها قوله صلى الله عليه وسلم {من أفضل أيامكم يوم الجمعة فيه خٌلق آدم وفيه قٌبض وفيه النفخة وفيه الصعقة فأكثروا فيه من الصلاة عليَّ فإن صلاتكم معروضة عليَّ قالوا يا رسول الله وكيف تٌعرض صلاتنا عليك وقد أرَمْتَ يعني بليت قال إن الله عز وجل حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء}

ومنها قوله صلى الله عليه وسلم {لا تجعلوا بيوتكم قبورا ولا تجعلوا قبري عيدا وصلوا عليَّ فإن صلاتكم تبلغني حيثما كنتم}

وصحح هذا والأول النووي في أذكاره

وقال أي ابن حجر (تنبيه)

[علم من هذه الأحاديث أنه صلى الله عليه وسلم يُبَّلغ الصلاة والسلام عليه إذا صدرا من بُعد ويسمعهما إذا كانا عند قبره الشريف بلا واسطة سواء ليلة الجمعة وغيرها

وأفتى النووي فيمن حلف بالطلاق الثلاث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع الصلاة عليه هل يحنث؟

بأنه لا يحكم عليه بالحنث للشك في ذلك والورع أن يلتزم الحنث.

وما قيل أن رده صلى الله عليه وسلم على المسلِّم عليه مختص بسلام زائره مردود

١ - بعموم الحديث {ما من أحد يسلم عليَّ إلا رد الله تعالى إليَّ روحي حتى أرد عليه السلام} فدعوى التخصيص تحتاج لدليل

٢ - ويرده أيضا الخبر الصحيح {ما من أحد يمر بقبر أخيه المؤمن كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا عرفه ورد عليه السلام}

فلو اختص رده صلى الله عليه وسلم بزائره لم يكن له خصوصية به لما علِمت أن غيره يشاركه في ذلك

قال أبو اليمن ابن عساكر [وإذا جاز رده صلى الله عليه وسلم على من يسلم عليه من الزائرين لقبره جاز رده صلى الله عليه وسلم على من يسلم عليه من جميع الآفاق من جميع أمته على بُعد شُقْتِه]

و (أرَمْتَ) بفتح أوليه (يقصد الألف والراء) وسكون ثالثه (الميم) وفتح آخره (التاء) أصله أرممت أي صرت رميما قاله الخطابي حذفت إحدى الميمين تخفيفا كأظلت أي ظللت والرميم والرمة العظام البالية

وقال غيره الميم مشددة والتاء آخره ساكنة (أرَمَّتْ) أرمت العظام

وقيل يروى بضم أوله وكسر ثانيه (أُرِمْتَ)

ونهيه صلى الله عليه وسلم عن جعل قبره عيدا يحتمل

١ - أنه للحث على كثرة الزيارة ولا يجعل كالعيد الذي لا يؤتى في العام إلا مرتين

٢ - والأظهر أنه إشارة إلى النهي الوارد في الأحاديث الأخر عن اتخاذ قبره مسجدا أي لا تجعلوا زيارة قبري عيدا من حيث الإجتماع لها كلهو للعيد وقد كانت اليهود والنصارى يجتمعون لزيارة قبور أنبيائهم ويشتغلون باللهو والطرب فنهى صلى الله عليه وسلم أمته عن ذلك وعن أن يتجاوزوا في تعظيم قبره ما أمروا به.

والحث على زيارة قبره الشريف صلى الله عليه وسلم قد جاء في عدة أحاديث بينتها في حاشية (الإيضاح) مع الرد على من أنكر ذلك وهو ابن تيمية عامله الله بعدله كيف وقد أجمعت الأمة كما نقله غير واحد من الأئمة على أن ذلك من أفضل القربات وأنجح المساعي.

ومعنى {ولا تتخذوا بيتوكم قبورا}

١ - قيل كراهة الصلاة في المقبرة أي لا تجعلوا القبور لصلاتكم كالبيوت وعليه يدل كلام البخاري.

٢ - وقيل معناه لا تجعلوها كالقبور في أن من صار إليها لا يصلي ولا يعمل ورجحه جمع للرواية الأخرى {اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم ولا تتخذوها قبورا}

٣ - وقيل معناه النهي عن دفن الموتى في البيوت وهو ظاهر اللفظ ودفنه صلى الله عليه وسلم في بيته من خصائصه

٤ - وقيل معناه من لم يصل في بيته جعل نفسه كالميت وبيته كالقبر ويؤيده خبر مسلم {مثل البيت الذي يذكر الله فيه والبيت الذي لا يذكر الله فيه كمثل الحي والميت}

وعلم من هذه الأحاديث أيضا أنه صلى الله عليه وسلم حيٌ على الدوام إذ من المحال العادي أن يخلو الوجود كله من واحد يُسلم عليه في ليل أو نهار فنحن نؤمن ونصدق بأنه صلى الله عليه وسلم حيٌ يُرزق وأن جسده الشريف لا تأكله الأرض والإجماع على هذا

وقيل كذا العلماء والشهداء والمؤذنون وصح أنه كُشف عن غير واحد من الأولين فوجِدوا لم تتغير أجسادهم

وقد جمع البيهقي جزأ في حياة الأنبياء في قبورهم واستدل بكثير من الأحاديث السابقة وبالحديث الصحيح {الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون} ويشهد له خبر مسلم {مررت بموسى ليلة أسري بي عند الكثيب الأحمر وهو قائم يصلي في قبره}

ودعوى أن هذا خاص به يبطلها خبر مسلم أيضا {لقد رأيتني في الحجر وقريش تسألني عن مسراي فسألتني عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها فكربت كربة ما كربت مثله قط قال فرفعه الله لي أنظر إليه ما يسألوني عن شيء إلا نبأتهم به وقد رأيتني في جماعة من الأنبياء فإذا موسى قائم يصلي فإذا رجل ضرب جعد كأنه من رجال شنوءة وإذا عيسى بن مريم عليه السلام قائم يصلي أقرب الناس به شبها عروة بن مسعود الثقفي وإذا إبراهيم عليه السلام قائم يصلي أشبه الناس به صاحبكم (يعني نفسه صلى الله عليه وسلم) فحانت الصلاة فأممتهم فلما فرغت من الصلاة قال قائل يا محمد هذا مالك صاحب النار فسلم عليه فالتفت إليه فبدأني بالسلام}

وفيه {وقد رأيتني في جماعة من الأنبياء فإذا موسى قائم يصلي فإذا رجل ضرب (أي خفيف اللحم) جعد (أي غليظ الشعر)}

وفيه {وإذا عيسى بن مريم عليه السلام قائم يصلي أقرب الناس به شبها عروة بن مسعود الثقفي وإذا إبراهيم عليه السلام قائم يصلي أشبه الناس به صاحبكم فحانت الصلاة فأممتهم}

وفي حديث آخر أنه صلى الله عليه وسلم لقيهم ببيت المقدس

وفي آخر أنه لقيهم في جماعة من الأنبياء بالسموات فكلمهم وكلموه

قال البيهقي وكل ذلك صحيح فقد يرى موسى قائما يصلي في قبره ثم يُسْرَى بموسى وغيره إلى بيت المقدس كما أسرىَ بنبينا صلى الله عليه وسلم فيراهم ثم يُعْرَج بهم إلى السموات كما عُرج بنبينا فيراهم فيها كما أخبر صلى الله عليه وسلم وحلولهم في أوقات مختلفة بأمكنة مختلفة جائز عقلا كما ورد به خبر الصادق وفي كل ذلك دلالة على حياتهم. أ. هـ

وقد ثبتت حياة الشهداء بنص القرآن وصرح ابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهما بأنه صلى الله عليه وسلم مات شهيدا

١ - والمراد كما مر بالروح النطق صرح به جماعة فهو صلى الله عليه وسلم حيٌ على الدوام لكن لا يلزم من حياته دوام نطقه وإنما يرد عند سلام كل مُسلم عليه.

وعلامة التجوز بالروح عن النطق ما بينهما من التلازم غالبا.

٢ - وأجاب البيهقي بأن معنى رد الروح إليه أنها رُدت إليه عقب دفنه لأجل سلام من يُسلم عليه واستمرت في جسده الشريف صلى الله عليه وسلم لا أنها تعاد لرد السلام ثم تنزع ثم تعاد لرد السلام وهكذا أي لما يلزم عليه من تعدد حياته ووفاته في أقل من ساعة مرات كثيرة وأجيب بأنه لا محذور فيه إذ لا نزاع ولا مشقة في ذلك الرد وإن تكرر.

٣ - وأجاب السبكي بأنه يحتمل أن يكون رداً معنويا وأن تكون روحه الشريفة مشتغلة بشهود الحضرة الإلهية والملأ الأعلى عن هذا العالم فإذا سُلِّم عليه أقبلت روحه الشريفة على هذا العالم لتدرك سلام من يُسلم عليه وتُرد عليه ولا يلزم عليه استغراق الزمان كله في ذلك نظرا لإتصال الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم في أقطار الأرض لأن أمور الآخرة لا تدرك بالعقل وأحوال البرزخ أشبه بأحوال الآخرة.

٤ - وقال بعضهم المراد بالروح الملك الموكل به

٥ - وقال ابن العماد يحتمل أن يراد به هنا السرور مجازا فإنه قد يطلق ويراد به ذلك. انتهى كلام ابن حجر

وقد ذكر كيفية زيارته صلى الله عليه وسلم وأدعيتها وما يتعلق بذلك من الفوائد بالتفصيل في كتابه (الجوهر المنظم في زيارة القبر المعظم) وما أحسن قول القائل

ألا أيها الغادي إلى يثرب مهلا ***** لتحمل شوقا ما أطيق له حملا

تحمل رعاك الله مني تحية ***** وبلغ سلامي روح من طيبة حلا

وقف عند ذاك القبر في الروضة التي ***** تكون يمينا للمصلي إذا صلى

وقم خاضعا في مهبط الوحي خاشعا ***** وخفض هناك الصدر واسمع لما يتلى

وناد سلام الله يا قبر أحمد ***** على جسد لم يبل قبل ولا يبلى

تراني أراني عند قبر واقفا ***** يناديك عبد ما له غيركم مولى

وتسمع عن قرب صلاة كمثل ما ***** تبلغ عن بعد صلاة الذي صلى

أناديك يا خير الخلائق والذي ***** به ختم الله النبيين والرسلا

نبي الهدى لولاك لم يُعرف الهدى ***** ولولاك لم نعرف حراما ولا حلا

ولولاك لا والله ما كان كائن ***** ولم يخلق الرحمن جزأ ولا كلا

___________

تعليق ناقل الكتاب

من الأدلة على حياة النبي صلى الله عليه وسلم في روضته الشريفة من القرآن الكريم قوله تعالى

١ - {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ}

٢ - {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا}

٣ - {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا}

..........................

_________________

نجد الآية الأولى فيها الخطاب للحبيب صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى (فَارْتَقِبْ) بمعنى فانتظر ما يحل بالمشركين

فهي بمعنى المراقبة للشيء حتى يحدث وكأن الإنسان يراقب شيئا ما لعلمه بأنه سيحدث في وقت ما

والذي يصدق عليه هذا المعنى هل يكون حياً أم ميتاً؟ وإذا كان الخطاب من الله تعالى لحبيبه صلى الله عليه وسلم هل يكون الإرتقاب في حياته الدنيا فقط أم ينصرف إلى جميع حيواته صلى الله عليه وسلم في الدنيا والبرزخ والآخرة وما يؤكد أن الإرتقاب مستمر حتى قيام الساعة

١ - قوله تعالى مخاطبا له صلى الله عليه وسلم (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ) أي الإرتقاب مستمر حتى تأتي السماء بدخان مبين وهذا الدخان من الدلائل على قيام الساعة

وكأن الله تعالى يلفت إنتباهنا إلى أن الحبيب صلى الله عليه وسلم حيُ في برزخه مرتقبا ومنتظرا يوم حدوث الدخان ومجيء الساعة ولا تصدق هذه المعاني إلا على الحي لا الميت لإستمرار الإرتقاب وذلك لكون الدخان سيحدث في المستقبل

٢ - (وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ)

وهنا نجد الخطاب للحبيب صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى (وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ) أي اصبر بروحك مع الذين يدعون ربهم ويذكرونه في كل وقت وهم الذين يدعونه تعالى ويذكرونه تعالى لا من أجل شيء إلا ابتغاء رؤيته تعالى وهؤلاء هم المخلصون لله تعالى فهؤلاء لا تصرف نظرك وبصرك عنهم لتنظر إلى شيء من متاع الدنيا الزائل

والسؤال هنا هل الذين يريدون وجهه تعالى هم من كانوا في صحبة الحبيب صلى الله عليه وسلم فقط أم أن هذه الفئة يوجد منها في القرون التي جاءت بعد ذلك إلى قيام الساعة؟

نجد أن الله تعالى أجاب عن ذلك في سورة الواقعة في قوله تعالى {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ} {ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِّنَ الْآخِرِينَ}

..........................

_________________________

وبهذا أشار الله تعالى إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم ينظرهم ويبصرهم بجوارحه حيث عبر عن العين وأرد الكل فهو حيُ يبصرهم ويمدهم مدده في كل وقت اللهم اجعلنا منهم يا رب العالمين

٣ - (تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا)

هنا نجد الآية تتحدث عن المعية مع الحبيب صلى الله عليه وسلم فتشير إلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم ومن معه يتصفون بأنهم أشداء على الكفار أما فيما بينهم رحماء ثم عقب بقوله تعالى (تراهم) بصيغة المضارع المستمر الذي يفيد الاستمرار تراهم يا محمد يكثرون من الركوع والسجود حبا في الله وابتغاء فضله ورضوانه وهذه الفئة لا تقتصر على عهد النبوة فقط من الصحابة بل تمتد إلى ما بعد ذلك في جميع القرون اللهم اجعلنا معهم ومنهم والرؤية هنا ليس بمعنى العلم وإنما بمعنى رؤيتهم بعينيه صلى الله عليه وسلم فكل هذا مما يدل على حياته صلى عليه وسلم في قبره

{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ}

وصل اللهم وسلم عليه وعلى آله وصحبة في كل لمحة ونفس عدد ما وسعه علمك يا رب العالمين



  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!