موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب سعادة الدارين في الصلاة على سيد الكونين

للشيخ يوسف النبهاني

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


المبحث السابع في لفظ إبراهيم

المبحث السابع في لفظ إبراهيم:

قال ابن القيم

معنى إبراهيم بالسريانية أب رحيم والله سبحانه جعل إبراهيم الأب الثالث للعالم فإن أبانا الأول آدم والثاني نوح فأهل الأرض كلهم من ذريته قال تعالى {وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ} والأب الثالث أبو الأنبياء وعمود العالم وإمام الحنفاء الذي اتخذه الله سبحانه وتعالى خليلاً وجعل النبوة والكتاب في ذريته ذاك خليل الرحمن وشيخ الأنبياء وقد سماه الله إماماً وأمة قانتاً وحنيفاً

قال تعالى {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً}

وقال تعالى {ِإنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً}

فالأمة هو القدوة المعلم للخير والقانت المطيع لله الملازم لطاعته والحنيف المقبل على الله المُعْرِض عما سواه ومن أقبل على شيء مال عن غيره فإبراهيم صلى الله عليه وسلم هو أبونا الثالث وهو إمام الحنفاء وتسميه أهل الكتاب عمود العالم وجميع أهل الملل متفقة على تعظيمه ومحبته

وكان خير بنيه سيد ولد آدم محمد صلى الله عليه وسلم يُجلُّه ويُعظِّمه وكان أشبه الخلق به كما في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال [رأيت إبراهيم فإذا أقرب الناس شبهاً به صاحبكم] يعني نفسه صلى الله عليه وسلم

وكان صلوات الله على نبينا وعليه أول من أقرى الضيف وأول من اختتن وأول من رأى الشيب فقال ما هذا يا رب قال وقار قال رب زدني وقاراً

وكان صلى الله عليه وسلم كما قيل قلبه للرحمن وولده للقربان وبدنه للنيران وماله للضيفان

ولما اتخذه ربه خليلاً والخلة هي كمال المحبة وهي مرتبة لا تقبل المشاركة والمزاحمة وكان قد سأل ربه أن يهب له ولداً صالحاً فوهب له اسماعيل فأخذ هذا الولد شُعبة من قلبه فغار الخليل على قلب خليله أن يكون فيه مكان لغيره فامتحنه بذبحه ليظهر سر الخلة في تقديم محبة خليله على محبة ولده فلما استسلم لأمر ربه وعزم على فعله وظهر سلطان الخلة في الإقدام على ذبح الولد إيثاراً لمحبة خليله على محبته نسخ الله ذلك عنه وفداه بالذبح العظيم

ولما أضرم له أعداء الله النار وألقوه في المنجنيق عرض له جبريل عليه السلام بين السماء والأرض فقال يا إبراهيم ألك حاجة قال أما إليك فلا فجعل الله سبحانه عليه النار برداً وسلاماً

وروى الترمذي عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [لقيت إبراهيم ليلة أسري بي فقال يا محمد أقريء أمتك السلام وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة عذبة الماء وأنها قيعان وأن غراسها سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر] قال الترمذي هذا حديث حسن. انتهى باختصار

وأما آل إبراهيم عليه السلام فهم ذريته من إسماعيل وإسحاق كما جزم به جماعة وإن ثبت أنه كان له أولاد من غير سارة وهاجر فهم داخلون لا محالة ثم المراد المسلمون منهم بل المتقون فيدخل فيهم الأنبياء والصديقون والشهداء والصالحون دون من عداهم

وههنا سؤالان

أحدهما لمَ خص إبراهيم عليه السلام بالتشبيه دون غيره من الأنبياء صلوات الله عليهم؟

والجواب أن ذلك وقع إما إكراماً له

أو مكافأة على ما فعل حيث دعا لأمة محمد بقوله {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ}

أو لعدم مشاركة غيره من الأنبياء له في ذلك

واختصاصهما بالصلاة

إما لأنه كان خليلاً ومحمد صلى الله عليه وسلم حبيباً

أو لأن إبراهيم كان منادي الشريعة حيث أمره الله بقوله {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} ومحمد صلى الله عليه وسلم كان منادي الدين لقوله {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا}

أو لأنه سأل الله عز وجل في ذلك حيث رأى الجنة في المنام وعلى أشجارها مكتوب لا إله إلا الله محمد رسول الله وسأل جبريل عن ذلك فأخبره عن حاله فقال يا رب أجر ذكري على لسان أمة محمد ولقوله {وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ}

أو لأنه أفضل من بقية الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.

والسؤال الثاني ما اشتهر من السؤال عن موقع التشبيه في قوله [كما صليت على إبراهيم] مع أن المقرر أن المشبه دون المشبه به والواقع هنا عكسه لأن محمداً صلى الله عليه وسلم وحده أفضل من إبراهيم وآل إبراهيم لا سيما وقد أضيفت إليه آل محمد وقضية كونه أفضل أن تكون الصلاة المطلوبة أفضل من كل صلاة حصلت أو تحصل لغيره؟

وأجيب عن ذلك بأجوبة استحسن منها الإمام النووي جواب الشافعي وهو

أن التشبيه راجع للآل أو المجموع بالمجموع أو تشبيه أصل الصلاة بأصل الصلاة لا للقدر بالقدر فهو كقوله تعالى {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ} وقوله {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} فإن المختار فيه أن المراد أصل الصيام لا وقته وعينه وهو كقول القائل أحسن إلى ولدك كما أحسنت إلى فلان ويريد بذلك أصل الإحسان لا قدره ومنه قوله تعالى {وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ} ورجح هذا الجواب القرطبي في (المفهم)

وقال العارف بالله سيدي عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه في الباب الرابع عشر من كتابه (المنن الكبرى)

ومما أنعم الله تبارك وتعالى به عليَّ شهودي بنور الإيمان وسر الإيقان أن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم أفضل خلق الله تعالى على الإطلاق فلا أحد من أهل السموات وأهل الأرض يناسبه في مقام من المقامات ثم لا يتوقف على دليل في ذلك إلا من أعمى الله بصيرته صار بصره كبصر الخفافيش لأن نور شريعته صلى الله عليه وسلم أضوأ من نور الشمس وقت الظهيرة ويكفي في بيان فضله صلى الله عليه وسلم إجماع أمته كلهم في سائر الأقطار على تفضيله على الأولين والآخرين بالبديهة من غير توقف مع أن أحداً منهم لم يره وإنما رأى شرعه وسمع هديه فقط وقد قال صلى الله عليه وسلم [لا تجتمع على أمتي ضلالة]

وقد وقع في سنة إحدى وأربعين وتسعمائة أن شخصاً زعم أن سيدنا إبراهيم عليه السلام أفضل من سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم مستنداً إلى تعليمه صلى الله عليه وسلم الصحابة كيفية الصلاة عليه في الصلاة وقوله في حديث التشهد [كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم] بناء على قاعدة أهل المعاني من أن المشبه به أعلى من المشبه

وغاب عن هذا الشخص أن المسألة واردة على سبب وذلك أن الصحابة لمَّا قالوا [يا رسول الله قد علمنا السلام عليك فكيف نصلي عليك إذا نحن صلينا فقال قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم ... ] إلى آخره فالنكتة في قوله صلى الله عليه وسلم [كما صليت على إبراهيم] كونه صلى الله عليه وسلم مسئولاً في تعليم الكيفية

وتأمل إذا قلت لإنسان من الأولياء والعلماء مثلاً علمني تحية أعظمك بها وأمدحك بها وأفضلك بها بين الناس كيف لا يسعه إلا السكوت أو النطق بما فيه تواضع ولذلك جاء في حديث كعب بن عجرة أنه قال [لمَّا سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف نصلي سكت وتمعر وجهه حتى تمنينا أن لو لم نكن سألناه] يعني من شدة حيائه صلى الله عليه وسلم

وقوله صلى الله عليه وسلم [أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر وأول من تنشق عنه الأرض وأول شافع وأول مشفع] صريح في تفضيله على جميع الخلق حتى آدم عليه السلام وقوله تعالى {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى}

وإنما تأدب صلى الله عليه وسلم مع أبيه آدم لأنه لا ينبغي للولد أن يقول أنا أفضل من أبي إلا فيما ورد به الإذن الإلهي فيه كما في حديث [آدم فمن دونه تحت لوائي]

وقد انتصر علماء مصر وصنفوا مصنفات في الرد على هذا الشخص بتقدير ثبوت ذلك عنه كسيدي محمد البكري وسيدي محمد الرملي والشيخ ناصر الدين الطبلاوي والشيخ نور الدين الطندتائي وقرئت تلك المصنفات على رؤس الأشهاد بحضرة خلائق لا يحصون فافهم ذلك والحمد لله رب العالمين. أ. هـ

ويشبه حكاية هذا الشخص المنكر المخذول ما ذكره رضي الله عنه في (طبقاته الكبرى) في ترجمة العارف بالله سيدي أبي المواهب الشاذلي قال فيها وكان يقول يعني أبا المواهب رضي الله عنه

وقع بيني وبين شخص من الجامع الأزهر مجادلة في قول صاحب البردة رحمه الله تعالى

فمبلغ العلم فيه أنه بشر ******* وأنه خير خلق الله كلهم

وقال ليس له دليل على ذلك فقلت له قد انعقد الإجماع على ذلك فلم يرجع فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر وعمر جالساً عند منبر الجامع الأزهر وقال لي مرحباً بحبيبنا ثم قال لأصحابه أتدرون ما حدث اليوم قالوا لا يا رسول الله فقال إن فلاناً التعيس يعتقد أن الملائكة أفضل مني فقالوا بأجمعهم يا رسول الله ما على وجه الأرض أفضل منك فقال لهم فما بال فلان التعيس الذي لا يعيش وإن عاش عاش ذليلاً خمولاً مضيقاً عليه خامل الذكر في الدنيا والآخرة يعتقد أن الإجماع لم يقع على تفضيلي أما علم أن مخالفة المعتزلة لأهل السنة لا تقدح في الإجماع. انتهى كلام الشعراني

ونقل العلامة القسطلاني في شرحه على (البخاري) و (المواهب اللدنية) عن العارف الرباني أبي محمد المرجاني أنه قال

وسر قوله صلى الله عليه وسلم [كما صليت على إبراهيم] و [كما باركت على إبراهيم] ولم يقل كما صليت على موسى لأن موسى عليه الصلاة والسلام كان التجلي له بالجلال فخر موسى صعقا والخليل إبراهيم عليه الصلاة والسلام كان التجلي له بالجمال لأن المحبة والخلة من آثار التجلي بالجمال ولهذا أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلوا عليه كما صلى على إبراهيم ليسألوا له التجلي بالجمال وهذا لا يقتضي التسوية فيما بينه وبين الخليل صلوات الله وسلامه عليهما لأنه إنما أمرهم أن يسألوا له التجلي بالوصف الذي تجلى به للخليل عليه الصلاة والسلام

والذي يقتضيه الحديث المشاركة في الوصف الذي هو التجلي بالجمال ولا يقتضي التسوية بين المقامين ولا في الرتبتين فإن الحق سبحانه يتجلى بالجمال لشخصين بحسب مقاميهما وإن اشتركا في وصف التجلي بالجمال فيتجلى لكل واحد منهما بحسب مقامه عنده ورتبته منه ومكانته فيتجلى للخليل عليه الصلاة والسلام بالجمال بحسب مقامه ويتجلى لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بالجمال على حسب مقامه فعلى هذا يفهم الحديث. أ. هـ

يعني ومقام سيدنا محمد أرفع من مقام سيدنا إبراهيم فتكون الصلاة المطلوبة له من الله تعالى أعلى وأرفع من الصلاة على سيدنا إبراهيم

وهذا يؤيد ما قاله النووي من أن أحسن الأجوبة عن إشكال تشبيه الصلاة على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بالصلاة على سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام مع كونه أفضل منه ما نسب إلى الإمام الشافعي رضي الله عنه من أن التشبيه لأصل الصلاة بأصل الصلاة.

وقال العلامة أحمد بن حجر المكي في كتابه (الجوهر المنظم في زيارة القبر الشريف النبوي المكرم)



  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!