موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب سعادة الدارين في الصلاة على سيد الكونين

للشيخ يوسف النبهاني

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


الباب العاشر في فوائد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وثمراتها

الباب العاشر في فوائد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وثمراتها

وقد رأيت أن افتتح هذا الباب بالفوائد التي ذكرها العلامة شمس الدين بن القيم في كتابه (جلاء الأفهام في فضل الصلاة والسلام على محمد خير الأنام) وكلها أو جلها واردة في الأحاديث التي لخصتها في الباب الثاني فلا حاجة لتكرارها هنا وهي مذكورة فيه وفي (مسالك الحنفا) و (الدر المنضود) وغيرها وقد زدت من غير (جلاء الأفهام) ما يتعلق ببعض الفوائد عند ذكرها.

قال رحمه الله تعالى:

الأولى: امتثال أمر الله سبحانه وتعالى.

الثانية: موافقته سبحانه في الصلاة عليه وإن اختلفت الصلاتان فصلاتنا عليه دعاء وسؤال وصلاة الله عليه ثناء وتشريف كما تقدم.

الثالثة: موافقة ملائكته فيها.

الرابعة: حصول عشر صلوات من الله تعالى على المصلي.

الخامسة: أنه يرفع له عشر درجات.

السادسة: أنه يكتب له عشر حسنات.

السابعة: أنه يمحى عنه عشر سيئات.

الثامنة: أنه يرجى إجابة دعائه إذا قدمها أمامه فهي تصاعد الدعاء إلى عند رب العالمين.

التاسعة: أنها سبب لشفاعته صلى الله عليه وسلم إذا قرنها بسؤال الوسيلة له أو أفردها كما تقدم حديث رويفع بذلك.

العاشرة: أنها سبب لغفران الذنوب كما تقدم.

الحادية عشر: أنها سبب لكفاية الله العبد ما أهمه.

قال في (الدر المنضود) أخرج الترمذي عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال [كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذهب ثلثا الليل قام فقال: يا أيها الناس اذكروا الله اذكروا الله جاءت الراجفة تتبعها الرادفة جاء الموت بما فيه جاء الموت بما فيه جاء الموت بما فيه. قال أبي: فقلت يا رسول الله إني أكثر الصلاة عليك فكم أجعل لك من صلاتي؟ قال: ما شئت. قلت: الربع. قال: ما شئت وإن زدت فهو خير لك. قلت: فالنصف. قال: ما شئت وإن زدت فهو خير لك. قلت: فالثلثين. قال: ما شئت وإن زدت فهو خير لك. قلت: أجعل لك صلاتي كلها. قال: إذن تكفى همك ويغفر ذنبك] قال الحاكم في

(المستدرك) صحيح الإسناد.

وفي رواية [إذا ذهب ربع الليل]

وفي أخرى [يخرج في ثلث الليل وقال: إني أصلي من الليل] بدل [أكثر الصلاة عليك]

وفي أخرى أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم [أجعل لك من صلاتي .. ] الحديث

وفي أخرى عند أحمد وابن أبي عاصم وابن أبي شيبة [قال رجل يا رسول الله أرأيت إن جعلت صلاتي كلها عليك. قال: إذن يكفيك الله تبارك وتعالى ما أهمك من دنياك وآخرتك] وأخرجها البيهقي بسند جيد لكن فيه إرسال.

وفي أخرى [أن رجلاً قال يا رسول الله أجعل لك ثلث صلاتي عليك. قال نعم إن شئت. قال الثلثين. قال: نعم. قال: فصلاتي كلها. قال صلى الله عليه وسلم: إذن يكفيك الله ما أهمك من أمر دنياك وآخرتك] في إسناده راويان ضعفهما الجمهور لكن الهيثمي كالمنذري حسنا الحديث لشواهده.

وفي أخرى [أجعل شطر صلاتي دعاء لك. قال: نعم. قال: فأجعل صلاتي كلها دعاء لك. قال: إذا يكفيك الله هم الدنيا والآخرة]

وفي أخرى [أتاني آت من ربي فقال: ما من عبد يصلي عليك صلاة إلا صلى الله عليه بها عشراً. فقام رجل فقال: يا رسول الله: أجعل لك نصف دعائي. قال: ما شئت. قال: الثلثين. قال: ما شئت. قال: أجعل دعائي كله لك. قال إذن يكفيك الله هم الدنيا والآخرة]

وأفادت وإن كانت مرسلة أو معضلة التصريح بأن المراد بالصلاة في الأحاديث السابقة الدعاء فلا تحتاج إلى تأويل.

والمعنى أني أكثر الدعاء فكم أجعل لك من دعائي صلاة عليك أي أن لي زماناً أدعو فيه لنفسي فكم أصرف من ذلك الزمان للصلاة عليك فلم ير صلى الله عليه وسلم أن يعين له في ذلك الزمن حداً لئلا يغلق عليه باب المزيد فلم يزل يفوض الاختيار إليه مع مراعاة الحث على المزيد حتى قال أجعل لك صلاتي كلها أي أصلي عليك بدل ما أدعو به لنفسي فقال إذن تكفى همك أي ما أهمك من أمر دينك ودنياك لأنها مشتملة على ذكر الله وتعظيم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي في المعنى إشارة بالدعاء لنفسه صلى الله عليه وسلم كما في الحديث القدسي [من شغله ذكري عن مسئلتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين]

فنتج من ذلك أن من جعل الصلاة على نبيه صلى الله عليه وسلم معظم عباداته كفاه الله تعالى هم دنياه وآخرته. وفقنا الله تعالى لذلك آمين.

قال: وقيل المراد الصلاة حقيقة والمراد ثوابها أو مثل ثوابها وترده الرواية السابقة.

قيل: وهذا الحديث أصل عظيم لمن يدعو عقب قراءته فيقول أجعل ثواب ذلك لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال فيه أجعل لك صلاتي كلها قال إذن تكفى همك

وأما الدعاء بزيادة الشرف له صلى الله عليه وسلم فأنكره بعض المتأخرين وقد بالغت في بيان الرد عليه في افتائين طويل ومختصر وبينت أن المحققين خالفوه بل إمام المذهب النووي استعمل ذلك في خطب كتب من كتبه كـ (المنهاج) و (الروضة) و (شرح مسلم).

وشرفه صلى الله عليه وسلم وإن كان كاملاً إلا أنه يقبل زيادة الكمال لأنه دائم الترقي في حضرات القرب فلا نهاية لترقيه وما كان قابلاً للزيادة فلا مانع من طلبه له صلى الله عليه وسلم ومعنى أجعل مثل ثواب ذلك زيادة في شرفه طلب حصول مثل ذلك الثواب له وبحصوله له يزيد شرفه ضرورة أن حصوله كمال فإذا انضم إلى كمال شرفه المستقر زاده كمالاً آخر وترقياً فيه لم يكن حاصلاً قبل وكذا نقول في الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم يحصل له بها زيادة كمال وترقٍ فيه لم يكن حاصلاً له قبله.

وفي رواية أن ذلك وقع لغير أبي أيضاً وهو أيوب بن بشير وأنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم [إني قد أجمعت أن أجعل صلاتي دعاء لك ... ] الحديث فإن صحت فلا مانع من سؤالهما معاً عن ذلك. أ. هـ كلام ابن حجر.

الثانية عشر: أنها سبب لقرب العبد منه صلى الله عليه وسلم يوم القيامة وقد تقدم حديث ابن مسعود في ذلك.

الثالثة عشر: أنها تقوم مقام الصدقة لذي العسرة.

الرابعة عشر: أنها سبب لقضاء الحوائج.

الخامسة عشر: أنها سبب لصلاة الله على المصلي وصلاة وملائكته عليه.

السادسة عشر: أنها زكاة للمصلي وطهارة له.

السابعة عشر: أنها سبب لتبشير العبد بالجنة قبل موته ذكره الحافظ أبو موسى في كتابه وذكر فيه حديثاً.

الثامنة عشر: أنها سبب للنجاة من أهوال يوم القيامة ذكره أبو موسى وذكر فيه أيضاً حديثاً.

التاسعة عشر: أنها سبب لرد النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة والسلام على المصلي عليه.

العشرون: أنها سبب لتذكير العبد ما نسيه كما تقدم.

الحادية والعشرون: أنها سبب لطيب المجلس وأن لا يعود حسرة على أهله يوم القيامة.

الثانية والعشرون: أنها سبب لنفي الفقر كما تقدم.

الثالثة والعشرون: أنها تنفي عن العبد اسم البخل إذا صلى عليه عند ذكره صلى الله عليه وسلم.

الرابعة والعشرون: أنها ترمي صاحبها على طريق الجنة وتخطئ بتاركها عن طريقها.

الخامسة والعشرون: أنها تنجي من نتن المجلس الذي لا يذكر فيه الله ورسوله ويحمد الله ويثني عليه ويصلي على رسول الله صلى الله علىه وسلم

السادسة والعشرون: أنها سبب لتمام الكلام الذي ابتدئ بحمد الله والصلاة على رسوله.

السابعة والعشرون: أنها سبب لوفور نور العبد على الصراط وفيه حديث ذكره أبو موسى.

الثامنة والعشرون: أنه يخرج بها العبد عن الجفاء.

التاسعة والعشرون: أنها سبب لإلقاء الله سبحانه الثناء الحسن للمصلي عليه بين أهل السماء والأرض لأن المصلي طالب من الله أن يثني على رسوله ويكرمه ويشرفه والجزاء من جنس العمل فلابد أن يحصل للمصلي نوع من ذلك.

الثلاثون: أنها سبب للبركة في ذات المصلي وعمله وعمره وأسباب مصالحه لأن المصلي داع ربه أن يبارك عليه وعلى آله وهذا الدعاء مستجاب والجزاء من جنسه.

الحادية والثلاثون: أنها سبب لنيل رحمة الله له لأن الرحمة إما بمعنى الصلاة كما قاله طائفة وإما من لوازمها وموجباتها على القول الصحيح فلابد للمصلي عليه من رحمة تناله.

الثانية والثلاثون: أنها سبب لدوام محبته للرسول صلى الله عليه وسلم وزيادتها وتضاعفها وذلك عقد من عقود الإيمان الذي لا يتم إلا به لأن العبد كلما أكثر من ذكر المحبوب واستحضاره في قلبه واستحضار محاسنه ومعانيه الجالبة لحبه تضاعف حبه له وتزايد شوقه واستولى على جميع قلبه وإذا أعرض عن ذكره وأخطاره وأخطار محاسنه بقلبه نقص حبه من قلبه ولا شيء ألذ لعين المحب من رؤية محبوبه ولا أقر لقلبه من ذكره وأخطار محاسنه فإذا قوى هذا في قلبه جرى لسانه بمدحه والثناء عليه وذكر محاسنه ويكون زيادة ذلك ونقصانه بحسب زيادة الحب ونقصانه في قلبه والحس شاهد بذلك حتى قال بعض الشعراء في ذلك

عجبت لمن يقول ذكرت حِبي ***** وهل أنسى فأذكر ما نسيت

فتعجب هذا المحب ممن يقول ذكرت محبوبي لأن الذكر يكون بعد النسيان ولو كمل حب هذا ما نسى محبوبه

وقال آخر

أريد لأنسى ذكرها فكأنما***** تمثل لي ليلى بكل سبيل

فهذا أخبر عن نفسه أن حبه لها مانع من نسيانها

وقال آخر

يُراد من القلب نسيانكم ***** وتأبى الطباع على الناقل

فأخبر أن حبهم وذكرهم قد صار طبعاً له فمن أراد منه خلاف ذلك أبت عليه طباعه والمثل المشهور من أحب شيئاً أكثر من ذكره

وفي هذا الجناب الأشرف أحق ما أنشد

لو شق عن قلبي يرى ضمنه******* ذكرك والتوحيد في سحر

فهذا قلب المؤمن توحيد الله وذكر رسوله مكتوبان فيه لا يتطرق إليهما محو ولا زالة

ولما كانت كثرة ذكر الشئ موجبة لدوام محبته ونسيانه سبب لزوال محبته أو ضعفها وكان الله سبحانه هو المستحق من عباده نهاية الحب مع نهاية التعظيم بل الشرك الذي لا يغفره الله تعالى هو أن تشرك به في الحب والتعظيم فتحب غيره من المخلوقات وتعظمه كما تحب الله تعالى وتعظمه قال الله تعالى {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ} وأن المؤمن أشد حباً لله من كل شئ. وقال أهل النار في النار {تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ*إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} ومن المعلوم أنهم إنما سووهم به سبحانه في الحب والتأله والعبادة وإلا فلم يقل أحد قط أن الصنم أو غيره من الأنداد مساوٍ لرب العالمين في صفاته وفي أفعاله وفي خلق السموات والأرض وفي خلق عباده أيضاً وإنما كانت التسوية في المحبة وفي العبادة والمقصود أن دوام الذكر لما كان سبباً لدوام المحبة وكان الله سبحانه أحق بكمال الحب والعبودية والتعظيم والإجلال كان كثرة ذكره من أنفع ما للعبد وكان عدوه حقاً هو الصاد له عن ذكر ربه وعبوديته ولهذا أمر الله بكثرة ذكره في القرآن وجعله سبباً للفلاح فقال تعالى {وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}

وقال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً} وقال {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ}

وقال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}

وقال تعالى {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ}

وقال النبي صلى الله عليه وسلم [سبق المفردون قالوا يا رسول الله وما المفردون قال الذاكرون الله كثيراً والذاكرات] وفي الترمذي عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال [ألا أدلكم على خير أعمالكم وأذكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من إنفاق الذهب والورق وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم قالوا بلى يا رسول الله قال ذكر الله] وهو في (الموطأ) موقوف على أبي الدرداء

وقال معاذ بن جبل [ما عمل آدمي عملاً أنجى له من عذاب الله من ذكر الله وذكر رسوله صلى الله عليه وسلم تبع لذكره]

والمقصود أن دوام الذكر سبب لدوام المحبة فالذكر للقلب كالماء للزرع وكالماء للسمك لا حياة له إلا به وهو أنواع

الأول: ذكره بأسمائه وصفاته والثناء عليه

الثاني: تسبيحه وتحميده وتكبيره وتهليله وتمجيده والغالب من استعمال لفظ الذكر عند المتأخرين لهذا

الثالث: ذكره بأحكامه وأوامره ونواهيه وهو ذكر العالم

الرابع: ومن أفضل ذكره ذكره بكلامه قال تعالى {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} فذكر ههنا كلامه الذي أنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم وقال تعالى {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}

الخامس: ومن ذكره دعاؤه واستغفاره والتضرع إليه

فهذه خمسة أنواع من الذكر.

الفائدة الثالثة والثلاثون: أن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم سبب لمحبته للعبد فإنها إذا كانت سبباً لزيادة محبة المصلي عليه فكذلك هي سبب لمحبته هو للمصلي عليه صلى الله عليه وسلم.

الفائدة الرابعة والثلاثون: أنها سبب لهداية العبد وحياة قلبه فإنه كلما أكثر الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم وذكره استولت محبته على قلبه فلا يبقى في قلبه معارضة لشئ من أوامره ولا شك في شئ مما جاء به بل يصير ما جاء به مكتوباً مسطوراً في قلبه لا يزال يقرؤه على تعاقب أحواله ويقتبس الهدى والفلاح وأنواع العلوم منه وكلما ازداد في ذلك بصيرة وقوة ومعرفة ازدادت صلاته عليه صلى الله عليه وسلم ولهذا صلاة أهل العلم العارفين بسنته وهديه المتبعين له عليه الصلاة والسلام خلاف صلاة العوام عليه الذين حظهم منها ازعاج أعضائهم بها ورفعهم أصواتهم وأما أتباعه والعارفون بسنته العالمون بما جاء به فصلاتهم عليه نوع آخر فكلما ازدادوا فيما جاء به معرفة ازدادوا له محبة ومعرفة بحقيقة الصلاة المطلوبة له من الله وهكذا ذكر الله سبحانه كلما كان العبد به أعرف وله أطوع وإليه أحب كان ذكره غير ذكر الغافلين اللاهين وهذا أمر إنما يعلم بالخُبْر لا بالخَبَر وفرق بين من يذكر صفات محبوبه الذي قد ملك حبه جميع قلبه ويثني عليه بها ويمجده بها وبين من يذكره إما إشارة وإما لفظاً لا يدري ما معناه لا يطابق فيه قلبه لسانه كما أنه فرق بين بكاء النائحة وبكاء الثكلى فذكره صلى الله عليه وسلم وذكر ما جاء به وحمد الله سبحانه على إنعامه علينا ومنه بإرساله هو حياة الوجود وروحه كما قيل

روح المجالس ذكره وحديثه****** وهدى لكل ملدد حيران

وإذا أخل بذكره في مجلس******* فأولئك الأموات في الحيان

الخامسة والثلاثون: أنها سبب لعرض اسم المصلي عليه صلى الله عليه وسلم لقوله [إن صلاتكم معروضة عليَّ] وقوله صلى الله عليه وسلم [أن الله وكل بقبري ملائكة يبلغوني عن أمتي السلام] وكفى بالعبد نُبلا أن يذكر اسمه بالخير بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قيل في هذا المعنى

ومن خطرت منه ببالك خطرة******* حقيق بأن يسمو وأن يتقدما

وقال الآخر

أهلاً بما لم أكن أهلاً لموقعه ******** قول المبشر بعد اليأس بالفرج

لك البشارة فاخلع ما عليك فقد ****** ذكرت ثَمَّ على ما فيك من عوج

السادسة والثلاثون: أنها سبب لتثبيت القدم على الصراط والجواز عليه لحديث عبد الرحمن بن سمرة الذي رواه عن سعيد بن المسيب في رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم وفيه [ورأيت رجلاً من أمتي يزحف على الصراط ويحبو أحياناً ويتعلق أحياناً فجاءته صلاته عليَّ فأقامته على قدميه وأنقذته] رواه أبو موسى المدينى وبنى عليه كتابه في (الترغيب والترهيب) وقال هذا حديث حسن جداه.

السابعة والثلاثون: أن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم أداء لأقل القليل من حقه وشكر له على نعمته التي أنعم الله بها علينا مع أن الذي يستحقه من ذلك لا يحصى علماً ولا قدرة ولا إرادة ولكن الله سبحانه بكرمه يرضى من عباده باليسير من شكره وأداء حقه.

الثامنة والثلاثون: أنها متضمنة لذكر الله تعالى وشكره ومعرفة أنعامه على عبيده بإرساله فالمصلي عليه صلى الله عليه وسلم قد تضمنت صلاته عليه ذكر الله وذكر رسوله وسؤاله أن يجزيه بصلاته عليه ما هو أهله كما عرفنا ربنا أسماءه وصفاته وهدانا إلى طريق مرضاته وعرفنا ما لنا بعد الوصول إليه والقدوم عليه فهي متضمنة لكل الإيمان بل متضمنة للإقرار بوجوب الرب المدعو وعلمه وسمعه وقدرته وإرادته وحياته وكلامه وإرسال رسوله وتصديقه في أخباره كلها وكمال محبته ولا ريب أن هذه هي أصول الإيمان والصلاة عليه صلى الله عليه وسلم متضمنة لعلم العبد ذلك وتصديقه به ومحبته له فكانت من أفضل الأعمال.

التاسعة والثلاثون: أن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم من العبد هي دعاء ودعاء العبد وسؤاله من ربه نوعان

أحدهما: سؤاله حوائجه ومهماته وما ينويه في الليل والنهار فهذا دعاء وسؤال وإيثار لمحبوب العبد ومطلوبه

والثاني: سؤاله أن يثني على خليله وحبيبه ويزيد في تشريفه وتكريمه وإيثاره وذكره ورفعه ولا ريب أن الله تعالى يحب ذلك ورسوله فمن آثر ذلك على طلب حوائجه ومحابه وكان هذا المطلوب من أحب الأمور إليه وآثرها عند فقد آثر ما يحبه الله ورسوله على ما يحبه هو فقد آثر الله ومحابه على سواه والجزاء من جنس العمل فمن آثر الله على غيره آثره الله على غيره واعتبر هذا بما تجد الناس يعتمدونه عند ملوكهم ورؤسائهم إذا أرادوا التقرب إليهم والمنزلة عندهم فإنهم يسألون المطاع أن ينعم على من يعلمونه أحب رعيته إليه وكلما سألوه أن يزيد في حبائه وإكرامه وتشريفه علت منزلتهم عنده وازداد قربهم منه وحظوتهم لأنهم يعلمون منه إرادة الإنعام والتشريف والتكريم لمحبوبه فأحبهم إليه أشدهم له سؤالاً ورغبة أن يتم عليه إنعامه وإحسانه هذا أمر مشاهد بالحس ولا تكون منزلة هؤلاء عند المطاع ومنزلة الطالب حوائجه منه وهو فارغ من سؤاله وتشريف محبوبه والإنعام عليه واحدة فكيف بأعظم محب وأجله لأكرم محبوب وأحقه بمحبة ربه له ولو لم يكن من فوائد الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم إلا هذا المطلوب وحده لكفى المؤمن تشريفاً. انتهت عبارة ابن القيم ومن كتابه المذكور نقلتها.

وقال الفاسي في (شرح الدلائل) بعد قول المصنف: وهي من أهم المهمات لمن يريد القرب من رب الأرباب.

وجه أهمية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في حق من يريد القرب من مولاه من وجوه

١ - منها ما فيها من التوسل إلى الله تعالى بحبيبه ومصطفاه وقد قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} ولا وسيلة إليه تعالى أقرب ولا أعظم من رسوله الأكرم صلى الله عليه وسلم.

٢ - ومنها أن الله تعالى أمرنا بها وحضنا عليها تشريفاً له صلى الله عليه وسلم وتكريماً وتفضيلاً وتعظيماً ووعد من استعملها حسن المآب والفوز بجزيل الثواب فهي من أنجح الأعمال وأرجح الأقوال وأزكى الأحوال وأحظى القربات وأعم البركات وبها يتوصل إلى رضى الرحمن وتنال السعادة والرضوان وبها تظهر البركات وتجاب الدعوات ويرتقى إلى أعلى الدرجات ويجبر صدع القلوب ويغضى عن عظيم الذنوب.

٣ - ومنها أنه صلى الله عليه وسلم محبوب الله عز وجل عظيم القدر عنده وقد صلى عليه هو وملائكته وأمر المؤمنين بالصلاة والتسليم عليه صلى الله عليه وسلم فوجبت محبة المحبوب والتقرب إلى الله تعالى بمحبته وتعظيمه والصلاة عليه والاقتداء بصلاته تعالى وصلاة ملائكته عليه.

٤ - ومنها ما ورد في فضلها والوعد عليها من جزيل الأجر وعظيم الذكر وفوز مستعملها برضا الله تعالى وقضاء حوائج آخرته ودنياه.

٥ - ومنها ما فيها من شكر الواسطة في نعم الله علينا المأمور بشكره فما من نعمة لله علينا سابقة ولاحقة من نعمة الإيجاد والإمداد في الدنيا والآخرة إلا وهو صلى الله عليه وسلم السبب في وصولها إلينا وإجرائها علينا فنعمه صلى الله عليه وسلم علينا تابعة نعم الله تعالى ونعم الله لا يحصرها عدد كما قال سبحانه {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} فوجب حقه صلى الله عليه وسلم علينا ووجب علينا في شكر نعمته أن لا نفتر عن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم مع دخول كل نفس وخروجه منا لما فيها من القيام برسم العبودية يعني امتثال أمره تعالى.

٦ - ومنها ما جرب من تأثيرها والنفع بها في التنوير ورفع الهمة حتى قيل أنها تكفي عن الشيخ في الطريق وتقوم مقامه.

٧ - ومنها ما فيها من سر الاعتدال الجامع لكمال العبد وتكميله ففي الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الله ورسوله ولا كذلك عكسه.

ثم قال الفاسي وفي كتاب ابن فرحون القرطبي:

واعلم أن في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عشر كرامات

إحداهن: صلاة الملك الجبار.

والثانية: شفاعة النبي المختار.

والثالثة: الاقتداء بالملائكة الأبرار.

والرابعة: مخالفة المنافقين والكفار.

والخامسة: محو الخطايا والأوزار.

والسادسة: العون على قضاء الحوائج والأوطار.

والسابعة: تنوير الظواهر والأسرار.

والثامنة: النجاة من دار البوار.

والتاسعة دخول دار القرار.

والعاشرة: سلام الرحيم الغفار.

ثم نقل باختصار ما تقدم عن ابن القيم منقولاً عن كتاب (حدائق الأنوار في الصلاة والسلام على النبي المختار) وقال في (شرح الدلائل) أيضاً

أنهى الإمام ابن سبع في (شفائه) فوائد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم إلى الثلاثمائة فائدة للدين والدنيا والآخرة.

وقال الإمام الساحلي في كتابه (بغية السالك) وقد هممت مرة بحصر فوائدها فأربأت على المائة فائدة ثم فتح عليَّ في ذلك باب من الفوائد يعجز عنه الحصر والاستقصاء.

قال صاحب (كنوز الأسرار) بعد نقله ذلك

قلت وقد امتن الحق تعالى عليَّ برشحة من ساحل هذا البحر المحيط الذي لا يسمع لموجه غطيط فما وجدت ما أعبر به في الجملة إلا أني أقول في الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم من الفتوحات والأسرار والمعارف والأنوار في هذه الدار وتلك الدار ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ولولا قصور الهمم وخمود القرائح عن درك أسرار معارف أولياء الله تعالى لبسطت القول في ذلك كيف وقد أدبنا صلى الله عليه وسلم بقوله [خاطبوا الناس بقدر ما يفهمون] فسبحان من اصطفى من شاء وزاده بسطة في العلم ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما.

وقال الحافظ السخاوي

ومن تشفع بجاهه صلى الله عليه وسلم وتوسل بالصلاة عليه بلغ مراده وأنجح قصده وقد أفردوا ذلك بالتصنيف ومن ذلك حديث عثمان بن حُنيف الماضي وغيره وهذه من المعجزات الباقية على ممر الدهور والأعوام وتعاقب العصور والأيام.

ولو قيل أن إجابات المتوسلين بجاهه صلى الله عليه وسلم عقب توسلهم يتضمن معجزات كثيرة بعدد التوسلات لكان أحسن فلا يطمع حينئذٍ في عد معجزاته فإنه لو بلغ ما بلغ منها حاسر قاصر وقد انتدب لها بعض العلماء الأعلام فبلغ ألفاً وأيم الله إنه لو أمعن النظر لزاد منها آلافاً تُلْفى صلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً وحسبك قصة المهاجرة التي مات ولدها ثم أحياه الله عز وجل لها لما توسلت بجنابه الكريم صلى الله عليه وسلم ويدخل هنا حديث أبي بن كعب وغيره من الأحاديث الماضية حيث قال فيها إذن تكفى همك ويغفر ذنبك ولله الحمد. أ. هـ

ومن فوائد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

١ - نجاة فاعلها من العقوبات وسلامته من القبائح التي تحصل لمن تركها.

٢ - ومنها أن من ذُكر صلى الله عليه وسلم عنده فلم يُصل عليه كان شقياً راغم الأنف مستحقاً للدخول في النار بعيداً من الله ورسوله مدعواً عليه من جبريل ومن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وبالسحق أي البعد.

٣ - ومنها أن من ذُكر عنده صلى الله عليه وسلم فلم يُصل عليه خطئ طريق الجنة.

٤ - ومنها أن من ذُكر صلى الله عليه وسلم عنده فلم يُصل عليه فقد جفاه.

٥ - ومنها أن أبخل الناس من ذُكر عنده فلم يُصل عليه صلى الله عليه وسلم.

٦ - ومنها أن من لم يُصل عليه صلى الله عليه وسلم عند ذكره ملعون.

٧ - ومنها أن من ذُكر صلى الله عليه وسلم عنده فلم يُصل عليه ألأم الناس.

٨ - ومنها أن كل مجلس خلا عن ذكره صلى الله عليه وسلم كان على أهله حسرة يوم القيامة وقاموا عن أنتن من جيفة.

٩ - ومنها أن من لم يُصل عليه صلى الله عليه وسلم فلا دين له.

١٠ - ومنها أن من لم يُصل عليه صلى الله عليه وسلم فلا يرى وجهه.

١١ - ومنها حرمانه من الفوائد العظيمة التي لا يحصرها عد ولا يحيط بها حد التي تحصل للمصلين عليه صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة

وكل ذلك مؤيد بأحاديث وردت عنه صلى الله عليه وسلم وهي مذكورة في (القول البديع) وغيره.

ومن أهم فوائدها شفاعته صلى الله عليه وسلم للمصلين عليه صلى الله عليه وسلم قال في (الدر المنضود)

واعلم أن للغزالي رحمه الله تعالى في معنى الشفاعة وسببها كلاماً نفسياً حاصله أنها نور يشرق من الحضرة الإلهية على جوهر النبوة وينشر منه إلى كل جوهر استحكمت مناسبته مع جوهر النبوة لشدة المحبة وكثرة المواظبة على السنن وكثرة الذكر له بالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم ويدلك على انعكاس النور بطريق المناسبة أن جميع ما ورد من الأخبار عن استحقاق الشفاعة معلق بما يتعلق به صلى الله عليه وسلم من صلاة عليه أو زيارة لقبره أو جواب المؤذن والدعاء له عقيبه وغير ذلك مما تحكم علاقته المحبة والمناسبة معه صلى الله عليه وسلم. انتهى باختصار.

وقال ابن عطاء الله في كتاب (مفتاح الفلاح)

ولعل سر مشروعية الصلاة على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أن روح الإنسان ضعيفة لا تستعد لقبول الأنوار الإلهية فإذا استحكمت العلاقة بين روحه وأرواح الأنبياء بالصلاة فالأنوار الفائضة من عالم الغيب على أرواح الأنبياء تنعكس على أرواح المصلين عليهم.

وقال في (كنوز الأسرار) قال المواق في كتاب (سنن المهتدين)

وقد قالوا الذكر يؤكد محبة المذكور والمحبة تؤكد اتباع المحبوب فذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيلة إلى حبه وحبه وسيلة إلى اتباعه واتباعه واجب فتأكد أمر الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم.

ومن ثمراتها ما قاله الإمام القسطلاني في (مسالك الحنفا) قال شيخنا العارف أبو المواهب الوفائي في كتابه (أخبار الأذكياء بأخبار الأولياء)

ومما يبعث على الخلاص ويكسب منازل الخواص مطالعة كتب القوم كـ (الإحياء) و (القوت) و (الرعاية) و (الحلية) و (عوارف المعارف) و (التنوير) و ملازمة الأوراد وكثرة الصلاة على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ومن ثمراتها ما قاله الإمام القسطلاني أيضاً قال الإمام العارف سيدي محمد بن عمر الغمري الواسطي في كتابه (منح المنة في التلبس بالسنة)

اعلم أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم تتأكد في حق السالك في ابتداء أمره على سبيل المداومة ليلاً ونهاراً وذلك عون له على سلوكه في الطريق وطلب القرب من رب الأرباب دون غيرها من الأذكار فإن ذلك فتح لباب الهداية إلى الله تعالى فإنه صلى الله عليه وسلم هو الواسطة بيننا وبينه تعالى والدليل لنا عليه والمعرف لنا به عز وجل والتعلق بالواسطة متقدم على التعلق بالمتوسط إليه فإن الواسطة هو السبب في الدخول على الملك العظيم ووسيلة إلى منازل القرب فهو صلى الله عليه وسلم الواسطة بين الخلق وبين ربهم تعالى

واعلم أن مدد جميع الخلق من الأنبياء والأولياء منه صلى الله عليه وسلم وأن جميع أعمالهم تعرض عليه صلى الله عليه وسلم وله صلى الله عليه وسلم في كلٍ أجر فإنه السبب في ذلك فالصلاة عليه من أعظم العون للتقرب إلى الله ورسوله وبها يكتسب النور ولا تزول الظلمة إلا بالنور ومعنى الظلمة ما يتعلق بهذه النفس من الأدناس وما بالقلب من الصدأ فإذا تطهرت النفس من الدنس والقلب من الصدأ زالت العلل المانعة للخير وذلك كله ببركته صلى الله عليه وسلم

والإكثار من الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم يثمر تمكن محبته من القلب ولما علمنا أنه لا يتوصل لاكتساب إتباع أفعاله وأخلاقه صلى الله عليه وسلم إلا بعد شدة الاعتناء به ولا يتوصل لشدة الاعتناء به إلا بالمبالغة في حبه ولا يتوصل للمبالغة في حبه إلا بكثرة الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم ومن أحب شيئاً أكثر من ذكره فلذلك بدأ السالك بالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم فإن لها في تنوير الباطن وتزكية النفس عجائب يجدها السالك ذوقاً سوى ما تضمنه من الأسرار والفوائد التي يعجز عنها الحصر والاستقصاء فحسب السالك إخلاص القصد في التوجه إلى الله تعالى بالصلاة على نبيه صلى الله عليه وسلم حتى يجني ثمرتها وتلوح له بركتها وما هي في جميع منازل هذا الطريق إلا مصباح يهتدى به ونور يستضاء به فمن عمَّر قلبه بالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم اطلع بأنوارها على أسرار حقائق التوحيد.

ومن ثمراتها كما قاله الإمام العارف سيدي محمد الغمري أيضاً انطباع صورته الكريمة في النفس انطباعاً ثابتاً متأصلاً متصلاً وذلك أن المداومة على الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم بإخلاص القلب وتحصيل الشروط والآداب وتدبر المعنى حتى يتمكن حبه الباطن تمكناً صادقاً خالصاً متصلاً بين نفس المصلي ونفس النبي صلى الله عليه وسلم ويؤلف بينهما في محل القرب والصفاء بحيث يتمكن حبه من النفس فالمرء مع من أحب والحب يوجب الاتباع للمحبوب. أ. هـ مسالك الحنفا.

ثم رأيت هذه العبارة في (شرح دلائل الخيرات) منقولة عن الشيخ أبي عبد الله الساحلي رضي الله عنه في (بغية السالك) حيث قال

إن من أعظم الثمرات وأجل الفوائد المكتسبات بالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم انطباع صورته الكريمة .. إلخ وزاد بعد قوله والحب يوجب الاتباع للمحبوب قوله

والاتباع يؤذن بالوصال قال الله عز وجل {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً} والأراواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف. أ. هـ

وقال العارف بالله سيدي إبراهيم الرشيد خليفة سيدي أحمد بن إدريس في جواب المسألة العاشرة من المسائل التي سأله عنها العلامة الشيخ علي عبد الرازق

ومعلوم أن من ذاق لذة وصال المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ذاق لذة وصال ربه تعالى لأن الحضرة واحدة ومن بلغ الوسيلة شهد المقصد ومن فرق بين الوصالين لم يذق للمعرفة طعماً وإنما العارفون تنافسوا في محبة الله ورسوله فمنهم من طلب الوصال بالتغزل في الوسيلة كالبرعي والبوصيري ومنهم من طلبه بالتغزل في المقصد كابن الفارض وأمثاله ومنهم من تغزل في المقامين كسيدي على وفا ومقصد الجميع واحد ولما كان من أعظم أسباب الوصل التعلق بصفات الحبيب وبكثرة الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم حتى يصير خياله بين عينيه أينما كان وضع صاحب (دلائل الخيرات) صورة الروضة الشريفة لينظر فيها البعيد عنها عند صلاته على الحبيب فينتقل منها إلى تصور من فيها فإذا كرر ذلك مع كثرة الصلاة صار له المخيل محسوساً وهو المقصود ولذلك أشار بعضهم بقوله

فروضتك الحسنى مناي وبغيتي******** وفيها شفا قلبي وروحي وراحتي

فان بعدت عني وشط مزارها******** فتمثالها عندي بأحسن صورة

وها أنا يا خير النبيين كلهم******** أقبلها شوقاً لاطفاء غلتي.

وقال بعضهم في ذلك المعنى أيضاً

فلما الشوق أقلقني إليها******** ولم أظفر بمطلوبي لديها

نقشت مثالها في الكف نقشاً******** وقلت لناظري قصراً عليها

وليس مقصود العارفين بكثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم حصول الثواب لهم أو نفعهم بذلك وإن كان ذلك حاصلاً في نفس الأمر قال العارف بالله الدمرداش رضي الله عنه

ليس قصدي من الجنان نعيماً ****** غير أني أريدها لأراكا

وقال سيدي عمر بن الفارض نفعنا الله به حين كشف له عن الجنة وما أُعدَّ له فيها

إن كان منزلتي في الحب عندكم******** ما قد رأيت فقد ضيعت أيامي

.أ. هـ

وقال العارف بالله سيدي محمد عثمان الميرغني خليفة سيدي أحمد بن إدريس أيضاً في أثناء صلواته المسماه (باب الفيض والمدد من حضرة الرسول السند) بعد قوله منها (اللهم صل وسلم وبارك على من إتباعه ومحبته واستحضاره الصوري والمعنوي قربة وبه يحصل أمل الترقي وأعظم السلوك والتعلق به هو اقرب الطرق إليك يا مالك الملوك اللهم أدم لنا ذلك واجعلنا ممن حظى بما هنالك).

نكتة لطيفة وجوهرة شريفة أحب أن أذكر فيها سر الطرق وزبدتها وأقربها إلى الله وأشرفها وقد أشرت إلى معنى ذلك في هذه الصلوات الأخيرة وسببه أني لما كانت ليلة الأحد دخلت آخر الليل إلى الحجرة الفاخرة بين يدي الحبيب صلى الله عليه وسلم وقال لي في تلك الليلة أنت محبوبي أنت مطلوبي أنت مرغوبي فيا له من وافر حظ ونصيب وأشار أن في أتباعي ما ينوف على آلاف يكونون من أكابر المقربين وليس بيني وبينهم واسطة من المريدين.

ثم قال الشيخ اعلم أن أقرب الطرق وأشرفها بل لا طريق مثلها وأقرب منها بل لا سبيل غيرها لمن كان يفهم معانيها وهي سر طريقنا وسر كل طريقة موصلة إلى مولانا عز وجل ولذلك أمرنا بها في كل أذكارنا وها نحن نرمزها وهي ما في جميع كتبنا بل ما في الكتب الدالة على الله ورسوله وهي نفحة نبوية فجد في حصولها.

اعلم أنه لابد من شيخ عارف فإذا أدركته فذلك المطلوب فعند ذلك اصرف أوقاتك كلها في الذكر ومجاهدة النفس والاشتغال بالله وترك ما سواه لتأنس به.

واعلم أن كل الخير في العكوف على جناب الحبيب وهذا المقصد هنا يا لبيب وذلك إما تعلقاً صورياً أو معنوياً.

فالصوري على نوعين

الأول: باتباع جميع أوامره صلى الله عليه وسلم واجتناب نواهيه وذلك بمواظبة سننه وآثاره والعكوف على ما ورد عنه لتحظى بأسراره وارتكاب العزائم لتحظى بالغنائم.

الثاني: الفناء في محبته وشدة الشوق والغيبة في مودته وكثرة تذكره والصلاة عليه ومداومة مطالعة المدائح المحركة للشوق إليه.

والمعنوي أيضاً على نوعين

الأول: استحضار صورته الشريفة وذاته العفيفة وحضرته المنيفة والطريق إلى ذلك إما أن تكون سبقت لك رؤيته صلى الله عليه وسلم مناماً فتستحضر تلك الصورة الكاملة وتفنى فيها مع المحبة الشاملة فإذا لم تدرك ذلك فتصور ما ذكر من وصفه واستحضر أنك واقف بين يديه ولازم الأدب والتذلل في ذلك كله لتنال التلذذ فإن سبقت لك زيارة فاستحضر حجرته وضريحه الشريف وكأنك واقف بين يديه صلى الله عليه وسلم فإذا لم تدرك فانظر صورة المسجد النبوي والحجرة الزاهرة والضريح الأفخر الذي عليه الأنوار متواترة فهذا الوصف تقريبي لرجاء إدراك الطبيب صلى الله عليه وسلم فتخيل أنك واقف بالمواجهة وكأنك واقف بين يديه مواجهة فإنه صلى الله عليه وسلم يسمعك ويراك ولو كنت بعيداً فإنه يسمع بالله ويرى به فلا يخفى عليه قريب ولا بعيد.

الثاني: استحضار حقيقته العظيمة وهذا مشهد أهل الأحوال الكريمة واستمداد العالم منه صلى الله عليه وسلم محقق فقد وقع لنا في الكشف أنه روح الكون ونوره به قيام العالم فها أنا أوقفتك على أشرف الطرق وأقربها.

قال سيدي عبد الكريم الجيلي في كتابه (الناموس الأعظم في معرفة قدر النبي صلى الله عليه وسلم)

أوصيك بدوام ملاحظة صورته صلى الله عليه وسلم ومعناه ولو كنت متكلفاً فعن قريب تألف روحك فيحضر لك صلى الله عليه وسلم عياناً تجده وتحادثه وتخاطبه فيجيبك ويحدثك ويخاطبك فتفوز بدرجة الصحابة وتلحق بهم إن شاء الله تعالى.

واعلم أن العارفين لا يزالون ولو ترقوا لأعلى الدرجات مراقبين ومستحضرين سيد السادات حتى في إشراق التجلي الإلهي يوجهون هممهم له صلى الله عليه وسلم يتلقونه بقابليتهم فينالون فوق ما يقدرون عليه بأضعاف وكل من رآه في صورة يخلع عليه تلك الخلعة التي رآها فيعظم ترقيه وهذا دأبه صلى الله عليه وسلم مع كل راءٍ كرماً محمدياً وخلقاً أحمدياً.

واعلم أن ذِكري لهذه الكليات في هذا الموضع رجاء أنك كلما صليت بهذه الصلوات تنظر فتعمل فتفوز والسلام على كل ذي عقل تام.

انتهت عبارة سيدي محمد عثمان الميرغني رحمه الله ونفعنا ببركاته.

١ - ومن ثمراتها أنها تقوم مقام الصدقة كما في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال [أيما رجل مسلم لم يكن عنده صدقة فليقل في دعائه اللهم صل على محمد عبدك ورسولك وصل على المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات فإنها زكاة] رواه البخاري في (الأدب المفرد).

٢ - ومن ثمراتها أنها سبب لبلوغ المآرب ونيل المطالب وقضاء الحاجات في الحياة وبعد الممات فعن جابر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [من صلى عليَّ في كل يوم مائة مرة قضى الله له مائة حاجة سبعين منها لآخرته وثلاثين لدنياه] رواه ابن منده.

٣ - ومن ثمراتها قضاء الحوائج قال القسطلاني في (مسالك الحنفا) إذا صعب عليك المرام فعليك بكثرة الصلاة والسلام على المظلل بالغمام.

٤ - ومن ثمراتها استجابة الدعاء إذا افتتح واختتم بها وقد قال أبو سليمان الداراني أن الله يقبل ما بين الصلاتين وهو أكرم من أن يدع ما بينهما وفي الحديث [الدعاء بين الصلاتين لا يرد] وفي حديث آخر [كل دعاء محجوب بين السماء والأرض فإذا جاءت الصلاة عليَّ صعد الدعاء]

٥ - ومن ثمراتها حسن الخاتمة قال السيد محمود الكردي في (الباقيات الصالحات) واتفقوا على أن كثرة الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم من علامات حسن الخاتمة.

٦ - ومن ثمراتها أنها تقوم مقام الشيخ المربي عند عدم وجوده قال في (كنوز الأسرار) ومما كتب به العارف بالله سيدي يوسف الفاسي لبعض الأصحاب ما نصه: الحمد لله اعلم أن المثابرة على الأذكار والدوام عليها تكسب نورانية تحرق الأوضاف وتثير وهجاً في الطباع يخرج عن حد الاعتدال لحد الإنحراف فإن صحب الاعتقاد وغلب سلطانه كان خيراً محضاً وإن واخى الأحوال كان جمعاً صرفاً وإن اقترن بالأعمال رجحت حقيقته وجاد أو مازج الأقوال صار نعم الاتحاد فمن ثَمَّ أمروا بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لأنها كالماء تقوى النفوس وتذهب وهج الطباع ولهذا قال بعض الشيوخ من لم يجد شيخاً مربياً فليكثر من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وإنها لكذلك لما فيها من سر الاعتدال الجامع لكمال العبد وتكميله ففي الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الله ورسوله وليس كذلك عكسه فلذلك يحصل الانحراف بالذكر دون الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم وهو سر عجيب. أ. هـ

وقال سيدي أبو العباس التيجاني كما نقله عنه في (جواهر المعاني)

الذي يجب على المريد قبل لقاء الشيخ أن يلازم الذكر والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بشدة حضور القلب في تأمل المعاني حسب الطاقة مع اعتقاده أنه جالس بين يديه صلى الله عليه وسلم ومع دوام الإعراض عن كل ما يقدر عليه من هوى النفس وأغراضها والسعي في كل ما يحببه إلى الله تعالى من نوافل الخيرات وهي معروفة في الأوقات كوقت الضحى وقبل الظهر وبعده وقبل العصر وبعد المغرب وبعد العشاء وبعد النهوض من النوم وفي آخر الليل وليقلل من ذلك ويجعل اهتمامه بالذكر

والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مفتاح أبواب الخير مع العزلة في وقت الذكر وتقليل الغذاء والماء واستعمال شئ من الصيام والصمت إلى غير ذلك مما هو مسطور عند أهل الطريق. أ. هـ

ثم قال رضي الله عنه بعد ذكر أوصاف الشيخ المرشد

ومن رام الوصول إلى شيخ في هذا الوقت ولم يجد حيلة في معرفته وخاف من الوقوع في حبائل الكذابين فعليه بالتوجه إلى الله بصدق لازم وانحياش إليه بقلب هائم ودوام التضرع إليه والابتهال إليه في الكشف له عن الشيخ الواصل الذي يخرجه من هذه الغمة وأن يدله عليه وأن يوفقه لامتثال أمره حتى يغرق في لجج بحره فلا حيلة له إلا هذا وأكبر من ذلك وأولى وأنفع وأبلغ في الوصول إلى المراد وأرفع لمن لم يجد حيلة في العثور على الشيخ الكامل استغراق ما يطيقه من الأوقات في كثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بالتأدب والحضور واستحضار القلب أنه جالس بين يديه صلى الله عليه وسلم وليداوم على ذلك فإن من داوم على ذلك وكان اهتمامه بالوصول إلى الله تعالى اهتمام الظمآن بالماء أخذ بيده وجذبه إليه إما أن يقيض له شيخاً كاملاً واصلاً يأخذ بيده وإما أن يقيض له نبيه صلى الله عليه وسلم ليربيه وإما أن يفتح له باب الوصول ورفع الحجاب بسبب ملازمته للصلاة على حبيبه صلى الله عليه وسلم فإنها أعظم الوسائل إلى الله تعالى في الوصول إليه وما لازمها أحد قط في طلب الوصول إلى الله تعالى فخاب. أ. هـ

وقال شيخنا الشيخ حسن العدوي في شرحه على (دلائل الخيرات) قال بعض أهل الحقيقة

أنه توصل إلى الله من غير شيخ ولكن قال القطب الملوي إنما هذا من حيث أن لها تأثيراً عجيباً في تنوير القلوب وإلا فالواسطة في الوصول ويتخذ المريد ما يأمره به شيخه من الأذكار وإذا فقد الشيخ المرشد فالأذكار النبوية الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم هي أفضل من غيرها ويكفي منها الورد اللطيف للقطب الحداد فإن الأذكار التي فيه هي أمهات الآثار المأثورة وكذا يكفيه تلاوة القرآن والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

وذكر العلامة سيدي عبد الرحمن ابن مصطفى العيدروس نزيل مصر في شرحه على صلاة سيدي أحمد البدوي وفي كتابه المسمى (مرآة الشموس في مناقب آل العيدروس)

أنه يعدم المربون في آخر الزمان ويصير ما يوصل إلى الله تعالى إلا الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مناماً ويقظة. انتهى.

ونقل السيد أحمد دحلان أيضاً في كتابه المذكور عن أبي المواهب الشاذلي رضي الله عنه أنه كان يقول

لله عباد يتولى تربيتهم النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه من غير واسطة بكثرة صلاتهم عليه صلى الله عليه وسلم. أ. هـ

وقال في (مسالك الحنفا) قال الشيخ شمس الدين البرشينشي في كتابه (مفتاح الفلاح ومصباح الأرواح في ذكر الكريم الفتاح)

وفي السلوك طرق شتى لا ترى فيها عوجاً ولا أمتا وابدأ الآن بهذه الطريقة وهي للإمام أبي بكر الصديق وقد تلقيتها عن بعض أهل التحقيق وهي أن السالك يبدأ بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم دون غيرها من الأذكار لأنه صلى الله عليه وسلم الواسطة بيننا وبينه والدليل لنا عليه والمعرف لنا به والمتعلق بالواسطة متقدم على المتعلق بالمتوسط إليه وأيضاً محل الإخلاص من القلب وقد يكون مصروفاً لغير الله تعالى والنفس متوجهة للخلق أمارة بالسوء متبعة للشهوات مائلة للأباطيل وذلك كله أدناس تحجب القلب عن الإخلاص وعن الوجهة الصحيحة إلى الله تعالى وهي قابلة لأوامر الشيطان ولو لم تكن قابلة منه لما وجد مسلكاً للقلب وقبولها دليل على غفلتها وغيبتها عن الله تعالى والغيبة حجاب كثيف والحجاب ظلمة فاحتاج السالك لدفع تلك الظلمة وإزالة تلك الأدناس والظلمة تزول بالنور روي أنه صلى الله عليه وسلم قال [الصلاة عليَّ نور على نور] وزوال الأدناس بالطهر وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال [طهارة قلوب المؤمنين وغسلها من الصدأ الصلاة عليَّ] فلذلك أمر السالك في الابتداء بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ليطهر محل الإخلاص إذ لا إخلاص مع بقاء العلل وزوال النقم بذكر حبيب الله صلى الله عليه وسلم والإكثار من الصلاة عليه يثمر تمكن محبته من القلب وتمكن محبته صلى الله عليه وسلم يثمر شدة الاعتناء به وبما كان صلى الله عليه وسلم عليه من الصفات والأخلاق وما هو مختص به فلما علمنا أنه لا يتوصل لإكتساب إتباع أفعاله وأخلاقه إلا بعد شدة الاعتناء به ولا يتوصل لذلك إلا بالمبالغة في حبه ولا يتوصل للمبالغة في حبه إلا بكثرة الصلاة عليه ومن أحب شيئاً أكثر ذكره فلذلك يبدأ السالك بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وهي جامعة لذكر الله تعالى وذكر رسوله صلى الله عليه وسلم.

وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال قال الله تعالى [يا محمد جعلتك ذكراً من ذكري فمن ذكرك فقد ذكرني ومن أحبك فقد أحبني فقال النبي صلى الله عليه وسلم ومن ذكرني فقد ذكر الله ومن أحبني فقد أحب الله] والمصلي ناطق بذكر الله ثم قال: وإياك أن تترك لفظ السيادة ففيها سر يظهر لمن لازم هذه العبادة.

وقال العارف بالله سيدي عبد الوهاب الشعراني في العهود الكبرى المسماة (لواقح الأنوار القدسية في بيان العهود المحمدية) في عهد طلب الإكثار من الصلاة والتسليم على رسول الله صلى الله عليه وسلم

اعلم يا أخي أن طريق الوصول إلى حضرة الله من طريق الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من أقرب الطرق فمن لم يخدمه صلى الله عليه وسلم الخدمة الخاصة به وطلب دخول حضرة الله فقد رام المحال ولا يمكنه حجاب الحضرة أن يدخل وذلك لجهله بالآداب مع الله تعالى فحكمه حكم الفلاح إذا طلب الاجتماع بالسلطان بغير واسطة فافهم فعليك يا أخي بالإكثار من الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو كنت سالماً من الخطايا فإن غلام السلطان أو عبده إذا سكر لا يتعرض له الوالي أبداً بخلاف من لم يكن غلاماً له ويرى نفسه على خدام السلطان وعبيده وغيرهم ولا يدخل من دائرة الوسائط فإن جماعة الوالي يضربونه ويعاقبونه فانظر حماية الوسائط وما رأينا قط أحد تعرض لغلام الوالي إذا سكر أبداً إكراماً للوالي فكذلك خدام النبي صلى الله عليه وسلم لا يتعرض لهم الزبانية يوم القيامة إكراماً لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقد نفعت الحماية مع التقصير ما لا تنفعه كثرة الأعمال الصالحة مع عدم الاستناد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الاستناد الخاص وقد كان في زمن شيخنا الشيخ نور الدين الشوني من هو أكثر منه علماً وعملاً ولكنه لم يكن يكثر من الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم كما كان يكثر الشيخ فلم يكن ينهض له علمه وعمله إلى التقريب الذي كان فيه الشيخ نور الدين فكانت حوائجه مقضية وطريقه ماشية وسائر العلماء والمجاذيب تحبه ووالله ليس مقصود كل صادق من جمع الناس على ذكر الله إلا المحبة في الله ولا من جمعهم على الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا المحبة فيه فافهم.

قال رضي الله عنه وقد حبب لي أن أذكر لك يا أخي جملة من فوائد الصلاة والتسليم على رسول الله صلى الله عليه وسلم تشويقاً لك لعل الله تعالى أن يرزقك محبته الخالصة ويصير شغلك في أكثر أوقاتك الصلاة والتسليم عليه وتصير تهدي ثواب كل عمل عملته في صحيفة رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أشار إليه خبر أبي بن كعب أني أجعل لك صلاتي كلها أي أجعل لك ثواب جميع أعمالي فقال له النبي صلى الله عليه وسلم إذن يكفيك الله تعالى همَّ دنياك وآخرتك فمن ذلك

١ - وهو أهمها صلاة الله وسلامه وملائكته ورسله على من صلى وسلم عليه.

٢ - ومنها تكفير الخطايا وتزكية الأعمال ورفع الدرجات.

٣ - ومنها مغفرة الذنوب واستغفار الصلاة عليه لقائلها.

٤ - ومنها كتابة قيراط من الأجر مثل جبل أحد والكيل بالمكيال الأوفى.

٥ - ومنها كفاية أمر الدنيا والآخرة لمن جعل صلاته كلها عليه كما تقدم.

٦ - ومنها محو الخطايا وفضلها على عتق الرقاب.

٧ - ومنها النجاة من سائر الأهوال وشهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم بها يوم القيامة ووجوب الشفاعة.

٨ - ومنها رضا الله ورحمته والأمان من سخطه والدخول تحت ظل العرش.

٩ - ومنها رجحان الميزان في الآخرة وورود الحوض والأمان من العطش.

١٠ - ومنها العتق من النار والجواز على الصراط كالبرق الخاطف ورؤية المقعد المقرب من الجنة قبل الموت.

١١ - ومنها كثرة الأزواج في الجنة والمقام الكريم.

١٢ - ومنها رجحانها على أكثر من عشرين غزوة وقيامها مقامها.

١٣ - ومنها أنها زكاة وينمو المال ببركتها.

١٤ - ومنها أنه تقضى له بكل صلاة مائة حاجة بل أكثر.

١٥ - ومنها أنها عبادة وأحب الأعمال إلى الله تعالى.

١٦ - ومنها أنها علامة على أن صاحبها من أهل السنة.

١٧ - ومنها أن الملائكة تصلي على صاحبها ما دام يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم.

١٨ - ومنها أنها تزين المجالس وتنفي الفقر وضيق العيش.

١٩ - ومنها أنها يلتمس بها مظان الخير.

٢٠ - ومنها أن فاعلها أولى الناس به صلى الله عليه وسلم يوم القيامة.

٢١ - ومنها أنه ينتفع هو وولده بها وبثوابها وكذلك من أهديت في صحيفته.

٢٢ - ومنها أنها تقرب إلى الله عز وجل وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم.

٢٣ - ومنها أنها نور لصاحبها في قبره ويوم حشره وعلى الصراط.

٢٤ - ومنها أنها تنصر على الأعداء وتطهر القلب من النفاق والصدأ.

٢٥ - ومنها أنها توجب محبة المؤمنين فلا يكره لصاحبها إلا منافق ظاهر النفاق.

٢٦ - ومنها رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وإن أكثر منها ففي اليقظة.

٢٧ - ومنها أنها تقلل من اغتياب صاحبها.

٢٨ - وهي من أبرك الأعمال وأفضلها وأكثرها نفعاً في الدنيا والآخرة.

وغير ذلك من الأجور التي لا تحصى وقد رغبتك بذكر بعض ثوابها فلازم يا أخي عليها فإنها من أفضل ذخائر الأعمال وقد أمرني بها أيضاً مولانا أبو العباس الخضر عليه السلام وقال: لازم عليها بعد الصبح كل يوم إلى طلوع الشمس ثم ذكر الله عقبها مجلساً لطيفاً فقلت له سمعاً وطاعة وحصل لي ولأصحابي بذلك خير الدنيا والآخرة وتيسير الرزق بحيث لو كان أهل مصر كلهم عائلتي ما حملت لهم هماً فالحمد لله رب العالمين. أ. هـ

ومن ثمراتها كما قاله سيدي أبو العباس التيجاني ونقله عنه تلميذه ابن حرزام في كتابه (جواهر المعاني)

أن الله تعالى تكفل لمن صلى على حبيبه صلى الله عليه وسلم أن يصلي عليه عشر مرات بكل صلاة من تلك الصلوات ولذلك سران

الأول: أن المصلي عليه صلى الله عليه وسلم يجب على نبينا صلى الله عليه وسلم مكافأته لمن صلى عليه على قاعدة حكم الكرم عند الكريم فلما توجب عليه صلى الله عليه وسلم هذا ناب الحق سبحانه وتعالى بكل واحدة عشرا.

والسر الثاني: أنه سبحانه وتعالى عظيم المحبة والعناية لرسوله صلى الله عليه وسلم فمن رآه سبحانه وتعالى توجه إليه بالصلاة على حبيبه صلى الله عليه وسلم اعتنى به وأحبه وكانت له تلك المحبة والعناية منه سبحانه وتعالى إذا ثابر على الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم بحيث لو أتاه بذنوب أهل الأرض كلها من أول وجود العالم إلى آخره أضعافاً مضاعفة لأدخلها سبحانه وتعالى في بحر عفوه وفضله وواجهه سبحانه وتعالى في بلوغ أمله في الدار الآخرة بتبليغه له أعلى مراتب رضاه عنه وكان حكمه في الغيب كلما صعدت الملائكة أن له عناية بحبيبنا صلى الله عليه وسلم فلا تكون سيئاته كسيئات غيره ولا تقع المؤاخذة عليه في سيئاته كما تقع على غيره من أصحاب السيئات فإذا عرفت هذه الحيثية عرفت أن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم لمثل أهل هذا الوقت أفضل لهم من تلاوة القرآن من هذه الحيثية التي سمعتها فقط لا أنها هي أرفع درجة من القرآن فإن القرآن هو أفضل الدرجات في التقرب إلى الله تعالى لكن لمن صفت أعماله وأحواله مع الله تعالى فيكون تاليه حينئذٍ من أكبر السابقين وأعظم الفائزين برضا الله تعالى ولا قدرة لأهل هذا الوقت على هذا فإنه يقع بهم من المقت بتلاوة القرآن ما لا تدركه العقول فإن الله سبحانه وتعالى غيرة على كتابه لكونه حضرة القرب والتداني فمن خالط كتابه وأساء الأدب معه سبحانه وتعالى طرده ومقته لكونه لم يعط الحضرة حقها فإذا عرفت هذا عرفت النسبة بينه وبين الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم. أ. هـ

قال شيخنا الشيخ حسن العدوي في شرح (دلائل الخيرات) قال القاضي أبو عبد الله السكاكي

اعلم أن الصلاة من الله رحمة ومن رحمه الله رحمة واحدة فهو خير له من الدنيا وما فيها فما الظن بعشر رحمات كم يدفع الله بها البلايا والمحن ويستجلب ببركتها من لطائف المنن.

وقال الشيخ ابن عطاء الله

من صلى عليه صلى الله عليه وسلم صلاة واحدة كفاه هم الدنيا والآخرة فكيف بمن يصلي عليه عشرا.

وقال ابن شافع

انبسط جاهه صلى الله عليه وسلم حتى بلغ المصلي عليه لهذا الأمر العظيم وإلا فمتى كان يحصل لك أن يصلي الله عليك فلو عملت في عمرك كله من جميع الطاعات ثم صلى الله عليك صلاة واحدة رجحت تلك الصلاة الواحدة على ما عملت في عمرك كله من جميع الطاعات لأنك تصلي على حسب وسعك وهو سبحانه وتعالى يصلي على حسب ربوبيته هذا إذا كانت صلاة واحدة فكيف إذا صلى عليك عشراً بكل صلاة. أ. هـ

ومن ثمراتها طيب الرائحة قال الفاسي في (شرح الدلائل) عند قول المصنف روي عن بعض العارفين رضوان الله عليهم أجمعين أنه قال ما من مجلس يصلى فيه على محمد صلى الله عليه وسلم إلا قامت منه رائحة طيبة حتى تبلغ عنان السماء فتقول الملائكة هذا مجلس صُلْيَّ فيه على محمد صلى الله عليه وسلم,

قال الشيخ أبو جعفر بن وداعة رحمه الله روي في الحديث عن بعض الصحابة رضي الله عنهم أنه قال [ما من موضع يذكر فيه النبي صلى الله عليه وسلم أو يصلى عليه فيه إلا قامت منه رائحة تخرق السموات السبع حتى تنتهي إلى العرش يجد ريحها كل من خلق الله في الأرض إلا الإنس والجن فإنهم لو وجدوا ريحها لشغل كل واحد منهم بلذتها عن معيشته ولا يجد تلك الرائحة ملك ولا خلق من خلق الله تعالى إلا استغفر لأهل المجلس ويكتب لهم بعددهم كلهم حسنات ويرفع لهم بعددهم درجات سواء كان في المجلس واحد أو مائة ألف يأخذ من الأجر هذا العدد وما عند الله خير وأجزل]

وفي حديث آخر أنه [ما من مجلس صُلي فيه على النبي صلى الله عليه وسلم إلا تتأرج له رائحة طيبة حتى تبلغ عنان السماء فتقول الملائكة هذه رائحة مجلس صُلي فيه على النبي صلى الله عليه وسلم].

قال ومما يلحق بهذا ما حكاه ابن هشام يعني الأستاذ أبا محمد جبراً عن محمد بن سعيد بن مطرف الرجل الصالح قال

كنت جعلت على نفسي كل ليلة عند النوم إذا أويت إلى مضجعي عدداً معلوماً أصليه على النبي صلى الله عليه وسلم فإذا أنا في بعض الليالي قد أكملت العدد فأخذتني عيناي وكنت ساكناً في غرفة فإذا بالنبي صلى الله عليه وسلم قد دخل عليَّ من باب الغرفة فأضاءت به نوراً ثم نهض نحوي وقال هات الفم الذي يكثر الصلاة عليَّ أقبله فكنت أستحي منه أن أقبله في فِيه فاستدرت بوجهي فقبل في خدي فانتبهت فزعاً في الحين ونبهت صاحبتي إلى جانبي وإذا البيت يفوح مسكاً من رائحته صلى الله عليه وسلم وبقيت رائحة المسك في خدي نحو ثمانية أيام تجدها زوجتي في كل يوم وليلة في خدي. أ. هـ

وهكذا ذكر الحكاية الأستاذ جبر من غير سند وذكر ابن منديل أن ابن بشكوال ذكرها وقال حدثنا محمد بن سعيد الخياط الرجل الصالح إلخ

ثم قال ابن وداعة

وإذا أردت أن تعلم حقيقة هذا القول فانظر إلى قوله صلى الله عليه وسلم [ما جلس قوم مجلساً ثم تفرقوا على غير الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم إلا تفرقوا على أنتن من ريح الجيفة] يظهر لك أن المجالس التي يذكر فيها النبي صلى الله عليه وسلم أو يصلى فيها عليه توجد فيها روائح عطرية وتنمُّ منها نوافح مسكية.

ولما كان هو صلى الله عليه وسلم أطيب الطيبين وأطهر الطاهرين وكان من خصائصه الشريفة التي عجلت له من صفات أهل الجنة أنه كان لا يمر بموضع ولا يجلس فيه ولا يمس بيده أو بجارحة من جوارحه الطاهرة شيئاً إلا ويبقى فيه رائحة كرائحة المسك حتى لقد كان أصحابه يعرفون الطريق التي يمر عليها صلى الله عليه وسلم بذلك أبقى الله له هذه الكرامة فكان صلى الله عليه وسلم إذا ذكر في موضع وصُلي عليه فيه طاب ذلك الموضع بذكره ونمَّت منه روائح طيبة فصلى الله عليه وعلى آله صلاة تطيب مجالس الذكر ويغفر بها عظيم الوزر. أ. هـ

قال ومما يناسب ذكره هنا ما ذكره الشيخ أبو عبد الله الساحلي رضي الله عنه في (بغية السالك) قال حدثني أبي رضي الله عنه قال حدثنا الشيخ أبو القاسم المريد رحمه الله تعالى قال لما قدم الشيخ أبو عمران البردعي عليَّ مقالة وجد بها الشيخ أبا علي يعني الخراز فاجتمعنا الثلاثة يوماً في داري لطعام صنعته لهما قال أبو القاسم وكان بالحضرة والدي وكانت علة الزكام لا تفارقه حتى أنها تحرمه حاسة الشم فقال الشيخ أبو عمران للشيخ أبي علي يا أبا علي لك ثمانية أعوام فما أثرتْ فيك التصلية فقال له يا سيدي زاد عندي كذا وكذا فقال له الشيخ أبو عمران هذا الذي يظهر للأولاد ما هكذا يذكر النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال تنفس في كف والد الشيخ أبي القاسم قال فتنفس أبو علي في كف والدي فهبت من نفسه رائحة المسك لكنها ضعيفة ثم تنفس الشيخ أبو عمران في كف والدي أبو القاسم فوالله لقد شقت رائحة المسك خياشيم والدي حتى أرعفته من فوره وسال الدم من أنفه وعمت الرائحة منزلي حتى بلغ الجيران روائح المسك

قال ثم قال الشيخ أبو عمران: أيظن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أنهم فازوا به دوننا والله لنزاحمهم فيه حتى يعلموا أنهم خلفوا بعدهم رجالاً يصلون عليه صلى الله عليه وسلم. أ. هـ

قال وتقدم أنه ثبت عن مؤلف هذا الكتاب الشيخ أبي عبد الله الجزولي رضي الله عنه أن رائحة السمك توجد من قبره من كثرة صلاته على النبي صلى الله عليه وسلم. انتهت عبارة (شرح الدلائل)

ومن ثمراتها كما نقله شيخنا العدوي في (شرح الدلائل) عن بعض العارفين

أن من كان شأنه كثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم يحصل له الشرف الأكبر لكونه صلى الله عليه وسلم يحضره عند سكرات الموت وهناك يهنأ برؤية ما أعد الله له من الحور والقصور والولدان وكثرة الأزواج والتهنئة بالسلام عليه من العزيز الغفار كما قال جل شأنه {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} أ. هـ

ومن ثمرات الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أنها تزيل العطش الغالب على الإنسان في وقت الحمى وغيره

قال العارف بالله سيدي عبد الغني النابلسي في شرحه على (القصيدة المضرية)

ومما وقع لنا في تكرار الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم أنها تزيل العطش الغالب على الإنسان في وقت الحمى وغيرها وإني جربت ذلك وأفدته لبعض إخواني فجربوه في طريق الحج عند فقد الماء لكن بشرط أن لا يكون في تلك الصيغة التي يصلي بها على النبي صلى الله عليه وسلم ذكر لفظ الله لأنه حار وإنما الصيغة التي تزيل العطش هكذا

[الصلاة والسلام على سيدنا محمد خير الأنام الصلاة والسلام على سيدنا محمد المبعوث إلينا بالحق المبين الصلاة والسلام على سيدنا محمد الأمي الأمين وأفضل الصلوات وأشرف التسليمات على النبي الصادق والرسول المؤيد بأسرار الحقائق وأمثال ذلك] أ. هـ

ومن ثمراتها تسهيل الرزق قال السيد أحمد دحلان في كتابه (تقريب الأصول في تسهيل الوصول)

ومن المجرب لتسهيل الرزق كثرة الاشتغفار والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. أ. هـ

ومن ثمراتها دفع الطاعون قال شيخ الإسلام الشيخ زكريا الأنصاري في كتابه (تحفة الراغبين في بيان أمر الطواعين) في آخر الفصل السادس منه

وعن بعض العارفين أن من أعظم الأشياء الواقعة للطاعون وغيره من البلايا العظام الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.



  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!