موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

الباب السابع في ذكر الوزير وصفاته وكيف يجب أن يكون

 

 


جرى التدبير الرباني الحكمي في العادة أن لا يستقيم أمر ملك في ملكه إلا بوزير يدبره يكون واسطة بين المالك والمملوك..

ولذلك اقتضت الحكمة لما أبرزنا هذا الخليفة المذكور أن نجعل له وزيرة يسمى عقلا، وعليه يتوجه الخطاب من الله تعالى إذ هو مدبر المملكة.

قال الله تبارك وتعالى : "وإن في ذلك لآيات لأولي الألباب" [آل عمران: 190] "وأولي النهى" [طه: 128] . "إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب، أي عقل، أو ألقى السمع وهو شهيد" [ق: 37] أي عقيل .

فأوجد الله سبحانه لهذا الإمام هذا الوزير الذي يقال له العقل، وإنما سمي عقلا لأنه يعقل عن الله تعالى كل ما يلقى إليه ، وهو على المملكة كالعقال على الدابة يحفظها حذر الحران. "العقال : حبل يربط به البعير في وسط ذراعه" . "حرنت الدابة : وقفت ولم تطع صاحبها في الانطلاق" .

ولهذا سماه عقلا واصطفاه له وزيرة فعيلا. يحتمل أن يكون من الوزرا والوزر وكلاهم موجود فيه.

فإن كان من الوزر الذي هو الثقل فإنه حامل أثقال المملكة وأعبائها؛ وإن كان من الوزر الذي هو الملجأ.

فإنه يلجأ إليه في جميع الأشياء، إذ هو لسان الخليفة والمنفذ عنه أوامره فلهذ المعني صح عليه اسم الوزارة.

لما لم يكن أيضا بد من وجود معني هذا اللفظ وهو موجود عجیب و مخترع لطيف ، أوجده الباري في ثاني مقام من الإمام، وأنزله من الخليفة منزلة القمر من الشمس على مذهب من يقول بالاستمداد ..

ولهذا تراه عند حضور الملك وتجليه ليست له تلك الصولة ولا يبصر، لأن الأمر هناك صادر عن الإمام بارتفاع الوسائط، وهيبة المشاهدة عظيمة ..

وحظها من كتاب الله قوله تعالى : "لمن الملك اليوم لله الواحد القهار" [غافر: 16] وفي وقت الحجاب وقعت الدعاوى . "نعوذ بالله من حجاب الدعوى".

فمتى احتجب الخليفة، كان للوزير الظهور وإنفاذ الأوامر والإعطاء والمنع، إذ هو لسان الخليفة والمترجم عنه ؛ وهذا موجود سر روحانية القمر والشمس.

ألا ترى القمر إذا حصل في قبضة الشمس ليس له نور ولا ظهور لاستيلاء الشمس عليه؟ فإذا كانت الليالي البيض كان له الظهور التام بمغيب الشمس عن مرأى أعين الناظرين..

فالقمر في ذلك الوقت يشاهد الشمس والعالم والناس لا يشاهدون إلا القمر، وهذا سر عجيب وهذا باب عظيم لأهل الحقائق فيه مجال وانفساح ، ولأرباب القلوب فيه اعتبار بین اندماج واتضاح، لأن الحكمة عجيبة في إبداره على قدر أسراره (ثلاثة بثلاث ).

وقد ذكرنا هذا السر في غير هذا الموضع مستوفي في كتاب «المثلثات» لنا، وحظه من الكتاب العزيز " قل أعوذ برب الناس ملك الناس إله الناس " [الناس : 1، 2، 3]..

"وكان شيخنا أبو مدين رضي الله عنه ما حصل له من سر الوجود عند التجلي المحمدي إل مقام ملك الناس"..

ولهذا كان يصرح بأن سورته من القرآن: "تبارك الذي بيده الملك" ، [الملك: 1] ومقام إله الناس انفرد به القطب..

ولذلك كان أبو مدين أحد الإمامين الموجودين في العالم .

ثم نرجع ونقول: فلما أبدع بنيته وسوی جوهريته أودع فيه حسن التدبير والسياسة ، وجميع الأمور اللائقة بالمملكة من مقامه إلى أدني موجود من رعيته، وعلى هذا المهيع وردت الشرائع. "المهيع: الطريق الواسع البين"

ثم نقش سبحانه جميع العلوم في جوهر ذاته فصار محلا للعلوم مع أنه لا يدري أين يصرفها ولا الحالات التي يصرفها فيها؛ وذلك حكمة منه تعالى ليكون مضطرة إلى الخليفة، كما فعل بالخليفة فيما تقدم عارف بنفسه وقدره، و عارفا بمخدومه الذي أوجده من أجله.

ثم أجلس سبحانه الخليفة على عرش الوحدانية ورداه برداء الفردانية وخلاه بالصفات الإلهية، فاكتسى من الإجلال والهيبة والعظمة ما لو ظهر لعالم الشهادة منها مقدار سم الخياط" لبهرهم وصعقوا من حينهم وسلبوا عن نفوسهم وهذا مقام الخليفة، فكيف بن بمشاهدة الحق سبحانه في دار الكرامة . "سم الخياط : ثقب الإبرة."

فانظر وفقك الله ما أعظم هذه القدرة العجيبة التي يؤيدنا الله بها في إدراكنا عن النظر إليه جل جلاله في الدار الآخرة.

فلما قام الخليفة في هذا المقام أدخل عليه العقل، فلما دخل عليه تجلت صورة العقل في جوهریته في دار الخليفة فلاحت له الأسرار والعلوم المنقوشة فيه ، والناس يغلطون في هذا المقام فيطلبون من خارج ما هو فيهم فيتعبون ولو وقفوا عند قوله تعالى : "وفي أنفسكم أفلا تبصرون" [الذاريات : 21] لاستراحو

شعر :

قد يرحل المرء لمطلوبه …… والسبب المطلوب في الراحل

فإذا أراد العقل معرفة شيء من تدبير الملك وإصلاحه افتقر عنه ذلك إلى مشاهدة الإمام .

فعند المشاهد يلوح له المراد فيه فيقوم له التجلي منزلة الخطاب من الملك العلام إلى الوزير ..

إذ المراد حصول العلم، وبهذا يعبر عن مخاطبة المعقولات فإنهم ليسوا بأجسام تكون فيها أصوات وحروف..

وإذا لم تكن أصوات وحروف ورقوم إلى غير ذلك من الدلائل فـ لك أن تنظر إلى ما تؤدي إليه تلك الأدلة من الأصوات وغيرها في قلب السامع فهو حصول المعنى، وهو أثر الكلام من المخاطب .

[فكذلك إذا] حصل للعقل آثار العلوم في قلبه من فيض الروح الكلي عبرنا عنه بالكلام والقول والخطاب .

فلما أوجده على هذه الصفة جعل مسكنه الدماغ ليشرف على أقطار المملكة وأن يكون قريب من خزانة الخيال التي هي مستقر جبايات البادية وقريبة من خزانة الفكر والحفظ حتى يقرب عليه النظر في جميع مهماته .

فينبغي لك أيها الخليفة الأكرم أن تحافظ على وزيرك و تسايسه وتتحبب إليه، فإن في بقائه صلاح ملكك ومدينتك..

ألا ترى إذا اتفق في العقل شيء وهلك بفساد محله كيف تخرب مدينة الجسم ولا يقدر الروح على تلفيقها؟.

فحافظ على الوزير "حفظك على نفسك" فهو يدك التي بها تبطش وعينك التي بها تبصر، فمتى هممت بإمضاء أمر في ملكك فقرب العقل وتدبر معه وشاوره ، وانظر إلى ما يصدر عنه فيه، واعمل بما يشير به عليك فإن الله تعالى قد أودع الصواب في رأيه .

وتحفظ من الوهم فإن الوهم موجود يبرز للنفس على صورة العقل ، فقد يلتبس عليك وهو وزیر مطاع، له في الإنسان تأثير عظيم .

وهو المستولي على الناس والباعث على الأفكار الرديئة، وهو يورث الوسوسة، فتحفظ منه و میز وزیرك عينا واسما، ولا تستبد بنفسك فلا خير في أمر ولا ملك لا يدبره عقل.

ولما كان الوزير قد يشتبه به من أكثر وجوهه وصفاته لا من كلها اضطررنا إلى نعته بالنعوت الكاملة التي لا يمكن للوهم أن يتشبه بها على الكمال ..

فانظر إلى النعوت التي أنا أذكرها لك إن شاء الله ، فإذا رأيتها قد قامت بموجود م فذلك وزیرك وهو المراد، فاحفظها و حصنها "وحصلها وحصنها".

تحفظ إن شاء الله تعالی.

تفصيل خلق الوزير وصفاته:

فاعلم رحمك الله أن العدل شخصه، والهمة رأسه، والجمال وجهه ، والحفظ حاجباه، والحياء عيناه، والطلاقة جبينه، والعزة أنفه، والصدق فمه، والحكمة لسانه ، والنية عنقه ، والسعة واحتمال الأذى صدره.

والشجاعة عضده، والتوكل مرفقه، والعصمة معصمه ، والكرم كفه ، والإيثار بنانه ، والسجود يده، واليمن يمينه، واليسر يساره، والورع بطنه، والعفة فرجه، والاستقامة ساقه، والرجاء والخوف قدماه، والفطنة قلبه .

والعلم روحه، والأمانة حياته، والزهد لباسه، والتواضع تاجه، والخشية إكليله، والحلم خاتمه ، والأنس بيته، والهدى طريقه، والشريعة مصباحه، والفهم دثاره، والنصح شعاره.

والفراسة علمه، والفقر کسبه، والعقل اسمه، والحق سمعه، فإذا رأيت هذه الأوصاف فاتخذه وزیرة ولليلك سميرة.

قال المؤلف رحمه الله :.

ولما كانت الفراسة علم هذا الوزير المذكور ومحل کشفه واطلاعه على ممكنات الخواطر و مغيبات الأمور، احتجنا إلى أن نسوق منها طرفا مختصرة عقيب هذا الباب، حكمية وشرعية إن شاء الله .


f4F6JRuBRq0

 

 

البحث في نص الكتاب


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!