موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

الباب السابع عشر في خواصّ الأسرار المودّعة في الإنسان وكيف ينبغي أن يكون السالك في أحواله

 

 


وفي هذا الباب أودعت المضاهاة وهو على خمسة أبواب اعلموا يا أصحاب القلوب المتعطّشة إلى أسرار الغيوب أنّه لا أضيف شيء إلى شيء بأيّ وجه كان من وجوه الإضافات من إضافة تشريف واختصاص أو ملك أو استحقاق ولا دلّ دليل على مدلول ولا رأى راء لمرئيّ ول سمع سامع لسموع إلّا لمناسبة غير أنّه قد تظهر فتعرف لقربها وقد تخفى فتجهل لبعده وهي على قسمين ظاهرة وباطنة .

فالظاهرة يعرفها أهل الظاهر إذا نظروا وحقّقوا والباطنة لا تعرف أبدا بالنظر فإنّ معرفتها موقوفة على الوهب الإلهيّ وهذا هو طور النبوّة والولاية والفصل بينهما ل خفاء به ..

فإنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم متبوع تابعه الوليّ ومقتبس من مشكاته وبظاهر من ضرب المناسبة الظاهرة ووقوع الخطاب تثبت العقائد الّتي تعمّد الخلق بها فقالوا اللّه موجود ونحن موجودون فلو لا معرفتنا بوجودنا ما عرفتنا معني الوجود حتى نقول أنّ الباري موجود وكذلك لمّا خلق فينا صفّة العلم أثبتنا له العلم وأنّه عالم .

وهكذا الحياة بحياتنا والسمع والبصر والكلام بكلام نفوسنا لا بأصواتنا وحروفن والقدرة والإرادة وكذلك سائر الأسماء كلّها من الغني والكرم والجود والعفو والرحمة كلّها موجودة عندنا فلمّا سمّى لنا نفسه بها عقلناها .

فما عقلنا منها غير ما أوجده فينا وما عدا ذلك فعلمنا به من جهة السلب وهو ليس كالقدم ليس بصفة إثبات وإنّما معناه لا أوّل له في وجوده فتعلّق العلم بنفي الأوّليّة عنه وعلمناها أيضا فإنّ الأوّليّة موجودة عندنا حقيقة والنفي عندنا معلوم منّا بفقد أشياء منّا بعد وجودها

فينا أوضحها انتقالها من حال إلى حال ومن مكان إلى مكان ومن نظر إلى نظر .

فقد عرفنا حقيقة النفي وحقيقة الأوليّة ثمّ حملنا النفي على الأوّليّة ووصفنا الحقّ بها وهي صفة سلب وقد يعلم الشيء بنظيره وبضدّه وقال صلى الله عليه وسلم :" من عرف نفسه عرف ربّه". فأثبتّ له من الصفات ما خلق فيّ لا غير فهذه معرفة.

وبقيت معرفة السلب الّتي بها امتاز عنّا فأخذنا الصفات الّتي ثبت بها حدوثن وعبوديّتنا وإخراجنا من العدم إلى الوجود ونفيناها عنه ولم نجد له صفة إثبات معيّنة ليست عندنا نعرفه بها لكن نعرف أنّه على حكم ليس نحن عليه ثابت له فلو لا هذه المناسبة ما صحّت لنا عقيدة وما عرفناه أصلا .

ثمّ بعد هذا وإن عرفناه بما وصفنا فإنّ هذه الصفات في حقّنا تعقبها الآفات والأضداد وهي له باقية لا يعقبها ضدّ ولا آفة وعرفنا هذا ببقائنا عليها زمانين فصاعدا فقد عرفنا صفة البقاء فأصحبناه تلك الصفة النزيهة المقدّسة وهذا الباب يطول وأوضحناه بيّناه في كتاب إنشاء الجداول وهو كتاب شريف بيّنت فيه المعارف بالأشكال ليقرب إلى الأفهام فهذا ضرب من المناسبة الظاهرة والمضاهاة في الحضرة الإلهيّة .

وأمّا المناسبة الباطنة فوكّلناك فيها إلى نفسك فإنّها تدرك بالمجاهدات في المشاهدات وبقيت لنا المضاهاة الثانية الّتي بين الإنسان والعالم .

وقد بسطنا القول فيه في أكثر كتبنا ولنذكر منه هاهنا فصلا قريبا جامعا يحوى على كلّيّاته وأجناسه وأمرائه الّذين لهم التأثير في غيرهم ولو ما قصدنا في كتابنا هذ طريق الإشارة والتنبيه لضربنا له دوائر على صور الأفلاك وترتيبها ونجعل لكلّ فلك في العالم ما يقابلها من الإنسان بخاصّيّة ذلك الفلك ويدور الخلق كلّه على أربعة عوالم :.

العالم الأعلى وعالم الاستحالة وعالم عمارة الأمكنة وعالم النسب.

ولكلّ واحد من هؤلاء العوالم غاية :

فجميع ما يحتوي عليه العالم الأعلى من العالم الكبير عشرون حقيقة.

وعالم الاستحالة خمس عشرة حقيقة.

وعالم عمارة الأمكنة أربع حقائق.

وعالم النسب عشر حقائق.

وهي كلّها في الإنسان موجودة وهذه هي الأمّهات وهي تسع وأربعون حقيقة .

وكذلك الإنسان فالعالم محصور في ثمان وتسعين حقيقة ممّا يقتضيه خلقه ثمّ زاد الإنسان على العالم بالسرّ الإلهيّ المبثوث فيه الّذي صحّ له به الاستخلاف وتسخير ما في السماوات وما في الأرض فجاء الأمر كلّه تسعا وتسعين حقيقة من أحصاها دخل الجنّة والموفّى مائة المهيمن على كلّ شيء وهو الحقّ .

فالوجود كلّه مائة الموفّى مائة منها الاسم الأعظم وكذلك الجنّة مائة درجة الموفّى مائة منها جنّة الكثيب الّذي ليس فيه نعيم إلّا الرؤية وليس لمخلوق فيه الدخول إلّ وقت النظر هو حضرة الحقّ .

وهذه أسرار عجيبة نبّهناك عليها لتعرف منزلتك من الموجودات وإنّ النار مائة درك والموفّى مائة منها درك الحجاب وهو محلّ المشاهد إذا ارتدّ ورجع فإنّه يهوى في جهنّم وينزل في دركاتها على مقابلة الدرج الّتي سقط منها فأعلى علّيّين يقابل أسفل سافلين.

قال اللّه تعالى : " لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيم ". ٍفم بعده أحسن منه " ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ ". فما بعده أسفل منه.

ثمّ نرجع ونقول فأمّا العالم الأعلى فأعلاه لطيفة الاستواء وهي الحقيقة الكلّيّة المحمّديّة وفلكها الحياة ينظر إليها من الإنسان لطيفته والروح القدسيّ ثمّ في العالم العرش ينظر إليه من الإنسان الجسم ثمّ في العالم الكرسيّ بنجومه ينظر إليه من الإنسان النفس بقواها وكما كان موضع القدمين فكذلك النفس محلّ الأمر والنهى والمدح والذمّ .

ثمّ في العالم البيت المعمور ينظر إليه من الإنسان القلب ثمّ في العالم الملائكة ينظر إليها من الإنسان أرواحه والمراتب كالمراتب ثمّ في العالم زحل وفلكه ينظر إليهما من الإنسان القوّة الذاكرة ومؤخّر الدماغ .

ثمّ في العالم المشترى وفلكه ينظر إليهما من الإنسان القوّة العاقلة واليافوخ ثمّ في العالم الأحمر وفلكه ينظر إليهما من الإنسان القوّة الغضبيّة والكبد ثمّ في العالم الشمس وفلكها ينظر إليهما من الإنسان القوّة المفكّرة ووسط الدماغ .

ثمّ في العالم الزّهرة وفلكها ينظر إليهما من الإنسان القوّة الوهميّة والروح الحيوانيّ ثمّ في العالم عطارد وفلكه ينظر إليهما من الإنسان القوّة الخياليّة ومقدّم الدماغ ثمّ في العالم القمر وفلكه ينظر إليهما من الإنسان القوّة الحسّيّة والحواسّ . فهذه طبقات العالم الأعلى ونظائره من الإنسان .

وأمّا عالم الاستحالة فمنه الفلك الأثير وروحه الحرارة واليبوسة ينظر إليهما من الإنسان الصفراء وروحها القوّة الهاضمة ثمّ في العالم فلك الهواء وروحه الحرارة والرطوبة ينظر إليهما من الإنسان الدم وروحه القوّة الجاذبة ثمّ في العالم فلك الماء وروحه البرودة والرطوبة ينظر إليهما من الإنسان البلغم وروحه القوّة الدافعة ثمّ في العالم فلك التراب وروحه البرودة واليبوسة ينظر أيهما من الإنسان السوداء وروحها القوّة الماسكة.

وأمّا الأرض فسبع طباق أرض سوداء غبراء وأرض حمراء وأرض صفراء وأرض بيضاء وأرض زرقاء وأرض خضراء ينظر إليها من الإنسان طبقات الجسم الجلد والشّحم واللحم والعروق والعصب والعضلات والعظام .

وأمّا عالم عمارة الأمكنة فمنه الروحانيّون ينظر إليها من الإنسان القوى الّتي فيه ثمّ في العالم الحيوان ينظر إليه ما يحسّ من الإنسان ثمّ في العالم النبات ينظر إليه ما ينمو من الإنسان ثمّ في العالم الجماد ينظر إليه ما لا يحسّ من الإنسان .

وأمّا عالم النسب فمنه العرض ينظر إليه من الإنسان أسود وأبيض وما أشبه ذلك ثمّ في العالم الكيف ينظر إليه من الإنسان صحيح سقيم ثمّ في العالم الكمّ ينظر إليه من الإنسان سنّه عشرة أعوام وطوله خمسة أذرع .

ثمّ في العالم الأين ينظر إليه من الإنسان الأصابع موضعها الكف ، الذراع موضع اليد ، ثمّ في العالم الزمان ينظر إليه من الإنسان تحرّك وجهه وقت تحريك رأسه .

ثمّ في العالم الوضع ينظر إليه من الإنسان هذا أعلاه هذا أسفله ثمّ في العالم الوضع ينظر إليه من الإنسان لغته ودينه ثمّ في العالم أن يفعل ينظر إليه من الإنسان أكله ثم في العالم أن ينفعل ينظر إليه من الإنسان ذبح فمات وشرب فروى وأكل فشبع .

ثمّ في العالم اختلاف الصور في الأمّهات كالفيل والحمار والأسد والصّر صر ينظر إليه من الإنسان القوّة الّتي تقبل الصّور المعنويّة من مذموم ومحمود هذا فطن فهو فيل وهذا بليد فهو حمار هذا شجاع فهو أسد هذا جبان فهو صرصر .

فهذه مضاهاة الإنسان بالعالم الكبير مستوفى مختصرا فما بقي له فيه شيء فما له ل يسعى في تخليص نفسه من رقّ الشهوات كما حصل له أشرف المراتب في الوجود فيحصل له أسني المراتب السعاديّة .

وأمّا الأسرار المودعة في الإنسان فكثيرة جدّا منها ما يرجع إلى مزاجه ووضعه الطبيعيّ ومنها ما يرجع إلى حاله ووضعه الإلهيّ ونحن نحتاج في هذا الكتاب إلى ذكر بعض من أسراره الإلهيّة الروحانيّة وإن خالطها من المزاج أمر يسير.

فليس غرضنا ويظهر سلطان هذه الأسرار بالتنزّلات الإلهيّة بواسطة روح القدس على الروح بأسرار الولاية على الوليّ وأسرار النبوّة على النبيّ كلّ قد علم صلاته وتسبيحه وقد ذكر النبيّ صلعم ضروب التنزّلات بالغتّ والغطّ وجعل أشدّه عليه فيه صلصلة الجرس لاختراق النور الملكيّ ظلمة هذا التركيب الطبيعيّ حتّى يصل بذاته إلى النور الروحيّ الّذي في الإنسان فيلقى إليه .

فباشتغال الروح معه تتخدّر الجوارح وينحرف الطبع ويتغيّر المزاج فإنّ الجسم اشتغل عنه حافظه بما يلقى إليه فإذا انصرف عنه النور الملكيّ سرّى عنه وقد عرق جبينه واحمرّ وجهه وقام كأنّه نشط من عقال وهو قوله تعالى :"نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ ". وكان أهون ما يلقى عليه إذا تمثّل له رجلا فيأخذ من جهة سمعه وهي المحادثة ولأولياء اللّه في هذا مشرب شهيّ .

ومتى اشتدّ الحال على الإنسان وغاب عن الوجود الحسّيّ فإن حصل له في تلك الغيبة علم يعقله هناك ويعقله إذا رجع ويعبّر عنه على قدر ما أعطاه اللّه من العبارة فذلك هو الحال الإلهيّ ويجد القلب عند الإفاقة سرورا وربّما عرته أبردة فذلك حال صحيح .

وإن غيّب ثمّ ردّ ولم يجد شيئا إلّا أنّه أخذ عنه بقبضة قبض عليه لم تثمر له فائدة ولكن غاب عن حسّه فهذا حال من المزاج لمّا حمى القلب بالذكر أو بالتخيّل صعد منه بخار من التجويف الكثير الروح إلى الدماغ فحجب العقل ومنع الروح الحيوانيّ من السّريان ورمى بصاحبه كالمصروع فهذا حال صحيح ولكن من المزاج ليس فيه فائدة .

ولهذا إذا سألته يقول رأيت كأني كسيت برنسا أسود وسحابة مرّت على عيني فغبت وهو ذلك البخار الّذي ذكرناه .

وأمّا الحال الثالث الكذّاب هو الّذي يعقل صاحبه أهل مجلسه ولم يغب عن نفسه ولا عن حسّه ويتحرّك ولا سيّما في مجالس السماع فهذا صاحب وسوسة وحديث نفس سخر به الشيطان فكلّ ما يلقى إليه يتخيّل أنّها علوم وهي سموم فلا يعوّل على كلّ ما يخاطب به في هذه الحالة فإنّها حالة شيطانيّة وإنّه ليس في قوّة الشيطان أن يفنيك عن حسّك ثمّ يلقى إليك وتعقل عنه وإنّما هو على أحد وجهين على البدل :.

إمّا أن يفنيك مثل الصرع ولكن لا يلقى إليك شيئا لأنّه لا يجد من يأخذ عنه.

وإمّا أن لا يفنيك ويلقى إليك وأنت مع حسّك وقد كسا باطنك شيئا من حرارة وتوهّم واستطلاع إلى بعد ،

وضرب من استعداد لحظات فإذا عرف أنّه قد تمكّن منك في هذا المقام ألقى إليك خطاب فتحسّ بمواقع الخطاب في نفسك على حسب ما يلقى إليك فتخبر عمّا وجدتّه فإخبارك أنّك وجدتّ هذا في نفسك صحيح وكونك تنسب ذلك إلى الحقّ باطل .

وربّما يقول لك في مواقع خطابه عبدي إني أنا ربّك لا تنظر إلى غيرى فأحجبك ولا تنظر إليّ إلّا بي فإن نظرت إليّ بك أشركت فإنّا الناظر والمنظور وما أشبه ذلك النوع من الخطاب ويقنع إبليس منك أن تعتقد أنّ ذلك من اللّه فيستولى عليك فتصير محلّا له طول عمرك .

فلو علمت أنّ مخاطبة الحقّ لا تترك إحساسا وليست بالوهم ولا بالتخيّل ول بالاستعداد والانتظار لعلمت ببقاء حسّك معك أنّك مع من يجانسك محدث مثلك يريد أن يسخر بك وأكثر ما يجد هذا أصحاب السماع والوجد ومن غلب عليه الوهم والتخيّل فعليك بالفناء المحض وإن لم تجد شيئا فهو أسلم من الفتنة فإن وجدتّ فيه شيئا فهو المطلوب وارتفع التلبيس فلا مدخل هنالك لإبليس .

فهكذا ينبغي أن تكون أيّها المريد وأن تعرف هذه الأسرار من نفسك ولا تكن من الجهالة بحيث أن يعرف منك غيرك ما لا تعرفه من نفسك ثمّ لتعلم أنّ الروحانيّين ليس لهم إلقاء الأمر والنهى وإنّما لهم التحضيض والإخبار لأنّه لا فائدة لأمرهم .

فإذا استولت عليك روحانيّة تدبّرك فانظر فإن أمرتك ونهتك بضرب من العبادات فتلك شيطانيّة فأضرب عنها وأكثر من الذكر وقراءة آية الكرسيّ وسورة البقرة .

وإن لم تأمرك ولكن تخبرك فأنت فيها على الاحتمال بين أن يكون شيطانا أو غير ذلك وتميّز بينهما سرعة التنوّع في الإلقاء بين أن يلقى شيئا ثمّ شيئا آخر ثمّ شيئا آخر فهو روح شيطانيّ .

وإن استمرّ أمر واحد فإنّك معه في حال الفتنة أيضا فلا تقبل من الإلقاء إن أردت الصّحيح إلّا ما حصل لك في حال الفناء الكلّيّ من غير تمثيل ولا حسّ سويّ مجرّد الفهم منك بما تكون منه وسرّ المشاهدة للبهت وسرّ الكشف للعلم وسرّ البقاء للأدب وسرّ الفناء للتوحيد وسرّ القبض للافتقار وسرّ البسط للسؤال والأسرار كثيرة وفيم ذكرناه دواء نافع لمن استعمله .

فلنذكر خواصّ الأحجار الإنسانيّة فمن ذلك حجر البهت وهو حجر عزيز فيه غيره [وهو يتلون عند الشروق وعند الإستواء وعند الغروب و شعشعته أفواجا أفواجا] ومحلّه بحر الظّلمات وله أسرار عجيبة .

[ومن لبسه فإنه يقهر كل من يخاصمه و ينتصر عليه ، واذا دخل على جبار أهابه وعظمه و انبهت وانبهر منه بشرط أن يحرك الحجر في وجهه عند الدخول والمخاصمة]،.

وهو نكتة ذاتيّة في القلب كمثل الإنسان في العين الّذي هو محلّ الرؤية وكالساعة الّتي في الجمعة كما قال صلى الله عليه وسلم : وقد مثّلت له الجمعة مرآة وفيها نكتة سوداء وأخبر أنّها الساعة الّتي في الجمعة .

فإذا كان الران على القلب لم يظهر لهذا الحجر وجود وجميع الأرواح الّتي في الإنسان من عقل وغيره إنّما هو مترقّب لمشاهدة تلك النقطة فإن الصقل القلب بالمراقبة والذكر والتلاوة بدت تلك النقطة ،.

فإذا بدت ما لها ما تقابل سوى حضرة الحقّ الذاتيّة فينتشر من ذلك الحجر نور من أجل التجلّى فيسرى في زوايا الجسم فيبهت العقل وغيره ويبهرهم ذلك النور المنفهق من ذلك الحجر وشعشعاته فلا يظهر لهم تصريف ولا حركة لا ظاهرة ولا باطنة ولهذا سمّى حجر البهت .

فإذا أراد اللّه أن يبقى هذا لعبد أرسل على القلب سحابة كون ما تحول بين النور المنفهق من تلك النكتة وبين القلب فيتشمّر النور إليها منعكسا وتشرح الأرواح والجوارح وذلك هو التثبيت فيبقى العبد مشاهدا من وراء تلك السحابة لبقاء الرسم وبقي التجلّى دائما لا يزول أبدا في ذلك الحجر ولهذا يقول كثير إنّ الحقّ ما تجلّى لشيء قطّ ثمّ انحجب عنه بعد ذلك ولكن تختلف الصفات ولنا في هذا المعني أبيات منها :

لما لزمت قرع باب الله ..... كنت المراقب لم أكن باللاهي

حتى بدت للعين سبحة وجهه ..... وإلى هلم لم تكن إلا هي

فاحطت علما بالوجود فما لنا ..... في قلبنا علم بغير الله

لو يسلك الخلق الغريب محجتي ..... لم يسألوك عن الحقائق ما هي

وكذلك من كتب اللّه في قلبه الإيمان فإنّه لا يمحوه أبدا ولهذا قال : "أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ" . "أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ" فهذا هو الحجر النافع المطلوب الّذي يطلعك مشاهدة المحبوب فاعلم ذلك .

وآية هذا السّر من القرآن : "حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قالُو ما ذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الْحَقَّ" وخاصّيّته أنّه إذا قام بالعبد في وقت م فإنّه يقهر كلّ ما تعرّض له من غير التفات ولا معرفة به .

ومن ذلك حجر الزّمرّد آيته من كتاب اللّه تعالى :"إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ " فالقوّة المذكّرة خاصّيّتها أن تعمى إبليس عن ملاحظة كيده في الحال وتدهشه فلا يلحق يرجع إليه بصره إلّا والمؤمن على إحدى حالتين:

إمّا في غفلة فيمسّه مرّة أخرى ،.

وإمّا في حضور فيحترق إن دنا منه .

وقد رأيته لعنه اللّه لا يجترئ على دخول بيت فيه عارف باللّه سواء نام العارف أو كان مستيقظا ،.

ومن ذلك حجر الياقوت الأحمر وآيته من كتاب اللّه تعالى :" لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ".

خاصّيّته إذا كان الإنسان مشاهدا له من جهة روح قدسيّ فإنّه يعلّم من العلوم المتعلّقة بذات الحقّ ما لا يطّلع عليه غيره فإن كان مشاهدا له من جهة نفسه الغضبيّة وصادف جبّارا من الجبابرة فإنّه يذلّ له ويخضع لما يجد له في نفسه من التعظيم وإن كان توعّده عفا عنه ،.

ومن ذلك حجر الياقوت الأزرق آيته من كتاب اللّه تعالى :"لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ ".

هو الّذي يعطى الربّانيّة للإنسان مخصوص بأصحاب الأحوال والخلق ،.

حجر الياقوت الأصفر آيته من كتاب اللّه تعالى :" وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ" مخصوص بأصحاب المقامات وخاصّيّته العبوديّة والذلّة والافتقار مقام مشترك من حصل له جهل حاله ،.

الحجر المكرّم آيته من كتاب اللّه تعالى :" وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيّ" ٍيدور به فلك الحياة يوجد في كلّ موجود وفي كلّ شيء خاصّيّته قلب الأعيان إذا دبّر وأحكم وألقيت منه أدني شيء على ما شئت قلب عينه لما تعطيه حقيقة ذلك الشيء ،.

كالإكسير عند أهل الكيمياء تأخذه فتحمله على القزدير والحديد فيقلّبهما فضّة وعلى النّحاس والرّصاص فيقلّبهما ذهبا وهو واحد فاختلف القبول لاختلاف الطبائع .

كذلك هذه الحقيقة تلقيها على العاصي فيصير طائعا وعلى الكافر فيصير مؤمنا وهذا هو الكبريت الأحمر العزيز الوجود الّذي جعله اللّه من ضنائنه وأودعه في أرفع خزائنه من وصل إليه لا يرى أثره عليه فإنّ الحاصل به ضنين.

ولنا أبيات في معناه منها ، شعر:

مدّعى الصّنعة من غير سبب * عشرت في زور ودعوى وكذب

فاستمع قول محبّ ناصح * صادق اللّهجة محفوظ الطّلب

نزّل النيّر من أفلاكه * واسع في تحصيل تركيب النسب

وخذ الآبق من معدنه * وأمط عنه الفرار المكتسب

فإذا ما رضته واحتملت * ذاته التركيب فيها ورسب

صعّد الفاضل وانظر حاله * بامتزاج النيّرات في لهب

فإذا أفناه يبقى سبب * يقلب الآنك في العين ذهب

إزالة الظلّ وقطع التصرير : قال اللّه تعالى :" ثمّ قبضناه إلينا قبضا يسيرا"

وإنّما يبقى الظلّ لعلّة في الصنعة فما دام الظلّ كان في الأمر تدليس وحرم التصرّف فيه وإزالته .

إن لم يكن عندك سرّ الحجر المكرّم ولا نتيجة الحقائق الأربع فلا بدّ من طلب إمام فإن لم تجد فأخل بيتا من جميع الأشياء واتّخذه خلوة ،

فليكن ذكرك اللّه اللّه لا غير ولتتفرّغ من همّ المطعم والمشرب باستعدادك قبل ذلك واجعل مستندك هذه الآية :" لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ" ..

فإنّه لا بدّ من زوال الظلّ أقربه في سبعة أيّام وأبعده في أربعين يوما .

وأمّا التصرير فسببه انضغاط النفس بين عالم الملكوت والشهادة وهو باب الأحوال فاحمل عليها قوله :" أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ". فإنّه ينقطع تصريره إن شاء اللّه تعالى .


T2w2yC79bfY

 

 

البحث في نص الكتاب


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!