موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

الباب الرابع في ذكر السبب الذي لأجله وقع الحرب بين العقل والهوى

 

 


اعلم وفقك الله أن السبب الذي لأجله نشأت الفتنة ووقعت الحرب حتى كشفت عن ساقها، وعمت الوقائع جميع أقطار المملكة وآفاقها.

هو طلب الرئاسة على هذا الملك الإنساني ليخلصه من حصل بيده إلى النجاة، إذ لا يصح عقلا ولا شرعة تدبير ملك بين أميرين متناقضين في أحكامهما، "ولو كان فيهما آلهة إل الله لفسدتا" [الأنبياء: ۲۲].

وإن فرض اتحاد الإرادة في حق المخلوقين فإن حكم العادة يألي ذلك والشرع في حق هذين الأميرين؛ وما سمعنا بخرقها في حق شخص قط..

وإذا كان هذا فلم يرد الله تعالى أن يدبر هذا الملك إلا واحد؛ وصرح بذلك على لسان رسوله : «إذا بويع الخليفتين فاقتلوا الآخر منهما» .

والخلافة ظاهرة وباطنة، وقد تقررت الظاهرة وثبتت ؛ وكلامنا هنا في الخلافة الباطنة على حسب الظاهرة أنبوبة على أنبوب، وجريا على ذلك الأسلوب.

اعتراض لكشف أسرار :.

قال المؤلف رضي الله عنه : وربما للمنازع أن يستروح من هذا الحديث شيئا ما فيقول: قد قال فاقتلوا الآخر منهما؛ وما يدريك لعل الهوى تقدم والعقل تأخر، فيكون الهوى صاحب الخلافة..

فنقول ليس التقدم والتأخر هنا بالزمان، وإنما التقدم هنا بإحصاء الشرائط، أعني شرائط الإمامة..

ففيمن وجدت كان المقدم للإمامة، ويخلع من لم تكمل فيه تلك الشرائط ، ويقتل إن عاند ولم يدخل في الأمر العزيز، فلا يلتفت للزمان.

قال المؤلف رضي الله عنه : وشرائط الإمامة على ما ذكرته العلماء عشر:

ست منها خلقية لا تكتسب، وأربع منها مكتسبة .

أما الخلقية :

فالبلوغ.

والعقل.

والحرية.

والذكورية.

ونسب قریش وفيه خلاف، ولم يره بعض العلماء .

وسلامة حاسة السمع والبصر .

وأما الأربع المكتسبة:

فالنجدة.

والكفاية.

والعلم.

والورع.

قال المؤلف: وهذه الشرائط كلها موجودة في هذا الخليفة، والهوی معری عنها نعوذ بالله لا نشرك به أحدا؛ فلنذكرها شريطة شريطة حتى نستوفيها ونبين أن الروح قد

جمعها.

الشرط الأول في الخلافة البلوغ:

فإن الإمامة لا تنعقد لصبي اعتباره في الروح. البلوغ نور الله بصيرتك أمر شرعی، وبلوغ الروح اتصاله بالإلهية؛ وقد ثبت اتصاله على ما ذكرناه اتصال شرف ورفعة وبلوغ مقام کریم حين أخذ عليها الميثاق فقال لها : "ألست بربکم قالوا بلى" [الأعراف: 172]..

فلو كانت الأرواح غير بالغة لما تصور منها هذا الجواب ولا توجه عليها هذا الخطاب شرعا..

الشرط الثاني - العقل:

فإن الإمامة لا تنعقد لمجنون إذ هو غير مخاطب ولا تكليف عليه، والإمام مكلف باعتباره في الروح يعقل عن الله ما يرد عليه منه، ولذلك قال : بلى، وهي صفة قائمة به ، عنها صدر العقل الذي جعلناه وزيرا له فيما يأتي إن شاء الله تعالی ..

الشرط الثالث - الحرية:

فإن الإمامة لا تنعقد لرقيق، وذلك أن الإمامة تستدعي أن يستغرق الإمام أوقاته في أمور الخلق وهذا لا يتفق للعبد إذ سيده مالك له يقطع عليه النظر في مهمات الخلق باشتغاله في تصرفاته . واعتباره في الروح لا يوجد أشد حرية منه ولا أكمل، إذ ليس لأحد عليه ملك إلا الله تعالی..

وكيف يتصور ذلك وهو أول المحدثات، وكون الإمام مستغرقا في مهمات الخلق فكذلك الروح مستغرق في مهمات ملكه .

قال الله تعالى : "يسبحون الليل والنهار ولا يفترون" (الأنبياء: 20].

الشرط الرابع - الذكورية:

فإن الإمامة لا تنعقد لامرأة، والذي منع من ذلك أنه ليس لها منصب القضاء ولا منصب الشهادات في أكثر الحكومات شرعا واعتبارها هذا بين بنفسه لا يحتاج إلى شرح . والذي منع أن تكون النفس إمامة وإن اتصفت بصفات الكمال.

فإنها في الكون تحت حجاب الصوت، وهي کريمة هذا الإمام، وهي محل الفجور والتقوى، والعلة مطردة في الخلافتين معا.

الشرط الخامس - النسب:

اعتباره الدخول في المقامات المحمدية وهي الدورة الثانية الإلهية التي حضرته الأولية والآخرية، بعث آخرا وقيل له متى كنت نبيا؟

قال : وآدم بين الماء والطين؛ فانتهت في عیسی علم الدورة من آدم..

وكذلك جعله في كتابه كما قال تعالى : "إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب " [آل عمران: 59] فختم بمثل ما به بدأ.

واختصت الدورة الثانية الحاكمة على الكل، المحمدية المحيطة بجوامع الكلم؛ وهي الدورة التي من الشرق إلى الغرب. فكما أن محمدا عم أرسل إلى الكافة كذلك الروح أرسل إلى كافة البدن..

وفي هذا سر عجیب نذكره في غير هذا الكتاب، فهذا فائدة النسب للروح.

الشرط السادس سلامة حاسة السمع والبصر:

إذ الأعمى والأصم لا يتمكن من تدبير نفسه فكيف يدبر غيره. واعتباره في الروح سماعه بالحق ونظره بالحق، فتقدس عن الآفات وتنزه..

قال صلى الله عليه وسلم مخبرا عن ربه : «ولا يزال العبد يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به»..

وهنا سر يبحث عنه فإنه كذلك كان. فمن كان الحق سمعه وبصره کیف لا يدبر نفسه وغيره.

الشرط السابع والثامن النجدة والكفاية:

وهما من صفات الأرواح، ألا ترى أن الله تعالى لما أراد نصرة عباده أمدهم بملائكته وأيدهم بهم..

قال تعالى : "إني ممدكم بألف من الملائكة مردفين "[الأنفال : 9].

وقال : "وأيدهم بروح منه" [المجادلة : 22].

الشرط التاسع - العلم:

وهذا قد ظهر في آدم عم حين علم الأسماء كلها فلا يحتاج ذكره ..

الشرط العاشر - الورع :

وهو منبعه وإليه مرجعه إذ الشريعة رداؤه والحقيقة إزاره .

فقد تكملت الشرائط في هذا الخليفة، وصحت خلافته وانعقدت إمامته..

قلنا : فلنرجع إلى السبب الذي لأجله وقعت الحروب والفتن بينهما .

فأقول: إن السبب في ذلك طلب الرئاسة على هذا الملك الإنساني؛ فإذا أصبحت الرئاسة لأحدهم عليه سعي في نجاته وإقامته، وحمى دياره وأعلى مناره وحجبه عن الأسباب الرديئة له في الدارين على حسب ما يتخيله أو يعلمه..

واعلم أن سبب نجاته من كل أمر مهلك هو طاعته لأمر داع من خارج يقال له الشرع، عرفه الروح إذ هو من جنسه ؛ وجهله الهوى..

فالهوى يتخيل له أن النجاة في حيزه؛ والروح يعلم أن النجاة في حيزه ؛ فنش الخلاف و وقع الشتات .

والذي دعا إلى ذلك أن حقيقة الأمرين مختلفان فلما جاء الداعي من خارج نظرا إلى نتيجة ذلك الأمر فوجدا له نتيجتين:.

في الواحدة الهلاك وفي الأخرى النجاة ؛ فطلب کل منهما سبيل النجاة وتجنب المهلكات على حسب ما اقتضته الحكمة الإلهية ..

وكل لو ترك والاعتذار لكانت له حجة ما، ولكن حسمها الحق جل اسمه بحجته البالغة حيث قال :"لا يسأل عما يفعل وهم يسألون" [الأنبياء: ۲۳]..

وهؤلاء للجنة ولا أبالي، وهؤلاء للنار ولا أبالي وجف القلم.

فنقول إن الروح حقيقته نور والهوى حقيقته نار، وكل واحد منهما يتنعم من وجوه في وجوده إذ هي صفته النفسية.

وإلا فلو تيقن من حقيقته نارا أنه يتعذب بها وأن الفاعل قادر على ذلك ، لطلب الفرار إلى محل وجود النور ولو تحقق فيه النجاة؛ لكن جهل ذلك فكل داع إلى مقامه بل النار تتعذب بالنور .

... كما تضر رياح الورد بالجعل."الجعل نو من الخنافس"

فإذا كان يتعذب بالنور يتخيل أن هذا الملك الإنساني يتعذب أيضا بالنور فهو أبد يطلب أن يخرجه من النور، ويحجبه عنه بالأفعال التي تؤديه إلى الخروج عنه، وهي الشهوات التي حفت النار بها، فمن وردها فقد ورد النار .

ويطلب أيضا الروح الذي هو نور مثل ذلك، وكل واحد منهما ينظر في الأسباب الموصلة هذ الملك الإنساني إلى حزبه، فيعرضها عليه ويحليه بها، وقد صح عندهما أنه متى تحلى أو اتصف بوصف ما كان ملكا لصاحب هذا الوصف، فكان المستولي عليه فوقعت الفتن والحروب .

ولو ترك كل واحد منهما النظر من نفسه ونظر إلى هذا الداعي من خارج، الذي هو الشارع.

وقال : وجدت داعيا من خارج ثبت صدقه وعصمته ؛ فما قال فيه النجاة فهو ذلك، وما قال فيه الهلاك فهو ذلك لوقع التسليم والانقياد، وارتفعت الفتنة وحصل الملك في حزب النجاة..

لكن هذا لا يصح أبدا إذا كانت تزول حقيقة الهوى فإنه عين المخالفة ، فلو علمت انعدم وذهب، لكن الله تعالى من هذا تدبير عجيب، يحجب عن من يشاء ويكشف لمن يشاء، "لا يسأل عما يفعل وهم يسألون".

"ولله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم، ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة، ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك" [هود: 118].

وهم أهل الجمع ولذلك خلقهم لتظهر أسماؤه في الوجود، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.

والحمد لله رب العالمين .


jQPZLtjDyhw

 

 

البحث في نص الكتاب


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!