موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

الباب الثالث في إقامة مدينة الجسم وتفاصيلها من جهة كونها ملكا لهذا الخليفة

 

 


اعلم أن الله سبحانه لما أوجد هذا الخليفة الذي ذكرناه آنفا بني له مدينة يسكنه رعيته وأرباب دولته، تسمى حضرة الجسم والبدن..

وعين للخليفة منها موضعا إما أن يستقر فيه على مذهب من قال إنه متحيز، أو يحل فيه على قول من قال إنه قائم بمتحيز .

وإما أن يكون ذلك الموضع المعين له موضع أمره وخطابه و نفوذ أحكامه وقضاياه ، على قول من أثبته غیر متحيز ولا قائمة بمتحيز..

فأقام له سبحانه مدينة الجسم على أربعة أعمدة وهي الاسطقسات والعناصر، وسمى سبحانه الموضع المعين للخليفة منه القلب، وجعله مسكن الخليفة أو موضع أمره على ما ذكرناه من الخلاف.

"الأُسْطُقُسّات =الأَصل البسيط يتكون منه المركَّب . ويقصد به : العناصر الأَربعة عند القدماء ، وهي الماء والهواء والنار والتراب ."

وقال قوم إن مسكنه الدماغ ؛ والأظهر عندي من طريق التنبيه والاستقراء لا من جهة البرهان، أنه القلب شرعة لقوله صلى الله عليه وسلم مخبرا عن ربه :

«ما وسعني أرضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي المؤمن».

"أخرجه الزبيدي في (إتحاف السادة المتقين 7/ 237)، وعلى القاري في (الأسرار المرفوعة 260، 310، 367 ). والفتني في (تذكرة الموضوعات 30)، (أحادیث القصاص 1)، والعجلوني في (کشف الخفاء 2/ 283)، والسيوطي الحلبي في (الدر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة 139).".

وقال : "إن الله تعالى لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أعمالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم"..

أخرجه مسلم وابن ماجة وابن حنبل .

وذلك أن المستخلف إنما نظره أبدا إلى خليفته ما يفعله فيما قلده ؛ والله سبحانه قد استخلف الأرواح على الأجسام .

 ومما يؤيد ما ذهبنا إليه قوله تعالى : "ولكن تعمى القلوب التي في الصدور [الحج: 46]؛ وليست الإشارة للقلب النباتي فإن الأنعام يشاركوننا في ذلك السر . لكن للسر المودع فيه وهو الخليفة، والقلب النباتي قصره.

وقال : «إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح سائر الجسد، وإذا فسدت فسد سائر الجسد أل وهي القلب» ..

فالقلب النباتي لا فائدة له إلا من حيث هو مكان لهذا السر المطلوب، المتوجه إليه الخطاب، والمجيب إذا ورد السؤال، والباقي إذا فني الجسم..

والقلب النباتی فنقول كذلك إذا صلح الإمام صلحت الرعية، وإذا فسد فسدت ؛ بذا جرت العادة وارتبطت الحكمة الإلهية.

قال المؤلف رضي الله عنه : سر فساده وصلاحه المرتبط بصلاح الرعية وفسادها سبب ذلك أن الله تعالى إذا ولي خليفة قومة فإنه يعطيه أسرارهم وعقولهم فيكون إذ ذاك مجموع رعيته؛ فمتى خانهم في أسرارهم وعقولهم ظهر ذلك عليهم؛ وإن اتقى الله في ذلك ظهر ذلك عليهم.

وقد تكون أسرار رعيته حين تعطاه رذلة ناقصة، ولهذه الإشارة قوله : «مثل ما تكونون يولى عليكم»..

فإن غلب عليها صلاح الإمام صلحت، وظهر أثر ذلك في الرعية وأرباب الدولة بمشيئة غيبية إلهية يجدها الإنسان في نفسه بعد أن لم تكن، ولا يدري من أين وردت عليه، ول كيف حصلت له ؛ فهذا سر قوله : «إذا حصلت صلح سائر الجسد».

قال المؤلف رضي الله عنه : ثم بني الله سبحانه له متنزها مشرفا عجيبا عاليا، في أرفع مكان في هذه المدينة، سماه الدماغ..

وفتح له فيه طاقات و خوخات "ابواب صغيرة جزءا من أبواب كبيرة " يشرف منها على ملكه، وهي الأذنان والعينان والأنف والفم.

ثم بني له في مقدم ذلك المنتزه خزانة سماها خزانة الخيال ، جعلها مستقر جباياته وموضع رفع ولاة الحس؛ وفيها تخزن جبايات المبصرات والمسموعات والمشمومات والمطعومات والملموسات وما يتعلق بها .

ومن تلك الخزانة تكون المرائي والأحلام التي يراها النائم؛ وكما أن في الجبايات حلالا وحراما كذلك في المرائي مبشرات وأضغاث أحلام .

وبني في وسط هذا المنتزه خزانة الفكر الذي ترتفع إليه المتخيلات فيقبل منه الصحيح ويرد الفاسد.

وبني له في آخر هذا المنتزه خزانة الحفظ؛ وجعل هذا الدماغ مسکن الوزير الذي هو العقل ؛ وله باب في داخل الكتاب يخصه، فأضربنا هنا عن ذكره.

ثم أوجد له النفس وهي محل التغيير والتطهير ، ومقر الأمر والنهي؛ وهي الليلة المباركة التي فيها يفرق كل أمر حكيم؛ وحظها من العالم العلوي الكرسي، كما أن الروح محله العرش من ذلك العالم؛ والنفس هي كريمة هذا الخليفة وحرته.

وقد أشار إلى ذلك الإمام أبو حامد الغزالي في قوله إن الروح نکح النفس فتولد ما بينهما الجسم.

فقال مشيرا إلى ذلك في خطبة «لباب الحكمة» له: «ربنا ورب آبائنا العلويات وأمهاتن السفليات».

ولكن المتصوفة اصطلحوا على كل فعل فيه حظ لكون من الأكوان أنه نفسی ، یعنی أنه عن أمر النفس سواء كان ذلك الفعل محمودة أو مذموما، وكل م ليس فيه حظ إلا لله تعالى فهو روح.

وأن الإنسان له ثلاث أنفس:.

نفس نباتية وبها يشترك مع الجمادات .

ونفس حيوانية وبها يشترك مع البهائم.

ونفس ناطقة وبها ينفصل عن هذين الموجودين ويصح عليه اسم الإنسانية؟.

وبها يتميز في الملكوت، وهي الكريمة التي ذكرناها تحت هذا الخليفة .

قال المؤلف رضي الله عنه: ثم أوجد الله من تمام النعمة على الإنسان، وإكمال النسخة على الاستيفاء في هذه المملكة، أميرا قويا مطاعا، كثير الرجل والخيول، قوي العدد والعدد، منازعا لهذا الخليفة : سماه الهوى؛ ووزيرا سماه شهوة .

فبرز يوما في أجناده وخيوله يتنزه في بعض بساتينه، فأشرفت النفس التي هي حرة الخليفة عليه ، فتراءت ونظر كل واحد منهما لصاحبه فعشقها الهوى.

فأعمل الحيلة في الاجتماع بها ؛ فما زال يستنزلها ويستعطفها ويبسط لها حضرته ، ویهادیها بأحسن ما عنده .

ولم تزل رسل الأماني وسفراء الغرور تمشي بينهما، حتى قالت إليه وانقادت له ؛ وملكه الإحسان والخليفة غافل عن هذا.

والعقل الذي هو وزيره قد شعر بذلك، وهو يسوس الأمر ويخفيه عسى لا يشعر بذلك الخليفة وترجع عما هي عليه .

فصارت النفس بين أميرين قويين مطاعين، هذا يناديها وهذا يناديها، والكل بإذن الله تعالى الأصلي "قل كل من عند الله" (النساء : 78). "وکلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك" [الإسراء: 20]. "فألهمها فجورها وتقواها" [الشمس: 8]. في إثر قوله "ونفس وم سواها " [الشمس: 7)..

ولهذا جعلناها محل التطهير والتغيير : فإن أجابت الهوى كان التغيير وحصل لها اسم الأمارة بالسوء؛ وإن أجابت العقل كان التطهير وصح لها اسم المطمئنة شرعا لا توحيدة.

ووقوع هذا الأمر لحكمة لطيفة وسر عجيب ، وهو أن الله سبحانه لما أوجد هذ الخليفة على ما وصفناه من الكمال، أراد أن يعرفه سبحانه مع ذلك أنه فقير ولا حول ولا قوة إلا لسيده الرب تعالى .فلهذا أوجد له منازعة ينازعه فيما قلده ..

فلما رأى الروح أنه ينادي والنفس لا تجيبه وقد قيل له هو ملكك، قال لوزيره: م السبب المانع لها من إجابتي؟.

فقال له العقل: أيها السيد الكريم، إن في مقابلتك موجود أقام لها في مقامك.

أميرا قويا مطاعا صعب المرتقى عزیز المنال، يقال له الهوى، عطيته معجلة مشهورة.

فأرسل وزيره إليها، فبسط لها حضرته وعجل لها أمنيتها في أوحي زمان ؛ فأجابت لدعائه وانقادت له، وحصلت تحت قهره، وأتبعها أجنادك وبادية رعيتك وما بقي لك من مملكتك إل أرباب دولتك، المتحققون بحقائقك والمختصون بك، وها هو قد نزل بفناء بصرك ليخربه ويخرجك عن ملكك ويستولي على عرشك ؛ فدارك يا أخي، دارك قبل نزول الهلاك.

قال المؤلف رضي الله عنه : فرجع الروح بالشكوى إلى الله القديم سبحانه ، فثبتت له في نفسه عبوديته بالافتقار والعجز والذلة وتحقق التميز، وعرف قدره فذلك كان المراد..

فإن الإنسان لو نشأ على الخير والنعم طول عمره لم يعرف قدر ما هو فيه حتى يبتلي فإذا مسه الضر عرف قدر ما هو فيه من النعم والخيرات، فعرف عند ذلك قدر المنعم.

قال المؤلف رضي الله عنه : فلما رجع الروح بالشكوى إلى ربه صار واسطة بينها وبينه، فقال لها : "يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية، فادخلي في عبادي وادخلي جنتي" [الفجر:27 - 30]..

فلما أتاها النداء برفع الوسائط جنت و أنت واشتاقت ، فأجابت و أنابت بالعناية الإلهية .

السلام فصار منادي الروح أصلا من نفسها ومنادي الهوى أجنبيا عنها فالأصل حاصل والأجنبي غير حاصل، فاشتاقت أن تعرف ما لم تعرف فأجابته لترى ما تم كما أجابت حواء إبليس في أكل الشجرة..

ومن هنا وقعت بين الهوى والعقل الوقائع والحروب والفتنة على هذا الملك الإنساني.

وقد يستولي أحدهما عليه وقد يؤخذ منه، فيعزله ويأسره وربما يقتله في حق شخص ما، هكذا استمرت الحكمة الإلهية حتى العرض الأكبر.

وربما يملك أحدهما البادية والاخر الحاضرة؛ وقد يملك أحدهما الملك كله ظاهر وباطنا.

فأما العصاة فإن سلطان الهوى مالك باديتهم وسلطان العقل مالك حاضرتهم .

وأما المنافقون فإن العقل مالك باديتهم والهوى مالك حاضرتهم.

وأما المؤمنون المعصومون والمحفوظون فالعقل مالكهم بادية وحاضرة..

وأما الكافرون فالهوى مالكهم بادية وحاضرة .

فإذا كان في الدار الآخرة وذبح الموت وتميز الفريقان ونفذ حكم الله، ألحق العصاة بالمؤمنين المعصومین؛ فحصل لهم النعيم الدائم.

وألحق المنافقين بالكافرين فحصل لهم العذاب اللازم.

فلم يغن المنافق عمله من الله شيئا، فإن التوحيد أصل والعمل فرع؛ فإن اتفق في الفرع شيء يفسده ويهلکه جبره الأصل كالعصاة، وإذا خرب الأصل لم ينفعه الفرع كالمنافق.

فهذا الملك الإنساني تصرفه في الدنيا على أربع أطباق لا بد من أحدها في حق كل شخص:.

إما مؤمن معصوم.

ومحفوظ.

وإما کافر أو مشرك أصلا.

وإما منافق وإما عاص.

وإذ قد تقرر هذا وثبت، فلنذكر الآن السبب الذي لأجله نشأت الفتن والحروب بين العقل والهوى إذ هذا موضعه ؛ لا والله يقول الحق وهو يهدي السبيل [الأحزاب: 4].


ukSb6ody5ZA

 

 

البحث في نص الكتاب


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!