موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

إشارات في تفسير القرآن الكريم

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

مستخلصة من الفتوحات المكيّة وكتبه الأخرى

سورة البقرة (2)

 

 


الآية: 171 من سورة البقرة

وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلاَّ دُعاءً وَنِداءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ (171)

فأصمهم اللّه وأعمى أبصارهم وختم على ألسنتهم ، فما تلفظوا بما دعاهم إليه أن يتلفظوا به ، فإنه لا فرق بين الصمم الذي لا يسمع كلام المخاطب ، وبين من يسمع ولا يفهم

من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
الحاضرين وخاطبهم ، وفي الحقيقة إنهم مشاهدون له وحاضرون عنده ، فإنه قد أخبر بأخذ الميثاق عليهم ، وقد ورد في الصحيح أن النبي صلّى اللّه عليه وسلم رأى أسودة عن يمين آدم وعن يساره ، وذكر أنها نسم بنيه ، فصح أن يقول لهم مخاطبا «إِنَّما يَأْمُرُكُمْ» يعني الشيطان «بِالسُّوءِ» أي بما يسوءكم عاقبته في الدار الآخرة «وَالْفَحْشاءِ» أي بما يفحش ذكره ويقبح ، وهو العمل بمعاصي اللّه «وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ» من تشريعكم لأنفسكم ما لم يأذن به اللّه ، فتقولون هذا حلال وهذا حرام ، وتقولون هو من عند اللّه وما هو من عند اللّه ، وتقولون على اللّه الكذب افتراء ، فجعل هذا كله من أمر الشيطان لهم في نفوسهم ، وهو لمته ووسوسته (171) «وَإِذا قِيلَ لَهُمُ» الآية ، الضمير يعود على المقلدة لا على علماء الكفار «اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ» بدلا من اتباعكم ما أمركم به الشيطان في قلوبكم «قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا» أي ما وجدن «عَلَيْهِ آباءَنا» من الدين ، ولذا قلنا إن الضمير يعود على المقلدة ، وإن عاد على الجميع فيكون هذا القول من مقلديهم خاصة ، وفي هذا تحريض على النظر في الأدلة وذم التقليد في الأصول والفروع ، فإنه عمّ بقوله : «ما أَنْزَلَ اللَّهُ» فدخل تحته جميع الأحكام ، وهو الأوجه ، فإن الأصول تثبت بالأدلة العقلية ، ولا يحتاج فيها إلى إنزال وحي من اللّه ، بخلاف الفروع فإنها لا تعلم إلا بإنزال وحي من اللّه ، وهو قوله : «اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ» فعمّ ، وحمله على ذم التقليد في الفروع أوجه وأولى ، فلا يبقى من التقليد إلا نقل الدليل من المفتي إلى السائل عن اللّه ، أو عن رسوله ، أو الإجماع في المسألة التي يسأل فيها ، فلو قال له المفتي هذا الحكم رأيي حرم عليه اتباعه والأخذ به ، فليس في الشرع من التقليد محمود غير هذا ، لأنه لا بد منه ، ثم قال : «وَلَوْ كانَ» فأتى بهمزة الرد والتعجب من فعلهم ذلك وتقليدهم إياهم ، والواو للحال ، أي تتبعون آباءكم ولا تعرفون هل كانوا على الصواب فيما دانوا أنفسهم به للّه إن كان عن نظر في أدلة أو كانوا على خطأ في ذلك ، والآيات بين أيديكم والمعجزات ، فلم لا تنظرون فيها ، فقال : «وَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ» فهو توبيخ وتعجب من قلة استعمالهم لعقولهم فيما تكون فيه سعادتهم ، ثم شبههم وشبّه الرسول في دعائه إياهم ، فذكرهم دون الداعي لدلالة المعنى عليه ، فقال : (172) «وَمَثَلُ الَّذِينَ

أو لا يجيب إذا اقتضى الإجابة فلا يعقل إلا من سمع «فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ» عن اللّه ، فإن من عقل المطلوب منه فيما أسمعه أن يرجع ، فهم لا يرجعون إلى اللّه ، وو اللّه إن عيونهم لفي وجوههم ، وإن سمعهم لفي آذانهم ، وإن ألسنتهم لفي أفواههم فهم لا يعقلون ، والعقل من العقال ، أي لا يتقيدون بما أريد له المسموع ولا المبصر ولا المتكلم به ، فهم لا يعقلون أن ذلك المصوت به حق فيما يدعوه إليه ، فمن أعجب الأشياء وصف السامع بالصمم والبصير بالعمى والمتكلم بالبكم ، فما عقل ولا رجع وإن فهم.

________________________________________________

من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعاءً وَنِداءً» يحتمل هذا المثل وجهين : الوجه الواحد أنه ضربه مثلا للرسول الذي يدعوهم إلى الحق ولهم ، والوجه الآخر أنه ضربه مثلا للكافرين ولمن اتخذوه إلها من دون اللّه ، وهل الضمير في كفروا يعود على الناس الكافرين كلهم من أهل الملل ، أو يعود على كفار اليهود خاصة ، فنقول : إن كان المثل للرسول ولهم فيكون معناه : ومثل الذين كفروا ومثل دعاء الرسول لهم كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء ، فعند غير أهل طريقنا خرج عباد الأصنام والأوثان من هذا المثل ، وعندنا لم يخرج منهم أحد عن هذا المثل ، فإن الأصنام عندنا تسمع وتشهد على متبعيها ، كما ورد في أنه يشهد للمؤذن مدى صوته من رطب ويابس ، وتسبيح الحصى في كف النبي عليه السلام ، فخرق العادة عندنا لم يكن في تسبيح الحصى ، وإنما كان في إدراكنا ما لم نكن قبل ندركه ، قال تعالى : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ) فجرى المثل على كل من عبد غير اللّه ممن هو بهذه الصفة ، وليس التشبيه هنا براعي الغنم والإبل ، فإنها تفهم عن الراعي إذا نعق بها ما يريد بذلك ، من مشي وورود ماء ونهي عن أكل ، وإنما الأوجه نداء الشخص بالوحوش الشاردة ، فإذا سمعت نداء تخيلت أنه الصائد فندت وشردت عن ندائه ، كذلك الرسول يريد أن يوقعهم في حبالة الإيمان ويقيدهم عن مسارحهم التي كانوا فيها ، فيشردون عند دعائه خوفا من ذلك ، ويكون التشبيه مطابقا ، والوجه الآخر أن شبههم في دعائهم آلهتهم إذا لجئوا إليها في أوقات ضروراتهم ، فلا يجيبونهم ، كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء ، وهم كما قلنا الوحوش الشاردة ، فإذا سمعت آلهتهم أصواتهم بنسبة الألوهية لهم فرقوا من ذلك ، وتبرءوا إلى اللّه من مقالتهم ، وهم لا يشعرون ، فإنهم لا يحسون بذلك منهم ، وقد ختم اللّه عليهم ، فلا يجيبونهم إلا بأمر اللّه ، وقوله : «إِلَّا دُعاءً وَنِداءً» كلام صحيح ، فإن السمع إنما متعلقه الصوت ، والفهم من قوة أخرى وهو العقل ، فذكر إدراك النداء والدعاء ، وما ذكر إدراك المعنى المقصود من ذلك الدعاء ، وقوله : «صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ» تقدم الكلام في تفسيره ، وقوله : «فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ»


المراجع:

(171) الفتوحات ج 4 / 25 ، 233- مواقع النجوم - ج 3 / 13 - إيجاز البيان - ج 3 / 393

 

 

البحث في التفسير


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!