The Greatest Master Muhyiddin Ibn al-Arabi
The Greatest Master Muhyiddin Ibn al-Arabi

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

إشارات في تفسير القرآن الكريم

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

مستخلصة من الفتوحات المكيّة وكتبه الأخرى

سورة النور (24)

 

 


الآيات: 34-35 من سورة النور

وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ آياتٍ مُبَيِّناتٍ وَمَثَلاً مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (34) اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35)

[ " اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ " ]

-الوجه الأول - «اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ» لا نقول فيه كما قال المفسرون معناه منور أو هاد ، فذلك له اسم خاص وهو الهادي الذي هداهم لإباءة حمل الأمانة ، وإلى الإتيان بالطاعة لأمره ، وأما هنا فما قال : إلا أنه نور السماوات والأرض ، والنور النفور ، ويؤيد ذلك التشبيه بالمصباح على الوصف الخاص ، فإن مثل هذا النور المصباحي ينفر ظلمة الليل ،

بل هو عين نفور ظلمة الليل مع بقاء الليل ليلا ، فإنه ليس من شرط وجود الليل وجود الظلمة،

وإنما عين الليل غروب الشمس إلى حين طلوعها سواء أعقب المحل نور آخر سوى نور الشمس أو ظلمة ،

فقد يكون الليل ولا ظلمة كما أنه قد يكون النهار ولا ضوء ، فإن النهار ليس إلا زمان طلوع الشمس إلى غروبها وإن طلعت مكسوفة فلا يزول الحكم عن كون النهار موجودا ، ولما فصل الحق إضافة النور إلى السماوات وهو ما غاب من القوى


وعلا ، وإلى الأرض وهو ما ظهر من القوى الحسية ودنا ، قال اللّه تعالى : إنه عين نفورها عن ذاتها ، فلم يشهد إلا هو ، فهو عين السماوات والأرض ، فإن الخلق ظلمة ولا يقف للنور فإنه ينفرها ،

والظلمة لا ترى النور ، وما ثمّ إلا نور الحق ، فمن النور ما يدرك به ولا يدرك في نفسه ، والنور لا يرى أبدا ، والظلمة وإن حجبت فإنها مرئية للمناسبة التي بينها وبين الرائي ، فإنه ما ثمّ ظلمة وجودية إلا ظلمة الأكوان ، فكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم يقول في دعائه : واجعلني نورا ، فكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم يطلب بهذا الدعاء أن يكون الحق بصره حتى يراه به ،

ولهذا قال صلّى اللّه عليه وسلم : [ نور أنّى أراه ] فإنه ما رآه مني إلا هويته ، وظلمتي لا تدركه ، فقال «اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ» فهو الذي أنارت به العقول العلوية ، وهو قوله : السماوات ، والصور الطبيعية وهو قوله «وَالْأَرْضِ»

- الوجه الثاني - «اللَّهُ نُورُ» تسمى الحق بالنور ولم يتسم بالظلمة إذ كان النور وجودا والظلمة عدما ، وإذ كان النور لا تغالبه الظلمة بل النور الغالب ، كذلك الحق لا يغالبه الخلق بل الحق الغالب ، فسمى نفسه نورا ، فهو أصل الموجودات كلها من اسمه النور «السَّماواتِ» وهي ما عل «وَالْأَرْضِ» وهي ما سفل ، فالأجسام الطبيعية أصلها النور ، والطبيعة نور في أصلها ، فأول موجود العقل وهو القلم وهو نور إلهي إبداعي ، وأوجد عنه النفس وهو اللوح المحفوظ ، وهي دون العقل في النورية للوساطة التي بينها وبين اللّه ، وما زالت الأشياء تكثف حتى انتهت إلى الأركان والمولدات ، وبما كان لكل موجود وجه خاص إلى موجده به كان سريان النور فيه ، وبما كان له وجه إلى سببه به كان فيه الظلمة والكثافة ما فيه ، فلهذا كان الأمر كلما نزل أظلم وأكثف ،

فأين منزلة العقل من منزلة الأرض ؟ كم بينهما من الوسائط ؟

والإنسان آخر مولد فهو آخر الأولاد ، مركب من حمأ مسنون صلصال ، فيه من الأنوار المعنوية والحسية والزجاجية ما فيه ، مما لا تجده في غيره من المولدات بما أعطاه اللّه من القوى الروحانية ، فما قبلها إلا بالنورية التي فيه ، فلو لا النورية التي في الأجسام الكثيفة ما صح للمكاشف أن يكشف ما خلف الجدران وما تحت الأرض ،

فلا يدرك الشيء إن لم يكن فيه نور يدرك به من ذاته ، وهو عين وجوده واستعداده بقبول إدراك الأبصار بما فيها من الأنوار له ، واختص الإدراك بالعين عادة ، وإنما الإدراك في نفسه إنما هو لكل شيء ، فكل شيء يدرك بنفسه وبكل شيء ألا ترى الرسول صلّى اللّه عليه وسلم كيف كان يدرك من خلف ظهره كم


كان يدرك من أمامه ، ولم يحجبه كثافة عظم الرأس وعروقه وعظامه وعصبه ومخه ، وذلك خرق عادة لقوة إلهية أعطاه اللّه إياها ولبعض الأشخاص ، ومن هذا نعلم أن خلق الأجسام الطبيعية أصلها من النور ، ولذلك إذا عرف الإنسان كيف يصفّي جميع الأجسام الكثيفة الظلمانية أبرزها شفافة للنورية التي هي أصل ،

مثل الزجاج إذا خلص من كدورة رمله يعود شفافا ، وما ترى جسما قط خلقه اللّه وبقي على أصل خلقته مستقيما قط ، ما يكون أبدا إلا مائلا للاستدارة ، لا من جماد ولا من حيوان ولا سماء ولا أرض ولا جبل ولا ورق ولا حجر ، وسبب ذلك ميله إلى أصله وهو النور

- الوجه الثالث -لولا النور ما ظهر للممكنات عين ، ولولا ما أنت في نفسك ذو نور عقلي ما عرفته وذو نور بصري ما شهدته ، فما شهدته إلا بالنور ، وما ثمّ نور إلا هو ، فما شهدته ولا عرفته إلا به ، فهو نور السماوات من حيث العقول ، والأرض من حيث الأبصار ، وما جعل اللّه عزّ وجل صفة نوره إلا بالنور الذي هو المصباح ، وهو نور أرضي لا سماوي ، فشبه نوره بالمصباح لأنه لولا نزوله إلينا ما عرفناه .

فلو لا النور لم تشهده عين ***ولولا العقل لم يعرفه كون

فبالنور الكوني والإلهي كان ظهور الموجودات التي لم تزل ظاهرة له في حال عدمها ، كما هي لنا في حال وجودها ، فنحن ندركها عقلا في حال عدمها وندركها عينا في حال وجودها ، والحق يدركها عينا في الحالين ، فلو لا أن الممكن في حال عدمه على نور في نفسه ما قبل الوجود ولا تميز عن المحال ، فبنور إمكانه شاهده الحق ، وبنور وجوده شاهده الخلق ،

فبين الحق والخلق ما بين الشهودين ، فالحق نور في نور ، والخلق نور في ظلمة في حال عدمه ، وأما في وجوده فهو نور على نور ، لأنه عين الدليل على ربه ، ولما كان الحق لا يتمكن أن يشهد ويعلم إلا بضرب مثل ، لهذا ضرب اللّه لنا المثل ، وجعل لنا مثل نوره في السماوات والأرض

«كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ

"والزيت مادة الأنوار ، وهو مثل للإمداد بالنور الإلهي الذي أودع اللّه في الزيت لبقاء النور ،

ثم ثم قال الشيخ ابن عطاء الله رضي اللّه عنه : " نُورٌ عَلى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ "

من هذين النورين ، فيعلم المشبه والمشبه به «مَنْ يَشاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ» فجعله ضرب مثل للتوصيل ، ويجوز في ضرب الأمثال المحال الذي لا يمكن وقوعه ، فكم


لا يكون المحال الوجود وجودا بالفرض ، كذلك لا يكون الخلق حقا بضرب المثل ، فما هو موجود بالفرض قد لا يصح أن يكون موجودا بالعين ، ولو كان عين المشبه ضرب المثل ،

لما كان ضرب مثل إلا بوجه ، فلا يصح أن يكون هنا ما وقع به التشبيه وضرب المثل موجودا إلا بالفرض ، فعلمنا بضرب هذا المثل أننا في غاية البعد منه تعالى في غاية القرب أيضا ، ولهذا قبلنا ضرب المثل ، فجمعنا بين القرب والبعد ، وهو القريب البعيد ، قريب بالمثل بعيد بالصورة ،

لأن فرض الشيء لا يكون كهو ولا عين الشيء ، فهذه الآية من أسرار المعرفة باللّه تعالى في ارتباط الإله بالمألوه والرب بالمربوب ، فإن المربوب والمألوه لو لم يتول اللّه حفظه دائما لفني من حينه ، إذ لم يكن له حافظ يحفظه ويحفظ عليه بقاءه ، فمن فهم هذه الآية علم حفظ اللّه العالم ، فهو روح العالم الذي يستمد منه حياته ،

قال تعالى : «اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ» فلو احتجب اللّه عن العالم في الغيب انعدم العالم ، فمن هنا الاسم الظاهر حاكم أبدا وجودا ، والاسم الباطن علما ومعرفة ، فبالاسم الظاهر أبقى العالم ، وبالاسم الباطن عرفناه ، وبالاسم النور شهدناه ، ثم مثّل فقال : «مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ» وهي الكوة «فِيها مِصْباحٌ» وهو النور أي صفة نوره صفة المصباح ولم يقل صفة الشمس ، فإن الإمداد في نور الشمس يخفى ، بخلاف المصباح فإن الزيت والدهن يمده لبقاء الإضاءة ، فهو باق بإمداد دهني ، «مِنْ شَجَرَةٍ» نسبة الجهات إليها نسبة واحدة ، منزهة عن الاختصاص بحكم جهة ، وهو قوله «لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ» وهذا الإمداد من نور السبحات الظاهرة من وراء سبحات العزة والكبرياء والجلال ، فما ينفذ من نور سبحات هذه الحجب هو نور السماوات والأرض ، ومثله كمثل المصباح ، والنور الذي في الدهن معلوم غير مشهود ، وضوء المصباح من أثره يدل عليه ، وعلى الحقيقة ما هو نور وإنما هو سبب لبقاء النور واستمراره ، فالنور العلمي منفّر ظلمة الجهل من النفس ، فإذا أضاءت ذات النفس أبصرت ارتباطها بربها في كونها وفي كون كل كون ، وجعل هذا النور في مشكاة وزجاجة مخافة الهواء أن يحيره ويشتد عليه فيطفيه ، فكأن مشكاته وزجاجته نشأته الظاهرة والباطنة ، فإنهما من حيث هما معصومان ، فإنهما من الذين يسبحون بحمد اللّه الليل والنهار لا يفترون - فنور السّراج أدلّ على الحق من نور الشمس عند الناظرين بمشاهدتهم المادة التي بها بقاؤه - وأنزل الأنوار ما يفتقر إلى مادة وهو المصباح ، فإذا أنزل الحق نوره في التشبيه إلى مصباح وهو


نور مفتقر إلى مادة تمده وهي الدهن ، فما هو أعلى منه من الأنوار أقرب إلى التشبيه وأعلى في التنزيه ، وإنما أعلمنا الحق بذلك وجاء بكاف الصفة في قوله «كَمِشْكاةٍ» إلى آخر الآية ، إعلاما أنه نور كل نور ، بل هو كل نور ، وشرع لنا طلب هذه الصفة ، فكان صلّى اللّه عليه وسلم يقول: [ واجعلني نورا ]

وكذلك كان صلّى اللّه عليه وسلم ، وما ضرب اللّه المثل في هذه الآية للاسم اللّه وإنما عيّن سبحانه اسما آخر ، وهو قوله «نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ» فضرب المثل بالمصباح لذلك الاسم النور المضاف إلى السماوات والأرض ، أي هكذا فافعلوا ، ولا تضربوا الأمثال للّه فإني ما ضربتها ، فنهينا أن نضرب المثل من هذا الوجه إلا أن نعين اسما خاصا ينطبق المثل عليه ، فحينئذ يصح ضرب المثل لذلك الاسم الخاص ، كما فعل اللّه في هذه الآية ، فإنه تعالى هنا لم يطلق على نفسه اسم النور المطلق الذي لا يقبل الإضافة

وقال : «نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ» ليعلمنا ما أراد بالنور هنا ، فأثّر حكم التعليم والإعلام في النور المطلق الإضافة ، فقيدته عن إطلاقه بالسماوات والأرض ، فلما أضافه نزل عن درجة النور المطلق في الصفة ،

فقال : «مَثَلُ نُورِهِ» أي صفة نوره ، يعني المضاف إلى السماوات والأرض كمشكاة ، إلى أن ذكر المصباح ومادته ،

وأين صفة نور السراج - وإن كان بهذه المثابة - من صفة النور الذي أشرقت به السماوات والأرض ؟

فعلّمنا سبحانه في هذه الآية الأدب في النظر في أسمائه إذا أطلقناها عليه بالإضافة كيف نفعل ، وإذا أطلقناها عليه بغير الإضافة كيف نفعل ، مثل قوله: «يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ» فأضاف النور هنا إلى نفسه لا إلى غيره ، وجعل النور المضاف إلى السماوات والأرض هاديا إلى معرفة نوره المطلق ، كما جعل المصباح هاديا إلى نوره المقيد بالإضافة ، وتمم وقال: «وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ» ونهانا في موطن آخر فقال (فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) فإن اللّه اسم جامع لجميع الأسماء الإلهية ، محيط بمعانيها كلها ، وضرب الأمثال يخص اسما واحدا معينا ، فنهينا أن نضرب المثل من هذا الوجه إلا أن نعين اسما خاصا ينطبق المثل عليه ، فحينئذ يصح ضرب المثل لذلك الاسم الخاص كما فعل اللّه في هذه الآية ، وهذا مثل ضربه اللّه تعالى إخبارا بما هو الأمر عليه

فقال : «مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ»

فالمشكاة والزجاجة والمصباح والزيت أربعة ، مثل على الوجود القائم على التربيع ، وهو للحق كالبيت القائم على


أربعة أركان ، توقد من شجرة هويته ، مباركة فهي لا شرقية ولا غربية ، لا تقبل الجهات ، ومباركة في خط الاعتدال منزهة عن تأثير الجهات ؛ وعن هذه الزيتونة يكون الزيت وهو المادة لظهور هذا النور ، فالخامس للأربعة هو الهوية وهو الزيتونة المنزهة عن الجهات كنّى عنها بالشجرة ، من التشاجر ، وهو التضاد لما تحمله هذه الهوية من الأسماء المتقابلة كالمعزّ والمذلّ والضار والنافع ؛ فهي الخزانة للإمداد الإلهي للوجود الظاهر كله ، إمدادا باطنا بطون الزيت في الشجرة ، وقولنا مثل على الوجود القائم على التربيع ، فإن الحصر منع أن يكون سوى هذه الأربعة ،

فهو القائل تعالى : (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ) فهي أربعة لا خامس لها إلا هويته ، فما ثمّ في العالم حكم إلا من هذه الأربعة «يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ» نور المصباح ظاهر يمده نور باطن في زيت ، أي نور من نور ، فأبدل حرف من بعلى لما يفهم به من قرينة الحال ، وقد تكون على على بابها ، فإن نور السراج الظاهر يعلو حسا على نور الزيت الباطن وهو الممدّ للمصباح ، فلو لا رطوبة الدهن تمد المصباح لم يكن للمصباح ذلك الدوام ، وكذلك إمداد التقوى للعلم العرفاني الحاصل منها في قوله تعالى : (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ)

- الوجه الثاني- للّه في قلب العبد عينان :

عين بصيرة تنظر بالنور الذي يهدي به وهو علم اليقين ، وعين اليقين تنظر بالنور الذي يهدي إليه وهو نور اليقين ، فإذا اتصل النور الذي يهدي به بالنور الذي يهدي إليه ، عاين الإنسان ملكوت السماوات والأرض ، ولاحظ سر القدر كيف تحكم في الخلائق ، وهو قوله تعالى : «نُورٌ عَلى نُورٍ» لذلك قال تعالى : «يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ» وهو نور اليقين الذي تنظر به عين اليقين

- الوجه الثالث -نور الشرع صورة سراج مصباح لا تحركه الأهواء لكونه في مشكاة ، ومشكاته الرسول ، فهو محفوظ من الأهواء التي تطفيه ، وذلك المصباح في زجاجة قلبه ، وجسمه المصباح واللسان ترجمته ، والإمداد الإلهي زيته ، والشجرة حضرة إمداده ، فقال تعالى : «نُورُ» وهو النور المجعول (وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ) وهو الشرع الموحى به «عَلى نُورٍ» وهو النور الذاتي ، فاجتمع نور البصر مع النور الخارج وهو الشرع «يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ» وهو أحد النورين ، والنور الواحد مجعول بجعل اللّه على النور الآخر فهو حاكم عليه ، والنور المجعول عليه هذا النور متلبس به مندرج فيه ، فلا حكم إلا للنور المجعول وهو الظاهر ، وهذا حكم نور الشرع على نور العقل .


فليس له سوى التسليم فيه *** وليس له سوى ما يصطفيه

فإن أولته لم تحظ منه *** بعلم في القيامة ترتضيه

- الوجه الرابع - «نُورٌ عَلى نُورٍ» نور الشرع «عَلى نُورٍ» بصر التوفيق والهداية ، فإذا اجتمع النوران بان الطريق بالنورين ، فلو كان واحدا لما ظهر له ضوء ، ولا شك أن نور الشرع قد ظهر كظهور نور الشمس ، ولكن الأعمى لا يبصره ، كذلك من أعمى اللّه بصيرته لم يدركه فلم يؤمن به ، ولو كان نور عين البصيرة موجودا ولم يظهر للشرع نور بحيث أن يجتمع النوران فيحدث الضوء في الطريق لما رأى صاحب نور البصيرة كيف يسلك ، لأنه في طريق مجهولة لا يعرف ما فيها ولا أين تنتهي به من غير دليل موقّف ، ولما كان القرب بالسلوك والسفر إليه ، لذلك كان من صفته النور لنهتدي به في الطريق ، فإنه لولا ما دعاك وبيّن لك طريق القربة وأخذ بناصيتك فيها ما تمكن لك أن تعرف الطريق التي تقرب منه ما هي ، ولو عرفتها لم يكن لك حول ولا قوة إلا به

- الوجه الخامس - «نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ» الذي مثله بالمصباح شبّه النور الإلهي بنور المصباح وإن بعدت المناسبة ، ولكن اللسان العربي يعطي التفهم بأدنى شيء من متعلقات التشبيه ، فتكون المعارف على حسب ما وقع به التشبيه ، لأن المعارف متنوعة بالذي يريد صاحبها ، منها يدل عليه بأمر يناسبه - من وجه ما - مناسبة لطيفة لدلالة غيبية ، كما قال : «مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ» بشروطه من الزجاجة ، التنزيه الذي هو الجسم الشفاف الصافي ، فكان قوله في الزجاجة مقام الصفا ، في المشكاة مقام الستر من الأهواء ، فلم تصبه مقالات القائلين فيه بأفكارهم «يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ» وهو الإمداد «لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ» في مقام الاعتدال لا تميل عن غرض إلى شرق فيحاط بها علما ، ولا إلى غرب فلم تعلم رتبتها «نُورٌ عَلى نُورٍ» وجود على وجود ، وجود عيني على وجود مفتقر .

اللّه نور تعالى أن يماثله *** نور وقد لاح لي في نار نبراس

لو قال خلق به من دون خالقه *** لكفروه وما في القول من باس

لأنه مثل لو قلته قيل هل *** لداء هذا الذي قد قال من آسي

فالولي هو من يعرف ما ضرب اللّه له الأمثال ، فيشهد الجامع بين المثل وبين ما ضرب


له ذلك المثل ، فهو عينه من حيث ذلك الجامع ، وما هو عينه من حيث ما هو مثل ، ولذلك قال تعالى : «يَهْدِي اللَّهُ» بما ضربه لعباده من هذا النور بالمصباح «لِنُورِهِ» الممثّل به «مَنْ يَشاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ»

فهذا مصباح مخصوص ما هو كل مصباح ، فلا ينبغي أن يقال : إن نور اللّه كالمصباح من كونه يكشف المصباح كل ما انبسط عليه نوره لصاحب بصر ،

مثل هذا لا يقال : فإن اللّه ما ذكر ما ذكره من شروط هذا المصباح ونعوته وصفاته الممثل به سدى ، فمثل هذا المصباح هو الذي يضرب به المثل ، فإن اللّه يعلم كيف يضرب الأمثال- قراءة - العارف يقف في التلاوة على مصباح

ثم يقول : «الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ» فيكون حديثه مع المصباح لا مع النور الإلهي ، والآية مثل لقلب المؤمن التقي النقي الورع ، فليس له عامر إلا اللّه ، واللّه هو النور لأنه نور السماوات والأرض ، فمثل القلب بالمشكاة فيها مصباح وهو النور ، نور العلم باللّه ، وما بقي من الكلام فإنما هو من تمام كمال النور الذي وقع به التشبيه ، ما هو من التشبيه ، فلا تغلط فتخطئ الطريق إلى ما أبان الحق عنه في هذه الآية ، فالقلب مشبه بالمشكاة والمشكاة الكوة

- تفسير من مبشرة-رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم في المنام فقلت : قوله تعالى «يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ» إلى آخر الآية ، ما هذه الشجرة ؟ فقال : كنّى عن نفسه سبحانه ، لذلك نفى عنها الجهات ، فإنه لا يتقيد بالجهات ، والغرب والشرق كناية عن الفرع والأصل ، فهو اللّه خالق المواد وأصلها ، ولولا هو ما كانت - في كلام طويل وتفصيل واضح .


المراجع:

(35) الفتوحات ج 4 / 39 - ج 2 / 432 - ج 1 / 217 - ج 2 / 647 - ج 3 / 392 - ج 1 / 740 - ج 3 / 392 ، 65 - ج 2 / 154 - ج 1 / 659 - ج 2 / 154 - ج 1 / 394 ، 393 -ح 3 / 198 - ج 1 / 193">193 - ج 3 / 198 - ج 1 / 193">193 - كتاب التدبيرات الإلهية - الفتوحات ج 3 / 357 - ج 4 / 313 - ج 2 / 687 - ج 1 / 192- كتاب الأعلاق - الفتوحات ج 1 / 434 - الديوان / 136 - الفتوحات ج 4 / 345 - ج 4 / 421 -كتاب المبشرات

 

 

البحث في التفسير


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



Please note that some contents are translated Semi-Automatically!