موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

إشارات في تفسير القرآن الكريم

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

مستخلصة من الفتوحات المكيّة وكتبه الأخرى

سورة البقرة (2)

 

 


الآية: 187 من سورة البقرة

أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187)
«
أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ» أي الليلة التي انتهى صومكم إليها ، لا الليلة التي تصبحون

من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:

الرشد في ذلك (188) «أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ» كان الأمر قبل نزول هذه الآية في الصوم ، أن الصائم إذا صلى العشاء الآخرة ونام قبل أن يفطر حرم عليه ما يحرم على الصائم


ص 269

فيها صائمين ، فهي صفة تصحبكم إلى ليلة عيد الفطر ، ولو كانت إضافة ليلة الصيام إلى المستقبل لم تكن ليلة عيد الفطر فيها .

فإنك لا تصبح يوم العيد صائما ، ولو صمت فيه لكنت عاصيا ، ولا يلزم هذا في أول ليلة من رمضان ، فإن الأكل والشرب وأمثاله كان حلالا قبل ذلك ، فما زال مستصحب الحكم ، فلهذا جعلناه للصوم الماضي «الرَّفَثُ» يعني الجماع «إِلى نِسائِكُمْ» فجاء بالنساء ولم يقل الأزواج ولا غير ذلك ، فإن في هذا الاسم معنى ما في النسإ وهو التأخير ، فقد كنّ أخرن عن هذا الحكم الذي هو الجماع زمان الصوم إلى الليل ، فلما جاء الليل زال حكم التأخير بالإحلال ، فكأنه يقول إلى ما أخرتم عنه وأخرنا عنه من أزواجكم وما ملكت أيمانكم ممن هو محل للوطء[ «هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ» ] «هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ» المقصود بالضمير «هن» الزوجات ومن يحل جماعه ، فالمناسبة بينكم صحيحة ، ما هي مثل ما تلبستم بنا في صومكم حيث اتصفتم بصفة هي لي وهي الصوم ، فلستم لباسا لي ولست لباسا لكم ، فإن اللباس يحيط بالملبوس ويستره ، فهي تستره بنفسها وغطاها هو بذاته - إشارة لا تفسير- «هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ» الإشارة بهن إلى الأسماء الإلهية ، فهو تلبس الحق بالخلق في الصورة التي ظهر عنها الأثر في الشاهد ، كما ظهر عقلا عن الحق ، هن لباس لكم ، وأنتم لباس لهن ، تلبس الخلق في الفعل بالحق في الإيجاد بنسبة الفعل إلى الخلق.

من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:

من الأكل والشرب والنكاح ، وأن عمر بن الخطاب واقع أهله بعد صلاة العشاء ، فلما فرغ ندم وبكى وأخبر بذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم وقال: [ إني أعتذر إلى اللّه وإليك من نفسي هذه الخاطئة ، فهل تجد لي رخصة ] فقال له النبي صلّى اللّه عليه وسلم : [ لم تكن جديرا بذلك يا عمر - الحديث بطوله ] فأنزل اللّه «أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ» وهو كناية عن الجماع ، يقال الرفث والرفوث وهو الإفصاح بما يجب أن يكنى عنه في الجماع ، وقوله : «لَيْلَةَ الصِّيامِ» أي الليلة التي يصبحون في صبيحتها صائمين ، فكان لهم النوم وصلاة العشاء حدّا للمنع مثل ما صار طلوع الفجر بعد ذلك ، وما أنزل اللّه في هذه قضاء ذلك اليوم على عمر ولا غيره مما نزلت بسببه الآية ، فارتفع القضاء عن من جامع في رمضان وهو صائم ووجبت الكفارة بالسنّة ، ولم يثبت في ذلك حديث القضاء ، وقوله: «هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ» أي يلابس بعضكم بعضا ،

(1) لأن ليلة عيد الفطر يجوز الوصال فيها لصيام اليوم الذي قبله.

فإن قلت هذا الحق أظهرت غائبا * وإن قلت هذا الخلق أخفيته فيهفلولا وجود الحق ما بان كائن * ولولا وجود الخلق ما كنت تخفيه «عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ» من الخيانة لشهادتي عليكم حين قبلتم الأمانة لما عرضتها عليكم ، فكنتم تختانون أنفسكم لما حجر عليكم فيما حجره عليكم ، فما أراد هنا تعلق علمه تعالى بأنهم يختانون أنفسهم ، وإنما المستقبل هنا بمعنى الماضي ، فإن اللسان العربي يجيء فيه المستقبل ببنية الماضي إذا كان متحققا ، كقوله تعالى : (أَتى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ) وشبهه ، وقد كان الحق كلفهم قبل هذا التعريف أن لا يباشر الصائم امرأته ليلة صومه ، فمنهم من تعدى حد اللّه في ذلك ، فلما علم اللّه ذلك عفا عمّن وقع منه ذلك وأحلّ له الجماع ليلة صومه ، إلا أن يكون معتكفا في المسجد ، فما خفف عنهم حتى وقع منهم ذلك ، ومن من شأنه مثل هذا الواقع فإنه لا يزال يتوقع منه مثله ، فأبيح له رحمة به ، حتى إذا وقع منه ذلك كان حلالا له ومباحا وتزول عنه صفة الخيانة ، فإن الدين أمانة عند المكلف «فَتابَ عَلَيْكُمْ» أي رجع عليكم «وَعَفا عَنْكُمْ» أي بالقليل الذي أباحه لكم في زمان الإحلال الذي هو الليل ، وإنما جعله قليلا لبقاء التحجير فيه في المباشرة للمعتكف في المسجد بلا خلاف ، وفي غير المسجد بخلاف ، والمواصل «فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ» وهو زمان الفطر في رمضان «وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ» واطلبوا ما فرض اللّه من أجلكم حتى تعلموه فتعملوا

من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:

بالسكون ، فهي له شعار ، وهو لها دثار ، وإذا لابسها فقد خالطها واتحد بها ، وصورة ذلك أن الزوجين إذا اجتمعا مكافحة وامتص كل واحد منهما ريق صاحبه ، وسرى من نفسه فيه ، فحصل من ذلك . . . . . . ورطوبات ذلك الريق عند الامتصاص بالتقبيل في جسم كل واحد منهما روحا حيوانيا ، به حياة ذلك الشخص ، فهذا معنى «هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ» إذ الروح الحيواني هو البخار الخارج من تجويف القلب ، وذلك البخار هو الذي خرج من كل واحد منهما ودخل في جوف الآخر ، فكان روح كل واحد منهما روحا لصاحبه ، فاتحدت أرواحهما وتجاورت أجسامهما ، ثمّ قال : «عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ» أي تتعملون في اكتساب خيانة أنفسكم ، فإن التاء زائدة إذ الاختيان افتعال من الخيانة ، ومن رحمته أن قال : «تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ» ولم يقل [ تخونون اللّه ] إذ كان المؤمن لا يقصد بالمعصية انتهاك حرمة اللّه ،

(1) لعله : الاجتماع أو الجماع.

به في كل ما ذكره في هذه الآية ، «وَكُلُوا وَاشْرَبُوا» أمر بإعطاء ما عليك لنفسك من حق الأكل والشرب «حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ» إقبال النهار «مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ» إدبار الليل ، يريد بياض الصبح وسواد الليل ، وعلى ذلك يكون التبيين للناظر إليه حينئذ يحرم الأكل «مِنَ الْفَجْرِ» لانفجار الضوء في الأفق ، وذلك الحد هو الفجر الأبيض المستطير ، وهو الأولى من الفجر الأحمر ، والأخذ بالتواتر في ذلك أولى من الأخذ بالخبر الواحد الصحيح ، والقرآن متواتر وهو القائل «حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ» والذي أذهب إليه في الحكم أنه لا يحرم الأكل من حصول الطلوع في نفس الأمر ، لكن ما حصل البيان عند الناظر ، ويحرم الأكل عند تبيّن الفجر وإذا سمع النداء بالفجر الصادق ، إذا كان في البلد من يعلم أنه لا ينادي إلا عند الطلوع الذي تصح به الصلاة ، فإذا سمع المتسحر ذلك وجب عليه الترك ، وقد أجمعوا على أنه يجب على الصائم الإمساك عن المطعوم والمشروب والجماع ، فلا يمنع الأكل طلوع الفجر الأول شرعا ، وفي الفجر الثاني خلاف ، وموضع الإجماع الأحمر ، وسمي الفجر الأول الكذاب لأنه ربما يتوهم صاحب السحور أن الأكل محرم عنده وليس كذلك ، فإن علته ضرب الشمس أو طرح شعاعها على البحر فيأخذ الضوء في الاستطالة ، فإذا ارتفعت ذهب ذلك الضوء المنعكس من البحر إلى الأفق ، فجاءت الظلمة وبرزت الشمس إلينا ، فظهر ضوؤها في الأفق كالطائر الذي فتح جناحيه ، ولهذا سماه مستطيرا ، فلا يزال في زيادة إلى طلوع الشمس ، وسمت العرب الفجر الكاذب ذنب السرحان لأنه ليس في السباع أخبث منه ولا أكثر محالا ، فإنه يظهر

من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:

لما في قلبه من تعظيم اللّه ، وإنما الإنسان تغلب عليه الشهوة في ذلك الأمر ، فيتوجه إلى تحصيله ويذهل عما في فعله من ترك تعظيم واجب حق اللّه فيه ، ويعلم أن له ربا يأخذ بالذنب ويغفر الذنب ، فما خان المؤمن ربه وإنما خان نفسه ، حيث فوتها ما لها من الأجر في الوفاء بالأمانة ، فقال سبحانه لما علم هذا منهم وأنهم خانوا أنفسهم ولم يخونوا ربهم ولا رسوله ، كان هذا القدر شفيعا لهم عند اللّه فأخبر فقال «فَتابَ عَلَيْكُمْ» أي رجع عليكم بتحليل ما كان حرمه عليكم «وَعَفا عَنْكُمْ» يقول : وأذهب عنكم تحريم ذلك ، يقال عفا رسم الدار إذا ذهب أثرها ودرس ، وأتى بالعفو دون غيره لأنه يتضمن إزالة التحريم وعدم المؤاخذة على الخيانة «فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ» يقول :جاء زمان الإباحة فباشروهن كناية عن النكاح ، ولم يذكر الرفث هنا لأنه

الضعف ليحقر فيغفل عنه ، فينال مقصوده من الافتراس ، فإن ذنبه يشبه ذنب الكلب ، فيتخيل من لا يعرفه أنه كلب فيأمن منه ، فلا يمنع الفجر الأول من يريد الصوم من الأكل ، فأمر صلّى اللّه عليه وسلم بأكلة السحور وقال : إنها بركة أعطاكم اللّه إياها ، فأكد أمره بها بنهيه أن لا ندعها ، فكما صرح بالأمر بها صرح بالنهي عن تركها ، وأكد في وجوبها فهي سنة مؤكدة ، وعند بعض علماء الشريعة واجبة ، وأكلة السحور أشد في التأكيد من صلاة الوتر في جنس الصلاة ، لما ورد في ذلك من التصريح بالنهي عن تركها «ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ» كلمة إلى هنا تقتضي دخول الحد في المحدود ، وعنه صلّى اللّه عليه وسلم أنه قال : إذا غابت الشمس من هاهنا وجاء الليل من هاهنا فقد أفطر الصائم ، فسواء أكل أم لم يأكل فإن الشرع قد أخبر أنه قد أفطر ، وقال صلّى اللّه عليه وسلم : للصائم فرحتان فرحة عند فطره - لأنه غذاء طبيعته - وفرحة عند لقاء ربه ، وهو غذاؤه الحقيقي الذي به بقاؤه ، فإن المغذي هو اللّه تعالى «وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ» فأبقى تحجير الجماع على من هذه حالته ، وكذلك في الأكل والشرب للذي ينوي الوصال في صومه ، يقول صلّى اللّه عليه وسلم : من كان مواصلا

من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:

صار حلالا ، فذكر من الكنايات ما لا يقبح عند العرب ذكره ، وذكر الرفث أولا لأنه وقع منهم في وقت التحريم ، وهو كناية يقبح ذكرها عند العرب لقربها في استعمالهم من لفظة التصريح الذي هو النيك ، ولهذا قرن هذه اللفظة بالفسوق في الحج فقال : (فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ) ولم يقل غيرها من الكنايات ، وذلك لما فيها من الإفصاح عن الفعل «وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ» أي واطلبوا وابحثوا عن ما فرض اللّه لكم عن تحليل وتحريم ، فاحكموا فيه بما حكم اللّه ، إن كان حراما فحرام أو حلالا فحلال ، ومن جملة ذلك إباحة الوطء من غروب الشمس إلى طلوع الفجر ، وكذلك أيضا أباح الأكل والشرب «وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ» الذي هو بياض النهار «مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ» الذي هو سواد الليل «مِنَ الْفَجْرِ» المستطير الممتد عرضا مع الأفق ، وهو انفجار الصبح من الليل كانفجار الماء من الحجر ، فيحرم عليكم عند ذلك ما ذكرت تحليله بالليل لكم «ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ» أي إلى غروب الشمس ، وليس الحد هنا داخلا في المحدود بخلاف قوله : (وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ) وقوله : (وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) فإن الحد هنالك داخل في المحدود ، وليس الفرق بينهما من اللفظ فإنه على السواء وإنما خرج هذا عن حكم هذا بدليل استفدناه من الشارع ، والألف واللام في الفجر للتعريف بالفجر الثاني المعترض ، فإن الفجر فجران : فجر أول وهو ذنب السرحان ، وهو يأخذ في الطول طالبا كبد السماء ،

فليواصل حتى السحر ، وهو اختلاط الضوء والظلمة ، يريد في وقت ظهور ذنب السرحان ما بين الفجرين المستطيل والمستطير ، ويكون الاعتكاف حيث شاء العبد ، إلا أنه إن اعتكف في غير مسجد له مباشرة النساء ، وإن اعتكف في مسجد فليس له مباشرة النساء وإن نوى الاعتكاف في أيام تقام فيها الجمعة فلا يعتكف إلا في مكان يمكن له مع الإقامة فيه أن يقيم الجمعة ، سواء كان في المسجد أو في مكان قريب من المسجد يجوز له إقامة الجمعة فيه ، وللمعتكف أن يفعل جميع أفعال البر التي لا تخرجه عن الإقامة بالموضع الذي أقام فيه ، فإن خرج فليس بمعتكف «تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ» التي أمركم أن تقفوا عندها ، فإنه لولا الحدود ما تميزت المعلومات «فَلا تَقْرَبُوها» لئلا تشرفوا على ما وراءها فتزل قدم ، فربما تزل قدم بعد ثبوتها وتذوقوا السوء «كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آياتِهِ» أي دلائله «لِلنَّاسِ» - إشارة - فيتذكر بها «لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ» يتخذون تلك الدلائل وقاية وجعلها بمعنى الترجي لأنه ما كل من حصل له العلم وفق لاستعمال ما علمه - إشارة - إذا جاء الليل وأفطر العبد علم أنه عبد فقير متغذ ليس له التنزه حقيقة ، وإنما هو أمر عرض له ينبهه على التخلق بأوصاف اللّه من التنزيه عن حكم الطبيعة ، ولهذا أخبرنا تعالى في الحديث المروي : أن الصوم له ، وكل عمل ابن آدم لابن آدم ، يقول : إن التنزه عن الطعام والشراب والنكاح لي لا لك يا عبدي ، لأني

من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:

ثم تعقبه ظلمة ، ثم بعد ذلك يطلع الفجر الثاني ، وهو الحد المشروع ، وفي هذه الآية دليل على جواز النية في صوم رمضان من لدن طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، إذ النهار من طلوع الشمس إلى غروبها ، والليل من غروب الشمس إلى طلوعها ، والفجر حد مشروع في منع الأكل والشرب والنكاح للصائم ، فمن نوى في ذلك الوقت فقد بيت ، وأما قول النبي عليه السلام : [ إن بلالا ينادي ليلا فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم ] فهو قولنا : إن الفجر حد مشروع في منع الأكل ، وقوله ليلا ، يقول : إن الليل شديد التمكن إذ لم تبد علامة إقبال النهار ، فالفجر علامة إقبال النهار ، وفي قوله : «أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ» أن الصيام يتم بدخول الليل ، وأن الليل ليس بمحل للصوم سواء أكل أو لم يأكل ، فيندرج فيه أن الوصال وإن جاز فليس بصوم ، وأنه مفطر شرعا وإن لم يأكل ، فله أجر في ذلك من حيث ما هو تارك للأكل ، لا من حيث هو صائم ، ولهذا واصل بهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم ، وكان هو يواصل أي يستصحب ترك الأكل ، وقوله : «وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ» قيل نزلت هذه الآية في علي بن أبي طالب وعمار

القائم بنفسي لا أفتقر في وجودي إلى حافظ يحفظه عليّ ، وأنت تفتقر في وجودك لحافظ يحفظه عليك وهو أنا ، فجعلت لك الغذاء وأفقرتك إليه ، لأنبهك أني أنا الحافظ عليك وجودك ، ليصح عندك افتقارك ، ومع هذا الافتقار طغيت وتجبرت وتكبرت ، وتعاظمت في نفسك وما استحييت في ذلك من فضيحتك بجوعك وعطشك ، لذلك قال تعالى : «تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوها» فإذا دخل العبد في نعت الربوبية وهو اللّه ، فقد تعدى حدود اللّه ، وهي الحدود الرسمية لا الحدود الذاتية ، فإنه ليس بأيدينا من الحدود الذاتية شيء ، ولهذا اجترأ العباد عليها وتعدوها ومنها عوقبوا ، كما إذا أدخل الحق صاحب الحد فيما هو له لم يتصف الداخل بالظلم فما استوجب عقوبة ، فلما كان حدا رسميا قبل العبد الدخول فيه ، فإن دخل فيه بنفسه من غير إدخال صاحبه فقد عرض نفسه للعقوبة ، فصاحب الحد بخير النظرين إن شاء عاقب ، وإن شاء عفا ، وإن شاء أثنى ، كالمتصف بالكرم والعفو والصفح ، وهذه كلها حدود رسمية للحق ، لذلك قال: «كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ» فوصفهم بالتقوى إذا لم يتعدوها وجعلوها وقاية لهم ، - إشارة - قوله تعالى : «كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ» كما يحرم على المكلف الأكل عند تبين الفجر ، كذلك يحرم على صاحب الشهود أن يعتقد أن ثم في الوجود غير اللّه فاعلا بل ولا مشهودا ، وما يمسك عنه الصائم هو علم الذوق ، والذوق أول مبادي التجلي الإلهي.

من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:

ابن ياسر وأبي عبيدة بن الجراح ، كان أحدهم يعتكف فإذا أراد الغائط رجع من المسجد إلى أهله بالليل فيباشر ويجامع امرأته ثم يغتسل ويرجع إلى المسجد ، فأنزل اللّه هذه الآية وقرنها بشرطين ، الاعتكاف وكونه في المسجد ، فإذا اجتمعا فلا خلاف ، كالربيبة التي في الحجر مع الدخول بالأم ، وإذا انفرد أحد الشرطين لم يلزم الحكم حكم تحريم الجماع للمعتكف في غير المسجد ، وقد قيل بذلك ، فليس للمعتكف في المسجد أن يجامع أهله ليلا ولا نهارا ما دام في هذه العبادة ، وفي هذه الآية دليل على جواز الاعتكاف في المساجد كلها ، فإنه عمّ بلام الجنس ، والاعتكاف الإقامة في المسجد أدنى ما ينطلق عليه اسم إقامة من ليل أو نهار ، بنية القربة والعبادة للّه تعالى ، فمنع المعتكف من المباشرة وما منعه من الأكل والشرب كما منع الصائم ، فدل على جواز الاعتكاف بغير صوم وأنه عمل مستقل ، وقوله : «تِلْكَ» إشارة إلى ما تقدم من ذكر الأحكام كلها من صوم ووصية وقصاص ، يقول : تلك «حُدُودُ اللَّهِ» التي حدها ليوقف عندها ولا تتجاوز ، ثم قال : «فَلا تَقْرَبُوها» مثل قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم : [ الراتع حول الحمى يوشك ]


المراجع:

(187) الفتوحات ج 1 / 630">630">630">630">630">630">630">630">630">630">630">630">630">630">630">630 - ج 4 / 226 - ج 1 / 630">630">630">630">630">630">630">630">630">630">630">630">630">630">630">630 - ج 4 / 226 - 437 - ج 1 / 630">630">630">630">630">630">630">630">630">630">630">630">630">630">630">630 - ج 2 / 534 - ج 1 / 630">630">630">630">630">630">630">630">630">630">630">630">630">630">630">630 ، 631 ، 632 - ج 3 / 301 - ج 1 / 624 - 497 ، 630">630">630">630">630">630">630">630">630">630">630">630">630">630">630">630 ، 622 - ج 3 / 291 - ج 1 / 630">630">630">630">630">630">630">630">630">630">630">630">630">630">630">630 ، 496 - ج 2 / 160

 

 

البحث في التفسير


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!