موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

إشارات في تفسير القرآن الكريم

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

مستخلصة من الفتوحات المكيّة وكتبه الأخرى

سورة العنكبوت (29)

 

 


الآية: 44 من سورة العنكبوت

خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (44)

[ الحق المخلوق به ]

اعلم أن الأشياء على ثلاث مراتب لا رابع لها ، والعلم لا يتعلق بسواها ، وما عداه


فعدم محض لا يعلم ولا يجهل ولا هو متعلق بشيء ، فإذا فهمت هذا فنقول إن هذه الأشياء الثلاثة منها ما يتصف بالوجود لذاته فهو موجود بذاته في عينه لا يصح أن يكون وجوده عن عدم ، بل هو مطلق الوجود لا عن شيء فكان يتقدم عليه ذلك الشيء ، بل هو الموجد لجميع الأشياء وخالقها ومقدرها ومفصلها ومدبرها ، وهو الوجود المطلق الذي لا يتقيد سبحانه ، وهو اللّه الحي القيوم العليم المريد القدير الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ،

ومنها موجود باللّه تعالى وهو الوجود المقيد المعبر عنه بالعالم : العرش والكرسي والسماوات العلى وما فيها من العالم والخلق والأرض وما فيها من الدواب والحشرات والنبات وغير ذلك من العالم ، فإنه لم يكن موجودا في عينه ثم كان ، من غير أن يكون بينه وبين موجده زمان يتقدم به عليه فيتأخر هذا عنه ، فيقال فيه :بعد أو قبل ، هذا محال ؛

وإنما هو متقدم بالوجود كتقدم أمس على اليوم ، فإنه من غير زمان لأنه نفس الزمان ، فعدم الزمان لم يكن في وقت ، لكن الوهم يتخيل أن بين وجود الحق ووجود الخلق امتدادا ،

وذلك راجع لما عهده في الحس من التقدم الزماني بين المحدثات وتأخره ،

وأما الشيء الثالث فما لا يتصف بالوجود ولا بالعدم ولا بالحدوث ولا بالقدم ، وهو مقارن للأزلي الحق أزلا فيستحيل عليه أيضا التقدم الزماني على العالم والتأخر ، كما استحال على الحق وزيادة لأنه ليس بموجود ، فإن الحدوث والقدم أمر إضافي يوصل إلى العقل حقيقة ما . وذلك أنه لو زال العالم لم نطلق على الواجب الوجود قديما ، وإن كان الشرع لم يجئ بهذا الاسم أعني القديم وإنما جاء باسمه الأول والآخر ، فإذا زلت أنت لم يقل : أولا ولا آخرا إذ الوسط العاقد الأولية والآخرية ليس ثمّ ،

فلا أول ولا آخر ، وهكذا الظاهر والباطن وأسماء الإضافات كلها ، فيكون موجودا مطلقا من غير تقييد بأولية أو آخرية ، وهذا الشيء الثالث الذي لا يتصف بالوجود ولا بالعدم مثله في نفي الأولية والآخرية بانتفاء العالم كما كان الواجب الوجود سبحانه ،

وكذلك لا يتصف بالكل ولا بالبعض ، ولا يقبل الزيادة والنقص وأما قولنا فيه كما استحال على الحق وزيادة ، فتلك الزيادة كونه لا موجودا ولا معدوما ، فلا يقال فيه : أول وآخر ، وكذلك لنعلم أيضا أن هذا الشيء الثالث ليس العالم يتأخر عنه أو يحاذيه بالمكان ، إذ المكان من العالم ، وهذا أصل العالم وأصل الجوهر الفرد وفلك الحياة والحق المخلوق به وكل ما هو عالم من الموجود المطلق ، وعن هذا الشيء الثالث ظهر العالم ، فهذ


الشيء هو حقيقة حقائق العالم الكلية المعقولة في الذهن الذي يظهر في القديم قديما ، وفي الحادث حادثا ، فإن قلت : هذا الشيء هو العالم صدقت وإن قلت: إنه الحق القديم سبحانه صدقت ، وإن قلت : إنه ليس العالم ولا الحق تعالى وأنه معنى زائد صدقت ، كل هذا يصح عليه ، وهو الكلي الأعم الجامع الحدوث والقدم ، وهو يتعدد بتعدد الموجودات ، ولا ينقسم بانقسام الموجودات ، وينقسم بانقسام المعلومات ، وهو لا موجود ولا معدوم ، ولا هو العالم وهو العالم ، وهو غير ولا هو غير ،

لأن المغايرة في الوجودين والنسبة انضمام شيء ما إلى شيء آخر ، فيكون منه أمر آخر يسمى صورة ما والانضمام نسبة ، فهذا الشيء الذي نحن بسبيله لا يقدر أحد أن يقف على حقيقته عبارة ، لكن نومئ إليه بضرب من التشبيه والتمثيل ،

فنقول : نسبة هذا الشيء الذي لا يحد ولا يتصف بالوجود ولا بالعدم ، ولا بالحدوث ولا بالقدم ، إلى العالم كنسبة الخشبة إلى الكرسي والتابوت والمنبر والمحمل ، والفضة إلى الأواني والآلات التي تصاغ منها كالمكحلة والقرط والخاتم ، فبهذا تعرف تلك الحقيقة ، فخذ هذه النسبة ولا تتخيل النقص فيه كما تتخيل النقص في الخشبة بانفصال المحبرة عنها ،

واعلم أن الخشبة صورة مخصوصة في العودية ، فلا تنظر أبدا إلا للحقيقة المعقولة الجامعة التي هي العودية ، فتجدها لا تنقص ولا تتبعض ، بل هي في كل كرسي ومحبرة على كمالها من غير نقص ولا زيادة ، وإن كان في صورة المحبرة حقائق كثيرة منها : الحقيقة العودية والاستطالية والتربيعية والكمية وغير ذلك ، وكلها فيها بكمالها ، وكذلك الكرسي والمنبر ، وهذا الشيء الثالث هو هذه الحقائق كلها بكمالها ، فسمه إن شئت حقيقة الحقائق ، فالمعقولات العشرة وهي الجوهر والعرض والحال والزمان والمكان والعدد والإضافة والوضع وأن يفعل وأن ينفعل ، تكوّن الحقيقة التي أوجد الحق من مادتها الموجودات العلويات والسفليات ، فهو الأم الجامعة لجميع الموجودات ، وهي معقولة في الذهن غير موجودة في العين ، وهو أن تكون لها صورة ذاتية لكنها في الموجودات حقيقة من غير تبعيض ولا زيادة ولا نقص ، فوجودها عن بروز أعيان الموجودات قديمها وحديثها ، ولولا أعيان الموجودات ما عقلناها ، ولولاها ما عقلنا حقائق الموجودات ، فوجودها موقوف على وجود الأشخاص ، والعلم بالأشخاص تفصيلا موقوف على العلم بها ، إذ من لا يعرفها لم يفرق بين الموجودات . وقال مثلا : إن الجماد والملك والقديم شيء واحد ، إذ لا يعرف الحقائق


ولا بما ذا تتميز الموجودات بعضها عن بعض ، فهي متقدمة في العلم ظاهرة في الموجودات ، فإن أطلق عليها تأخر فلتأخر وجود الشخص لا لعينها ، فهي بالنظر إلى ذاتها كلية معقولة لا تتصف بالوجود ولا بالعدم ، وهي المادة لجميع الموجودات ، فقد ظهرت بكمالها بظهور الموجودات ، وما بقي شيء يوجد بعد. - راجع سورة الأنعام آية 73 ، الحجر آية 85 ، سورة النحل آية 3 - «إن في ذلك لآية لقوم يؤمنون» .


المراجع:

(44) كتاب إنشاء الدوائر

 

 

البحث في التفسير


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!