موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

إشارات في تفسير القرآن الكريم

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

مستخلصة من الفتوحات المكيّة وكتبه الأخرى

سورة الأحزاب (33)

 

 


الآية: 42 من سورة الأحزاب

وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (42)

«وَسَبِّحُوهُ» أي صلوا له ، ولهذا قال : «بُكْرَةً وَأَصِيلًا» يعني صلاة الغداة والعشي ، فأمرنا هنا بالصلاة بكرة وأصيلا ، فإن في ذلك غذاء العقول والأرواح ، كما أن غذاء الجسم في هذه الأوقات في قوله : (لَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا) ورزق كل مخلوق بحسب ما تطلبه حقيقته ، فالأرواح غذاؤها التسبيح ، فقيل لها : سبحه أي صل له في هذه الأوقات واذكره على كل حال ، فقيد التسبيح وما قيد الذكر ، فعلمنا أن التسبيح ذكر خاص مربوط بهذه الأوقات .

[سورة الأحزاب (33) : آية 43]

هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً (43)


مسمى الصلاة يضاف إلى ثلاثة وإلى رابع ثلاثة بمعنيين ، بمعنى شامل وبمعنى غير شامل ، فتضاف الصلاة إلى الحق بالمعنى الشامل ، والمعنى الشامل هو الرحمة ، فإن اللّه وصف نفسه بالرحيم ووصف عباده بها فقال : (أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)

وقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم :[ «هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ . . .» الآية]

[ إنما يرحم اللّه من عباده الرحماء ]

قال تعالى : «هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ» أي يرحمكم بأن يخرجكم من الظلمات إلى النور ، يقول من الضلالة إلى الهدى ، ومن الشقاوة إلى السعادة ، وتضاف إلى الملائكة بمعنى الرحمة والاستغفار والدعاء للمؤمنين ،

قال تعالى : «هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ» فصلاة الملائكة ما ذكرناها ،

قال اللّه عزّ وجل في حق الملائكة (وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا (ويقولون : (فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِوَقِهِمُ السَّيِّئاتِ) اللهم استجب فينا صالح دعاء الملائكة ، وتضاف الصلاة إلى البشر بمعنى الرحمة والدعاء والأفعال المخصوصة المعلومة شرعا ، فجمع البشر هذه المراتب المسماة صلاة ، قال تعالى آمرا لن: (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ)

*وتضاف الصلاة إلى كل ما سوى اللّه من جميع المخلوقات ملك وإنسان وحيوان ونبات ومعدن بحسب ما فرضت عليه وعيّنت له ،

قال تعالى : (لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ)

فأضاف الصلاة إلى الكل والتسبيح ، أما قوله تعالى هن: «هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ» فتفسيره من وجوه

- الوجه الأول - «هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ» الصلاة المنسوبة إلى الحق هي رحمته بعباده ، فأخبر أنه يصلي علينا ، والمفهوم من هذا أمران:

الأمر الواحد أنه يصلي علينا فينبغي لنا أن نذكره بالمدح والثناء ونصلي له بكرة وأصيلا ، والأمر الآخر أنكم إذا صليتم وذكرتم اللّه فإنه يصلي عليكم ، فإنه لما أمرنا بالذكر والصلاة قال : «هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ» فصلاتنا وذكرنا له سبحانه بين صلاتين من اللّه تعالى ، صلى علينا فصلينا فصلى علينا ، فمن صلاته الأولى علينا صلينا له ،

ومن صلاته الثانية علينا كانت السعادة لنا بأن جنينا ثمرة صلاتنا له وذكرنا ،

لذلك جاءت إقامة الصلاة المفروضة بالفعل الماضي [ قد قامت الصلاة ]

أراد قيام صلاة اللّه على العبد ليقوم العبد إلى الصلاة ، فيقيم بقيامه نشأته

- الوجه الثاني"هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ» أي يؤخر ذكره عن ذكركم


حتى تذكروه ، قال تعالى : (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ)

وقال صلّى اللّه عليه وسلم مخبرا عن ربه : [ من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه ]

فهو المصلي عن سابق ذكر العبد ، ولا تذكرونه حتى يوفقكم ويلهمكم ذكره ، فيذكركم بذكره إياكم ، فتذكرونه به أو بكم ، فيذكركم بكم وبه

- الوجه الثالث -لما وصل الرسول صلّى اللّه عليه وسلم في عروجه إلى المقام الذي لا يتعداه البراق وليس في قوته أن يتعداه ، تدلى إلى الرسول صلّى اللّه عليه وسلم الرفرف ، فنزل عن البراق واستوى على الرفرف ، وصعد به الرفرف وفارقه جبريل ، فسأله الصحبة فقال : إنه لا يطيق ذلك ؛ وقال له : (وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ)

ولما وصل المعراج الرفرفي بالرسول صلّى اللّه عليه وسلم إلى مقامه الذي لا يتعداه الرفرف ، زجّ به في النور زجة غمره النور من جميع نواحيه ، ولم ير معه أحدا يأنس به ولا يركن إليه ، وقد أعطته المعرفة أنه لا يصح الأنس إلا بالمناسب ، ولا مناسبة بين اللّه وعبده ، فأعطته صلّى اللّه عليه وسلم هذه المعرفة الوحشة لانفراده بنفسه ، وهذا مما يدلك أن الإسراء كان بجسمه صلّى اللّه عليه وسلم ، لأن الأرواح لا تتصف بالوحشة ولا الاستيحاش ، فلما علم اللّه منه ذلك وكيف لا يعلمه وهو الذي خلقه في نفسه ؟ !

وطلب عليه السلام الدنو بقوة المقام الذي هو فيه ، فنودي بصوت يشبه صوت أبي بكر ، تأنيسا له إذ كان أنيسه في المعهود ، فحنّ لذلك وأنس به ، وتعجب من ذلك اللسان في ذلك الموطن ، وكيف جاءه من العلو وقد تركه بالأرض ؟

وقيل له في ذلك النداء : [ يا محمد قف ، إن ربك يصلي ] فأخذه لهذا الخطاب انزعاج وتعجب ، كيف تنسب الصلاة إلى اللّه تعالى فتلا عليه في ذلك المقام «هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ» فعلم ما المراد بنسبة الصلاة إلى اللّه ، فسكن روعه مع كونه سبحانه لا يشغله شأن عن شأن ، ولكن قد وصف نفسه بأنه لا يفعل أمرا حتى يفرغ من أمر آخر فقال : (سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ)

فمن هذه الحقيقة قيل له : [ قف إن ربك يصلي ] أي لا يجمع بين شغلين ، يريد بذلك العناية بمحمد صلّى اللّه عليه وسلم ، حيث يقيمه في مقام التفرغ له ، فهو تنبيه على العناية به ، واللّه أجل وأعلى في نفوس العارفين به من ذلك ، فإن الذي ينال الإنسان من المتفرغ إليه أعظم وأمكن من الذي يناله ممن ليس له حال التفرغ إليه ، لأن تلك الأمور تجذبه عنه ، فهذا في حال النبي عليه السلام وتشريفه ، فكان معه في هذا المقام بمنزلة ملك استدعى بعض عبيده ليقربه ويشرفه ، فلما دخل حضرته وقعد في منزلته طلب أن ينظر إلى


الملك في الأمر الذي وجه إليه فيه ، فقيل له : تربص قليلا فإن الملك في خلوته يعزل لك خلعة تشريف يخلعها عليك ، فما كان شغله عنه إلا به ، ولذلك فسّر له صلاة اللّه بقوله تعالى : «هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ» فشرف بأن قيل له : إنما غاب عنك من أجلك وفي حقك - الوجه الرابع - «هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ» عموما وقال : (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ) خصوصا بخصوص صلاة ، وقد جاء بالملائكة في قوله : «هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ» بعد ما ذكرنا وفصل بنا بين صلاته وبين الملائكة ، بقوله «عَلَيْكُمْ» ثم قال : «لِيُخْرِجَكُمْ» فأفرد الخروج إليه ، وما جاء بضمير جامع يجمع بين اللّه وبين الملائكة في الصلاة على المؤمنين كما فعل في قوله : (يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ) فعمنا كلنا والنبي صلّى اللّه عليه وسلم من جملتنا بقوله : «هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ» وأفرد نفسه في ذلك ثم قال : «وَمَلائِكَتُهُ» فأفرد الملائكة بالصلاة على العباد وفيهم النبي صلّى اللّه عليه وسلم ، فلجميع الخلق توحيد الصلاة من اللّه وتوحيد الصلاة من الملائكة ، وخصّ النبي صلّى اللّه عليه وسلم وحده فيما أخبرنا به ، وأما قوله «وَمَلائِكَتُهُ» أي أيضا يصلون عليكم بما قد شرع لها من ذلك وهو قوله (رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً) الآية فصلاة الملائكة علينا كصلاتنا على الجنازة سواء لمن عقل ، فهي شفاعة ، ثم قال: «لِيُخْرِجَكُمْ» بلام السبب «مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ» ابتداء منه ومنّة ، وبدعاء الملائكة وهو قولهم : (وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ)

فإن السيئات ظلمات ، فمنهم من يخرج من ظلمات الجهل إلى نور العلم ، ومن ظلمات المخالفة إلى نور الموافقة ، ومن ظلمات الضلال إلى نور الهدى ، ومن ظلمات الشرك إلى نور التوحيد ، ومن ظلمات الشقاء والتعب إلى نور السعادة والراحة ، فكما أن الصلاة الإلهية وهي عموم رحمته بمخلوقاته ، كذلك صلاة الملائكة تامة الخلقة ، فإنها دعت للذين تابوا وقالت أيضا (وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ) فعمت ، فما بقي أمر إلا دخل في صلاة الملائكة من طائع وعاص على أنواع الطاعات والمعاصي ،

ثم قال : «وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ» أي المصدقين «رَحِيماً» أي رحمهم لما صدقوا به من وجوده الذي هو أعم من التصديق بالتوحيد ، فإنه يندرج بعد الإيمان بالوجود الإلهي كل ما يجب به الإيمان على طبقاته ثم قال :


المراجع:

(42) الفتوحات ج 1 / 539

 

 

البحث في التفسير


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!