موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

إشارات في تفسير القرآن الكريم

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

مستخلصة من الفتوحات المكيّة وكتبه الأخرى

سورة سبإ (34)

 

 


الآيات: 24-26 من سورة سبإ

قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (24) قُلْ لا تُسْئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنا وَلا نُسْئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ (25) قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنا رَبُّنا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ (26)


من الفتح الإلهي النصر على الأعداء والقهر لهم ، والرحمة بالأولياء والعطف عليهم .

[ سورة سبإ (34) : الآيات 27 إلى 28 ]

قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكاءَ كَلاَّ بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27) وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (28)

"وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً» من الكفت وهو الضم" لِلنَّاسِ» فضمت شريعته جميع الناس ، فلا يسمع به أحد إلا لزمه الإيمان به ، وضمت شريعته الجن والإنس فعم بشريعته الإنس والجن ، وكانت باللسان العربي فعم كل لسان ، فنقل شرعه بالترجمة فعم اللغات ، ولم يكن ذلك لغيره صلّى اللّه عليه وسلم ، وكانت الأنبياء في العالم نواب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم ، لأن الناس من آدم إلى آخر إنسان ، وقد أبان صلّى اللّه عليه وسلم عن هذا المقام بأمور ،

منها قوله صلّى اللّه عليه وسلم [ واللّه لو كان موسى حيا ما وسعه إلا أن يتبعني ]

وقوله في نزول عيسى ابن مريم في آخر الزمان :

إنه يؤمنا - أي يحكم فينا - بسنة نبينا عليه السلام ويكسر الصليب ويقتل الخنزير ، ولو كان محمد صلّى اللّه عليه وسلم قد بعث في زمان آدم لكانت الأنبياء وجميع الناس تحت حكم شريعته إلى يوم القيامة حسا ،

فجميع الأنبياء هم أرساله ونوابه في الأرض لغيبة جسمه ، ولو كان جسمه موجودا ما كان لأحد شرع معه ، ولهذا لم يبعث عامة إلا هو خاصة ،

فهو الملك والسيد ، وكل رسول سواه فبعث إلى قوم مخصوصين ، فلم تعم رسالة أحد من الرسل سوى رسالته صلّى اللّه عليه وسلم ،

فمن زمان آدم عليه السلام إلى زمان بعث محمد صلّى اللّه عليه وسلم إلى يوم القيامة ملكه ، وتقدمه في الآخرة على جميع الرسل وسيادته فمنصوص على ذلك في الصحيح عنه ، مثل قوله :

[ أنا سيد الناس يوم القيامة ] بإخباره إيانا بالوحي الذي أوحي به إليه ،

وقوله : [ أنا سيد ولد آدم ولا فخر ] بالراء وفي رواية بالزاي وهو التبجح بالباطل ، فثبتت له السيادة والشرف على أبناء جنسه من البشر ، فمحمد صلّى اللّه عليه وسلم بعث إلى الناس كافة بالنص ،

ولم يقل : أرسلناك إلى هذه الأمة خاصة ، ولا إلى أهل هذا الزمان إلى يوم القيامة خاصة ، وإنما أخبره أنه مرسل إلى الناس كافة ، والناس من آدم إلى يوم القيامة ، فقال صلّى اللّه عليه وسلم : [ كنت نبيا وآدم بين الماء


والطين] فأعلم بنبوته ، فكان الرسل والأنبياء عليهم السلام نوابه حتى ظهوره بجسمه صلّى اللّه عليه وسلم ، فإنه لمّا لم يتقدم في عالم الحس وجود عينه صلّى اللّه عليه وسلم أولا ، نسب كل شرع إلى من بعث به ، وهو في الحقيقة شرع محمد صلّى اللّه عليه وسلم ، وإن كان مفقود العين من حيث لا يعلم ذلك ، كما هو مفقود العين الآن وفي زمان نزول عيسى عليه السلام ، والحكم بشرعه ، فجميع الشرائع التي كانت في الأمم فهي شرائع محمد صلّى اللّه عليه وسلم بأيدي نوابه ، فإنه المبعوث إلى الناس كافة ، وما يلزم رؤية شخصه ، فكما وجّه في زمان ظهور جسمه عليا ومعاذا إلى اليمن لتبليغ الدعوة ، كذلك وجّه الرسل والأنبياء إلى أممهم من حين كان نبيا وآدم بين الماء والطين ، فدعا الكل إلى اللّه تعالى ، فالناس أمته من آدم إلى يوم القيامة ، وجميع الرسل نوابه بلا شك ، فلما ظهر بنفسه لم يبق حكم إلا له ، ولا حاكم إلا رجع إليه ، وأما نسخ اللّه بشرعه جميع الشرائع فلا يخرج هذا النسخ ما تقدم من الشرائع أن تكون من شرعه ، فإن اللّه قد أشهدنا في شرعه الظاهر المنزل به صلّى اللّه عليه وسلم في القرآن والسنة النسخ ، مع إجماعنا واتفاقنا على أن ذلك المنسوخ شرعه الذي بعث به إلينا ، فنسخ بالمتأخر المتقدم ، فكان تنبيها لنا هذا النسخ الموجود في القرآن والسنة على أن نسخه لجميع الشرائع المتقدمة لا يخرجها عن كونها شرعا له ، وكان نزول عيسى عليه السلام في آخر الزمان حاكما بغير شرعه أو بعضه الذي كان عليه في زمان رسالته ، وحكمه بالشرع المحمدي المقرر اليوم دليلا على أنه لا حكم لأحد اليوم من الأنبياء عليهم السلام مع وجود ما قرره صلّى اللّه عليه وسلم في شرعه ، ويدخل في ذلك ما هم عليه أهل الذمة من أهل الكتاب ، ما داموا يعطون الجزية عن يد وهم صاغرون ، فإن حكم الشرائع على الأحوال فخرج من هذا المجموع كله أنه ملك وسيد على جميع بني آدم ، وأن جميع من تقدمه كان ملكا له وتبعا ، والحاكمون فيه نواب عنه ، فبعثته العامة إشعار بأن جميع ما تقدمه من الشرائع بالزمان إنما هو من شرعه ، فنسخ ببعثته منها ما نسخ وأبقى منها ما أبقى ، كما نسخ ما قد كان أثبته حكما ، فإن قيل فقوله صلّى اللّه عليه وسلم : [ لا تفضلوني ]

فالجواب : نحن ما فضلناه بل اللّه فضله ، فإن ذلك ليس لنا ، وإن كان قد ورد (أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ)

لما ذكر الأنبياء عليهم السلام فهو صحيح ، فإنه قال فبهداهم وهداهم من اللّه ،

[ جميع الشرائع هي شرع محمد صلّى اللّه عليه وسلم بأيدي نوابه ]

وهو شرعه صلّى اللّه عليه وسلم ، أي الزم شرعك الذي ظهر به نوابك من إقامة الدين ولا تتفرقوا فيه ، فلم يقل : فبهم اقتده ، وفي قوله : (وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) تنبيه على أحدية الشرائع ،


وقوله: (اتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً)

*وهو الدين ، فهو مأمور باتباع الدين ، فإن الدين إنما هو من اللّه لا من غيره ، وانظر قوله عليه السلام : [ لو كان موسى حيا ما وسعه إلا أن يتبعني ] فأضاف الاتباع إليه ، وأمر صلّى اللّه عليه وسلم باتباع الدين وهدى الأنبياء لا بهم ، فإن الإمام الأعظم إذا حضر لا يبقى لنائب من نوابه حكم إلا له ، فإذا غاب حكم النواب بمراسمه ، فهو الحاكم غيبا وشهادة ، ومن ذلك كونه صلّى اللّه عليه وسلم أوتي جوامع الكلم ، والعالم كلمات اللّه ، فقد آتاه اللّه الحكم في كلماته ، وعمّ وختم به الرسالة والنبوة ، كما بدأ به باطنا ختم به ظاهرا ، فله الأمر النبوي من قبل ومن بعد

- نصيحة -اعلم أن الرسل أعدل الناس مزاجا لقبولهم رسالات ربهم ، وكل شخص منهم قبل من الرسالة قدر ما أعطاه اللّه في مزاجه من التركيب ، فما من نبي إلا بعث خاصة إلى قوم معينين ، لأنه على مزاج خاص مقصور وإن محمدا صلّى اللّه عليه وسلم ما بعثه إلا برسالة عامة إلى جميع الناس كافة ، ولا قبل مثل هذه الرسالة إلا لكونه على مزاج يحوي على مزاج كل نبي ورسول ،

فهو أعدل الأمزجة وأكملها وأقوم النشآت ، فإذا علمت هذا وأردت أن ترى الحق على أكمل ما ينبغي أن يظهر به لهذه النشأة الإنسانية ،

فاعلم أنك ليس لك ولا أنت على مثل هذا المزاج الذي لمحمد صلّى اللّه عليه وسلم ، وأن الحق مهما تجلى لك في مرآة قلبك فإنما تظهره لك مرآتك على قدر مزاجها وصورة شكلها ،

وقد علمت نزولك عن الدرجة التي صحت لمحمد صلّى اللّه عليه وسلم في العلم بربه في نشأته ، فالزم الإيمان والاتباع ، واجعله أمامك مثل المرآة التي تنظر فيها صورتك وصورة غيرك ، فإذا فعلت هذا علمت أن اللّه تعالى لا بد أن يتجلى لمحمد صلّى اللّه عليه وسلم في مرآته ، والمرآة لها أثر في ناظر الرائي في المرئي ، فيكون ظهور الحق في مرآة محمد صلّى اللّه عليه وسلم أكمل ظهور وأعدله وأحسنه ، لما هي مرآته عليه ،

فإذا أدركته في مرآة محمد صلّى اللّه عليه وسلم فقد أدركت منه كمالا لم تدركه من حيث نظرك في مرآتك ، ألا ترى في باب الإيمان وما جاء في الرسالة من الأمور التي نسب الحق لنفسه بلسان الشرع مما تحيله العقول ؟

ولولا الشرع والإيمان به لما قبلنا من ذلك من حيث نظرنا العقلي شيئا البتة ، بل نرده ابتداء ونجهّل القائل به ، فكما أعطاه بالرسالة والإيمان ما قصرت العقول التي لا إيمان لها عن إدراكها ذلك من جانب الحق ،

كذلك قصرت أمزجتنا ومرائي عقولنا عند المشاهدة عن إدراك ما تجلى في مرآة محمد صلّى اللّه عليه وسلم أن تدركه في مرآتها ، وكما آمنت به في الرسالة غيبا شهدته في هذا التجلي النبوي عينا ،فقد نصحتك وأبلغت لك في النصيحة، فلا تطلب مشاهدة الحق


إلا في مرآة نبيك صلّى اللّه عليه وسلم ، واحذر أن تشهده في مرآتك ، أو تشهد النبي وما تجلى في مرآته من الحق في مرآتك ، فإنه ينزل بك ذلك عن الدرجة العالية ،

فالزم الاقتداء والاتباع ، ولا تطأ مكانا لا ترى فيه قدم نبيك ، فضع قدمك على قدمه إن أردت أن تكون من أهل الدرجات العلى والشهود الكامل في المكانة الزلفى ،

وقد أبلغت لك في النصيحة كما أمرت، واللّه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم .


المراجع:

(26) الفتوحات ج 2 / 588

 

 

البحث في التفسير


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!