موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

إشارات في تفسير القرآن الكريم

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

مستخلصة من الفتوحات المكيّة وكتبه الأخرى

سورة البقرة (2)

 

 


الآيات: 244-245 من سورة البقرة

وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (244) مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (245)

فقالت طائفة من اليهود إن رب محمد يطلب منّا القرض ، وما طلب اللّه منك القرض وأنت تعلم أنه ما طلبه منك إلا ليعود به وبأضعافه عليك من جهة من تعطيه إياه من المخلوقين ، فمن أقرض أحدا من خلق اللّه فإنما أقرض اللّه ، وليس الحسن في القرض إلا أن ترى يد اللّه هي القابضة لذلك القرض لا غير ، فتعلم عند ذلك في يد من جعلت ذلك ، وهو الحفيظ الكريم ، وما خرج عن الملك شيء حتى يحكم فيه القبض ، وإنما يقال ذلك بالفرض ، ما خرج شيء عنه ، فالكل به وإليه ومنه ، الحق له الغنى ، ومن أقرضه بلغ المنى ، ودع اللجاج ، فما هو محتاج ، أنت من جملة خزائنه ، فما خرج الشيء عن معادنه ، فما أعطى إلا من خزانته ، لما أعطته حقيقة مكانته ، وحصلت أنت على الأجر ، إن فهمت الأمر «واللّه يقبض ويبسط» إن للّه يدين مباركتين مبسوطتين فيهما الرحمة ، فلم يقرن بهما شيئا من العذاب ، فيعطي رحمة يبسطها ويعطي رحمة يقبضها ، فإن القبض ضم إليه ، والبسط

من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:

ثُمَّ أَحْياهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ» في هذه الآية رد على الأشاعرة في استدلالهم على رؤية اللّه بالأبصار بقوله : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) أن الرؤية إذا اقترنت بها كلمة [ إلى ] كانت بالبصر ، تقول :نظرت إلى كذا ، أي شاهدته ببصري ، ونظرت في كذا ، أي فكرت فيه ، ونظرت لكذا ، أي رحمته ، ونظرت كذا ، أي قابلته ، واحتجوا بذلك على نفاة الرؤية ، فقد جاءت الرؤية هنا بإلى وليست هنا الرؤية بالبصر بلا شك ، فإنه خطاب لمحمد صلّى اللّه عليه وسلم ومن خوطب ، عن أمم قد مضوا ، وما رأيناهم حال خروجهم ولا حال موتهم ولا حال إحيائهم ، وكذلك قوله : (لَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ) فجاء بإلى ومعناه هنا الفكر ، أن يتفكر في ذلك مع وجود [ إلى ] فإنه معلوم في هذه الآية أن واحدا منا ما رأى ربه وهو يمد الظل ، فيعرف كيفية ذلك المد بوساطة مشاهدة البصر ، فبطل ما استشهدوا به من هذه الآية لتقييدها بحرف [ إلى ] فالرؤية في هذه الآية بمعنى التعجب والاعتبار إذا فكرت فيهم



ص 363

انفساح فيه ، واللّه يقبض بمنع غضبه ، ويبسط ببسط رحمته ، ويقول أبو عبد اللّه «1» : واللّه يقبض القرض ، ويبسط الأجر ، واعلم أن الفرق بين الحضرتين القبض والبسط ، أن القبض لا يكون أبدا إلا عن بسط ، والبسط قد يكون عن قبض وقد يكون ابتداء ، فالابتداء سبق الرحمة الإلهية الغضب الإلهي ، والرحمة بسط ، والغضب قبض ، والبسط الذي يكون بعد قبض كالرحمة التي يرحم اللّه بها عباده بعد وقوع العذاب بهم ، فهذا بسط بعد قبض ، وهذا

من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:

وعلمت قصتهم وحديثهم ، فإن الخبر الصدق والمعاينة على السواء في التصديق بذلك ، ولا أصدق من اللّه حديثا ، وهو المخبر بقصة هؤلاء الذين أخبر عنهم ، فلا فرق عندنا بين أن نشهدهم بأعيننا في هذه الآية وبين هذا الخبر الإلهي ، بل أتم وأوضح ، وقوله : «وَهُمْ أُلُوفٌ» أي متألفون ، جمع ألف ، كجالس وجلوس ، وقد يمكن أن يكون من العدد ، ويكون الأمران معا ، فأخبر اللّه تعالى أنهم خرجوا فرارا من الموت ، وهو أن الطاعون كان نزل بهم ، فأراهم اللّه أنه لا ينجي حذر من قدر ، قال تعالى : (أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ) «فَقالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا» فماتوا ميتة رجل واحد «ثُمَّ أَحْياهُمْ» ليعتبروا ، فإن الأجل المسمى ما كان وصل وقته ، وإنما كان هذا موت اعتبار وإحياء اعتبار لهم ولنا من بعدهم ، ليعلموا أن اللّه على كل شيء قدير ، وأنه لا راد لأمره ، ويخرج على هذا قوله تعالى : (لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى) يريد في الأولى التي هي الدار الدنيا ، فحذف حرف الجر ، فإن هؤلاء حصل لهم في الدنيا موتتان ، ولأمثالهم ، ثم قال : «إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ» منه هذا وأمثاله «وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ» أي يكفرون بنعم اللّه عليهم ، هؤلاء القوم الذين أخبر اللّه عنهم كانوا من بني إسرائيل ، وكان ذو الكفل نبيهم الذي بعث إليهم ، وهو حزقيل بن روم ، وقيل حزقيا بن روم ، وكان اللّه قد أمره أن يخرج بقومه لقتال عدوهم ، وكان الطاعون كثيرا ، ما يكون بأرض عدوهم ، فخاف قومه من القدوم على تلك الأرض ، فأبوا عليه ، فابتلاهم اللّه بالطاعون ، فخرجوا من مدينتهم حذر الموت ، فدعا اللّه حزقيل عليه السلام ربه أن يريهم آية يعرفون بها أنه لا ينجيهم حذرهم من قدر اللّه ، فقال لهم اللّه : موتوا ، فماتوا ميتة رجل واحد ، وجيفوا وانتثرت لحومهم عن عظامهم ، ثم دعا اللّه حزقيل أن يحييهم فأحياهم ، فلما رأوا ذلك تحققوا أن الفرار من قدر اللّه لا ينجيهم ، ثم قال تعالى : (245) «وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» يحتمل أن يكون المخاطب هؤلاء القوم بالقتال ، فيكون إخبارا لنا من الحق بتمام القصة وبما أمرهم به ، ويحتمل أن يكون المؤمنون المخاطبين بهذه الآية بعد فراغ القصة ، تحريضا للمؤمنين على جهاد عدوهم ، ولا يقولوا مثل ما قال هؤلاء الذين أبوا على نبيهم ، فإن اللّه «سَمِيعٌ» لكل ما يتكلمون

(1) أبو عبد اللّه هو الجامع لهذا التفسير .

لبسط الثاني محال أن يكون بعده ما يوجب قبضا يؤلم العبد ، ومن يدعو إلى اللّه على بصيرة يدعو من باب البسط من يعلم أن البسط يعين على الإجابة من المدعو ، ويدعو من باب

من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:

به ، «عَلِيمٌ» بما يضمرونه في صدورهم وإن لم يتكلموا به ، وقد يكون قوله: «عَلِيمٌ» إعلام بما هي الحقائق عليه ، فإن السمع متعلقه الكلام من حيث ما هو كلام لا من حيث ما يدل عليه من المعاني ، فيكون قوله : «عَلِيمٌ» بما دل عليه الكلام المسموع ، فجعل له تعلقين : تعلق السمع والعلم (246) «مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً» نزلت في أبي الدحداح عمرو بن الدحداح من الأنصار ، لما سمع النبي صلّى اللّه عليه وسلم يقول : من تصدق بصدقة فله مثلها في الجنة ، وكان لأبي الدحداح حديقة ، فقال : يا رسول اللّه إن تصدقت بحديقتي فلي مثلها ؟ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم :نعم ، قال : وأم الدحداح معي ؟ قال : نعم ، قال : والصبية ؟ قال : نعم ، قال : فتصدق بحديقته ، فأنزل اللّه هذه الآية فيه ، وضاعف اللّه أجره على صدقته ، فقال : «مَنْ ذَا الَّذِي» يقول : أي إنسان كان من المؤمنين لم يخص به واحدا دون آخر «يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً» القرض السلف ، لما كان السلف يعود إلى معطيه بعد ذلك جعل الحق سبحانه ما يتصدق به من أجله قرضا ، لأنه يعيد مثله وأكثر من ذلك على من أقرضه ، ولو قال ذلك بغير لفظة القرض ما أعطى هذا المعنى ، وإذا علم المعطي أن متاعه يعود إليه مضاعفا سارع إلى إعطائه لمن يسأل منه ذلك ، وقوله : «حَسَناً» يقول طيبة بذلك نفسه ، ببسط وجه للسائل وبشاشة وفرح ، كان الحسن صلوات اللّه عليه إذا وقف السائل ببابه يسارع بالصدقة إليه بيده فرحا مستبشرا به ، ويقول : مرحبا بحامل زادي إلى الآخرة ، ومن القرض الحسن رؤية النعمة من اللّه عند العطاء ، وقوله : «قَرْضاً حَسَناً» أي من وجه ، من المال يجوز له التصدق به مما ملكه اللّه إياه بوجه صحيح يرضاه اللّه ، وقوله : «فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً» هو قوله : (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ) وقوله عليه السلام : [ إن الصدقة تقع بيد الرحمن فيربيها كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله ] ومن القرض الحسن أن لا يتبعه أذى ولا منة ، قال تعالى : (ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً) وقال : (لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى) والشيء إذا كثره اللّه فلا أكثر منه ، وأقل الكثرة دوامه ، فكيف إذا انضاف إلى ذلك وجود الكثرة في الأمثال ، مثل قوله : (فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) لكان مبالغة في الكثرة «واللّه يقبض ويبسط» يريد هنا في الرزق ، يوسع الرزق على قوم ويضيقه على قوم بقدر ما يعلمه من المصلحة في حق ذلك العبد ، وإن كان شقيا فإنه مرحوم به في شقائه بوجه ما ، فإن رحمته وسعت كل شيء ، قال تعالى : (وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ) يعني الرزق ، وقال : (وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) فمن أعطاه اللّه



ص 365


القبض من يعلم أن القبض يعين على إجابة المدعو ، فيدعو بالقبض والبسط ، فإنه يراعي المصلحة ويدفع بالتي هي أحسن في حق المدفوع عنه وفي حق نفسه ، والبسط مطلب النفوس فليحذر غوائلها «وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ» .

سورة البقرة (2) :الآيات 246 إلى 247

لَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى إِذْ قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنا مَلِكاً نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ أَلاَّ تُقاتِلُوا قالُوا وَما لَنا أَلاَّ نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا وَأَبْنائِنا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ تَوَلَّوْا إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (246) وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً قالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ قالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (247)

لما كانت الحضرة الإلهية لا تقتضي التكرار لما هي عليه من الاتساع ، وكان العلم صفة

من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:

علم ذلك فقد اعتنى به ، وقد علم شيئا من سر القدر ، ثم قال : «وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ» ليوفيكم ما أقرضتموه في دار الكرامة ، وليندم من لم يقرضه في هذه الدار حين طلب منهم ذلك بالوجه الذي يصح فيه التصرف ، فهو قوله: (يَوْمُ التَّغابُنِ) للمعطي والمانع ، والمعطي من غير وجهه ، فيود المعطي المقبول لو أعطى جميع ما عنده ، ويود المانع لو أعطى وما منع ، ويود المعطي من غير وجهه أنه أعطى من الوجه الذي يليق ويكون معه القبول كما تقدم ، ولما خرج أبو الدحداح عن حديقته صدقة للّه تعالى ، جاء إلى حديقته التي تصدق بها ليسلمها إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم ، فوجد أم الدحداح والصبية فيها ، فامتنع من الدخول فيها ، فقال : يا أم الدحداح ، قالت له لبيك ، قال إني جعلت حديقتي هذه صدقة واشترطت مثلها في الجنة وأنت وأولادنا معنا فيها ، فقالت له أم الدحداح : بارك اللّه لك فيما شريت وفيما اشتريت ، فخرجوا منها وسلم أبو الدحداح الحديقة




إحاطته ، قرن معه السعة ، واشتق له اسما منها كما اشتق من العلم ، فقال تعالى : «وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ» فإن الحق له الاتساع الذي لا ينبغي إلا له ، والاسم الواسع من أعظم الأسماء إحاطة ،

من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:

للنبي صلّى اللّه عليه وسلم ، كم نخلة مدلى عذوقها لأبي الدحداح في الجنة ، ما رأيت أعرف من أم الدحداح حيث دعت بالبركة فيما باع وما اشترى ، فأما البركة فيما باعه ، فهو قوله عليه السلام في الصدقة ، تقع بيد الرحمن فيربيها كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله ، حتى تصير مثل جبل أحد وإن كانت غاية في الصغر ، فهذه بركته فيما باع ، فإن الجزاء يقع عليها يوم يقع على قدر ما انتهت إليه من العظم في التربية الإلهية ، لا على قدر الوقت الذي أعطاها ، والبركة التي تكون في المشتري هو ما لم يدخل تحت التعريف ، مضافا إلى القدر الذي زاد على ما كان جزاء للصدقة في أول إعطائها قبل التربية ، فهذا من أدل دليل على علمها بذلك ، ومن جملة القرض النفقة في سبيل اللّه لتجهيز الضعفاء الذين لا مال لهم إلى قتال عدوهم في قوله : «وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ» *ونفقتهم على أنفسهم في ذلك ، فوقعت النسبة بين الآيتين ، ثم قال : (247) «لَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى» الآية ، يقول ألم تعلم بما أخبرتك به مما كان من وجوه بني إسرائيل من بعد موت موسى ابن عمران «إِذْ قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ» قيل هو شموئيل ، وهو بالعربية إسماعيل بن بالي بن علقمة بن برخام بن البهر بن يهرص بن علقمة بن ناحب بن عموط بن عزريا بن صفية بن علقمة بن أبي يأسف بن قارون بن يصهر بن فاهث بن لاوي بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن ، وقيل هذا النبي هو شمعون ، وقيل هو يوشع بن نون بن أفراييم بن يوسف بن يعقوب بن إسحاق ابن إبراهيم الخليل ، قالوا له : «ابْعَثْ لَنا مَلِكاً» يقولون يتقدم علينا ويملك أمرنا ونسمع له ونطيع ليجمعنا على قتال عدونا الذي جلانا عن أهلنا وبلادنا ، وهو جالوت وأصحابه ، فهو قوله : «نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» «قالَ» فقال لهم نبيهم : «هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ أَلَّا تُقاتِلُوا» كما قال تعالى لن : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ) وعسى من اللّه ومن رسوله واجبة ، لأن الأنبياء قلوبهم محفوظة من الخواطر المذمومة ، فما يقع في قلوبهم إلا الحق ، وكذلك كان ، لما كتب عليهم القتال تولوا وأعرضوا إلا قليلا منهم ، كانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر خاصة ، فالمعنى يقول لهم نبيهم :الأقرب من أحوالكم إن كتب عليكم القتال أنكم لا تقاتلون وتكرهون ذلك ، لأن كلمة عسى من أفعال المقاربة «قالوا» فقالوا في جواب قوله : «وَما لَنا أَلَّا نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» يقولون وما يمنعنا من ذلك ونحن نطلب ثأرا من عدونا ، فقالوا : «وَقَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا وَأَبْنائِن» لما ظهر علينا عدونا جالوت ، قال : «فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ تَوَلَّوْا» أي أعرضوا كما ظنه فيهم نبيهم صلّى اللّه عليه وسلم «إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ» فكأن فعل المقاربة إنما دخل من أجل من أطاع منهم


ص 367

وهو الاسم الذي يتضمن الأسماء الإلهية التي تطلبها الأكوان كلها لاتساعه ، وهي أكثر من أن تحصى كثرة.

من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:

ولم يتول عن القتال ، فكأنهم قاربوا أن يتولوا بأجمعهم لولا أن اللّه اعتنى بالطائفة التي استثنى منهم ، قال : «وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ» وعيد وتهديد ، وتحقيق أن اللّه يعلم ما يكون من الظالم من الظلم قبل وقوعه ، فأنطق اللّه بذلك نبيه عليه السلام ، وعرفنا اللّه بهذا كله تنبيها لنا وتذكرة لئلا نكون مثلهم فيما يأمرنا به سبحانه ، وتعزية للنبي محمد صلّى اللّه عليه وسلم ، وتثبيتا لفؤاده إن وقع منا في أمر اللّه ما وقع من هؤلاء ، قال تعالى : (وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ) ثم قال : (248) «وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً» يقول : لما سأل ملأ بني إسرائيل نبيهم أن يبعث لهم ملكا يقاتلون معه عدوهم ، قيل أوحى اللّه إلى نبيه بقارورة فيها دهن مقدس ، فقال له ربه : إذا دخل عليك رجل فينشّ الدهن عند دخوله فذلك هو الملك الذي نبعثه لهم ، فدخل عليه طالوت يوما يرجو بركة دعائه في أن يرد اللّه عليه حمرا ضلت له ، فلما دخل نش الدهن في القارورة ، فدهنه به ، وكان رجلا دباغا حقيرا في قومه من سبط بنيامين ، ولم يكن في ذلك السبط نبوة ولا ملك ، وكان طالوت من أدنى بيت فيه ، وسمي طالوت لفضله عليهم في العلم والجسم من الطول وهو الفضل ، واسمه بالسريانية شانك بن قيس بن إنبال بن ضرار ابن يحرب بن أفثح بن إيش بن يامين بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل ، فقال له شمويل:

إن اللّه قد أمرني أن أبعثك ملكا لهؤلاء القوم تقاتل بهم عدوهم ، ودهنه بدهن القدس ، وأعلمه أن اللّه يوحي إليه إذا كان في مكان كذا وكذا ، ثم قال لقومه : «إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً» «قالُوا أَنَّى يَكُونُ» يقولون كيف يكون : «لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا» وليس هو من سبط فيه نبوة ولا ملك «وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ» يقولون وما له مال واسع يكون به ملكا «قالَ» 247لهم نبيهم «إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاهُ» أي اختاره «عَلَيْكُمْ» يقول : يكون ملكا عليكم يملك أمركم «وَزادَهُ» عليكم «بَسْطَةً» أي اتساعا «فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ» أي منظره عظيم حسن ، ومخبره مثل ذلك ، وأحسن الناس من عظم منظرا ومخبرا ، وقيل كان سقاء يستقي الماء على حمار له «وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ» يقول : الملك للّه سبحانه ليس لكم فيعطيه لمن يشاء من عباده ، قال تعالى : (قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ) ثم قال: «وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ» لما قالوا : ولم يؤت سعة من المال ، أخبرهم اللّه بأني واسع العطاء إذا شئت أغنيته بالمال ، وقوله : «عَلِيمٌ» في هذا الموضع ، يقول : عليم بمن يصلح من عبادي للنيابة عني في خلقي والتقدم عليهم ، ولما أخبرهم نبيهم بأن اللّه اصطفى عليهم طالوت بالملك ، قالوا : ما آية ذلك ؟


المراجع:

(245) الفتوحات ج 3 / 46 - ج 4 / 2248">224 ، 374 - ج 3 / 430 - ج 4 / 2248">224 ، 225

 

 

البحث في التفسير


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!