موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

إشارات في تفسير القرآن الكريم

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

مستخلصة من الفتوحات المكيّة وكتبه الأخرى

سورة البقرة (2)

 

 


الآيات: 239-242 من سورة البقرة

فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً فَإِذا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَما عَلَّمَكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (239) وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِي ما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (240) وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (241) كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (242) .

فإن العاقل يستبرئ لنفسه ، فإن كان عالما حكم بما علم ، وإن لم يكن عالما بتلك الواقعة ما حكمها حكم عليه عقله أن يسأل من يدري الحكم الإلهي المشروع في تلك النازلة ، فإذا عرفه حكم فيها ، فهذا فائدة العقل ، فإن كثيرا ممن ينتمي إلى الدين والعلم الرسمي تحكم

من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:

من الفرائض ، إذ كان وقتها أخفى الأوقات كلها ، لأنه قال : [ والشمس مرتفعة بيضاء نقية ] قبل أن تدخلها الصفرة ، فما فوقها في البيان كوقت الصبح بطلوع الفجر ، وصلاة الظهر بزوال الشمس ، والمغرب بغروب الشمس ، والعتمة بمغيب الشفق ، فجميع الأوقات في غاية البيان ، فلهذا أكد بذكر صلاة العصر في مصحف عائشة ، وهو المحافظة على معرفة وقتها ، ثم قال تعالى : «وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ» يعني فيها ، معناه ساكنين ، فإنهم كانوا يتكلمون في الصلاة حتى نزلت هذه الآية ، قال الراوي : فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام في الصلاة ، وإن كان القنوت الطاعة للّه ، فقوله : «وَقُومُوا لِلَّهِ» بها على حد ما أمركم اللّه به وما علمكم ، أي من أجل اللّه ، ثم قال :

(240) «فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالًا أَوْ رُكْباناً» وهذا من المحافظة على الصلوات أن تقام على جميع الأحوال وعلى قدر الاستطاعة ، ولا سبيل إلى تركها ، ولو صلاها إيماء بعينيه ، فقال تعالى : فإن كنتم في حال خوف من عدو لا تستطيعون أن تؤدوها وأنتم قائمون على الأرض فلتصلّوها وأنتم تمشون إن كنتم رجالا ، أي على أرجلكم ، أو ركبانا ، يقول : على رواحلكم إذا لم تستطيعوا النزول على الأرض ، ثم قال : «فَإِذا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَما عَلَّمَكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ» يقول : فإذا ارتفع الخوف وكان الأمن فصلوا كما علمكم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم من أعمال الصلاة من القيام على الأرض والركوع والسجود ، وليس في هذه الآية ما يدل على النقص من أعداد ركعات الصلاة


ص 360

شهوتهم عليهم ، والعاقل ليس كذلك ، فإن العقل يأبى إلا الفضائل ، فإنه يقيد صاحبه عن التصرف فيما لا ينبغي ، ولهذا سمي عقلا من العقال ، وقوة العقل والدليل الواضح قاما للعقل على تصديق الرسول الذي بعثه إلينا في إخباره الذي يخبر به عن ربه بما يكون منه سبحانه

من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:

كما ورد في السنة من أنه فرض الخائف ركعة ، وهي مسألة خلاف بين الناس ، وقد يمكن أن يكون قوله : «فَاذْكُرُوا اللَّهَ» تحريض على شكره سبحانه كما علمنا كيف نؤدي هذه الصلاة في حال الخوف وفي حال الآمن وعلى كل حال ، ثم قال : (241) «وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِي ما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ» الوجه عندي في تأويل هذه الآية أنه إخبار من اللّه بما كان الأمر عليه في زمان الجاهلية ، واستمرار ذلك في أول الإسلام ، من غير أن يرد من اللّه في ذلك حكم يرفعه ، ولا حكم يقره ، بل بقي الأمر على ما هو عليه من أن المرأة إذا مات عنها زوجها وهي في عصمته ، أنه كان يوصي لها بالنفقة والسكنى حولا كاملا ، ولم يكن لها ميراث ، فإن استعجلت المرأة الخروج قبل الحول سقطت نفقتها وسكناها ، ولم ينزل اللّه عليهم في حق من تركها تخرج ولا في حقهن إذا خرجن إثما ، بل كان الأولياء والمؤمنون يتركونهن ، وكانت النساء يزلن الإحداد ويتزين ويتعرضن للخطاب والتزويج ، ولا حرج في ذلك عليهم ، ولا عليهن من اللّه ، إلى أن نزلت آية الميراث والتربص أربعة أشهر وعشرا ، فلم يكن الحول ولا النفقة فيه ولا السكنى شرعا مقررا من عند اللّه ، ويؤيد هذا أنه لما نزلت عدة المتوفى أربعة أشهر وعشرا ، وظهر من الناس في ذلك ما ظهر من أنه يشق على النساء ، قال عليه السلام:

[ قد كانت إحداكن في الجاهلية تقعد حولا في شر ثيابها ] الحديث - ولم يقل عليه السلام فيه إن ذلك كان شرعا من عند اللّه ، وقاله منكرا عليهن ، وأن الذي نزل عليه في ذلك أخف مما كان الأمر عليه ، وهن يضقن به ذرعا ، فإذا كانت هذه الآية إخبارا من اللّه تعالى بما كان الأمر عليه ، فلا يكون ما نزل من الحكم في ذلك بالأربعة أشهر والعشر الليالي وآية الميراث ناسخا لهذا الخبر ، لأن الخبر لا ينسخ ، وإنما الحكم الذي وقع الخبر عنه ارتفع بما نزل في ذلك ، والذي ذهب إليه المفسرون أن هذه الآية خرجت مخرج الحكم من اللّه في أول الإسلام ، ثم نسخها ما ذكرنا ، وهو بعيد للإنكار الوارد من النبي عليه السلام الذي ذكرناه ، وقوله هنا : «وَاللَّهُ عَزِيزٌ» أي غالب بما قهرهم من الموت ، منيع الحمى أن يحال بينه وبين ما يريد ، فإن اللّه توفاهم ، وقوله : «حَكِيمٌ» أي عليم بالوقت الذي أنزل فيه رفع هذه المشقة ، فإن الحكيم هو الذي لا يتعدى بالأشياء ميقاتها ، لعلمه بذلك ولا نعلمه نحن ، ثم قال : (242) «وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ»


ص 361

في خلقه ، وبما يكون عليه سبحانه في نفسه ومما يصف به نفسه مما يحيله عليه العقل إذا انفرد بدليله دون الشارع ، فالعاقل الحازم يقف ذليلا مشدود الوسط في خدمة الشرع ، قابلا لكل ما يخبر به عن ربه سبحانه وتعالى مما يكون عليه ومنه .[ سورة البقرة (2) : آية 243 ]

لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ (243)

المراد هنا الفضل العام والخاص لما كان الناس يفضل بعضهم بعضا والرسل تفضل بعضهم بعضا «وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ» فإن عين الشكر عين النعم ، ومن النعم دفع النقم ، كم نعمة للّه أخفاها شدة ظهورها ، واستصحاب كرورها على المنعم عليه ومرورها ، وهم في غفلة معرضون ، ولكن أكثر الناس لا يعلمون ، بل لا يشعرون بل لا يشكرون.

من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:

يقول: إن حكم المطلقة ما هو حكم المتوفى عنها زوجها ، وهو عموم في جميع المطلقات ، وهذه مسألة خلاف بين العلماء ، فمن الناس من قال : إن المتاع هنا نفقة العدة ، ومنهم من قال : هي في غير المدخول بها كما تقدم ، ومنهم من قال : واجبة في كل مطلقة ، وقوله تعالى : «حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ» أي واجبة على من يتقي اللّه فيفعل ما أوجب اللّه فعله عليه ، والظاهر لو أراد بهذه الآية ما أراد بالأولى التي هي غير المدخول بها التي لم يفرض لها لكانت خلية عن الفائدة ، فالأوجه أن يكون مثل الأولى في الوجوب في غير المدخول بها ، وفي المدخول بها على الاستحباب والندب من اللّه إلى ذلك ، والتقي يبادر إلى ما ندبه اللّه إليه مبادرته إلى الواجب على السواء ، إيثارا لما اختاره اللّه له وإن لم يجب عليه ، فإن المتقي يوجبه على نفسه ، ومن ألزم نفسه طاعة ألزمه الشارع إياها فلذلك قال : «حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ» أي واجبا ، وما كل مؤمن ذا تقوى ، وفي غير المدخول بها واجب ولا بد ، ثم قال : (243) «كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ» أي يظهر لكم «آياتِهِ» أي العلامات التي تستدلون بها على الأحكام ، أو يقول : كما بينت لكم الأحكام بما أنزلته عليكم في الكتاب ، مثل ذلك يبين اللّه لكم آياته التي جاءت بها الأنبياء دلالات على صدقهم ، وقوله : «لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ» أي تقيّدون أنفسكم بالعمل بها ، مأخوذ من العقال ، فلا تسرحوا إلا فيما سرحكم الشرع فيه ، ثم قال : (244) «لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا


ص 362


المراجع:

(242) الفتوحات ج 3 / 333 ، 58

 

 

البحث في التفسير


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!