موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

إشارات في تفسير القرآن الكريم

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

مستخلصة من الفتوحات المكيّة وكتبه الأخرى

سورة الصافات (37)

 

 


الآية: 96 من سورة الصافات

وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ (96)

رد الحق كل صورة في العالم تظهر عن الأسباب المنشئة لها إلى نفسه في الخلق ، فقال في كل عامل «وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ» فهو خالقك وخالق ما أضاف عمله إليك ، فأنت العامل لا العامل ، كما قال : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى)

والعمل ليس لجسم

الإنسان بما هو جسم ، وإنما العمل فيه لقواه ، وقد أخبر أن العمل الذي يظهر من الإنسان المضاف إليه أنه للّه خلق ، فالأعمال خلق للّه مع كونها منسوبة إلينا ،

فلم ينسبها إليه من جميع الوجوه ، وأضاف العمل إلينا بهذا الحكم مع كون ذلك العمل خلقا له وإبداعا ،

ومن ذلك تعلم أن ظاهر الشريعة ستر على حقيقة حكم التوحيد بنسبة كل شيء إلى اللّه ،

فأنت مكلّف من حيث وجود عينك ، محل للخطاب ، وهو العامل بك من حيث أنه لا فعل لك ، إذ الحدث لا أثر له في عين الفعل ، ولكن له حكم في الفعل ،

إذ كان ما كلفه الحق من حركة وسكون لا يعمله الحق إلا بوجود المتحرك والساكن ، فإن الحق تعالى عن الحركة والسكون أو يكون محلا لتأثيره في نفسه ،

فقوله تعالى : «وَما تَعْمَلُونَ» أثبت بالضمير ، ونفى بالفعل الذي هو خلق ، أي خلق ما تعملون ،

فالعمل لك والخلق للّه ، فنسب العمل إليهم وإيجاده للّه تعالى ، فإن أفعال العباد وإن ظهرت منهم لولا اللّه ما ظهر لهم فعل أصلا ، والخلق قد يكون بمعنى الإيجاد ويكون بمعنى التقدير ، كما أنه قد يكون بمعنى الفعل ، وما أضاف الحق إليه تعالى عين ما أضافه إليك إلا لتعلم أن الأمر الواحد له وجوه ، فمن حيث ما هو عمل أضافه إليك ويجازيك عليه ،

ومن حيث هو خلق هو للّه تعالى ، فالعمل لك والخلق للّه ، وبين الخلق والعمل فرقان في المعنى واللفظ ، فنسب اللّه الفعل للعبد ونسب الناس الفعل للمخلوق ، وإن كان الحق أصاره إلى ذلك فصار ، فنسبة صار تجعل الفعل للعبد ، ونسبة أصار تجعل الفعل للّه ،

وظهور الفعل من العبد المخلوق بالاختيار والقصد والمباشرة حقيقة مشهودة للبصر ، والفعل من المخلوق من كون الحق أصاره إلى ذلك فكان له كالآلة للفاعل ،

والآلة هي المباشرة للفعل ، وينسب الفعل لغير الآلة بصرا وعقلا ، وبهذا القدر تعلق الجزاء والتكليف لوجود الاختيار من الآلة ، وهي مسئلة دقيقة في غاية الغموض ، ولا دليل في العقل يخرج الفعل عن العبد ، ولا جاء به نص من الشارع لا يحتمل التأويل ،

فالأفعال من المخلوقين مقدرة من اللّه ، ووجود أسبابها كلها بالأصالة من اللّه ، وليس للعبد ولا لمخلوق فيها بالأصالة مدخل إلا من حيث ما هو مظهر لها ،

ومظهر اسم فاعل واسم مفعول ، فما عمل أحد إلا ما أهّل له ، ممن كبّره أو هلله ، وما هو إلا من حيث أنه محل لظهوره ، وفتيلة لسراجه ونوره ،

يقول اللّه تعالى : (فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ)

ويقول وهو القائل على لسان عبده : [ سمع اللّه لمن حمده ]

ويقول : [ كنت سمعه الذي يسمع به


وبصره ولسانه ويده ورجله وغير ذلك ]

قولا شافيا ، لأنه ذكر أحكامها فقال : [ الذي يبطش بها ويسعى بها ويتكلم به ويسمع به ويبصر به ويعلم ]

ومعلوم أنه يسمع بسمعه أو بذاته يسمع ، وعلى كل حال فجعل الحق هويته عين سمع عبده وبصره ويده وغير ذلك ،

والملك مع علمه بذلك يقول : (وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ) والجن يقول : (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ) *والرسول يقول : (ما قلت لهم إلا ما أمرتني به)

ومن الناس من يقول : (إِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ) والسماوات والأرض والجبال تأبى وتشفق من حمل الأمانة وتقول :

(أتينا طائعين) وقال الهدهد : (أحطت) علما (بما لم تحط به) وقالت نملة : (يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ)

وقال اللّه : (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ)

وقالت الجلود : (أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ)

وقال : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ)

فما ترك شيئا من المخلوقات إلا وأضاف الفعل إليه ، فما في العالم إلا من نسب الفعل إليه ، أي إلى نفسه ، مع علم العلماء باللّه أن الفعل للّه لا لغيره ،

واللّه يقول : «وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ» فأضاف العمل إليهم وهو خالقه وموجده ، أعني العمل ، فهذه المسألة لا يتخلص فيها توحيد أصلا ، لا من جهة الكشف ولا من جهة الخبر ، فالأمر مربوط بين حق وخلق ، وما ثمّ عقل يدلّ على خلاف هذا ، ولا خبر إلهي في شريعة تخلص الفعل من جميع الجهات إلى أحد الجانبين ، وما ثمّ إلا كشف وشرع وعقل ، وهذه الثلاثة ما خلصت شيئا ولا يخلص أبدا دنيا ولا آخرة

- من باب الإشارة لا التفسير -قال أهل الإشارة «ما» هنا نافية. فمن كرم اللّه سبحانه وتعالى أن يخلق في عباده طاعته ويثني عليهم بأنهم أطاعوا اللّه ورسوله ، وما بأيديهم من الطاعة شيء ، غير أنهم محل لها ، فمن كرمه أنه أثنى عليهم بخلق هذه الصفات والأفعال فيهم ومنهم ، ثم أثنى عليهم بأن أضاف ذلك كله إليهم ، إذ كانوا محلا للصفات المحمودة شرعا ، فهذه أعظم آية وردت في ثبوت الحيرة في العالم ، فمن وقف مع المقالة المشروعة وجعل لها الحكم على ما أعطاه النظر العقلي من نقيض ما دل عليه الشرع ،

فذلك السالم الناجي ، ومن زاد على الوقوف العمل بالتقوى ، جعل اللّه له فرقانا يفرق به بين أصحاب النحل والملل وما تعطيه الأدلة العقلية ، التي تزيل حكم الشرع عند القائل بها ، فيتأولها ليردها إلى دليل عقله ، فهو على خطر وإن أصاب ، فعليك بفرقان التقوى فإنه عن شهود وصحة وجود

[ لطيفة «وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ» فهو العامل ]

-لطيفة - «وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَم


تَعْمَلُونَ» فهو العامل ، فالعارف يبذل المجهود وهو على بينة من ربه أن اللّه هو العامل لما هو العبد له عامل ، ولولا ذلك ما كان التكليف ، فلا بد من نسبة في العمل للعبد ، فالنسبة إلى الخلق والعمل للحق ، فهو تشريف ،

أعني إضافة العمل إليه ، سواء شعر بذلك العبد أو لم يشعر . واعلم أنه ما من عمل إلا وهو أمر وجودي ، وما من أمر وجودي إلا وهو دلالة على وجود اللّه وتوحيده ،

سواء كان ذلك الأمر مذموما عرفا وشرعا أو محمودا عرفا وشرعا ، والتوحيد المؤثر في إزالة حكم الشريعة كمن ينسب الأفعال كلها إلى اللّه من جميع الوجوه ، فلا يبالي فيما يظهر عليه من مخالفة أو موافقة ، فمثل هذا التوحيد يجب التنزيه منه لظهور هذا الأثر ،

فإنه خرق للشريعة ورفع لحكم اللّه ، فالأعمال خلق للّه مع كونها منسوبة إلينا ، فلم تنسب إليه من كل الوجوه ، فإن اللّه تعالى خلق الأفعال كلها ، ثم قسمها إلى محمود ومذموم ، فانظر حيث يقيمك ، فإن أقامك في مذموم فاعلم أنك في الوقت ممقوت ،

فاستدرك بالإزالة والتفرغ والإنابة ، وإذا أقامك في محمود فاعلم أنك في الوقت محبوب ، فإن فعلت ما لا يرضي الحق منك فارجع على نفسك بالمذمة والتقصير ، فأنت مأجور في هذه الشركة ، بل هو حقيقة التوحيد ، فإن توحيدا بغير أدب ليس بتوحيد ، فإن لم تر العيب من نفسك ، ولا رجعت عليها بالذم ، ولا ندمت على فعلك ، لم يصح لك توبة ، وإذا لم تتب لم تكن محبوبا ولا تنفعك تلك الحقيقة في الدنيا ولا في الآخرة

[ إشارة : إذا تركت ما للّه عند اللّه كنت راشدا ]

-إشارة -كما أن الإنسان إذا ترك ما للناس عند الناس أحبه الناس ، كذلك إذا تركت ما للّه عند اللّه ولم تطمع فيه ، ولا أضفت شيئا إلى نفسك من جميع أفعالك ، كنت على الحقيقة زاهدا وعلى التوحيد راشدا .


المراجع:

(96) الفتوحات ج 4 / 213 ، 20 - ج 1 / 348">348 - كتاب عقلة المستوفز - الفتوحات ج 1 / 347 ، 378 - ج 2 / 396 - ج 4 / 227 - ج 1 / 171 ، 727 - ج 4 / 350 - ج 3 / 566 ، 211 ، 212 - ج 2 / 89 - ج 4 / 126 ، 410 - ج 2 / 203 - ج 1 / 348">348 - كتاب مواقع النجوم - كتاب التدبيرات الإلهية

 

 

البحث في التفسير


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!