The Greatest Master Muhyiddin Ibn al-Arabi
The Greatest Master Muhyiddin Ibn al-Arabi

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

إشارات في تفسير القرآن الكريم

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

مستخلصة من الفتوحات المكيّة وكتبه الأخرى

سورة البقرة (2)

 

 


الآية: 249 من سورة البقرة

فَلَمَّا فَصَلَ طالُوتُ بِالْجُنُودِ قالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ فَلَمَّا جاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قالُوا لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ وَجُنُودِهِ قالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249)

من ذلك يعلم أن الصدق سيف اللّه في الأرض ، ما قام بأحد ولا اتصف به إلا نصره اللّه ، لأن الصدق نعته والصادق اسمه ، فينصر اللّه المؤمن الذي لم يدخله خلل في إيمانه على

من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:

شيء فقد فصل عنه فصولا ، فقال تعالى : «فَلَمَّا فَصَلَ» أي خرج من بيته بجنوده يطلب عدوه ، وكان في زمان الحر ، «قالَ» لهم : «إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ» قيل هو نهر الأردن الخارج من بحيرة طبرية الواقعة في بحيرة لوط ، فابتلاهم اللّه أي اختبر صدقهم في اتباع طالوت بالشرب من النهر ، إذ التكليف إنما يقع ويتعلق بفعل المكلف «فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ» يقول : من كرع فيه فشرب منه أكثر مما يسد به عطشه خاصة ، وهو الضروري من ذلك ، الذي تبقى به حياة الإنسان وإن أحس بالعطش ، يقول : فمن فعل ذلك «فَلَيْسَ مِنِّي» يقول : «وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ» وصبر على عطشه «فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ» وهو قدر الضرورة الداعية إليه فإنه مني ، وقوله : «فَلَيْسَ مِنِّي» أي الشرب منه ليس من سنتي ، كما ورد [ من غشنا فليس منا ] أي ليس من سنتنا الغش ، قال: «فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ» وكانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر ، وما عدا هؤلاء فإنهم شربوا حتى رووا منه ، قال تعالى : «فَلَمَّا جاوَزَهُ هُوَ» يعني طالوت «والذين معه» يعني عسكره ، أبصروا عسكر جالوت وكثرته وشدة بأسه ، ونظروا إلى ضعفهم وقلتهم «قالُوا لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ وَجُنُودِهِ» وهؤلاء القائلون منهم هم الذين شربوا وهم الذين وقع عليهم الشرط بقوله : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) وهم الذين قالوا : (وَقَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا وَأَبْنائِنا) فكرهوا أن يخرجوا من أنفسهم أيضا بالقتل ، فجبنوا عن قتال عدوهم ، وضعفوا عن الإيمان بالنصر المقترن بحضور التابوت ، فما كان فيه في حق هؤلاء سكينة ، لأن نفوسهم ما سكنت إليه في ذلك

من دخله خلل في إيمانه ، فإن اللّه يخذله على قدر ما دخله من الخلل ، أي مؤمن كان من المؤمنين ، فالمؤمن الكامل الإيمان منصور أبدا ، ولهذا ما انهزم نبي قط ولا ولي ، ألا ترى يوم حنين لما ادعت الصحابة رضي اللّه عنهم توحيد اللّه ، ثم رأوا كثرتهم فأعجبتهم كثرتهم فنسوا اللّه عند ذلك ، فلم تغن عنهم كثرتهم شيئا ، مع كون الصحابة مؤمنين بلا شك ، ولكن دخلهم الخلل باعتمادهم على الكثرة ، ونسوا قول اللّه «كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ» فما أذن اللّه هنا إلا للغلبة فأوجدها ، فغلبتهم الفئة القليلة بها عن إذن اللّه -[ الا من اغترف غرفة ]

إشارة - لما جرى نهر البلوى ، بين العدوتين الدنيا والقصوى ، وكان الاضطرار ، وقع الابتلاء والاختبار ، لما كان الظما ، اختبر الإنسان بالماء ، فلم يحصل له أمان الغرفة ، إلا من قنع في شربه بالغرفة ، فمن اغترف نال الدرجات ، ومن شرب ليرتوي عمر الدركات ، فما ارتوى من شرب ، وروي من اغترف غرفة بيده وطرب ، فمن رضي بالقليل ، عاش في ظل ظليل ، في خير مستقر وأحسن مقيل

سورة البقرة (2) : الآيات 250 إلى 251

وَلَمَّا بَرَزُوا لِجالُوتَ وَجُنُودِهِ قالُوا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (250) فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ وَآتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ وَلَوْ لا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ (251)

الحكمة هي علم النبوة ، والحكماء على الحقيقة هم العلماء باللّه وبكل شيء ومنزلة ذلك

من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:

«قالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللَّهِ» فقال القليل منهم ، وهم الذين يظنون أنهم ملاقوا اللّه ، وقد تقدم الكلام في الظن في هذه السورة «كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً» الفئة الجماعة ، وقوله : «بِإِذْنِ اللَّهِ» أي الغلب لا يقع إلا بإذن اللّه ، أي بأمره ، فإنه شيء ، وقد قال : (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) وقال تعالى : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى) وقوله : «وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ» قد تقدم الكلام عليه في هذه السورة ثم قال : (251) «وَلَمَّا بَرَزُوا لِجالُوتَ وَجُنُودِهِ قالُوا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ»


ص 372



الشيء المعلوم ، وهم على الحقيقة الرسل والأولياء «وَلَوْ لا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ» ولبطلت السنة والفرض .


سورة البقرة (2) : الآيات 252 إلى 253

تِلْكَ آياتُ اللَّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (252) تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ وَلكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ (253)

الرسل ثلاثمائة وثلاثة عشر رسول ، منهم الفاضل والأفضل ، وإن سبح الكل في فلك الرسالة ، لأن كل صنف أشخاصه يفضل بعضهم بعضا ، ولا تفاضل إلا بالعلم ، فهؤلاء

من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:

يقول: ولما برزوا أي ظهروا إلى عدوهم ، دعوا اللّه أن يصب عليهم الصبر والثبات في الحرب ، والنصر على الأعداء ، وكيف يسألون النصر وهم قد علموا وقوع النصر لهم على أعدائهم بكون التابوت معهم ؟ فالجواب من وجهين : الوجه الواحد ، الأدب مع الحق والاعتماد عليه لا على الأسباب ، وما هم على يقين أن التابوت يكون معه النصر كما كان لمن تقدم ، لتغير الأحوال ، ومجيئه إنما كان آية على ملك طالوت لا على نصره على عدوهم ، وما يقتضيه أيضا جبلة الإنسان من الجبن ، فاستعان بالدعاء للهلع الذي قام به ، قال تعالى : (إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً) ،والوجه الآخر ، منقول عن السكينة ، فإنهم قالوا إنها كانت آية لها رأس كرأس الهر ، فإذا صاحت علموا أنهم قد نصروا ، وإذا سكتت علموا أنهم لا ينصرون ، وهم لا يدرون هل تصيح فينصرون أم لا ؟ فاستعانوا بالدعاء للّه والتضرع في النصر على أعدائهم ، فأجاب اللّه دعاءهم ، فأخبر تعالى وقال : (252) «فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ» كما قال أولا بإذن اللّه ، تصديقا لهم حيث قالوا : (غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ) «وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ» يريد داود النبي صلّى اللّه عليه وسلم وجالوت هو الملك «وَآتاهُ اللَّهُ» يعني داود «الْمُلْكَ» الذي كان لطالوت «وَالْحِكْمَةَ» الزبور الذي أنزل عليه «وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ» ما أراده من العلوم التي فيها سعادته وشرفه «وَلَوْ لا


ص 373




مع اجتماعهم في الرسالة والكمال يفضل بعضهم بعضا فيما لهم من الأخلاق الخاصة بهم ، وهي مائة وسبعة عشر خلقا ،[ مكانه محمد (ص) ]

وقد جمعها كلها محمد صلّى اللّه عليه وسلم ، جمعت له عناية أزلية ، فإن اللّه تعالى لما خلق الخلق خلقهم أصنافا ، وجعل في كل صنف خيارا ، واختار من الخيار خواصا وهم المؤمنون ، واختار من المؤمنين خواصا وهم الأولياء ، واختار من هؤلاء الخواص خلاصة وهم الأنبياء ، واختار من الخلاصة نقاوة وهم أنبياء الشرائع المقصورة عليهم ، واختار من النقاوة شرذمة قليلة هم صفاء النقاوة المروقة وهم الرسل أجمعهم ، واصطفى واحدا من خلقه هو منهم وليس منهم ، هو المهيمن على جميع الخلائق ، جعله عمدا

من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:

دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ» أي ولولا دفاع اللّه الناس بعضهم ببعض ، أي ولولا أن اللّه يدفع بأوليائه شر أعدائه وفسادهم الذي يرمونه في دين اللّه وأوليائه «لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ» أي لظهر الفساد في الأرض «وَلكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ» أي ذو منة وعناية على العالمين ، يعني عباده ، ثم قال لنبيه صلّى اللّه عليه وسلم: (253) «تِلْكَ آياتُ اللَّهِ» يعني جميع ما ذكره من هذه القصة «نَتْلُوها عَلَيْكَ» أي نعرفك بها «بِالْحَقِّ» أنها حق «وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ» يقول : كما أرسل هؤلاء ، وأنك ستلقى مثل ما لقي هؤلاء ، وتعزية له لما لقيه من بني قريظة والنضير ، ولما كانت الأنبياء قد جعلها اللّه صنفين :صنف أرسلهم إلى الخلق مبشرين ومنذرين ، وصنف لم يرسلهم بل نبأهم وجعلهم على شريعة من عنده تعبدهم بها ، قال لمحمد عليه السلام : «وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ» منهم ، أي من الصنف الذي أرسل ، وكان صلّى اللّه عليه وسلم أعظم الرسل ، إذ كان الرسالة إلى كافة الناس ، فجميع بني آدم من زمان رسالته إلى يوم القيامة من أمته ، من آمن منهم ومن كفر ، فميزانه أرجح الموازين ، وسواد أمته أكثر سوادا يوم القيامة من سائر الأمم ، فهو المكاثر الذي لا يكاثر ، ثم نرجع إلى ذكر القصة بعد انقضاء التفسير فنقول : إن بني إسرائيل لما استولى عليهم جالوت وأخرجهم من ديارهم وحال بينهم وبين أبنائهم بالأسر والجلاء والقتل ، وأخذ التابوت الذي كانت تستنصر به الأنبياء على أعدائها في القتال ، وكان موسى لما مات في التيه ترك التابوت عند يوشع بن نون بن أفراييم ابن يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل ، وأوصاه به ، وما زال التابوت ينتقل من نبي إلى نبي بالوصية عليه ، إلى أن كفرت بنو إسرائيل وضلوا ، سلط اللّه عليهم جالوت فاتكا فيهم ، فقيل إن التابوت رفعه اللّه ، وقيل إن جالوت استولى عليه وأخذه منهم وبقي عنده ما شاء اللّه ، ولما رأت بنو إسرائيل ما جرى عليها ، اجتمع وجوههم إلى النبي الذي كان عندهم في ذلك الوقت وهو شمويل ، فقالوا له : إن عدونا استولى علينا وليس لنا ملك ولا رأس نرجع له ونسمع له



أقام عليه قبة الوجود ، جعله أعلى المظاهر وأسناها ، صح له المقام تعيينا وتعريفا ، فعلمه قبل وجود طينة البشر ، وهو محمد صلّى اللّه عليه وسلم ، لا يكاثر ولا يقاوم ، هو السيد ومن سواه سوقة ، قال عن نفسه : أنا سيد الناس ولا فخر ، بالراء والزاي ، روايتان ، أي أقولها غير

من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:

ونطيع ، فكان يغزو بنا عدونا ولا نبقى ضميمة يفتك بنا بسيفه ورجاله ، فقال لهم نبيهم:

أنا أسأل اللّه في ذلك ، ولكني أخاف عليكم إن فرض عليكم القتال ألا تقاتلوا ، وكانت الأمم تنزل عليهم الأحكام على قدر سؤالاتهم ، فقالوا لشمويل : يا رسول اللّه وكيف نتخلف عن قتال عدونا وقد أخرجنا من ديارنا وحال بيننا وبين أبنائنا ؟ وذهلوا عن الذي قال لهم شمويل من فرض القتال عليهم لما كانوا فيه من شدة الحرص على قتال عدوهم ، فما طلبوا إلا ملكا يدبر أمرهم ، لا أن يفرض عليهم القتال فيعصون بتركه ، فلما أجاب اللّه نبيه شمويل فيما سأل من ذلك ، فرض اللّه عليهم القتال ، فقال لهم نبيهم شمويل : إن اللّه قد فرض عليكم قتال عدوكم ، فلما سمع القوم بأن ذلك على جهة الفرض صعب عليهم لما في التكليف من المشقة ، فأعرض أكثرهم ورجع عن سؤاله ، وآمنت طائفة بما فرض اللّه عليها من قتال عدوها ، فكان الذين آمنوا ثلاثمائة وثلاثة عشر ، ثم قال لهم شمويل صلوات اللّه عليه : إنني سألت اللّه في أن يبعث لكم ملكا يرجع أمركم في قتال عدوكم إليه ، فأوحى اللّه إلى شمويل ونزل عليه جبريل بقارورة فيها دهن القدس ، وقال له : يا شمويل انظر إلى هذا الدهن في هذه القارورة فأي رجل دخل إليك ونش هذا الدهن لدخوله ، فهو الملك الذي قد قضيت أن أبعثه لبني إسرائيل ، وكان في زمن شمويل رجل يسقي الماء على حمار له ، وقيل بل كان دباغا ولم يكن من بيت فيه نبوة ولا ملك ولا من أشراف بيته ، وقد ذكرنا نسبه وبيته ، فضاع حماره فخرج في طلبه ، فمر بمنزل شمويل ، فدخل عليه يرجو بركة دعائه في وجدان حماره ، فلما دخل عليه نش الدهن في القارورة ، فنظر إليه شمويل وقال له :

ادنه ، فدنا منه طالوت ، فدهن رأسه بذلك الدهن وبرّك عليه ، وقال له : يا طالوت إن اللّه قد أعطاك ملك بني إسرائيل وقدمك عليهم ، وكان طالوت ذا منظر حسن وهيبة وامتداد قامة ، وكان قد آتاه اللّه علما بالحروب وترتيب الجيوش والمكايد التي يحتاج إليها في الحرب ، فقال شمويل لبني إسرائيل : إن اللّه قد بعث لكم طالوت ملكا ، وكانوا يعرفون طالوت بينهم وأنه فقير حقير مهان في عشيرته ، وعشيرته في العشائر حقيرة غير معتبرة ، فأنفوا أن يتقدم عليهم مثل ذلك ، وقالوا لشمويل : نحن أحق بالملك منه ، فإنه رجل لا أصل له فينا يرجع إليه من ملك ولا نبوة ، ولا مال له ينفقه فينا ، فقال لهم شمويل : إن اللّه قد فضله عليكم بما تحتاجون إليه في قتال عدوكم وبما ينبغي أن يكون عليه الملك ، وأعطاه اللّه العلم بالقتال والمغالبة والحروب ، وأعطاه البسطة والجمال في



متبجح بباطل ، أي أقولها ولا أقصد الافتخار على من بقي من العالم ، وإن كنت أعلى المظاهر الإنسانية فأنا أشد الخلق تحققا بعيني «تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ» فمن حيث ما هي رسالة فلا فضل إذ الاسم يعم هذه الحالة ، ومن حيث ما هي رسالة بأمر ما وقع

من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:

صورته بحيث إذا رآه عدوه هابه ، وأما المال فإنّ اللّه بيده خزائن الأرض ومقاليدها ، فهو يعطيه ويهبه ما ينفقه فيكم ، فقالوا له : إن كان اللّه اختاره لنا وبعثه ملكا علينا كما زعمت فما علامة ذلك ، وكانت بنو إسرائيل كثيرا ما تطلب الآيات من أنبيائها ، فقال لهم : إن علامة ملكه فيكم أن يرجع إليكم التابوت الذي أخذ منكم ، وتأتي به الملائكة تحمله في الهواء وأنتم تنظرون إليه حتى تنزله في بيت طالوت ، ففرحوا برد التابوت ورضوا بهذه الآية ، فبينما هم جلوس وإذا بالتابوت بين السماء والأرض تحمله الملائكة وهم ينظرون إليه ، حتى نزلت به الملائكة في بيت طالوت ، وكان في التابوت صورة يقال لها السكينة ، لها رأس كرأس الهر ووجه كوجه الإنسان وجناحان ، فإذا لقوا العدو نظروا إليها وهي في التابوت ، فإذا أنّت وصوتت وفتحت جناحيها أيقنوا بالنصر ، وسار التابوت بحركتها قدما تجاه العدو ، وسار الجيش خلف التابوت ، فيدبر عدوهم منهزما ، فلما رأت بنو إسرائيل التابوت قد نزل عند طالوت علموا أن اللّه قد أعطاه الملك عليهم ، فسمعوا له وأطاعوا واجتمعوا عليه ، فخرج بهم يطلب جالوت ، وكان عدوهم بين فلسطين وديار مصر ، وكان من عبدة الأوثان ، فلما جاء الغور وكان زمان قيظ واشتد عليهم الحر ، وأخذهم العطش ، أخرج اللّه لهم نهرا من بحيرة طبرية يجري مع طول الغور إلى أن يصب في بحيرة لوط ، يقال له الأردن ، فقال لهم طالوت : إن اللّه يختبركم بهذا النهر مع عطشكم ، فمن لم يطعمه صحبني وكان معي ، ومن شرب منه وأخذ منه فوق حاجته فليس يتبعني ولا يكون معي ، إلا من أخذ منه قدر الحاجة ، وهي الغرفة بيده ليسد بها رمقه إذا خاف الهلاك من العطش ، فشرب منه كل من تولى حين فرض عليهم القتال ، ولم يشرب منه الثلاثمائة والثلاثة عشر ، فلما جاوز النهر طالوت وعسكره ولحقوا بجالوت وعسكره ، قال أصحاب طالوت الذين شربوا من النهر :لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده ، لما رأوه من العدة والعدد ، فقال الثلاثمائة والثلاثة عشر : لا تقولوا هكذا فإن النصر من عند اللّه ، ما هو بكثرة الجموع ، فكم رأينا وسمعنا من جماعة قليلة ضعيفة في العدة والعدد هزمت بإذن اللّه - لما ثبتت وصبرت - جماعة كثيرة قوية في العدة والعدد ، واللّه مع من يثبت في الحرب ، ولا يبرح معين له وناصر ، وكان طالوت لما بشره شمويل بالملك قال له : إني أعطيك درعا يكون معك ، تخلعه على قاتل جالوت ، وتزوجه بنتك وتعطيه نصف ملكك ، وإن هذا الدرع لا يلبسه ويكون على قده إلا قاتل جالوت ، وهذه علامة لك على ذلك ، وكان داود عليه

التفاضل ، ووقع التفاضل بين الرسل وهم الخلفاء لاختلاف الأزمان واختلاف الأحوال ، ولهذا اختلفت آيات الأنبياء باختلاف الأعصار «مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ» فآية كل خليفة ورسول من نسبة ما هو الظاهر والغالب على ذلك الزمان وأحوال علمائه ، أي شيء كان من طب أو سحر

من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:

السلام يرعى غنما ، وكان داود بن إيشا بن عويذ بن غابر بن يسلمون بن يخسون بن عميذاب ابن رام بن حصرون بن فارض بن يهودا بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل ، وكان أبوه إيشا وإخوته في عسكر طالوت ، وأراد داود الغزو معه فأودع غنمه ربه تعالى وانحدر يريد الجيش ، فخاطبه حجر وقال له : خذني يا داود فإني أقتل جالوت ، فكم قتل بي هارون عليه السلام من أعداء اللّه ، فقل للريح تعينني على إزالة البيضة من رأس جالوت ، حتى أنفذ إلى رأسه فأشدخه ، فأخذه فجعله في مخلاة له ، ثم انصرف ، فناداه حجر آخر : يا داود أنا حجر موسى ، كم قتل بي من عدو اللّه ، فخذني حتى تستعين بي على قتل عسكر جالوت ، فأخذه وجعله في مخلاته ، ثم انصرف ، فناداه حجر ثالث كذلك ، فأخذه فجعله في مخلاته ، فلما دخل على طالوت ، قال له داود : يا طالوت إني قاتل جالوت ولي عليك شرط إذا قتلته أن تزوجني بنتك وتقاسمني في ملكك ، فقال له طالوت وتذكر ما عهد إليه شمويل في ذلك : يا داود إن لي علامة فيك وهو هذا الدرع ، فإن هو استوى عليك ولم يقصر عنك ولا طال عليك فأنت قاتل جالوت ، وكان ذلك الدرع ما يلبسه أحد إلا طال عليه أو قصر ، فأفرغه على داود فطال عليه فانتقص فيه فتقلص حتى استوى عليه ، فكان تقلصه من أكبر الآيات ، حتى لا يقال إنه وقع له بحكم الموافقة ، فعلم طالوت أن ذلك آية كما كان التابوت له آية ، ثم إن الجمع التقى وجاء داود حيال جالوت ، فقال له جالوت : ما تريد ؟ قال : أنا قاتلك ، فازدراه جالوت وحقره لقلة سلاحه ولذاته وما رأى عنده إلا الدرع عليه ومخلاة ومقلاعا ، فأدخل يده داود في مخلاته فإذا الأحجار الثلاثة قد التأمت بإذن اللّه وصارت واحدا ، فجعل الحجر في المقلاع ، وأمر اللّه الريح أن تلقي البيضة عن رأس جالوت ، فهبت هبوبا شديدا حتى ألقت البيضة عن رأس جالوت ، ورمى داود عليه السلام بالمقلاع الحجر كما رمى النبي عليه السلام التراب في وجوه الأعداء يوم حنين ، فانقسم الحجر في الهواء ثلاثة أقسام ، فطار حجر منه إلى رأس جالوت فنفذه ، والحجر الآخر أخذ يمين الجيش ، وأخذ الحجر الثالث ميسرة الجيش ، فانهزم جالوت وجنوده ، وسقط جالوت قتيلا ، وهزمهم اللّه عن آخرهم ، واستبشر الناس ، وجاء داود إلى طالوت وطالبه بالشرط ، فصعب على طالوت أن يكون ملكا ويعطيه ابنته وهو رجل راعي غنم ، فقال يا داود : ما كان لمثلك أن يخطب بنات



أو فصاحة أو ما شاكل هذا ، وأعطي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم جميع ما فضلت به الرسل بعضهم على بعض ليتبين شرفه وما فضله اللّه به على غيره في الدنيا بما اختص به ، وفي البرزخ والقيامة والجنة والكثيب وأيد عيسى عليه السلام بالروح ، لأنه ما رقمه قلم في لوح ، فقذف في الرحم من غير شهوة ، فلم يكن له عن طرح الأكوان سلوة .

من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:

الملوك ؟ وفرح الناس بداود ، وحسده طالوت ، فأراد أن يوقع به ، فلم يعن عليه ، وهرب داود أمامه ، وندم طالوت على ما جرى منه في حق داود ، فتاب إلى اللّه من ذلك ، ووجه إلى داود وأعطاه ابنته ونصف ملكه ، وأوحى اللّه إلى طالوت فيما حكي أن توبتك عندي أن تأتي أرض البلقاء وحدك فتقاتلهم ، فإما أن تفتحها وإما أن تقتل بها ، فتلك توبتك ، فنهض طالوت إلى بلقاء وما زال يقاتلها وحده حتى قتل ، واجتمعت الأسباط كلها على داود ، وملكها وانقادت ، ولم تكن قبل ذلك تجتمع على ملك واحد ، بل كان لكل سبط ملك منهم ، إلا داود فآتاه اللّه الملك ، وأنزل عليه الزبور ، وأقام فيهم إلى حين موته ، واللّه يختص برحمته من يشاء واللّه ذو الفضل العظيم.

انتهى الجزء الثامن من إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن ، ويتلوه في التاسع قوله تعالى : «تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ» وهذا الأصل الأول بخط يدي من غير مسودة ، وكتب محمد ابن علي بن محمد بن أحمد بن العربي الحاتمي الطائي المترجم في يوم الجمعة الثاني والعشرين من ذي القعدة سنة إحدى وعشرين وستمائة ، والحمد للّه رب العالمين وصلى اللّه على محمد خاتم النبيين وعلى آله أجمعين آمين .

تم استنساخه بخط الفقير إليه تعالى كامل بن محمد السمسمية مساء يوم السبت الواقع في التاسع والعشرين من رمضان المبارك سنة ألف وثلاثمائة وإحدى وسبعين عن نسخة بخط الحكيم محمد سعيد السيوطي والحمد للّه رب العالمين وصلى اللّه على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين .

تم استنساخه بخط الفقير إلى اللّه تعالى محمود بن محمود الغراب مساء يوم الثلاثاء العاشر من ذي القعدة سنة ألف وثلاثمائة وثمان وثمانين هجرية الموافق للثامن والعشرين من كانون الثاني سنة ألف وتسعمائة وتسع وستين ميلادية والحمد للّه رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

تم مراجعة هذه النسخة بوساطة الكاتب والسيد رضا العظمة على النسخة الخطية للسيد حسني ابن محمود بيك العظمة وهي النسخة المنقولة من نسخة شيخ الإسلام الأسبق السيد عبد الرحمن أفندي نسيب ، تم ذلك في يوم الاثنين العاشر من ربيع الأول سنة ألف وثلاثمائة وتسع وثمانين هجرية.


المراجع:

(249) الفتوحات ج 3 / 329 الفتوحات ج 4/ 351

 

 

البحث في التفسير


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



Please note that some contents are translated Semi-Automatically!