موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

إشارات في تفسير القرآن الكريم

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

مستخلصة من الفتوحات المكيّة وكتبه الأخرى

سورة الزمر (39)

 

 


الآية: 3 من سورة الزمر

أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي ما هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ (3)

«أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ»

- الوجه الأول -ألا إنه العهد الذي خلص لنفسه في وفاء العبد به ، ما استخلصه العبد من الشيطان ، ولا من الباعث عليه من خوف ولا رغبة ولا جنة ولا نار ، فقد يكون الباعث للمكلف مثل هذه الأمور في الوفاء بعهد اللّه ، فيكون


العبد من المخلصين ، ويكون الدين بهذا الحكم مستخلصا من حد من يعطي المشاركة فيه ، فيميل العبد به عن الشريك ، والعهد الخالص هو الذي لما أخذ اللّه من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ، ثم ولد كل بني آدم على الفطرة ،

وهو قوله صلّى اللّه عليه وسلم : [ كل مولود يولد على الفطرة ]

وهو الميثاق الخالص لنفسه ، الذي ما ملكه أحد غصبا فاستخلص منه ، بل لم يزل خالصا لنفسه في نفس الأمر طاهرا مطهرا ، فإذا ولد المولود ونشأ محفوظا قبل التكليف ، ولم يرزأ في عهده هذا بشيء مما ذكرناه آنفا ، فبقي عهده على أصله خالصا ،

وهو الدين الخالص- لا المخلص -من غير شوب خالطه حتى يستخلصوه منه ، فهو صاحب العهد الخالص فلا يشقى ، وأهل العهد الخالص على منابر لا يحزنهم الفزع الأكبر على نفوسهم ولا على أحد ، لأنهم لم يكن لهم تبع في الدنيا ، وكل من كان له تبع في الدنيا فإنه وإن أمن على نفسه فإنه لا يأمن على من بقي وعلى تابعه ، لكونه لا يعلم هل قصر وفرط فيما أمر به أم لا ؟ فيحزنه الفزع الأكبر عليه

- الوجه الثاني- «الدِّينُ الْخالِصُ» أي المستخلص من أيدي ربوبية الأكوان ، ولا يكون ذلك إلا من المخلصين بفتح اللام ، فإن اللّه إذا اعتنى بهم استخلصهم من ربوبية الأسباب ، فإذا استخلصهم كانوا مخلصين بكسر اللام فالدين الخالص لا يشوبه شيء من عمل لأجل ثواب أو خوف عقاب ، وإنما يقصد امتثال أمر اللّه إن كان واجبا ، أو إتيان ما رغب اللّه في إتيانه إن كان تطوعا.

" وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى " وهم الذين يجعلون مع اللّه إلها آخر .

اعلم أيدك اللّه أن عبادة اللّه بالغيب عين عبادته بالشهادة ، فإن الإنسان وكل عابد لا يصح أن يعبد معبوده إلا عن شهود ، إما بعقل أو ببصر أو بصيرة ، فالبصيرة يشهده العابد بها فيعبده ، وإلا فلا تصح له عبادة ، فما عبد إلا مشهودا لا غائبا ،

لذلك قال صلّى اللّه عليه وسلم : [ اعبد اللّه كأنك تراه ] فأمره بالاستحضار وأمره بتصوره في الخيال مرئيا ، فما حجر اللّه على العباد تنزيهه ولا تخيله ، وإنما حجر عليه أن يكون محسوسا له ، وأعظم من الشرك لا يكون ،

وقد قال المشرك «ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى» فما عبدوا الشركاء لأعيانهم ، فإن العبادة للّه لا تكون لغير اللّه أبدا ، فما أخذوا لكونهم عبدوهم ، فإن المشرك ما جحد اللّه تعالى ، بل أقر به وأقر له بالعظمة والكبرياء على من اتخذه قربة إليه ، فلو لا وضع اسم الألوهية على الشريك ما عبدوه ، فإن نفوس الأناسي بالأصالة تأنف من عبادة المخلوقين ، ولا سيم


من أمثالها ، فأصحبوا عليها الاسم الإلهي حتى لا يتعبدهم غير اللّه ، لا يتعبدهم مخلوق ، فما جعل المشرك يشرك باللّه في وضع هذا الاسم على المخلوق إلا التنزيه للّه الكبير المتعالي ، ولكن لا بد من أخذ المشركين لتعديهم بالاسم غير محله وموضعه ، ولم يرد عليه أمر بذلك من اللّه ، ومن المحال أن ترد عبادة وإن ورد سجود ، فإن اللّه لا يأمر خلقه ولا يصح أن يأمر خلقه بعبادة مخلوق ، ويجوز أن يأمرنا بالسجود للمخلوق ، فمن سجد عبادة لمخلوق عن أمر اللّه أو عن غير أمر اللّه فقد شقي ، ومن سجد غير عابد لمخلوق عن أمر اللّه كان طاعة وسعد ، فإن المشرك وإن أفرد عظم عظمة اللّه في قلبه إلى اللّه فما وقعت المؤاخذة إلا لكون ما وقع من ذلك عن غير أمر اللّه ، في حق أشخاص معينين ، ونقل الاسم إلى أولئك الأشخاص ، فمن هذا يعلم أنه لا يصح شرك عام ولا تعطيل عام ، وإنما هي أسماء سموها أطلقوها على أعيان محسوسة وموهومة عن غير أمر اللّه ، فأخذوا بعدم التوقيف ، والسبب في نسبة الألوهية لهذه الصور المعبودة ، هو أن الحق لما تجلى لهم في أخذ الميثاق تجلى لهم في مظهر من المظاهر الإلهية ، فذلك الذي أجرأهم على أن يعبدوه في الصور ، ومن قوة بقائهم على الفطرة أنهم ما عبدوه على الحقيقة في الصور ، وإنما عبدوا الصور لما تخيلوا فيها من رتبة التقريب كالشفعاء ، ومن ذلك نعلم أن العالم لم يزل في حال عدمه مشاهدا لواجب الوجود ، ولهذا لم ينكره أحد من الممكنات في حال وجوده ، إلا أن هذا الموجود الإنساني وحده من بين العالم أشرك بعضه به ممن غلب عليه حجاب الطبع ، وهو ما اعتاد أن يسمع ويطيع ويعبد بالأصالة إلا لرب يشهده ، وقد صير ذلك المعبود حجاب الطبع غيبا له ، فاتخذ ما اتخذ من الموجودات التي يشهدها ويراها ، إما من العالم السماوي كالكواكب ، وإما من العالم الأسفل كالعناصر أو ما تولد عنها ، ربا يعبده على المشاهدة التي اعتادها ، وسكنت نفسه بها إليه ، وتوهم في نظره أن ذلك المتخذ إلها يشهد الحق ، وأنه أقرب إليه منه ، فعبّد نفسه له خدمة ليقربه إلى اللّه عزّ وجل ، كما أخبر اللّه عنهم أنهم قالوا «ما نَعْبُدُهُمْ» يعني الآلهة التي اتخذوها للعبادة «إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى» فأكدوه بزلفى ، واتخذوهم شهداء ولذا قال تعالى : (وادعوا شهداءكم إن كنتم صادقين) حيث زعموا أنها تشهد لهم أنهم على الحق ، ورغم أن المشركين جعلوا العظمة والكبرياء للّه ، وجعلوا الآلهة التي اتخذوها كالسدنة والحجاب ، فإن قرائن الأحوال تدل على القطع بمؤاخذتهم ، لكونهم اتخذوها عن


نظرهم لا عن وضع إلهي ، ولم يفرقوا بين ما هو وضع للّه في خلقه وبين ما وضعوه لأنفسهم من أنفسهم ، مثال ذلك ، ما وضعه الحق لعباده من تقبيل الحجر الأسود والسجود ، وجعل الكعبة قبلة ، إلى غير ذلك ، فيقال للمشركين : وإن كنتم ما عبدتم كل من عبدتموه إلا بتخيلكم أن الألوهة صفته ، فما عبدتم غيرها ، ليس الأمر كذلك ، فإنكم شهدتم على أنفسكم أنكم ما تعبدونها إلا لتقربكم إلى اللّه زلفى ، فأقررتم مع شرككم أن ثمّ إلها كبيرا ، هذه الآلهة خدمتكم إياها تقربكم من اللّه ، فهذه دعوى بغير برهان ، فإذ وقد اعترفوا أنهم عبدوا الشريك ليقربهم إلى اللّه زلفى ، فتح القائل على نفسه باب الاعتراض عليه ، بأن يقال له : ومن أين علمتم أن هذه الحجارة أو غيرها لها عند اللّه هذه المكانة بحيث أن جعلها معبودة

[ تحقيق : فرّق بين قولك : اللّه ، وقولك: إله ]

لكم ؟ - راجع سورة يونس آية - - 18

- تحقيق –

إن اللّه نصب الأسباب وأزال حكم الأرباب قال المشركون «ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى» فلو قالوا «ما نتخذهم» وأبقوا العبودية لجناب اللّه تعالى ، لكان لهم في ذلك مندوحة بوضع الأسباب الإلهية المقررة في العالم. واعلم أن اللّه لا يدخله تنكير ،

والإله يدخله التنكير ، فيقال : إله ؛ ففرق بين قولك : اللّه ، وقولك : إله ،

فكثرت الآلهة في العالم لقبولها التنكير ، واللّه واحد معروف لا يجهل ، أقرت بذلك عبدة الآلهة قالت «ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى»

وما قالت : إلى إله كبير هو أكبر منها ، ولهذا أنكروا ما جاء به صلّى اللّه عليه وسلم في القرآن والسنة من أنه إله واحد ، من إطلاق الإله عليه ، وما أنكروا اللّه ، ولو أنكروه ما كانوا مشركين ، فبمن يشركون إذا أنكروه ؟ ! فما أشركوا إلا بإله لا باللّه .


المراجع:

(3) الفتوحات ج 4 / 57 - ج 2 / 221 - إيجاز البيان آية 196 - الفتوحات ج 1 / 301 - ج 3 / 376 ، 377 ، 376 ، 77 ، 243 ، 308- إيجاز البيان آية 25 - الفتوحات ج 3 / 308 - ج 2 / 409 ، 408 - ج 3 / 178

 

 

البحث في التفسير


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!