موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

إشارات في تفسير القرآن الكريم

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

مستخلصة من الفتوحات المكيّة وكتبه الأخرى

سورة غافر (40)

 

 


الآيات: 34-35 من سورة غافر

وَلَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّناتِ فَما زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتابٌ (34) الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ (35)

[ «كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ» : ]

«كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبّارٍ» وهذا من رحمة اللّه الخفية ، فإنه طبع على قلب كل من ظهر في ظاهر لقومه بصفة الكبرياء والجبروت ، وما جعل ذلك في قلوبهم بسبب


طابع العناية ، فهم عند نفوسهم بما يجدونه من العلم الضروري أذلاء صاغرون لذلك الطابع ، فما دخل الكبرياء على اللّه قلب مخلوق أصلا ، وإن ظهرت منه صفات الكبرياء فثوب ظاهر لا بطانة له منه ، فاللّه يطبع على قلب كل متكبر جبار أن يدخله كبرياء إلهي أصلا ، إذ لا ينبغي ذلك الوصف إلا لمن لا يتقيد وهو الحق تعالى ،

فلا يدخل القلب الكبرياء والجبروت وإن ظهر بهما ، فإن الإنسان يعرف في قلبه أنه لا فرق بالأصالة بينه وبين من تكبر عليهم وتجبر ، فلا يدخله كبر وإن ظهر به ، فإنه مجبول على الذلة والافتقار والحاجة بالأصالة ، لا يقدر أن ينكر هذا من نفسه ؛ وذلك يعني أن الطابع الإلهي يمنع أن تدخل هذه الصفات القلب ،

فيظهر المدعي في ظاهره الكبرياء والجبروت على من استحق من قومه - إما في زعمه وتخيله ، وإما في نفس الأمر -وهو في قلبه معصوم من ذلك الكبرياء والجبروت ، لأنه يعلم عجزه وذلته وفقره لجميع الموجودات ،

وأن قرصة البرغوث تؤلمه ، والمرحاض يطلبه لدفع ألم البول والخراء عنه ، ويفتقر إلى كسيرة خبز يدفع بها عن نفسه ألم الجوع ، فمن صفته هذه كل يوم وليلة ، كيف يصح أن يكون في قلبه كبرياء وجبروت ؟!

وهذا هو الطابع الإلهي على قلبه فلا يدخله شيء من ذلك ، فإن الاسم الغيور ختم على كل قلب أن تدخله ربوبية الحق نعتا له ، فما من أحد يجد في قلبه أنه رب إله ، بل يعلم من نفسه أنه فقير محتاج ذليل .

وأما ظهور ذلك على ظاهره فمسلّم ، وجعل اللّه لهذه الصفات مواطن يظهر فيها بهذه الأوصاف ولا يكون مذموما ، وجعل لها مواطن يذمه فيها ، جاء في الخبر قوله تعالى

[ الكبرياء ردائي والعظمة إزاري من نازعني واحدا منهما قصمته ] .

فالكبرياء والعظمة من النعوت التي غار اللّه عليها أن تكون لغير اللّه فحجرها ، ولذلك قال : «يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ» فلا يدخل مع هذا الطابع قلب كون من الأكوان تكبر على اللّه ولا جبروت لأجل هذا الطبع ،

فعلم كل من أظهر من المخلوقين دعوى الألوهية كفرعون وغيره ، وتكبر وتجبر ، كل ذلك في ظاهر الكون ، وهذا الذي ظهرت منه صفة الكبرياء مطبوع على قلبه أن يدخل فيه الكبرياء على اللّه ، فإنه يعلم من نفسه افتقاره وحاجته وقيام الآلام به من ألم جوع وعطش وهواء ومرض ، التي لا تخلو هذه النشأة الحيوانية عنه في هذه الدار ،

وتعذر بعض الأغراض أن تنال مرادها ، وتألمه لذلك ، ومن هذه صفته من المحال أن يتكبر في نفسه على ربه ، فهذا معنى الطابع الذي طبع اللّه على قلب المتكبر الذي يظهر لكم به من الدعوى


" الْجَبَّارُ " بجبركم على ما يريد ، فلا يتكبر على اللّه فيما بينه وبين اللّه أحد من خلق اللّه هذا محال وقوعه ، والقدر الذي وقع عليه التحجير الظاهر ، عليه وقع الذم لمن انتهكه وأضافه إلى نفسه ، وكذبوا على اللّه فيه ،

فلا يدخل قلب إنسان الكبر على اللّه ، ولكن يدخله الكبر على خلق اللّه ، وهو الذي يزال منه ،

وحينئذ يدخل الجنة ، فإنه لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال حبة من كبر على غير اللّه حتى يزال ، وأما على اللّه فمحال ، فإن اللّه قد طبع على القلوب التواضع له وإن ظهر من بعض الأشخاص صورة الكبرياء على اللّه ،

وهو الذي جاءت به الوسائط وهم الرسل عليهم السلام من اللّه لا على اللّه ، فإنه يستحيل الكبرياء من المخلوق عليه ،

لأن الافتقار ذاتي ولا يمكن للإنسان أن يجهل ذاته :

العلم أفضل ما يقنى ويكتسب *** والعلم أزين ما حلّى النفوس به

بالعلم يطبع رب العالمين على *** قلب العبيد فلا كبر يحل به

لأنه يجد الأبواب مغلقة *** بفطرة هو فيها أو مكسبه

قل كيف شئت فإن الأمر يقلبه *** ولا تخف من غوي في تطلبه

وكيف يدخل كبر من حقيقته *** فقر وعجز وموت عند منتبه ؟

شخص يرى قرصة البرغوث تؤلمه *** إلى مكاره يلقى في تقلبه

فالحس يعلم هذا من يقوم به *** لدى إقامته أو حال مذهبه

«كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ» فهو المتكبر سبحانه الجبار ، والعبد إذا اتصف بما تناقض حقيقته من أوصاف العظمة والكبرياء التي تستحقها الربوبية ، يقع في سخط اللّه ، فلهذا قال صلّى اللّه عليه وسلّم : [ أعوذ بك منك ] أي أن أكون متكبرا جبارا ، فهو يستعيذ من كبريائه أن يقوم به بكبريائه سبحانه .

لقد طبع اللّه القلوب بطابع *** من الطبع حتى لا يداخلها الكبر

وكيف يكون الكبر في قلب عاجز *** ذليل له من ذاته العجز والفقر


المراجع:

(35) الفتوحات ج 2 / 328 - ج 3 / 514 - ج 1 / 436 - ج 4 / 230 - ج 3 / 220 - ج 4 / 230 - ج 2 / 342 - ج 3 / 514 - ج 2 / 342 ، 244 - ج 3 / 358 - الديوان 152 - إيجاز البيان آية 43 - الديوان / 202

 

 

البحث في التفسير


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!