موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

إشارات في تفسير القرآن الكريم

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

مستخلصة من الفتوحات المكيّة وكتبه الأخرى

سورة غافر (40)

 

 


الآيات: 45-46 من سورة غافر

فَوَقاهُ اللَّهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا وَحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ (45) النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ (46)

اعلم أن اللّه سبحانه إذا قبض الأرواح من هذه الأجسام الطبيعية - حيث كانت- والعنصرية ، أودعها صورا جسدية في مجموع الصور الذي هو قرن من نور ، وفي تلك


الصور قوم فرعون يعرضون على النار غدوة وعشية ولا يدخلونها ، فإنهم محبوسون في ذلك القرن وفي تلك الصور ، ويوم القيامة يدخلون أشد العذاب ، وهو العذاب المحسوس لا المتخيل الذي كان لهم في حال موتهم بالعرض ، ففي البرزخ يكون العرض ، وفي الدار الآخرة يكون الدخول ، فقال تعالى: «وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ» يريد خاصته لأنهم هم الذين تولوا عذاب بني إسرائيل ، قال تعالى : (وَإِذْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ) ثم قال تعالى: «أَشَدَّ الْعَذابِ» في مقابلة سوء ، وقرئ بكسر الخاء ، فقد يمكن أن يقال لبني إسرائيل يوم القيامة ذلك ليولوهم أشد العذاب بأنفسهم كما فعلوا هم بهم في الدنيا حين ساموهم سوء العذاب . وآل الرجل أهله وخوله وأنصاره وأتباعه.

[سورة غافر (40) : الآيات 47 إلى 57]

وَإِذْ يَتَحاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِنَ النَّارِ (47) قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيها إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبادِ (48) وَقالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذابِ (49) قالُو وَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا بَلى قالُوا فَادْعُوا وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ (50) إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ (51)

يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (52) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْهُدى وَأَوْرَثْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ (53) هُدىً وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ (54) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ (55) إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ ما هُمْ بِبالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (56) لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (57)


-الوجه الأول-[ «لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ» ]

يريد في المعنى ، فإن أكبر هنا للمفاضلة ، وليس إلا أن السماوات والأرض هما الأصل في وجود الهيكل الإنساني ونفسه الناطقة ، فالسّماوات ما علا ، والأرض ما سفل ، فهو منفعل عنهما ، فإن الإنسان والعالم الكبير يشتر كان في العالمية ، فليس للعالم على الإنسان درجة من هذه الجهة ، ولكن الدرجة التي فضل بها السماء والأرض على الإنسان هما أن الإنسان منفعل عن السماء والأرض ومولد بينهما ومنهما ، والمنفعل لا يقوى قوة الفاعل ، فالناس في رتبة الانفعال عن حركة الأفلاك وقبول التكوين الذي في العناصر ،

فكان المراد المعنى لا الجرمية ، فإن الجرمية غير معتبرة هنا ، فمن طريق المعنى أن نسبة الأرض والسماء إلى جانب الحق أكبر من خلق الناس من حيث ما فيهم من سماء وأرض ،

فإنها في السماء والأرض معنى وصورة ، وهما في الناس معنى لا صورة ، والجامع بين المعنى والصورة أكبر في الدلالة ممّن انفرد بأحدهما ،

لذا قال تعالى : «وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ» ذلك مع الاشتراك في الدلالة والعلامة على وجود المرجح ، ويدل ذلك على أن بعض الناس يعلم ذلك ، فالقليل من الناس من يعلم أن خلق السماوات وهي الأسباب العلوية لوجود الإنسان ، والأرض وهي الأسباب السفلية لوجود الإنسان ، أكبر من خلق الناس قدرا ، لأن لها نسبة الفاعلية وللناس نسبة الانفعال ، فإنه ما من أحد إلا وهو يعلم حسا أن خلق السماوات والأرض أكبر في الجرم من خلق الناس ، فما ثمّ إلا انفعال الجسم الطبيعي عنهما لا غير . فأراد الحق بهذه الآية المنزلة ، فإن الجرم يعلمه كل أحد ، ولهذا يصدر عن حركات السماوات والأرض أعيان المولدات والتكوينات ، والإنسان من حيث جرمه من المولدات ، ولا يصدر من الإنسان هذا ، وطبيعة العناصر من ذلك ، فلهذا كانا أكبر من خلق الإنسان ، إذ هما له كالأبوين ، فلهما درجة الأبوة فلا يلحقهما أبدا ، فرفع اللّه مقدارهما ، والإنسان من الأمر الذي ينزل بين السماء والأرض ، ولا يمنع ذلك من أن الإنسان الكامل أكمل نشأة ظهرت في الموجودات ، لأن الإنسان الكامل وجد على الصورة لا الإنسان الحيوان ، والصورة لها الكمال ، ولكن لا يلزم من


هذا أن يكون هو الأفضل عند اللّه ، فذلك للّه تعالى وحده فإن المخلوق لا يعلم ما في نفس الخالق إلا بإعلامه إياه ، ولكن ما تفطن الناس لقوله تعالى : «أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ» من كونهم ناسا ، ولم يقل أكبر من خلق آدم ولا من الخلفاء ، فإنه ما خلق على الصورة من كونه من الناس ، إذ لو كان كذلك لما فضل الناس بعضهم بعضا ، ولا فضلت الرسل بعضهم بعضا ، ففضل الصورة لا يقاومه فضل ، فالإنسان عالم صغير ،

والعالم إنسان كبير مختصره الإنسان الصغير، لأنه موجود أودع اللّه فيه حقائق العالم الكبير كلها ، فخرج على صورة العالم ، فكان قليل من الناس يعلم ذلك

- الوجه الثاني -هذه الآية تدل على شرف الجماد على الإنسان لمعنى خلقها اللّه عليه وخلقه فيها ، أترى هذا الكبر في الجرم وعظم الكمية ؟

هيهات لا واللّه ! فإن ذلك معلوم بالحس ،

وإنما ذلك لمعنى أوجده فيها لم يكن ذلك للإنسان يعطيه العلم بالمراتب ومقادير الأشياء عند اللّه تعالى ، فنزل كل موجود منزلته التي أنزله اللّه فيها ، ومن هذا المعنى إبايتها لحمل الأمانة عندما عرضت عليها عرضا ، فكان خلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس في المنزلة،

فإنهن كن أعلم بقدر الأمانة من الإنسان ، فبهذا أيضا كن أكبر من خلق الناس في المنزلة من العلم ، فإنهن ما وصفن بالجهل كما وصف الإنسان ، وكذلك لما أمرتا بالإتيان أمر وجوب ، فإن لم يجئن جيء بهن على كره ، قالتا (أَتَيْنا طائِعِينَ) لعلمهن بأن الذي أمرهن قادر على الإتيان بهن على كره منهن

-إشارة لطيفة-

إن خلق الإنسان وإن كان عن حركات فلكية هي أبوه ، وعن عناصر قابلة وهي أمه ، فإن له من جانب الحق أمرا ما هو في آبائه ولا أمهاته ، من ذلك الأمر وسع جلال اللّه تعالى ، إذ لو كان ذلك من قبل أبيه الذي هو السماء أو أمه التي هي الأرض أو منهما ، لكان السماء والأرض أولى بأن يسعا الحق ممن تولد عنهما ، فاختص الإنسان بأمر أعطاه هذه السعة التي ضاق عنها السماء والأرض ، فلم تكن له هذه السعة إلا من حيث أمر آخر من اللّه ، فضل به على السماء والأرض ، وهذا الأمر هو خلقه على الصورة

قال صلّى اللّه عليه وسلّم : [ إن اللّه خلق آدم على صورته ]

فكل واحد من العالم فاضل مفضول ، فقد فضل كل واحد من العالم من فضله ، لحكمة الافتقار والنقص الذي هو عليه كل ما سوى اللّه ، فإن الإنسان إذا زها بهذه السعة وافتخر على الأرض والسماء جاءه قوله تعالى : «لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ» وإذا زهت السماء والأرض بهذه الآية على الإنسان جاء قوله : [ م


وسعني أرضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي ] فأزال عنه هذا العلم ذلك الزهو والفخر وعنهما ، وافتقر الكل إلى ربه ، وانحجب عن زهوه ونفسه .


المراجع:

(46) الفتوحات ج 1 / 307 ، 299، 546 - إيجاز البيان آية 50

 

 

البحث في التفسير


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!