موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

إشارات في تفسير القرآن الكريم

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

مستخلصة من الفتوحات المكيّة وكتبه الأخرى

سورة فصلت (41)

 

 


الآية: 12 من سورة فصلت

فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَحِفْظاً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (12)

[ " وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَه " : ]

فلما قضاهن سبع سماوات في يومين أوحى في كل سماء أمرها ، فإن الحق سبحانه جعل بين السماء والأرض التحاما معنويا وتوجها لما يريد سبحانه أن يوجده في هذه الأرض ، من المولدات من معدن ونبات وحيوان ، وجعل الأرض كالأهل ، وجعل السماء كالبعل ، والسماء تلقي إلى الأرض من الأمر الذي أوحى اللّه فيها كما يلقي الرجل الماء بالجماع في المرأة ، وتبرز الأرض عند الإلقاء ما خبأه الحق فيها من التكوينات على طبقاتها ، وقوله تعالى «فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها» فذلك الأمر هو الذي ينزل إلى أرضه بما أوحى اللّه فيها ، فهو ينزل من كل سماء إلى أرضه في قوله تعالى : (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ)

فجعل في كل سماء ما يصلح تنفيذه في الأرض من هذا الخلق ، ومن أمرها ما أودع اللّه في حركات الكواكب واقترانها وهبوطها وصعودها في بيوت نحوسها وسعودها ، فعن حركاتها وحركات ما فوقها من الأفلاك حدثت المولدات ، فأودع اللّه في خزائن الكواكب التي في الأفلاك علوم ما يكون من الآثار في العالم العنصري من التقليب والتغيير ، والكواكب مسخرة من اللّه أمينة على ما يحدثه في العالم ،

وهو قوله تعالى : (وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ)


فكما سخّر الرياح والبحار ، هكذا سخّر الكواكب ، فالأمر هو ما تنتجه الحركات الكوكبية ، لأن اللّه ما جعل سباحتها في الأفلاك باطلا ، بل لأمور أودعها اللّه تعالى في المجموع ، فيها وفي حركاتها وفي قطعها في البروج المقدّرة في الفلك الأقصى ، فهي تؤدي في تلك السباحة ما أمنت عليه من الأمور التي يطلبها العالم العنصري والتي لها آثار فيه ، ولذلك فإن الفلك عندنا متحرك حركة إرادية كتحرك الإنسان في الجهات ، لأنه يعقل ويكلّف ويؤمر ، فهو متحرك بالإرادة ليعطي ما في سمائه من الأمر الإلهي الذي يحدث أشياء في الأركان والمولدات ، فحركة الفلك ما تعرف سوى ما تعطيه في الأركان من التحريك ، وشعاعات كواكبها بما أودع اللّه فيها من العقل والروح والعلم في أشخاص كل نوع من المولدات على التعيين ، من معدن ونبات وحيوان وجن ، وملك مخلوق من عمل أو نفس ، بقول من تسبيح وذكر أو تلاوة ، وذلك لعلمها بما أودع اللّه لديها مما ينفرد به الكوكب ومما لا ينفرد به ، فإن كل كوكب يعطى في الدرجة الفلكية على انفراده من الحكم ما لا يعطيه إذا اجتمع معه في تلك الدرجة كوكب آخر أو أكثر ، فذلك الذي يحدث من الاجتماع خارج عن الأمر الذي تنفرد به كل سماء ، والأمر هو ما يعطيه من الآثار في العالم ، كما تعطى كل آلة للصانع بها ما عملت له ، والصنعة مضافة للصانع لا للآلة .

واعلم أن هذه النشأة الإنسانية قبل أخذ الميثاق كانت مبثوثة في العناصر ، ومراتبها إلى حين موتها التي يكون عليها في وجود أعيان أجسامها معلومة معينة في الأمر المودع في السماوات ، لكل حالة من أحواله التي تتقلب فيها في الدنيا صورة في الفلك على تلك الحالة ، قد أخذ اللّه بأبصار الملائكة عن شهودها ، مكتنفة عند اللّه في غيبه ، معيّنة له سبحانه ، لا تعلم السماوات بها مع كونها فيها ، وقد جعل اللّه وجود عينها في عالم الدنيا في حركات تلك الأفلاك ، فهذا من أمرها ، وشأنها حفظ هذه الصور إلى وصول وقتها ، فتعطيها مراتبها في الحياة الدنيا تلك الصورة الفلكية من غير أن تفقد منها ، ذلك تقدير العزيز العليم ، وهذه الصور كلها موجودة في الأفلاك التسعة ، وجود الصورة الواحدة في المرايا الكثيرة المختلفة الأشكال ، فمن أعطي في ذلك الموطن شهود نفسه ومرتبته حكم على نفسه بها ،

وهنا شاهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم نبوته فقال : [ كنت نبيا وآدم بين الماء والطين ] فكان له التعريف في تلك الحالة ، وأعطى الحق رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ما لم يعط غيره من وحي أمر السماوات في طالع مولده ، فمن الأمر


المخصوص بالسماء السابعة : لم يبدل حرف من القرآن ولا كلمة ، ولو ألقى الشيطان في تلاوته ما ليس منها بنقص أو زيادة لنسخ اللّه ذلك ، وهذا عصمة ، ومن ذلك الثبات ما نسخت شريعته صلّى اللّه عليه وسلّم بغيرها ، بل ثبتت محفوظة ، واستقرت بكل عين ملحوظة ، ولذلك تستشهد بها كل طائفة ،

ومن الأمر المخصوص بالسماء السادسة : خصّ صلّى اللّه عليه وسلّم بعلم الأولين الآخرين ، والتؤدة والرحمة والرفق ، وكان بالمؤمنين رحيما ، وما أظهر في وقت غلظة على أحد إلا عن أمر إلهي ،

حين قيل له (جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ)

ومن ذلك ما حلل اللّه له من الغنائم ، وجعلت له الأرض مسجدا وطهورا ، ومن الأمر المخصوص بالسماء الخامسة : السيف الذي بعث به والخلافة ، واختص بقتال الملائكة معه منها ، فإن ملائكة هذه السماء قاتلت معه صلّى اللّه عليه وسلّم يوم بدر ،

ومن هذه السماء أيضا بعث من قوم ليس لهم همة إلا في قرى الأضياف ، ونحر الجزر والحروب الدائمة وسفك الدماء ، ومن ذلك النصر بالرعب فهو من السماء الخامسة ،

ومن الوحي المأمور به في السماء الرابعة : نسخه بشريعته جميع الشرائع ، وظهور دينه على جميع الأديان عند كل رسول ممن تقدمه وفي كل كتاب منزل ، فلم يبق لدين من الأديان حكم عند اللّه إلا ما قرر منه ، فبتقريره ثبت ، فهو من شرعه وعموم رسالته ، وإن كان بقي من ذلك حكم ، فليس هو من حكم اللّه إلا في أهل الجزية خاصة ، ومن هذا الأمر من هذه السماء بعث وحده إلى الناس كافة ،

فعمت رسالته ، ومن الوحي المأمور به في السماء الثالثة المختص بمحمد صلّى اللّه عليه وسلّم : أنه ما ورد قط عن نبي من الأنبياء أنه حبّب إليه النساء إلا محمد صلّى اللّه عليه وسلّم وإن كانوا قد رزقوا منهن كثيرا ، كسليمان عليه السلام وغيره ، فكان صلّى اللّه عليه وسلّم يحبهن بكون اللّه حببهن إليه ، ومن هذه السماء حب الطيب ، وكان من سنته النكاح لا التبتل ، وجعل النكاح عبادة للسر الإلهي في الإنتاج ،

فهذا الفضل زاد فيه بنكاح الهبة ، ومن الأمر الموحى في السماء الثانية : إعجاز القرآن ، والذي أعطيه صلّى اللّه عليه وسلّم من جوامع الكلم من هذه السماء تنزل إليه ، ولم يعط ذلك نبي قبله ، ومن أمر هذه السماء ما خصه اللّه به من إعطائه إياه مفاتيح خزائن الأرض ، ومن الوحي المأمور به في السماء الأولى وهي الدنيا التي تلينا : كون اللّه خصه بصورة الكمال ، فكملت به الشرائع ، وكان خاتم النبيين ولم يكن ذلك لغيره صلّى اللّه عليه وسلّم ، فبهذا وأمثاله انفرد صلّى اللّه عليه وسلّم بالسيادة الجامعة للسيادات كلها ، والشرف المحيط الأعم صلّى اللّه عليه وسلّم ، وبهذا قد نبهنا على ما حصل له في مولده من بعض ما أوحى اللّه به في كل سماء من أمره .


ألا بأبي من كان ملكا وسيدا *** وآدم بين الماء والطين واقف

فذاك الرسول الأبطحي محمد *** له في العلى مجد تليد وطارف

أتى بزمان السعد في آخر المدى *** وكانت له في كل عصر مواقف

أتى لانكسار الدهر يجبر صدعه *** فأثنت عليه ألسن وعوارف

إذا رام أمرا لا يكون خلافه *** وليس لذاك الأمر في الكون صارف

ومن الأمر الموحى في السماء السابعة التي أسكنها الخليل عليه السلام من حيث العموم:

عين الموت ومعدن الراحة ، وسرعة الحركة في ثبات وطرح الزينة ،

ومن الأمر العام الموحى في السماء السادسة التي أسكنها الحق روحانية موسى عليه السلام : حياة قلوب العلماء بالعلم ، واللين والرفق ، وجميع مكارم الأخلاق ، ومن الأمر العام الموحى في السماء الخامسة مسكن هارون عليه السلام : إهراق الدماء والحميات ،

وهو من أثر الاسم الإلهي القهار ، فإنه الممد لها ، ومن الأمر الموحى في السماء الرابعة التي أسكن فيها قطب الأرواح الإنسانية إدريس عليه السلام : تقسيم الحكم الإلهي في العالم ، ومن الأمر الموحى في السماء الثالثة التي أسكنها روحانية يوسف عليه السلام : إظهار صور الأرواح والأجسام والعلوم في العالم العنصري ، ومن الأمر الموحى في السماء الثانية التي أسكنها الحق عيسى عليه السلام : كل ما ظهر في العالم العنصري من الآثار الحسية والمعنوية ،

وما يحصل للعارفين في قلوبهم من ذلك ، ومن الأمر الموحى في السماء الأولى التي أسكنها روحانية آدم عليه السلام ، وله كل حكم يظهر في العالم يوم الاثنين روحا وجسما ، وسرعة ظهور الأثر في الكون لسرعة حركة هذا الفلك وكوكبه ،

ولذلك كان الإنسان سريع التغيير في باطنه ، كثير الخواطر ، يتقلب في باطنه في كل لحظة تقلبات مختلفة ، فإن الحق تعالى لما قضى السبع سماوات في يومين من أيام الشأن أوحى في كل سماء أمرها ، فأودع فيها جميع ما تحتاج إليه المولدات من الأمور ،

في تركيبها وتحليلها وتبديلها وتغييرها وانتقالها من حال إلى حال بالأدوار والأطوار فإنه من الأمر الإلهي المودع في السماوات من الروحانيات العلية ،

فبرز بالتحريكات الفلكية ليظهر التكوين في الأركان بحسب الأمر الذي يكون في تلك الحركة وفي ذلك الفلك ، فإن السماوات كلها قد جعلها اللّه محلا للعلوم الغيبية المتعلقة بما يحدث اللّه في العالم من الكائنات ،

جوهرها وعرضها ، صغيرها وكبيرها ، وأحوالها وانتقالها ، وما من سماء إلا وفيها علم


مودع بيد أمينها ، وأودع اللّه نزول ذلك الأمر إلى الأرض في حركات أفلاكها وحلول كواكبها في منازل الفلك الثامن ، وجعل لكواكب هذه السماوات السبع اجتماعات وافتراقات ، وصعودا وهبوطا ، وجعل آثارها مختلفة ،

وجعل منها ما يكون بينه وبين كواكب أخر مناسبة ، وجعل منها ما يكون بينه وبين كواكب أخر منافرة ، لا أنهم أعداء ، وإنما ذلك لحقائق خلقهم اللّه تعالى عليها ، يقضي بذلك ويشغلهم بطاعة ربهم وتسبيحه ، لا يعصون اللّه ما أمرهم ، كما جاء في خلق مالك خازن النار أنه ما ضحك قط ، بخلاف رضوان الذي خلق من سرور وفرح ،

وكلاهما عبدان صالحان مطيعان ليس بينهما عداوة ولا شحناء ، غير أن الآثار هنا في العالم الأسفل تنبعث عن تلك الحقائق ، وعندنا أغراضنا قائمة ، فيقع بيننا التحاسد والعداوة ، والأصل من ذلك ، وأما عدم المنافرة بين المتناسبين منها ، فهو أن أوجد الواحد على خلاف ما أوجد الآخر لا على ضده ، فكل ضد خلاف ، وما كل خلاف ضد ،

فإن وكيل السماء السابعة يضاد وكيل السماء السادسة ، حتى أن ما يعمله صاحب السماء السادسة إذا صار وقت الحكم فيه للملك الموكل في السماء السابعة أفسد ما أصلحه صاحب السماء السادسة ، كما يفعل أيضا صاحب السادسة إذا أصلح ما يفسده صاحب السابعة ، وكل ملك ما عنده أنه يفسد ، وإنما يقول في فعله أنه أصلح ، من حيث أنه امتثل فيه أمر ربه ، وأدّى ما أمّن عليه ، وهو الأمر الذي ذكر اللّه تعالى أنه أوحى في السماوات ، فإذا أنست بهذا القدر وعلمت أنه لا يطعن في العقد ، وإلا فأية فائدة كانت في قول اللّه تعالى : (وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ) فبما ذا سخرها يا أخي في هذا وأشباهه ؟

أليس اللّه قد سخر العالم ببعضه لبعض ؟

فقال : (وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا)

وقال : (وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) فذكر أن في السماء أمورا مسخرة لنا مثل الأرض ، فلا يقدح في عقيدة مسلم كونه يعلم ما أوحى في السماء من أمرها وفيما ذا سخرها عالمها ، ولو كان ذلك لاطرد في الأرض وفي السماء ، ونحن في كل زمان نهرب إلى الأسباب التي نصبها اللّه لنا وعرفنا بها على جهة أنها مسخرة ، لا على أنها فاعلة ، نعوذ باللّه ، لا أشرك به أحدا ، وإنما كفّر الشارع من يعتقد أن الفعل للكواكب لا للّه ،

وأن اللّه يفعل الأشياء بها ، هذا هو الكفر والشرك ، وأما من يراها مسخرة وأن اللّه أجراها حكمة فلا ، بل من جهل ما أودع اللّه فيها وما أوحى


اللّه فيها من الأمور ورتب فيها من الحكم فقد فاته خير كثير وعلم كبير ، وما ذا بعد الحق إلا الضلال .

ولما فتق اللّه السماوات من رتقها ودارت كانت شفافة في ذاتها وجرمها ، حتى لا تكون سترا لما وراءها ، أدركنا بالأبصار ما في الفلك الثامن من مصابيح النجوم ، فيتخيل أنها في السماء الدنيا ، واللّه يقول : «وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ»

ولا يلزم من زينة الشيء أن يكون فيه ، وأما قوله «وَحِفْظاً» فهي الرجوم التي تحدث في كرة الأثير لإحراق الذين يسترقون السمع من الشياطين فجعل اللّه لذلك شهابا رصدا وهي الكواكب ذوات الأذناب ، ويخترق البصر الجو حتى يصل إلى السماء الدنيا فلا يرى من فطور فينفذ فيه فينقلب خاسئا وهو حسير أي قد أعيا ، وجعل في كل سماء من هذه السبعة كوكبا سابحا وهو قوله تعالى : «كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ» فتحدث الأفلاك بحركة الكواكب لا السماوات ، فتشهد الحركات من السبعة السيارة أن المصابيح في الفلك الثامن وزينا السماء الدنيا لأن البصر لا يدركها إلا فيها فوقع الخطاب بحسب ما تعطيه الرؤية

لهذا قال : «زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ» ولم يقل خلقناها فيها وليس من شرط الزينة أن تكون في ذات المزين بها ولا بد فإن الرجل والخيل من زينة السلطان وما هما قائمان بذاته «ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ» بالفتق والرتق فإن اللّه تعالى لما خلق الأفلاك وعمرها بالأملاك وقدر للكواكب السبعة السيارة فيها منازل تجري فيها إلى أجل مسمى تعين الزمان بجريانها وسباحتها وخلق المكانة قبل الأمكنة ومد منها رقائق إلى أمكنة مخصوصة في السماوات السبع والأرض ثم أوجد المتمكنات في أمكنتها على قدر مكانتها وجعل إمضاء الأمور التي أودعها السماوات في عالم الأركان عند سباحة الجواري وجعلهم نوابا متصرفين بأمر الحق لتنفيذ هذه الأمور التي أخذوها من خزائن البروج في السنة بكمالها وقدر لها المنازل المعلومة التي في الفلك المكوكب وجعل لها اقترانات وافتراقات كل ذلك بتقدير العزيز العليم

[ إشارة : مقارنة البنية الإنسانية بالسماوات والأرض ]

-إشارة -لما كملت البنية الإنسانية وصحت التسوية ، وكان التوجه الإلهي بالنفخ العلوي في حركة الفلك الرابع من السبعة ، وقبل هذا المسمى الذي هو الإنسان لكمال تسويته السر الإلهي الذي لم يقبله غيره ، وبهذا صح له المقامات ، مقام الصورة ومقام الخلافة ، فلما كملت الأرض البدنية ، وقدّر فيها أقواتها ، وحصل فيها قواها الخاصة بها من كونها حيوانا نباتا ، كالقوة الجاذبة والهاضمة والماسكة والدافعة والنامية والمغذية ، وفتقت طبقاتها السبعة ، من جلد ولحم وشحم وعرق وعصب


وعضل وعظم ، استوى السر الإلهي الساري فيه ، فنفخ النفخ الروحي إلى العالم العلوي من البدن ، وهو بخارات تصعد كالدخان ، فتق فيها سبع سماوات : السماء الدنيا وهي الحس ، وزينها بالنجوم والمصابيح مثل العينين ، وسماء الخيال ، وسماء الفكر ، وسماء العقل ، وسماء الذكر ، وسماء الحفظ ، وسماء الوهم ،

وأوحى في كل سماء أمرها ، وهو ما أودع في الحس من إدراك المحسوسات - ولا نتعرض للكيفية في ذلك للخلاف الواقع فيها ، وإن كنا نعلم ذلك فإن علمنا لا يرفع الخلاف من العالم - وفي الخيال من متخيلات المستحيلات ، وفي العقل من المعقولات ،

وهكذا في كل سماء ما يشاكلها من جنسها ، فإن أهل كل سماء مخلوقون منها ، فهم بحسب مزاج أماكنهم ، وخلق في كل سماء من هذه السبعة كوكبا سابحا في مقابلة الكواكب السيارة ، تسمى صفات ،

وهي الحياة والسمع والبصر والقدرة والإرادة والعلم ، كل يجري إلى أجل مسمى ، فلا تدرك قوة إلا ما خلقت له خاصة ، فالبصر لا يرى سوى المحسوسات المبصرات ، وينحسر فينقلب خاسئا ، فإنه لا يجد قطرا ينفذ فيه ، والعقل يثبت هذا كله ، يشهد بذلك الحركات الفلكية التي في الإنسان ، وذلك بتقدير العزيز العليم .


المراجع:

(12) الفتوحات ج 1 / 131- ج 2 / 453 - ج 1 / 146 - ج 2 / 678 ، 236 - ج 1 / 324 - ج 2 / 456 ، 457 ، 423 - ج 3 / 22 - ج 1 / 145 ، 146 - ج 2 / 444 ، 445 - كتاب الإسفار - الفتوحات ج 2 / 582 - ج 3 / 438 - كتاب الإسفار

 

 

البحث في التفسير


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!