موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

إشارات في تفسير القرآن الكريم

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

مستخلصة من الفتوحات المكيّة وكتبه الأخرى

سورة ق (50)

 

 


الآيات: 19-21 من سورة ق

وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (20) وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ (21)

الإنسان بين قضاء اللّه وقدره ، فلا يقدر يتعداهما ، فهما الحادي والهادي ، وهما السائق والشهيد ، ولهما الخلف والأمام ، والناس اليوم في عمى عن شهود هذين وفي الآخرة يرونهما ، والسائق فيه إشارة للزجر والتهديد والرهبوت.

[سورة ق (50) : آية 22]

لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22)

[ «فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ» الآية : ]

في كشف الغطاء رفع الضرر واحتداد البصر ، فإذا كشف الغطاء وجاء العطاء ، تسرحت الحواس وارتفع الالتباس ، وتخلص النص وزال البحث والفحص ، فقد جمع التكليف شمل الكون ، فلا تقل هذا حجر ، وهذا شجر ، فلا أبالي ، غاية العين أن يعرفك الحجر والشجر والحيوان ، ولا تعرفهم إلا بعد كشف الغطاء ، ولا تقبل المعاذير - الوجه الأول - إذا كانت هذه الآية في حق الميت فمعناه: تدرك النّفس ما لم تكن أدركته بالموت ، فهو يقظة بالنسبة لما كانت عليه في حال الحياة الدنيا ، فإنه بالموت تنكشف الأغطية ، ويتبين الحق لكل أحد ، ولكن ذلك الكشف في ذلك الوقت لا يعطي سعادة إلا لمن كان في العامة عالما بالتوحيد ، فإذا كشف الغطاء فرأى ما علم عينا فهو سعيد ،

وأما أصحاب الشهود هنا فهو لهم عين ، وعند كشف الغطاء تكون تلك العين لهم حقا ، فينتقل أهل الكشف من العين إلى الحق ، وينتقل العالم من العلم إلى العين ، وما سوى هذين الشخصين فينتقلون من العمى إلى الإبصار ، فيشهدون الأمر بكشف غطاء العمى عنهم ، لا عن علم تقدم ، فلا بد من مزيد لكل طائفة عند الموت ورفع الغطاء ،

ولهذا قال من قال من الصحابة : لو كشف الغطاء - فأثبت الغطاء - ثم قال : ما ازددت يقينا ، يعني فيما علم إذا عاينه ، فلا يزيد يقينا في العلم ، لكن يعطيه كشف الغطاء أمرا لم يكن عنده ، فيصح قوله ما ازددت يقينا في علمه إن كان ذا علم ، وفي عينه إن كان ذا عين ، لا أنه لا يزيد بكشف الغطاء أمرا لم يكن له ، إذ لو كان كذلك لكان كشف الغطاء في حق من هذه صفته عبثا معرى


عن الفائدة ، فما كان الغطاء إلا ووراءه أمر وجودي لا عدمي - الوجه الثاني- ذلك قبل خروجه من الدنيا ، فما قبض أحد من مؤمن ولا مشرك إلا على كشف حين يقبض ، فيميل إلى الحق عند ذلك ، والحق التوحيد والإيمان ، فمن حصل له هذا اليقين قبل الاحتضار فمقطوع بسعادته واتصالها ، ولا يكون الاحتضار إلا بعد أن يشهد الأمر الذي ينتقل إليه الخلق ، وما لم يشاهد ذلك فما حضره الموت ولا يكون ذلك احتضارا ، فمن آمن قبل ذلك الاحتضار بنفس واحد أو تاب نفعه ذلك الإيمان والمتاب عند اللّه في الدار الآخرة ، وحاله عند قبض روحه حال من لا ذنب له ، وسواء رده لذلك شدة ألم ومرض أوجب له قطع ما يرجوه من الحياة الدنيا أو غيره ، فهو مؤمن تائب ينفعه ذلك ، فإنه غير محتضر ، فما آمن ولا تاب إلا لخميرة كانت في باطنه وقلبه لا يشعر بها ، فما مال إلى ما مال إليه إلا عن أمر كان عليه في نفسه ، لم يظهر له حكم على ظاهره ، ولا له في نفسه إلا في ذلك الزمن الفرد الذي جاء في الزمان الذي يليه الاحتضار ، ومن حصل له هذا اليقين والإيمان عند الاحتضار فهو في المشيئة ، وإن كان المآل إلى السعادة ، ولكن بعد ارتكاب شدائد في حق من أخذ لذنوبه

- الوجه الثالث -يعني عند الموت ، أي يعاين ما هو أمره عليه ، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : [ يموت المرء على ما عاش عليه ، ويحشر على ما عليه مات ] وما يعاينه إنما يعاينه شهودا بالبصر ، لما تجسدت المعاني وظهرت بالأشكال والمقادير ، فيعاين المحتضر ما لا يعاينه الحاضر ، ويرى ما لا يرى من عنده ، من أهله الذين حجبهم اللّه تعالى عن رؤية ذلك إلى أن يأتيهم أجلهم ، فالمحتضر يرى ما لا يراه جلساؤه ، ويخبر جلساءه بما يراه ويدركه ، ويخبر عن صدق ، والحاضرون لا يرون شيئا ، كما لا يرون الملائكة ولا الروحانيين الذين هم معه في مجلس واحد ، ولذلك شرع تلقين المحتضر ، فإن الهول شديد والمقام عظيم ، وهو وقت الفتنة التي هي فتنة المحيا التي استعاذ منها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأمر بالاستعاذة منها ، فإنه يتمثل للمحتضر من سلف من معارفه على الصور التي يعرفهم فيها ، وهم الشياطين ، تتمثل إليه على صورهم بأحسن زي وأحسن صورة ، ويعرفونه أنهم ما وصلوا إلى ما هم فيه من الحسن إلا بكونهم ماتوا مشركين باللّه ، فينبغي للحاضرين عنده في ذلك الوقت من المؤمنين أن يلقنوه شهادة التوحيد ، ويعرفوه بصورة هذه الفتنة ليتنبه بذلك ، فيموت مسلما موحدا مؤمنا ، فإنه عندما يتلفظ بشهادة التوحيد ويتحرك به


لسانه ، أو يظهر نورها في قلبه بتذكره إياها ، فإن ملائكة الرحمة تتولاه وتطرد عنه تلك الصور الشيطانية التي تحضره ، جعلنا اللّه عزّ وجل في ذلك المقام ممن يشهد ما يسره لا ما يسوءه آمين بعزته

[ تحقيق : إذا انكشف الغطاء علمت أنه ما أعطاك إلا ما كان بيدك ]

-تحقيق -إذا انكشف الغطاء وكان البصر حديدا علمت أنه ما أعطاك إلا ما كان بيدك ، فما زادك من عنده ، ولا أفادك مما لديه إلا تغيير الصور ، ولا يموت أحد من أهل التكليف إلا مؤمنا ، عن علم وعيان محقق لا مرية فيه ولا شك ، من العلم باللّه والإيمان به خاصة ، هذا هو الذي يعم ، وما بقي إلا هل ينفعه ذلك الإيمان أم لا ؟ أما في رفع العقوبة فلا ، إلا من اختصه اللّه مثل قوم يونس ، وأما نفع ذلك الإيمان في المآل فإن ربك فعال لما يريد ، فإذا احتد البصر وانكشف الغطاء وجاء العطاء ، استدعى هناك صاحب الهوى عقله وترك نقله ، فوعزة العزيز ما نفعه ، وتركه لمن صرعه ، حاصدا ما زرعه ، واعلم أن اللّه متجل على الدوام ، لا تقيد تجليه الأوقات ، والحجب إنما ترتفع عن أبصارنا ، لذلك قال تعالى : «فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ» فتجليه دائم وتدليه لازم ، والذي بين ذا وذا أنك اليوم نائم ، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : [ الناس نيام فإذا ماتوا انتهبوا ] لما في الموت من لقاء اللّه ، ألا ترى إلى قوله في المحتضر «فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ» ولم يقل عقلك ، فكل ما أنت فيه من الدنيا إنما هو رؤيا .


المراجع:

(21) الفتوحات ج 3 / 204 - كتاب الأعلاق

 

 

البحث في التفسير


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!