موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

إشارات في تفسير القرآن الكريم

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

مستخلصة من الفتوحات المكيّة وكتبه الأخرى

سورة الرحمن (55)

 

 


الآيات: 14-15 من سورة الرحمن

خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ (14) وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ (15)

فالإنسان ما يفخر إلا بالجان ، وبما في الجان من الضلال كان الصلصال ، وهو الثناء الذميم على من خلق في أحسن تقويم ، فيبقى الإنسان على التقديس ، ويأخذ صلصاله إبليس ، فيرجع أصله إليه ، ويحور وباله عليه ، والجياد على أعراقها تجري ، ونجومها في أفلاكها تسبح ، وتسري

-باب في خلق الجان-

المرج الاختلاط ، والمارج المختلط ، ومنه سمي المرج مرجا لاختلاط النبات فيه ، لأنه يحوي على أخلاط من الأزهار والنبات ، فلما خلق اللّه الأركان الأربعة دون الفلك ، وأدارها على شكل الفلك ، والكل أشكال في الجسم الكل ،

فأول حركة فلكية ظهر أثرها فيما يليها من الأركان وهو النار ، فأثّر فيه اشتعالا بما في الهواء من الرطوبة ، فكان ذلك الاشتعال واللهب من النار والهواء وهو المارج ، فلما اختلط الهواء بالنار اشتعل وحمي واتقد مثل السراج وأحدث اشتعالا ولهبا ، فتح اللّه في تلك الشعلة الجان ، وهو في الأصل من عنصرين هواء ونار ،

كما كان آدم من عنصرين ماء وتراب ، عجن به فحدث له اسم الطين ، كما حدث لامتزاج النار بالهواء اسم المارج ، ففتح سبحانه في ذلك المارج صورة الجان ، فبما فيه من الهواء يتشكل في أي صورة شاء ، وبما فيه من النار سخف وعظم لطفه ، وكان فيه طلب القهر والاستكبار والعزة ،

فإن النار أرفع الأركان مكانا ، وله سلطان على إحالة الأشياء التي تقتضيها الطبيعة ، وهو السبب الموجب لكونه استكبر عن السجود لآدم ، عندما أمره اللّه عزّ وجل ،

بتأويل أداه أن يقول : (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ)

يعني بحكم الأصل ، كما في الجان من بقية الأركان ، ولذا سمي مارجا ، ولكن ليس لها في نشأته ذلك السلطان ، فالتكبر في الجان بالطبع للنارية ، فإن تواضع فلأمر يعرض له يقبله بما فيه من الترابية ، كما أن تواضع آدم للطينية بالطبع ،

فإن تكبر فلأمر يعرض له يقبله بما فيه من النارية ، وللجن التشكل في الصور كالملائكة ، وأخذ اللّه بأبصارنا عنهم فلا نراهم إلا إذا شاء اللّه أن يكشف لبعض عباده فيراهم ، ولما كانوا من عالم السخافة واللطافة قبلوا التشكل فيما يريدونه من الصور الحسية ، فالصورة الأصلية التي ينسب إليها الروحاني


إنما هي أول صورة قبل عندما أوجده اللّه ، ثم تختلف عليه الصور بحسب ما يريد أن يدخل فيها ، ولما نفخ الروح في اللهب وهو كثير الاضطراب لسخافته ، وزاده النفخ اضطرابا ، وغلب الهواء عليه ، وعدم قراره على حالة واحدة ، ظهر عالم الجان في تلك الصورة ، وكما وقع التناسل في البشر بإلقاء الماء في الرحم ،

فكانت الذرية والتوالد في هذا الصنف البشري الآدمي ، كذلك وقع التناسل في الجان بإلقاء الهواء في رحم الأنثى منهم ،

فكانت الذرية والتوالد في صنف الجان ، وخلق اللّه الجان شقيا وسعيدا ،

وكذلك خلق الإنس ، وخلق اللّه الملك سعيدا لاحظ له في الشقاء ، فسمي شقي الإنس والجان كافرا ، وسمي السعيد من الجن والإنس مؤمنا ، وكذلك شرك بينهما في الشيطنة ،

فقال تعالى : (شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ) فمن ثبت على إغوائه من الجن كان شيطانا ،

ومن ثبت على الطاعات لم يكن شيطانا ، وهذا الثبات على الحالين بما في الجن من الترابية ، وبما فيها من المائية ذهبت حمية النارية ، فمنهم الطائع والعاصي مثلنا ، والتوالد من الجن إلى اليوم باق ، وكذلك فينا ،

فأصل أجسام الملائكة نور ، والجن نار مارج ، والإنسان مما قيل لنا ، ولكن كما استحال الإنس عن أصل ما خلق منه ،

كذلك استحال الملك والجن عن أصل ما خلقا منه إلى ما هما عليه من الصور ، فالملائكة أرواح منفوخة في أنوار ، والجان أرواح منفوخة في رياح ، والأناسي أرواح منفوخة في أشباح ، والجن مع كونهم موصوفين باللطافة فهم من نار مركبة ، فيها رطوبة المواد ، والشياطين من الجن هم الأشقياء المبعدون من رحمة اللّه منهم خاصة ، والسعداء بقي عليهم اسم الجن ، وهم خلق بين الملائكة والبشر الذي هو الإنسان ، فالجن عنصري ولهذا تكبر ، فلو كان طبيعيا خالصا من غير حكم العنصر ما تكبر وكان مثل الملائكة ، فهو برزخي النشأة ، له وجه إلى الأرواح النورية بلطافة النار منه ، فله الحجاب والتشكل ، وله وجه إلينا ، به كان عنصريا ومارجا ، ولما غلب على الجان عنصر الهواء والنار ، لذلك كان غذاؤهم ما يحمله الهواء مما في العظام من الدسم ، فإن اللّه جاعل لهم فيها رزقا ، فإنا نشاهد جوهر العظم وما يحمله من اللحم لا ينقص منه شيء ، فعلمنا قطعا أن اللّه جاعل لهم فيها رزقا ، ولهذا قال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم في العظام : [ إنها زاد إخوانكم من الجن ]

وفي حديث : [ إن اللّه جاعل لهم فيها رزقا ]

وأما اجتماع بعضهم ببعض عند النكاح فالتواء ، مثل ما تبصر الدخان الخارج من الأتون أو من فرن الفخار ، يدخل بعضه في بعضه ، فيلتذ


كل واحد من الشخصين بذلك التداخل ، ويكون ما يلقونه كلقاح النخلة بمجرد الرائحة كغذائهم سواء ، وهم قبائل وعشائر ، وتقع بينهم حروب عظيمة ، وبعض الزوابع قد يكون عين حربهم ، وما كل زوبعة حربهم ،

[ تشكل العالم الروحاني وكيفية تقييده: ]

وهذا العالم الروحاني إذا تشكل وظهر في صورة حسية يقيده البصر ، بحيث لا يقدر أن يخرج عن تلك الصورة ما دام البصر ينظر إليه بالخاصية ، ولكن من الإنسان ، فإذا قيده ولم يبرح ينظر إليه ،

وليس له موضع يتوارى فيه ، أظهر له الروحاني صورة جعلها عليه كالستر ، ثم يخيل له مشي تلك الصورة إلى جهة مخصوصة ، فيتبعها بصره ، فإذا تبعها بصره خرج الروحاني عن تقييده ، فغاب عنه ، وبمغيبه تزول تلك الصورة عن نظر الناظر الذي أتبعها بصره ، فإنها للروحاني كالنور مع السراج المنتشر في الزوايا نوره ،

فإذا غاب جسم السراج فقد ذلك النور ، فهكذا هذه الصورة ، فمن يعرف هذا ويحب تقييده لا يتبع الصورة بصره ، وليست الصورة غير الروحاني بل هي عينه ، ولو كانت في ألف مكان أو في كل مكان ومختلفة الأشكال ،

وإذا اتفق قتل صورة من تلك الصور وماتت في ظاهر الأمر ، انتقل ذلك الروحاني من الحياة الدنيا إلى البرزخ ، كما ننتقل نحن بالموت ، ولا يبقى له في عالم الدنيا حديث ، مثلنا سواء ، وتسمى تلك الصورة المحسوسة التي تظهر فيها الروحانيات أجسادا ،

وهو قوله تعالى : (وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ) والفرق بين الجان والملائكة وإن اشتركوا في الروحانية ، أن الجان غذاؤهم ما تحمله الأجسام الطبيعية من المطاعم ، والملائكة ليست كذلك ،

وأعطى الاسم اللطيف الجان أن يجري من ابن آدم مجرى الدم ، ولا يشعر به ، وأورثت اللطافة الجان الاستتار عن أعين الناس ، فلا تدركهم الأبصار إلا إذا تجسدوا ،

قال تعالى : (إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ) ، ولما تمت نشأة الموجود الأول من الجان واستقامت بنيته ، توجه الروح من عالم الأمر فنفخ في تلك الصورة روحا ، سرت فيها بوجودها الحياة ، فقام ناطقا بالحمد والثناء لمن أوجده جبلة جبل عليها ،

وفي نفسه عزة وعظمة لا يعرف سببها ، ولا على من يعتز بها ، إذ لم يكن ثمّ مخلوق آخر من عالم الطبائع سواه ، فبقي عابدا لربه ، مصرا على عزته ، متواضعا لربوبية موجده بما يعرض له مما هو عليه في نشأته ، إلى أن خلق آدم ،

فلما رأى الجان صورته ، غلب على واحد منهم اسمه الحارث بغض تلك النشأة ، وتجهم وجهه لرؤية تلك الصورة الآدمية ، فظهر ذلك منه لجنسه ، فعتبوه لذلك لما رأوه عليه من الغم


والحزن لها ، فلما كان من أمر آدم ما كان ، أظهر الحارث ما كان يجد في نفسه منه ، وأبى امتثال أمر خالقه بالسجود لآدم ، واستكبر على آدم بنشأته وافتخر بأصله ، وغاب عن سر قوة الماء الذي جعل اللّه منه كل شيء حي ، ومنه كانت حياة الجان وهم لا يشعرون ، وكان أول من سمي شيطانا ، أي مبعودا من رحمة اللّه ، من الجن الحارث ، فأبلسه اللّه ، أي طرده من رحمته ، ومنه تفرعت الشياطين بأجمعها ، وجعل اللّه سماع الجن للقرآن إذا تلي عليهم أحسن من سماع الإنس ، فلما تلا عليهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم سورة الرحمن ، فما قال في آية منها .


المراجع:

(15) الفتوحات ج 4 / 360 - ج 1 / 131">131 - ج 3 / 296 - ج 1 / 131">131 - ج 3 / 367 - ج 1 / 132">132">132">132">132">132">132">132 - ج 3 / 367 - ج 1 / 132">132">132">132">132">132">132">132 - ج 2 / 466 - ج 1 / 132">132">132">132">132">132">132">132 - ج 2 / 466 - ج 1 / 132">132">132">132">132">132">132">132 - ج 2 / 466

 

 

البحث في التفسير


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!