موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

إشارات في تفسير القرآن الكريم

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

مستخلصة من الفتوحات المكيّة وكتبه الأخرى

سورة الواقعة (56)

 

 


الآيات: 47-59 من سورة الواقعة

وَكانُوا يَقُولُونَ إِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً إِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (47) وَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ (48) قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ (49) لَمَجْمُوعُونَ إِلى مِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (50) ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ (51) لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ (52) فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ (53) فَشارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ (54) فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ (55) هذا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ (56) نَحْنُ خَلَقْناكُمْ فَلَوْ لا تُصَدِّقُونَ (57) فَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ (58) أَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخالِقُونَ (59)

ولم يقل تعالى : أأنتم تخلقون منه ولا فيه ، وإنما قال : تخلقونه ، فأراد عين إيجاده منيا خاصة ، والاسم المصور هو الذي يتولى فتح الصورة فيه .

[ سورة الواقعة (56) : الآيات 60 إلى 61 ]

نَحْنُ قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (60) عَلى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي ما لا تَعْلَمُونَ (61)

[ «وَنُنْشِئَكُمْ فِي ما لا تَعْلَمُونَ» الآية : ]

- الوجه الأول-اللّه يحدث نشأة الإنسان مع الأنفاس ولا يشعر

، وفي كل نفس له فينا إنشاء جديد بنشأة جديدة ، ومن لا علم له بهذا فهو في لبس من خلق جديد ، لأن الحس يحجبه بالصورة التي يحس بتغييرها ، مع ثبوت عين القابل للتغيير مع الأنفاس

- الوجه الثاني -من ذلك علمنا أن اللّه ينشئ كل منشأ فيما لا يعلم

، أي لا يعلم له مثال إلا إن أعلمه اللّه

- الوجه الثالث -لو كانت إعادة أرواحنا إلى أجسادنا على

هذا المزاج الخاص الذي كان لنا في النشأة الدنيا لم يصح قوله تعالى : «فِي ما لا تَعْلَمُونَ» ، فإنه قد قال : (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى فَلَوْ لا تَذَكَّرُونَ)

وقال : (كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ) يعني في النشأة الآخرة أنها تشبه النشأة الدنياوية في عدم المثال ، فالأخرى تجديد نشأة أخرى في الكل ، لا يعرفها العقل الأول ولا اللوح المحفوظ ، فاعلم أن الدار داران تسكنهما الأرواح الناطقة ، وهو البدن الطبيعي المسوى المعدل الذي خلقه اللّه بيديه ووجه عليه صفتيه ، فلما أنشأه أسكنه دارا أخرى هي دار الدار ،

وقسم سبحانه دار الدار قسمين :قسما سماه الدنيا وقسما سماه الآخرة


، ثم علّم ما يصلح لسكنى كل دار ، من الساكنين الذين هم ديار النفوس الناطقة ، فخلق للدار الدنيا لفنائها وذهاب عينها وتبدل صورتها ووضعها وشكلها وخفاء حياتها ساكنا هو هذه الدار التي أسكنها النفس الناطقة ، فجعل هذه النشأة مثل دار سكناها ،

خفية الحياة فانية ذاهبة العين متبدلة الصورة والوضع والشكل ، فاتصف ساكنها وهو النفس الناطقة بالجهل والحجاب والشك والظن والكفر والإيمان ،

وذلك لكثافة هذه الدار التي هي نشأته البدنية ، وحال بينه وبين شهود اللّه ،

وجعله في حجر أمه ترضعه وتقوم به ، فما شهد من حين أسكن هذه النشأة سوى عين أمه ، حتى إنه جهل أباه بعض الساكنين ، ولولا أن اللّه منّ عليه بالنوم ،

وجعل له في ذلك أمرا يسمى الرؤيا في قوة تسمى الخيال ، فإذا نام كأنه خرج عن هذه النشأة فنظر إليه أبوه وسرّ به ، وألقى إليه روحا وآنسه ، وبادرت إليه الأرواح ،

وتراءى له الحق من تنزيهه ، وبدا له ذلك كله في أجساد ألف شهودها من جنس دار نشأته التي فارقها بالنوم ، فيظن في النوم أنه في دار نشأته التي ألفها ويعرفها ،

ويظن في كل ما يراه في تلك المواد أنها على حسب ما شهدها ، فهذا القدر هو الذي له في هذه النشأة الدنيا من الأنس بأبيه وإخوانه من الأرواح ومن الأنس بربه ،

ومنهم من يتقوى في ذلك بحيث إنه يرى ذلك في يقظته ، وأعطاه علما سماه علم التعبير ، عبر به في مشاهدة تلك الصور إلى معانيها ، فإذا أراد اللّه أن يخلي هذه الدار الدنيا من هذه النشأة التي هي دار النفس الناطقة ، أرحل عن هذه النشأة روحها المدبر لها ،

وأسكنه صورة برزخية من الصور التي كان يلبسها في حال النوم ،

فإذا كان يوم القيامة وأراد اللّه أن ينقله إلى الدار الأخرى دار الحيوان - وهي دار ناطقة ظاهرة الحياة ثابتة العين غير زائلة - أنشأ لهذه النفس الناطقة دارا من جنس هذه الدار الأخرى ، مجانسة لها في صفتها ، لأنها لا تقبل ساكنا لا يناسبها ، فخلق نشأة بدنية طبيعية للسعداء عنصرية للأشقياء ، فسواها فعدلها ، ثم أسكنها هذه النفس الناطقة ، فأزال عنها حجب العمى والجهل والشك والظن وجعلها صاحبة علم ونعيم دائم ، وأراها أباها ففرحت به ، وأراها خالقها ورازقها ، وعرف بينها وبين إخوتها وانتظم الشمل بالأحباب ، وأشهدها كل شيء كان في الدار الأولى غائبا ، وأسكن هذه النشأة الدار الأخرى المسماة جنة منها ، فإنه قسّم الدار الأخرى إلى منزلين : هذا هو المنزل الواحد ، والمنزل الآخر المسمى جهنم ، جعل نشأة بدن أنفسها الناطقة عنصرية تقبل التغيير ، وأصحبها الجهل


وسلب عنها العلم ، فأعطى جهل المؤمنين من أهل التقليد من كان من أهل هذه الدار دار الشقاء عالما بدقائق الأمور ،

فدخل بذلك الجهل النار إذ كان من أهلها وهي لا تقبل العلماء ، وأعطى هذا العالم الذي كان في الدنيا عالما بدقائق الأمور ولم يكن من أهل الجنة جهل المؤمن المقلد ، فإن الجنة ليست بدار جهل ،

فيرى المؤمن الأبله المقلد ما كان عليه من الجهل على ذلك العالم فيستعيذ باللّه من تلك الصفة ، ويرى قبحها ويشكر اللّه على نعمته التي أعطاه إياها ، بما كساه وخلع عليه من علم ذلك العالم الذي هو من أهل النار ، وينظر إليه ذلك العالم فيزيد حسرة إلى حسرته ،

ويعلم أن الدار أعطت هذه الحقائق لنفسها فيقول : (يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) لعلمهم إذا كانوا مؤمنين وإن كانوا جاهلين أنهم إذا انتقلوا إلى دار السعادة خلعت عنهم ثياب الجهالة ،

وخلع عليهم خلع العلم فلا يبالون بما كانوا عليه من الجهل في الدنيا لحسن العاقبة ، وما علموا أنهم لو ردوا إلى الدنيا في النشأة التي كانوا عليها لعادوا إلى حكمه.

واعلم أن العلم هو السعادة ، وأن اللّه إذا أراد شقاوة العبد أزال عنه العلم ،

فإنه لم يكن العلم له ذاتيا بل اكتسبه ، وما كان مكتسبا فجائز زواله ويكسوه حلة الجهل ،

فإن عين انتزاع العلم جهل ، ولا يبقى عليه إلا العلم بأنه قد انتزع عنه العلم ،

فلو لم يبق اللّه تعالى عليه هذا العلم بانتزاع العلم لما تعذب ،

فإن الجاهل الذي لا يعلم أنه جاهل فرح مسرور ، لكونه لا يدري ما فاته ،

فلو علم أنه فاته خير كثير ما فرح بحاله ، ولتألم من حينه ، فما تألم إلا بعلمه ما فاته ،

أو مما كان عليه فسلبه ، والإنسان في الآخرة مقلوب النشأة ، فباطنه ثابت على صورة واحدة كظاهره هنا ، وظاهره سريع التحول في الصور كباطنه هنا ،

وعلى ذلك الحكم يكون تصرف ظاهر النشأة الآخرة ، فينعم بجميع ملكه في النفس الواحد ، ولا يفقده شيء من ملكه من أزواج وغيرهن دائما ولا يفقدهم ،

فهو فيهم بحيث يشتهي ، وهم فيه بحيث يشتهون ، فإنها دار انفعال سريع لا بطء فيه ، كباطن هذه النشأة الدنياوية في الخواطر التي لها .

[ سورة الواقعة (56) : آية 62 ]

وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى فَلَوْ لا تَذَكَّرُونَ (62)

نشأة الخلق وأحوالهم ، وما يكون منهم في القيامة والدارين ، على غير نشأة الدنيا وإن أشبهتها في الصورة ، ولذلك قال : (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى فَلَوْ لا تَذَكَّرُونَ) أن النشأة


الدنيا كانت على غير مثال سبق كما هو الأمر في نفسه ، كذلك ينشئكم فيما لا تعلمون يوم القيامة .


المراجع:

(59) الفتوحات ج 2 / 511

 

 

البحث في التفسير


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!