موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

إشارات في تفسير القرآن الكريم

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

مستخلصة من الفتوحات المكيّة وكتبه الأخرى

سورة الحديد (57)

 

 


الآية: 2 من سورة الحديد

لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (2)

«لَهُ» الضمير يعود على اللّه من (لِلَّهِ) «مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ» ولهذا يسبحه أهلهما لأنهم مقهورون محصورون في قبضة السماوات والأرض «يُحْيِي» العين «وَيُمِيتُ» الوصف ، فالعين لها الدوام من حيث حييت ، والصفات تتوالى عليها ، فيميت الصفة بزوالها عن هذه العين ويأتي بأخرى «وَهُوَ» الضمير يعود على اللّه «عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» أي شيئية الأعيان الثابتة ، يقول : إنها تحت الاقتدار الإلهي.

[سورة الحديد (57) : آية 3]

هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (3)

- الوجه الأول -ظهرت هذه النسب الأربعة من حيث ما نسب الحق إلى نفسه

من الصورة ، ولما كان الأمر الإلهي في التالي أتم منه وأكمل منه في المتلو الذي هو قبله ،


أخر الاسم الباطن لما عبر عن هذه النعوت الإلهية ، فالآخر يتضمن ما في الأول ، والظاهر يتضمن ما في الآخر والأول ، والباطن يتضمن ما في الظاهر والآخر والأول ، ولو جاء شيء بعد الباطن لتضمن الباطن وما قبله ، ولكن الحصر منع أن يكون سوى هذه الأربعة ، ولا خامس لها إلا هويته تعالى ، وما ثمّ في العالم حكم إلا من هذه الأربعة ، وعلى صورة هذه الأربعة ظهر عالم الأرواح وعالم الأجسام ، فأقام الحق الوجود على التربيع ، وجعله لنفسه كالبيت القائم على أربعة أركان ،

واعلم أن الذات الأزلية لا توصف بالأولية وإنما يوصف بها اللّه تعالى ،

فقوله «هُوَ الْأَوَّلُ» الضمير يعود على اللّه من للّه ، والأول خبر الضمير الذي هو المبتدأ ، وهو في موضع الصفة للّه ، ومسمى اللّه إنما هو من حيث المرتبة ، فهو الأول له منزلة الأولية الإلهية ، ومن هذه الأولية صدر ابتداء الكون ومنه تستمد كلها ، وهو الحاكم فيها ، وهي الجارية على حكمه ، ونفى السبب عنه ، فإن أولية الحق تمدّ أولية العبد ، فإن لابتداء الأكوان شواهد فيها أنها لم تكن لأنفسها ثم كانت ، فمعقولية الأولية للواجب المطلق نسبة وضعية لا يعقل لها العقل سوى استناد الممكن إليه ،

فيكون أولا بهذا الاعتبار ، ولو قدر أن لا وجود لممكن - قوة وفعل- لانتفت النسبة الأولية ، إذ لا تجد متعلقا ، فلما كان أول مخلوق ظهر هو العقل أو القلم الإلهي كان اللّه الأول بالمرتبة ، فهو الأول بأولية الأجناس وأولية الأشخاص «وَالْآخِرُ» فهو الآخر آخرية الأجناس لا آخرية الأشخاص ، فإليه يعود الأمر كله ، فلله الأولية لأنه موجد كل شيء ، وللّه الآخرية فإنه قال : (وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ) وقال : (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)

وقال : (أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ) فهو الآخر كما هو الأول ، وما بين الأول والآخر تظهر مراتب الأسماء الإلهية كلها ، فلا حكم للآخر إلا بالرجوع إليه في كل أمر ، وكل مقام إلهي يتأخر عن مقام كوني فهو من الاسم الآخر ، مثل قوله تعالى : (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ)

وقوله : [ من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم ] وقوله : [ من تقرب إلي شبرا تقرّبت إليه ذراع ]

وقوله تعالى : (فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ) فالأمر يتردد بين الاسمين الإلهيين الأول والآخر ، وعين العبد مظهر لحكم هذين الاسمين

- بحث في الأزل-

اعلم أن الأزل عبارة عن نفي الأولية لمن يوصف به ، وهو وصف للّه تعالى من كونه إلها ، وإذا انتفت الأولية عنه تعالى من كونه إلها ، فهو المسمى بكل اسم يسمي به نفسه أزلا ، ولم يزل مسمى بهذه الأسماء ،


وانتفت عنه أولية التقييد ، فسمع المسموع وأبصر المبصر إلى غير ذلك ، وأعيان المسموعات منا والمبصرات معدومة غير موجودة ، وهو يراها أزلا كما يعلهما أزلا ، ويميزها ويفصّلها أزلا ولا عين لها في الوجود النفسي العيني ، بل هي أعيان ثابتة في رتبة الإمكان ، فالإمكانية لها أزلا كما هي لها حالا وأبدا ، لم تكن قط واجبة لنفسها ثم عادت ممكنة ، ولا محالا ثم عادت ممكنة ، بل كان الوجوب الذاتي للّه تعالى أزلا ،

كذلك وجوب الإمكان للعالم أزلا ، فاللّه في مرتبته بأسمائه الحسنى يسمى منعوتا وموصوفا بها ، فعين نسبة الأول له نسبة الآخر والظاهر والباطن ،

لا يقال : هو أول بنسبة كذا وآخر بنسبة كذا ، فإن الممكن مرتبط بواجب الوجود في وجوده وعدمه ارتباط افتقار إليه في وجوده ، فإن أوجده لم يزل في إمكانه ، وإن عدم لم يزل عن إمكانه ، فكما لم يدخل على الممكن في وجود عينه بعد أن كان معدوما صفة تزيله عن إمكانه ، كذلك لم يدخل على الخالق الواجب الوجود في إيجاده العالم وصف يزيله عن وجوب وجوده لنفسه ، فلا يعقل الحق إلا هكذا ، ولا يعقل الممكن إلا هكذا ،

فأولية العالم وآخريته أمر إضافي ، فالأول من العالم بالنسبة إلى ما يخلق بعده ، والآخر من العالم بالنسبة إلى ما يخلق قبله ، وليس كذلك معقولية الاسم اللّه الأول والآخر والظاهر والباطن ،

فإن العالم يتعدد والحق واحد لا يتعدد ، ولا يصح أن يكون أولا لنا ، بل كان ينطلق علينا اسم الثاني لأوليته ، ولبسنا بثان له ، تعالى عن ذلك ، فليس هو بأول لنا ،

فلهذا كان عين أوليته عين آخريته ، فإن اللّه تعالى هو الأول الذي لا أولية لشيء قبله ، ولا أولية لشيء يكون قائما به أو غير قائم به معه ، فهو الواحد سبحانه ، في أوليته ، فلا شيء واجب الوجود لنفسه إلا هو

[ مسألة :العالم لم يبرح من رتبة إمكانه سواء كان معدوما أو موجود: ]

-مسألة -العلة متقدمة على معلولها بالمرتبة بلا شك ، سواء كان ذلك سبق العلم أو ذات الحق ، ولا يعقل بين الواجب الوجود لنفسه وبين الممكن بون زماني ولا تقدير زماني ، وإذا لم يعقل بين الحق والخلق بون زماني فلم يبق إلا الرتبة ،

فلا يصح أن يكون أبدا الخلق في رتبة الحق ، كما لا يصح أن يكون المعلول في رتبة العلة من حيث ما هو معلول عنها ، فالعالم لم يبرح في رتبة إمكانه سواء كان معدوما أو موجودا ، والحق تعالى لم يبرح في مرتبة وجوب وجوده لنفسه سواء كان العالم أو لم يكن ،

فلو دخل العالم في الوجوب النفسي ، لزم قدم العالم ومساوقته في هذه الرتبة لواجب الوجود لنفسه وهو اللّه ، ولم يدخل ، بل بقي على إمكانه وافتقاره إلى موجده وسببه وهو


اللّه تعالى ، فلم يبق معقول البينية بين الحق والخلق إلا التمييز بالصفة النفسية ، فبهذا نفرق بين الحق والخلق ، أما كون اللّه علة في وجود العالم فهو أدل دليل على توحيد اللّه تعالى ، غير أن إطلاق هذا اللفظ عليه لم يرد به الشرع فلا نطلقه عليه ولا ندعوه به ،

فنقول : «هُوَ الْأَوَّلُ» في الوجود «وَالْآخِرُ» في الشهود .

فالأول الحق بالوجود *** والآخر الحق بالشهود

إليه عادت أمور كوني *** فإنما الرب بالعبيد

فكل ما أنت فيه حق *** ولم تزل في مزيد

وهو الإله الظاهر والباطن ، فإنه لما كان العالم له الظهور والبطون ، كان هو سبحانه الظاهر لنسبة ما ظهر منه ، والباطن لنسبة ما بطن منه ، وهو تعالى «الظَّاهِرُ» لنفسه لا لخلقه ،

فلا يدركه سواه أصلا ، وأما ما ظهر فإنما هو ظهور أحكام أسمائه الحسنى وظهور أحكام أعياننا في وجود الحق ، وهو من وراء ما ظهر ،

فلا أعياننا تدرك رؤية ، ولا عين الحق تدرك رؤية ، ولا أعيان أسمائه تدرك رؤية ، ونحن لا نشك أنا قد أدركنا أمرا ما رؤية ،

وهو الذي تشهده الأبصار منا ، فما ذلك إلا الأحكام التي لأعياننا ظهرت لنا في وجود الحق ، فكان مظهرا لها ، فظهرت أعياننا ظهور الصور في المرائي ،

ما هي عين الرائي ولا هي عين المجلى «وَالْباطِنُ» البطون يختص بنا كما يختص به الظهور ، وإن كان له البطون فليس هو باطنا لنفسه ولا عن نفسه ، كما أنه ليس ظاهرا لنا ، فالبطون الذي وصف نفسه به إنما هو في حقنا ،

فلا يزال باطنا عن إدراكنا إياه حسا ومعنى ، فإنه ليس كمثله شيء ، ولا تدرك إلا الأمثال ، فظهر الحق باحتجابه فهو الظاهر المحجوب ، فهو الباطن للحجاب لا لك ،

وهو الظاهر لك وللحجاب ، فسبحان من احتجب في ظهوره ، وظهر في حجابه ، فلا تشهد عين سواه ، ولا ترتفع الحجب عنه ، ولا يزال ربا ولم نزل عبيدا في حال عدمنا ووجودن

- الوجه الثاني -[ معنى قوله تعالى :" وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ " ]

اعلم أن الحق تسمى بالظاهر والباطن من حيث ما نسب الحق إلى نفسه من الصورة ، فالظاهر للصور التي يتحول فيها ، والباطن للمعنى الذي يقبل ذلك التحول والظهور في تلك الصور ، فهو عالم الغيب من كونه الباطن ، والشهادة من كونه الظاهر ،

وتجلى الحق لكل من تجلى له - من أي عالم كان من عالم الغيب والشهادة - إنما هو من الاسم الظاهر ، وأما الاسم الباطن فمن حقيقة هذه النسبة أن لا يقع فيها تجل أبدا ،


لا في الدنيا ولا في الآخرة ، إذ كان التجلي عبارة عن ظهوره لمن تجلى له في ذلك المجلى ، وهو الاسم الظاهر ، فالظاهر للصور والباطن للعين ، فالعين غيب أبدا والصور شهادة أبدا ، وكل زيادة في العلم أي علم كان لا تكون إلا عن التجلي الإلهي ،

فالتجلي الصوري يدرك بعالم الحس في برزخ التمثل لظاهر النفس ، وإذا وقع التجلي بالاسم الظاهر لباطن النفس وقع الإدراك بالبصيرة في عالم الحقائق والمعاني المجردة عن المواد ، وهو المعبر عنها بالنصوص ، فالحق هو الظاهر الذي تشهده العيون ، والباطن الذي تشهده العقول ، فهو مشهود للبصائر والأبصار ، غير أنه لا يلزم من الشهود العلم بأنه هو ذلك المطلوب إلا بإعلام اللّه ، فكل ما هو العالم فيه من تصريف وانقلاب وتحول من صور في حق وخلق فذلك من حكم الاسم الظاهر ، وهو منتهى علم العالم والعلماء باللّه ، وأما الاسم الباطن فهو إليه لا إلينا ، وما بأيدينا منه سوى (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) على بعض وجوه محتملاته ، إلا أن أوصاف التنزيه لها تعلق بالاسم الباطن وإن كان فيه تحديد ، ولكن ليس في الإمكان أكثر من هذا ، فإنه غاية الفهم عندنا الذي يعطيه استعدادنا .

واعلم أن أحوال العالم مع اللّه على ثلاث مراتب:

مرتبة يظهر فيها تعالى بالاسم الظاهرفلا يبطن عن العالم شيء من الأمر ، وذلك في موطن مخصوص ، وهو في العموم موطن القيامة ؛

ومرتبة يظهر فيها الحق في العالم في الباطن، فتشهده القلوب دون الأبصار ، ولهذا يرجع الأمر إليه ، ويجد كل موجود في فطرته الاستناد إليه والإقرار به ، من غير علم به ولا نظر في دليل ، فهذا من حكم تجليه سبحانه في الباطن ؛

ومرتبة ثالثة له فيها تجل في الظاهر والباطنفيدرك منه في الظاهر قدر ما تجلى به ، ويدرك منه في الباطن قدر ما تجلى به ، فله تعالى التجلي الدائم العام في العالم على الدوام ،

وتختلف مراتب العالم فيه لاختلاف مراتب العالم في نفسها ، فهو يتجلى بحسب استعدادهم ، فهو عند العارفين اليوم في الدنيا على حكم تجليه في القيامة ، فيشهده العارفون في صور الممكنات المحدثات الوجود ، وينكره المحجوبون من علماء الرسوم ، ولهذا يسمى بالظاهر في حق هؤلاء العارفين ، والباطن في حق هؤلاء المحجوبين ،

وليس إلا هو سبحانه ، فأهل اللّه الذين هم أهله لم يزالوا ولا يزالون دنيا وآخرة في مشاهدة عينية دائمة ، وإن اختلفت الصور فلا يقدح ذلك عندهم ، ولما سمى اللّه نفسه بالظاهر والباطن ، اقتضى ذلك أن يكون الأمر الوجودي بالنسبة إلينا بين جلي وخفي ، فما جلّاه لنا فهو الجلي ، وما ستره عنا فهو الخفي ، وكل


ذلك له تعالى جلي ، ولا يخلو العالم من هاتين النسبتين دنيا وآخرة ، فالجلي من سؤال السائلين يسمعه الحق من الاسم الظاهر ، والخفي منه يسمعه من الاسم الباطن ، فإذا ما أعطاه ما سأل ، فالاسم الباطن يعطيه الظاهر ، والظاهر يعطيه للسائل

- الوجه الثالث -اعلم أن الحق سبحانه هو الباطن فلا يظهر لشيء

، لو ظهر لشيء لأحرقت السبحات ما أدركه البصر ، وهو الحافظ للأشياء فلا يظهر لها ، فإن سألت : من الظاهر الذي لا يعرف والباطن الذي لا يجهل ؟

فقل : هو الحق

- إشارة -[ إشارة : كيف تصح المعرفة باللّه ؟ ]

لا تصح المعرفة باللّه لأحد حتى يتعرف إليه ويعرفه بظهوره ، فيبصره من القلب عين اليقين بنور اليقين ، وقد قال عليه السلام مخبرا عن اللّه

[ ما وسعني أرضي ولا سمائي ، ووسعني قلب عبدي المؤمن ]

- الوجه الرابع -الاسم الظاهر هو ما أعطاه الدليل

، والباطن هو ما أعطاه الشرع من العلم باللّه ، والأول بالوجود ، والآخر بالعلم «وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ» فالضمير يعود على الضمير الأول في" هُوَ الْأَوَّلُ "

فالأمر من غيب إلى غيب ، وضمير «هُوَ الْأَوَّلُ» يعود على «وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» وذلك الضمير يعود على اللّه ، وهو الاسم ، والاسم يطلب المسمى ف «لِلَّهِ» الأول «وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ» الآخر «هُوَ الْأَوَّلُ» الظاهر «وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» الباطن «وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ» عليم بشيئية الأعيان وشيئية الوجود ، من حيث أجناسه وأنواعه وأشخاصه .

إن الذي أظهر الأعيان لو ظهرا *** ما زاد حكما على الأمر الذي ظهر

هو الجلي الخفي في تصرفه *** فليس يظهر منه غير ما ظهر

مقدس الذات عن إدراك ما ظهرا *** لكنه يهب الأرواح والصور

فكل صورة روح عين صورته *** وهو الذي عيّن الأفلاك والبشر

من آدم خمرت يداه طينته *** بذاك سمي في ما قد روي بشر

لما أتى من وراء الستر كلمني *** وما رأيت له عينا ولا خبر

علمت أن حجابي لم يكن أحدا *** غيري فلم أتعب الألباب والفكر

فما رأيت وجود الحق في أحد *** إلا رأيت له في كونه أثر

[ تحقيق : الحق لا يتصف أبدا بنسبتين مختلفتين كما يقرره العقل : ]

-تحقيق -النظر العقلي يعطي أن الحق في مرتبة يتقدم فيكون له الاسم الأول ، وفي مرتبة يتأخر فيكون له الاسم الآخر ، والاسم الظاهر له أصل والباطن فرع ، فيحكم له بالأصل من نسبة خاصة ، ويحكم له بالفرع من نسبة أخرى ، وأما ما تعطيه المعرفة الذوقية فهو


أنه ظاهر من حيث ما هو باطن ، وباطن من عين ما هو ظاهر ، وأول من عين ما هو آخر ، وكذلك القول في الآخر ،

لا يتصف أبدا بنسبتين مختلفتين كما يقرره العقل من حيث ما هو ذو فكر ،

إذ لو كانت معقولية الأولية والآخرية والظاهرية والباطنية في نسبتها إلى الحق ، معقولية نسبتها إلى الخلق ، لما كان ذلك مدحا في الجناب الإلهي ،

ولا استعظم العارفون بحقائق الأسماء ورود هذه النسب ، بل يصل العبد إذا تحقق بالحق أن تنسب إليه الأضداد وغيرها ، من عين واحدة لا تختلف ،

وإذا كان العبد يتصور في حقه وقوع هذا ، فالحق أجدر وأولى ، إذ هو المجهول الذات ، فالحق تعالى عين الضدين ، إذ لا عين زائدة ، فالظاهر عين الباطن والأول والآخر «وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ» ذكر ذلك عن نفسه بطريق المدحة لذاته ،

فالعلم من كمال الألوهية ، بل لا تصح الألوهية إلا به ، وهو كونه عالما بكل شيء ، وهذه الآية إشارة لأهل الكشف والصوفية ، تنبيها أنه الوجود كله ،

فإن هذا تقسيمه ، فليس إلا هو ، فلو وقفت النفوس مع ما ظهر لعرفت الأمر على ما هو عليه ، لكن طلبت أمرا غائبا عنها ، فكان طلبها عين حجابها ،

فما قدرت ما ظهر حق قدره ، لشغلها بما تخيلت أنه بطن عنها ، وما بطن شيء ، وإنما عدم العلم أبطنه ، فما في حق الحق شيء بطن عنه ،

فقال تعالى : «وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ» أي الذي تطلبه في الباطن هو الظاهر فلا تتعب ، فمن شم رائحة من العلم باللّه لم يقل : لم فعل كذا ؟ وما فعل كذا ؟ وكيف يقول العالم باللّه لم فعل كذا ؟ وهو يعلم أنه السبب الذي اقتضى كل ما ظهر وما يظهر ، وما قدم وما أخر ،

وما رتب لذاته فهو عين السبب ، فلا يوجد لعلة سواه ولا يعدم ، سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا ، فمشيئته عرش ذاته ، فمن علم نسب الأسماء الإلهية في أعيان الممكنات فتنوعت وتجنست وتشخصت ، علم أنّ سبب ظهور كل حكم في عينه اسمه الإلهي ، وليست أسماؤه سوى نسب ذاتية

- مناجاة-

إلهي كيف أوحدك ولا وجود لي في عين الأحدية ؟ وكيف لا أوحدك والتوحيد سر العبودية ؟ سبحانك لا إله إلا أنت ، ما وحدك من أحد ، إذ أنت كما أنت في سابق الأزل ولا حق الأبد ، فعلى التحقيق ما وحدك أحد سواك ، وفي الجملة ما عرفك إلا إياك ، بطنت وظهرت ، فلا عنك بطنت ، ولا لغيرك ظهرت .



المراجع:

(2) الفتوحات ج 2 / 95

 

 

البحث في التفسير


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!