موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

إشارات في تفسير القرآن الكريم

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

مستخلصة من الفتوحات المكيّة وكتبه الأخرى

سورة الحديد (57)

 

 


الآية: 4 من سورة الحديد

هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (4)

[ «وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ» الآية - ولسنا معه : ]

«وَهُوَ مَعَكُمْ» بهويته وبأسمائه ، بحسب ما يليق بجلاله من غير تكييف ولا تشبيه ولا تصور ، بل كما تعطيه ذاته وما ينبغي أن ينسب إليها من ذلك ، فإنه القائم على كل شيء ،

القائم به كل شيء ، فهو مع كل شيء حيث كان ذلك الشيء ، ليحفظ عليه الوجود «أَيْنَ ما كُنْتُمْ» من الأحوال ، ولا يخلو موجود عن حال ، بل ما تخلو عين موجودة ولا معدومة أن تكون على حال وجودي أو عدمي ، في حال وجودها أو عدمها ،

فهو تعالى مع الخلق بإعطاء كل شيء خلقه من كونهم خلقا ، ومعهم بكل ما تطلبه ذواتهم من لوازمها على أي حالة يكون الخلق عليها ، من الوصف بالعدم أو الوجود ، فهو معكم أينما كنتم أي على أي حال كنتم ، من عدم ووجود وكيفيات ،

وذلك بأسمائه المؤثرة فينا خاصة ، والحافظة لنا والرقيبة علينا ، وأما الأسماء التي تختص بالعالم الخارج عن الثقلين فأسماء أخر ، ما هي الأسماء التي معنا أينما كنا ، فالحق معك على ما أنت عليه بحسب قبولك ، ما أنت معه ،

فلا يصح أن يكون أحد مع اللّه ، فاللّه مع كل أحد بما هو عليه ذلك الواحد من الحال ، وكما لم يقيد الحق الاستواء على العرش عن النزول إلى السماء الدنيا ، لم يقيده النزول إلى السماء الدنيا عن الاستواء على العرش ، كما لم يقيده سبحانه الاستواء والنزول عن أن يكون معنا أينما كنا ، بالمعنى الذي يليق به وعلى الوجه الذي يراه ،

فالحكم الذي يصحب الحق ولا يحكم عليه زمان خاص «وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ»

فهو في العرش مع الحافين به ، وفي تلك الحالة هو في النزول مع أرواح العروج والنزول ، وفي تلك الحالة هو في السماء يخاطب أهل الليل ، وفي تلك الحال هو في الأرض ، أي موجود غير اللّه يوصف بهذه الصفات ؟ ذلكم اللّه لا إله إلا هو فأنى يصرفون ؛ فأينما كنا كان الحق معنا ، كينونة وجودية منزهة كما يليق به ،

وكان قوله تعالى : «وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ» تصديقا لقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في دعائه ربه [ اللهم أنت الصاحب في السفر ] فسمى الحق صاحبا ، فهو تعالى الصاحب على كل حال مع العبد


في أينيته ، فهو تعالى مع عباده المكلفين يحفظ عليهم أنفاسهم في حدوده التي حدّها لهم ، وهو مع من ليس بمكلّف ينظر ما يفعل معه المكلفون ، بأن لا يتعدوا حدوده ، فهو مع كل شيء بهذه المثابة في الدنيا ، وأما في الآخرة فما هو معهم إلا لحفظ أنفاسهم ولما يوجده فيهم ،

ولم يقل تعالى : وأنتم معه ؛ لأنه مجهول المصاحبة ، فيعلم سبحانه كيف يصحبنا في كل حال نكون عليه ، ونحن لا نصحبه إلا في الوقوف عند حدوده ، فما نصحب على الحقيقة إلا أحكامه لا هو ، فهو معنا ما نحن معه ، لأنه يعرفنا ونحن لا نعرفه ،

فاللّه مع الخلق ما الخلق مع اللّه ، لأنه يعلمهم فهو معهم أينما كانوا في ظرفية أمكنتهم وأزمانهم وأحوالهم ، ما الخلق معه تعالى جل جلاله ، فإن الخلق لا تعرفه حتى تكون معه ، وليس بين الحق والعالم بون يعقل أصلا إلا التمييز بالحقائق ،

فاللّه ولا شيء معه سبحانه ، ولم يزل كذلك ولا يزال كذلك لا شيء معه ، فمعيته معنا كما يستحق جلاله وكما ينبغي لجلاله ، ولولا ما نسب لنفسه أنه معنا لم يقتض العقل أن يطلق عليه معنى المعية ،

كما لا يفهم منها العقل السليم حين أطلقها الحق على نفسه ما يفهم من معية العالم بعضه مع بعض ، لأنه ليس كمثله شيء ، فنقول: إن الحق معنا على حد ما قاله وبالمعنى الذي أراده ، ولا نقول : إنّا مع الحق ؛

فإنه ما ورد والعقل لا يعطيه ، فما لنا وجه عقلي ولا شرعي يطلق به أننا مع الحق ، وأما من نفى عنه إطلاق الأينية من أهل الإسلام فهو ناقص الإيمان ،

فإن العقل ينفي عنه معقولية الأينية ، والشرع الثابت في السنة لا في الكتاب قد أثبت إطلاق الأينية على اللّه ، فلا تتعدى ولا يقاس عليها ، وتطلق في الموضع الذي أطلقها الشارع ،

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم للسوداء التي ضربها سيده

[ أين اللّه ؟ فأشارت إلى السماء ، فقبل إشارتها ، وقال : أعتقها فإنها مؤمنة ]

لأن اللّه أخبر عن نفسه أنه في السماء ، فصدقته في خبره فكانت مؤمنة ، ولم يقل صلّى اللّه عليه وسلّم فيها عند ذلك إنها عالمة ؛ وأمر بعتقها ، والعتق سراح من قيد العبودية ، تنبيه من النبي صلّى اللّه عليه وسلّم بالعتق في حقها من قيد العبودية والملك ،

على أنه (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) سراح من قيد الأينية وفاء الظرف التي أتت به السوداء ، والسائل بالأينية أعلم الناس باللّه تعالى ،

وفي هذه الآية رد على القائل : إن اللّه تعالى لا يعلم الجزئيات ، فيكون قوله تعالى : «وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ»

هو قوله تعالى : (ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ) الآية ، فهو تعالى ثالث اثنين ، ورابع ثلاثة ، وخامس أربعة ، بالغا ما بلغ ، فهو مع المخلوقين حيث كانوا ، فهو تعالى رفيقن


في كل وجهة نكون فيها ، غير أننا حجبنا ، فسمى انفصالنا عن هذا الوجود الحسي بالموت لقاء اللّه ، وما هو لقاء وإنما هو شهود الرفيق الذي أخذ اللّه بأبصارنا عنه ،

فقال : [ من أحب لقاء اللّه أحب اللّه لقاءه ]

فلم يعرفه المحجوب رفيقا حتى لقيه ، فإذا لقيه عرفه- دلالة هذه الآية على التوحيد-

اعلم أنه مهما نظرت الوجود جمعا وتفصيلا ، وجدت التوحيد يصحبه لا يفارقه البتة ، صحبة الواحد الأعداد ، فإن الاثنين لا توجد أبدا ما لم تضف إلى الواحد مثله ،

وهو الاثنين ، ولا تصح الثلاثة ما لم تزد واحدا على الاثنين ، وهكذا إلى ما لا يتناهى ، فالواحد ليس العدد وهو عين العدد ، أي به ظهر العدد ، فالعدد كله واحد ،

لو نقص من الألف واحد انعدم الألف وحقيقته ، وبقيت حقيقة أخرى وهي تسعمائة وتسعة وتسعون ، لو نقص منها واحد لذهب عينها ، فمتى انعدم الواحد من شيء عدم ، ومتى ثبت وجد ذلك الشيء ، هكذا التوحيد إن حققته «وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ»

إشارة -العالم كله حرف جاء لمعنى ، معناه اللّه ، ليظهر فيه أحكامه ، إذ لا يكون في نفسه محلا لظهور أحكامه ، فلا يزال المعنى مرتبطا بالحرف ، فلا يزال اللّه مع العالم ، وهو قوله تعالى : «وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ»

- فائدة -[ الجاهل كل الجاهل من طلب الحاصل ] غاية العامة إذا كانت مؤمنة أن تعلم أن اللّه معها ، والفائدة أن تكون أنت مع اللّه لا في أنه معك ، فكذلك هو الأمر في نفسه ، فمن كان مع الحق فلا بد أن يشهد الحق ، ومن شهده فليس إلا وجود العلم عنده ، فإنه معك أينما كنت ، فلا تقع عينك إلا عليه ، لكن بقي عليك أن تعرفه ، فإن عرفته لم تطلبه ، فإنك لم تفقده ، فإذا رأيت من يطلبه فإنما يطلب سعادته في طريقه ، وسعادته دفع الآلام عنه ، ليس غير ذلك كان حيث كان ، فالجاهل كل الجاهل من طلب الحاصل ، فما أحد أجهل ممّن طلب اللّه ؛ لو كنت مؤمنا بقوله تعالى «وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ» وبقوله (فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ) لعرفت أن أحدا ما طلب اللّه ، وإنما طلب سعادته حتى يفوز من المكروه «وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ» .


المراجع:

(4) الفتوحات ج 3 / 534 - ج 2 / 310 - كتاب التراجم - ج 3 / 370 - ج 2 / 118 ، 480 ، 542 - ج 4 / 62 - ج 1/ 264 - ج 4 / 411 - ج 1 / 752 - ج 4 / 267 - ج 2 / 582 ، 287 - ج 3 / 183">1832">376 - ج 1 / 183">183 - ج 3 / 149 - ج 1 / 183">183 - ج 2 / 478 - ج 3 / 499 - ج 4 / 277 - ج 1 / 63 - ج 3 / 148 ، 457 - ج 4 / 424

 

 

البحث في التفسير


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!