موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

إشارات في تفسير القرآن الكريم

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

مستخلصة من الفتوحات المكيّة وكتبه الأخرى

سورة آل عمران (3)

 

 


الآية: 30 من سورة آل عمران

يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (30)

عندما تشرق الأرض بنور ربها تعلم كل نفس بذلك النور ما قدمت وأخرت لأنها تجده محضرا يكشفه لها هذا النور ، وما من نفس إلا ولها نور تكشف به ما عملت ، فما كان من خير سرت به ، وما كان من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ، ولهذا ختم اللّه الآية بقوله : «وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ» حيث جعل لهم أنوارا يدركون بها ، ومن كان له حظّ في النور كيف يشقى شقاء الأبد ، والنور ليس من عالم الشقاء فلا بد أن يكون المآل إلى الملائم ، وهو المعبر عنه بالسعادة لأنه قال «كُلُّ نَفْسٍ» فعمّ وما خصّ نفسا من نفس وذكر الخير

والشر ، وأشار بقوله تعالى «وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ» أي لا تتعرضوا للتفكر فيها فتحكموا عليها بأمر أنها كذا وكذا قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم : لا تتفكروا في ذات اللّه أي لا تستعملوا فيها الفكر ، لأن الفكر فيها ممنوع شرعا ، وسبب ذلك ارتفاع المناسبة بين ذات الحق وذات الخلق «وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ» يقول تعالى ما حذرناكم من النظر في ذات اللّه إلا رحمة بكم وشفقة عليكم لما نعلم ما تعطيه القوة المفكرة للعقل من نفي ما نثبته على ألسنة رسلي من صفاتي فتردونها بأدلتكم فتحرمون الإيمان فتشقون شقاوة الأبد ، ثم أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم أن ينهانا ، أن نفكر في ذات اللّه كما فعل بعض عباد اللّه ، فأخذوا يتكلمون في ذات اللّه من أهل النظر ، واختلفت مقالاتهم في ذات اللّه ، وكل تكلم بما اقتضاه نظره ، فنفى واحد عين ما أثبته الآخر ، فما اجتمعوا على أمر واحد في اللّه من حيث النظر في ذاته وعصوا اللّه ورسوله بما تكلموا به مما نهاهم اللّه عنه رحمة بهم ، فرغبوا عن رحمة اللّه ، وضل سعيهم في الحياة الدنيا ، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ، فقالوا هو علة ، وقال آخرون ليس بعلة ، وقال آخرون ذات الحق لا تصح أن تكون جوهرا ولا عرضا ولا جسما بل عين إنيتها عين ماهيتها ، وأنها لا تدخل تحت شيء من المقولات العشرة ، وأطنبوا في ذلك ، ثم جاء الشرع بنقيض ما دلت عليه العقول مما هو من صفات المحدثات ، ثم جاء بليس كمثله شيء مع ثبوت هذه الصفات ، فلو استحالت كما يدل عليه العقل ما أطلقها على نفسه ، ولكان الخبر الصدق كذبا ، إذ ما بعث اللّه رسولا إلا بلسان قومه ليبين لهم ما أنزل إليهم ليفهموا ، وقد بيّن صلّى اللّه عليه وسلم وأشهد اللّه على أمته أنه بلغ ، فجهلنا النسبة بليس كمثله شيء ، وفهمنا معقول هذه الألفاظ الواردة ، وأن المعقول منها واحد بالنظر إلى الوضع فتختلف نسبتها باختلاف المنسوب إليه ، ما تختلف حقائقها لأن الحقائق لا تتبدل . فمن وقف مع هذه الألفاظ ومعانيها ، وقال بعدم علم النسبة إلى الحق ، فهو عالم مؤمن بما جاء من المنقول مع نفي المماثلة في النسبة ، وهو العلم الصحيح بحقيقة الصفة الواردة الموصوف بها ذاتا مجهولة ، فاثبت على ما جاءتك به الشريعة تسلم ، فهو أعلم بنفسه وأصدق في قوله ، وما عرفنا إلا بما هو الأمر عليه .[ العلم باللّه ]العلم باللّه ديني إذ أدين به * والجهل بالعين إيماني وتوحيديفي كل مجلى أراه حين أشهده * ما بين صورة تنزيه وتحديدفالعلم بالسمعيات هو علمنا الذي نعول عليه في الحكم الظاهر ، ونأخذ بالكشف عند

التعمل بالتقوى ، فيتولى اللّه تعليمنا بالتجلي ، فنشهد ما لا تدركه العقول بأفكارها مما ورد به السمع ، وأحاله العقل ، وتأوله عقل المؤمن ، وسلمه المؤمن الصرف أما إذا أردنا أن نتأول نسبة النفس هنا إلى اللّه تعالى ، وهي من الآيات المتشابهة ، فنرد ذلك إلى آياته المحكمة ، فيكون قوله تعالى «وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ» أي يحذركم أمّ كتابه ، بدليل قوله أول الآية «يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ» الآية ، مع قوله تعالى «وَوُضِعَ الْكِتابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ» الآية ، مع ما ثبت في صحيح مسلم وغيره من قوله صلّى اللّه عليه وسلم [ فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع واحد ، فيسبق عليه الكتاب ، فيعمل بعمل أهل النار ، فيدخلها - الحديث ] فهذا تحذير من أم الكتاب الذي يكون خاتمة العبد على وفق ما سبق له فيه ، وبهذا يفهم السر في ذكر النفس وأم الكتاب متقاربين في أول السورة - راجع تفسير النفس في سورة المائدة آية 116 - «وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ» فمن رأفته أن حذرنا نفسه ، فإنه من ليس كمثله شيء لا يعرف أبدا إلا بالعجز عن معرفته ، وذلك أن نقول ليس كذا وليس كذا ، مع كوننا نثبت له ما أثبته لنفسه إيمانا لا من جهة عقولنا ولا نظرن .فليس لعقولنا إلا القبول منه فيما يرجع إليه ، فهو الحي الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر ، عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم ، الخالق البارئ المصور الحكيم ، بهذا وأمثاله أخبرنا عن نفسه ، فنؤمن بذلك كله على علمه بذلك ، لا على تأويل منا لذلك ، فإنه (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) فلا ينضبط لعقل ولا ناظر ، فما لنا من العلم به من طريق الإثبات إلا ما أوصله إلينا في كتبه وعلى ألسنة رسله المترجمين عنه ، ليس غير ذلك . ونسبة هذه الأسماء إليه غير معلومة عندنا ، فإن المعرفة بالنسبة إلى أمر ما موقوفة على علم المنسوب إليه ، وعلمنا بالمنسوب إليه ليس بحاصل ، فعلمنا بهذه النسبة الخاصة ليس بحاصل ، فالفكر والتفكر والمتفكر يضرب في حديد بارد . جعلنا اللّه وإياكم ممن عقل ، ووقف عندما وصل إليه منه سبحانه ، ونقل .


المراجع:

(30) الفتوحات ج 2 / 485 - ج 3 / 81 ، 233 - ج 2 / 619 ، 319 - ج 1 / 751 - ج 2 / 389 - كتاب الإسفار عن نتائج الأسفار

 

 

البحث في التفسير


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!