The Greatest Master Muhyiddin Ibn al-Arabi
The Greatest Master Muhyiddin Ibn al-Arabi

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

إشارات في تفسير القرآن الكريم

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

مستخلصة من الفتوحات المكيّة وكتبه الأخرى

سورة آل عمران (3)

 

 


الآية: 31 من سورة آل عمران

قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31)

الإنسان لا يخلو أن يكون واحدا من ثلاثة بالنظر إلى الشرع : وهو إما أن يكون باطنيا محضا ، وهو القائل بتجريد التوحيد حالا وفعلا ، وهذا يؤدي إلى تعطيل أحكام الشرع وقلب أعيانها ، وكل ما يؤدي إلى هدم قاعدة من قواعد الدين ، فهو مذموم بإطلاق ، عصمنا اللّه وإياكم من ذلك ، وإما أن يكون ظاهريا محضا متغلغلا بحيث أن يؤديه ذلك إلى التجسيم والتشبيه ، فهذا مثل ذلك ملحوق بالذم شرعا ، وإما أن يكون جاريا مع الشريعة على فهم اللسان حيثما مشى الشارع مشى ، وحيثما وقف وقف قدما بقدم ، وهذا هو الوسط ، وبهذا تصح محبة اللّه له ، قال تعالى لرسوله صلّى اللّه عليه وسلم أن يقول «فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ» فباتباع الشارع واقتداء أثره ، صحت محبة اللّه للعبد ، وغفرت الذنوب ، وصحت السعادة الدائمة ، فإن الائتمام بالإمام يلزم ما دام يسمى إماما ، وإمامة الرسول لا ترتفع ، فالاتباع لازم ، ومحبة اللّه لمن اتبعه لازمة بلا شك ، وإذا أحبّ اللّه عبده كان جميع قواه وجوارحه ، وهو لا يتصرف إلا بقواه وجوارحه ، فلا يتصرف إلا باللّه ، فيكون محفوظ التصرف في حركاته وسكناته ، وكان سبب إقبال الحق على العبد إقبال العبد على الحق ، ومعنى الاتباع أن نفعل ما يقول لنا ؛ فإن قال : اتبعوني في فعلي ، اتبعناه ، وإن لم يقل ، فالذي يلزمنا الاتباع فيما يقول ، فالاتباع إنما هو فيما حدّه لك في قوله ورسمه ، فتمشي حيث مشى بك ، وتقف حيث وقف بك ، وتنظر فيما قال لك انظر ، وتسلم فيما قال لك سلّم ، وتعقل فيما قال لك اعقل ، وتؤمن فيما قال لك آمن ، فإن الآيات الإلهية الواردة في الذكر الحكيم وردت متنوعة ، وتنوع لتنوعها وصف المخاطب بها ، فمنها آيات لقوم يتفكرون ، وآيات لقوم يعقلون ، وآيات لقوم يسمعون ، وآيات للمؤمنين ، وآيات للعالمين ، وآيات للمتقين ، وآيات لأولي النهى ، وآيات لأولي الألباب ، وآيات لأولي الأبصار ، ففصّل كما فصّل ولا تتعد إلى غير ما ذكر ، بل نزل كل آية وغيرها بموضعها ، وانظر فيمن خاطب بها وكن أنت المخاطب بها ، فإنك مجموع ما ذكر فإنك المنعوت بالبصر والنهى واللب والعقل والفكر والعلم والإيمان والسمع والقلب ، فأظهر بنظرك الصفة التي نعتك بها في تلك الآية الخاصة ، تكن ممن جمع له القرآن فاجتمع عليه ، فينتج لنا الاتباع فيما أمرنا به ، ونهانا عنه والوقوف عند حدوده أن نتبعه في أفعاله في خلقه ، وهي المسماة كرامة وآية ، أي علامة على صدق الاتباع ، فإن الرسل أيضا تابعون ، فإنه



يقول عليه السلام (إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ) *فيكون ما يظهر عليه من الاتباع في فعل اللّه نتيجة اتباعه لأوامر اللّه آية ، ويكون لنا ذلك كرامة ، وهو الفعل بالهمة والتوجه من غير مباشرة ، فيظهر على يد هذا العبد من خرق العوائد مما لا ينبغي أن يكون إلا على ذلك الوجه من غير سبب إلا مجرد الإرادة إلا للّه تعالى ، قال صلّى اللّه عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عزّ وجل أنه قال الحديث وفيه ، وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه ، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته ، كنت له سمعا وبصرا ويدا ومؤيد.

وإذا كان الحق سمع العبد وقواه في النوافل ، فكيف بالحب الذي يكون من الحق بأداء الفرائض ، وهو أن يكون الحق يريد بإرادة هذا العبد المجتبى ، ويجعل له التحكم في العالم بما شاء بمشيئته تعالى الأولية التعلق ، التي بها وفقه ، واعلم أن اللّه عزّ وجل يعامل عباده بما يعاملونه به ، وإن كان ابتداء الأمر منه ، ولكن هكذا علّمنا وقرر لدينا ، فإنا لا ننسب إليه إلا ما نسبه إلى نفسه ، ومن ذلك قوله تعالى «إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ» وقوله صلّى اللّه عليه وسلم في الصحيح [ إن اللّه لا يملّ حتى تملوا ] فكل مخالف أمر الحق ، فإنه يستدعي بهذه المخالفة من الحق مخالفة غرضه ، ولذلك لا يكون العفو والتجاوز والمغفرة من الحق جزاء لمخالفة العبد في بعض العبيد ، وإنما يكون ذلك امتنانا من اللّه عليه ، فإن كان جزاء فهو جزاء لمن عفا عن عبد مثله وتجاوز ، وغفر لمن أساء إليه في دنياه ، فقام له الحق في تلك الصفة من العفو والصفح والتجاوز والمغفرة ، مثلا بمثل ، يدا بيد ، ها وها ، وما نهى اللّه عباده عن شيء إلا كان منه أبعد ، ولا أمرهم بكريم خلق إلا كان الحق به أحق ، ففي هذا النبأ الحق أنه يحب أتباعه ، وما يتبعه إلا من أطاعه ، واتباع الرسول اتباع الإله ، لأنه قال عزّ وجل (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ) (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً) فصلوا عليه وسلّموا تسليما ، ومحبة الإنسان المتبع محصورة بين حبين للّه عزّ وجل ، حب ليس بجزاء حب عناية ؛ وهو المحبة التي وفقك بها للاتباع ، فهو حبّ منّة ، ثم يحبك حبّ جزاء على اتباعك من شرعه لك ، وهو حب كرامة ، فنحن مأمورون باتباعه صلّى اللّه عليه وسلم فيما سنّ وفرض ، فنجازى من اللّه فيما فرض جزاء فرضين : فرض الاتباع ، وفرض الفعل الذي وقع فيه الاتباع ، ونجازى فيما سنّ ولم يفرضه جزاء فرض واحد وسنة ، فرض الاتباع وسنة الفعل الذي لم يوجبه ، فإن حوى ذلك الفعل على فرائض ، جوزينا جزاء الفريضة بما فيه من الفرائض ،

فنجازى في كل عمل بحسب ما يقتضيه ذلك العمل مما وعد اللّه العامل به من الخير ، ولا بد من فريضة الاتباع لذلك قال تعالى «قُلْ» يا محمد لأمتك «إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي» فجعل الاتباع دليلا ، وما قال في شيء دون شيء ، فإنه من ترك شيئا من اتباع الرسول صلّى اللّه عليه وسلم مما لم ينفرض عليه ، فإنه ينقص من محبة اللّه إياه على قدر ما نقص من اتباع الرسول ، وأكذب نفسه في محبته للّه ، لعدم إتمام الاتباع ، فإنه عند الأكابر من أهل اللّه لو اتبعه في جميع أموره ، وأخلّ بالاتباع في أمر واحد مما لم ينفرض عليه ، بل خالف سنة الاتباع في ذلك مما أبيح له الاتباع فيه ، أنه ما اتبعه قط ، وإنما اتبع هوى نفسه ، إلا مع الأعذار الموجبة لعدم الاتباع ، فإنه في حبس اللّه عن الاتباع ، فالحق ينوب عنه . «يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ» فإن صدقتم في محبتي فإني أحبكم ، ودليل صدق محبتكم لي هو الاتباع وحصول محبتي لكم ، فالاتباع جاء بقوله تعالى «فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ» وقال في الاقتداء (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) قال صلّى اللّه عليه وسلم : إن اللّه جميل يحب الجمال ، وقد أمرنا أن نتزين له ، فالتجمل للحق باتباعه صلّى اللّه عليه وسلم ، فاتباعه هو الزينة ، لذا قال اللّه تعالى «قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ» أي تزينوا بزينتي يحببكم اللّه ، فإن اللّه يحب الجمال ، وعلامة المحبة اتباع المحبوب فيما أمر ونهى ، في المنشط والمكره ، والسراء والضراء ، وبهذه الآية ثبتت عصمة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم ، فإنه لو لم يكن معصوما ما صح التأسي به ، فنحن نتأسى برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم في جميع حركاته وسكناته وأفعاله وأحواله وأقواله ، ما لم ينه عن شيء من ذلك على التعيين في كتاب أو سنة ، مثل نكاح الهبةخالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) قال بعضهم: إني لأعرف متى يحبني ربي ، فقيل له : ومن أين لك معرفة ذلك ؟ فقال : هو عرّفني ، فقيل له : أوحي بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم ؟ قال :قوله «فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ» وأنا في هذه الساعة في حال اتباع لما شرع ، وهو صادق القول ، فأعطاني الحال أن اللّه محبّ لي في هذه الساعة ، لكوني مجلى لما أحبّ ، وهو تعالى ناظر إلى محبوبه ، ومحبوبه ما أنا عليه ، فأضاف تعلق المحبة التي تصيرني محبوبا بالاتباع ، فورثة الأفعال هم الذين اتبعوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم في كل فعل كان عليه وهيئة مما أبيح لنا اتباعه ، حتى في عدد نكاحه وفي أكله وشربه وجميع ما ينسب إليه من الأفعال التي أقامه اللّه فيها ، من أوراد وتسبيح وصلاة ، لا ينقص من ذلك ، فإن زاد عليها بعد تحصيلها ، فما زاد عليها إلا من حكم قوله صلّى اللّه عليه وسلم:


المراجع:

(31) كتاب التدبيرات الإلهية - الفتوحات ج 1 / 486 - ج 2 / 32 ، 341 -ح 4 / 105 - ج 2 / 341 - ج 3 / 321 - ج 4 / 348 ، 456 ، 102 - ج 1 / 463 ، 717 ، 637 - ج 4 / 270 ، 414 ، 456 - ج 2 / 498 - ج 3 / 414

 

 

البحث في التفسير


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



Please note that some contents are translated Semi-Automatically!