موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

إشارات في تفسير القرآن الكريم

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

مستخلصة من الفتوحات المكيّة وكتبه الأخرى

سورة التين (95)

 

 


الآية: 4 من سورة التين

لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4)

أي التقويم الذي خلقه عليه أفضل من كل تقويم ، فكلّ موجود على التقويم الذي يعطيه خلقه بقوله تعالى : (أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ)

وما صحت هذه الصفة التي فضل بها على غيره إلا بكونه خلقه اللّه على صورته التي خصّه بها ، وهي التي أعطته هذه المنزلة ،

فكان أحسن تقويم في حقه لا عن مفاضلة أفعل من كذا ، بل مثل قوله (الله أكبر) لا عن مفاضلة ، بل الحسن المطلق للعبد الكامل كالكبرياء المطلق الذي للحق ،

فهو أحسن تقويم لا من كذا كما هو الحق أكبر لا من كذا ، فالإنسان هو أكمل المكلفين وجودا وأعمه وأتمه خلقا وأقومه ،

فما فضّل القديم إلا المخلوق في أحسن تقويم ، فهو العالم لا بل هو العلّام ، مصباح الظلام ، معيّن الأيام ، الإمام ابن الإمام ، المؤتى جوامع الكلم وجميع الأسماء والكلام ، فافصح وأبان لما علمه البيان ، ووضع له الميزان ،

فأدخله في الأوزان ، وزان وما شان ، فبالصورة علا وفضل ، ونزل وسفل إذ جار وما عدل ، الأسفل في أسفل سافلين بالطين والماء المهين ،

وإن تساووا في النشأة العنصرية بالقرار المكين ، والتنقل في الأطوار ، والانحصار خلف الأسوار ، بالكل والبعض ، والإبرام والنقض ،

والتقويض والبناء ، والقالة بالثناء ، فمحمد ومذمّم ، ومؤخر ومقدّم ، فالعبد هو المصمت في عبوديته ، فإن حاد العبد عن هذه المرتبة بوصف ما رباني ، وإن كان محمودا من صفة رحمانية وأمثالها ، فقد زال عن المرتبة التي خلق لها ،

وحرم الكمال والمعرفة باللّه على قدر ما اتصف به من صفات الحق ، فليقلل أو يكثر ،

واعلم أن للإنسان حالتين : حالة عقلية نفسية مجردة عن المادة ، وحالة عقلية مدبرة للمادة ، فإذا كان في حال تجريده عن نفسه ، وإن كان متلبسا بها حسا فهو على حالته في أحسن تقويم ، فإذا قال : اللّه ؛ نطق بنطقه جميع العالم من كل ما سوى اللّه ، فقامت تسبيحته مقام تسبيح ما ذكرته ، فأجره غير ممنون ، وفيه قال تعالى : «لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ»

[ «لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ» الآية ]

أبرزه نسخة كاملة جامعة لصور حقائق المحدث وأسماء القديم ، أقامه سبحانه معنى رابطا للحقيقتين ، وأنشأه برزخا جامعا للطرفين والرقيقتين ، أحكم بيديه صنعته ، وحسّن


بعنايته صبغته ، فكانت مضاهاته للأسماء الإلهية بخلقه ، ومضاهاته للأكوان العلوية والسفلية بخلقه ، فتميز عن جميع الخلائق بالخلقة المستقيمة والخلائق ،

عيّن سبحانه سره مثالا في حضرة الأسرار ، وميز نوره من بين سائر الأنوار ، ونصب له كرسي العناية بين حضرتيه ، وصرف نظر الولاية والنيابة فيه وإليه ، فلو لا ما صح لهذا الإنسان أحسن تقويم ،

وفطر على صورة القديم ، لما صح عنه وجود خلق ، ولا دان له الملأ الأعلى ،

ولا ظهر بالموقف الأجلى ، ولا عنت له وجوه الأملاك ، ولا دارت بنفسه أجرام الأفلاك ، فاشكر اللّه يا أيها الإنسان على ما خصك به الجواد الرحمن من كمال هذه النصبة ،

وأوقفك على حقائق هذه النسبة فإن الإنسان ذو نسبتين كاملتين : نسبة يدخل بها إلى الحضرة الإلهية ، ونسبة يدخل بها إلى الحضرة الكيانية ، فيقال فيه : عبد من حيث أنه مكلّف ولم يكن ثم كان كالعالم ، ويقال فيه : رب من حيث أنه خليفة ومن حيث الصورة ومن حيث أحسن تقويم ، فله الكمال المطلق في الحدوث والقدم ، والحق له الكمال المطلق في القدم ،

وليس له في الحدوث مدخل يتعالى عن ذلك ، والعالم له الكمال في الحدوث وليس له في القدم مدخل ، فصار الإنسان جامعا ، للّه الحمد على ذلك ، فما أشرفها من حقيقة ،

وما أظهره من موجود ، وما أخسها وما أدنسها في الوجود ، إذا قد كان منها محمد صلّى اللّه عليه وسلّم وأبو جهل ، وموسى عليه السلام وفرعون ، فتحقق أحسن تقويم واجعله مركز الطائعين المقربين ، وتحقق أسفل سافلين واجعله مركز الكافرين الجاحدين ،

لذلك قال تعالى : «فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ» فما بعده أحسن منه .إشارة - إلى الإنسان الكامل الخليفة

بقوله «فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ» فقال في معرض التشريف والتنزيه ، والتعريف والتنبيه ، على التقويم الأكمل الأحسن ، والخلق الأجمل الأتقن «1» ، المحفوظ المصون ،

في ألم تنزيل والتين والزيتون ، كأنه يقول عبدي أنت حمدي ، وحامل أمانتي وعهدي ، أنت طولي وعرضي ، وخليفتي في أرضي ، والقائم بقسطاس حقي والمبعوث إلى جميع خلقي ، عالمك الأدنى ، بالعدوة الدنيا والعدوة القصوى ، أنت مرآتي ، ومجلى صفاتي ، ومفصل أسمائي ، وفاطر سمائي ، أنت موضع نظري من خلقي ، ومجتمع جمعي وفرقي ، أنت ردائي ، وأنت أرضي وسمائي ، وأنت عرشي

..........................................................................................

(1) إشارة إلى قوله تعالى في سورة ألم تنزيل «وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ» .


وكبريائي ، أنت الدرة البيضاء ، والزبرجدة الخضراء ، بك ترديت ، وعليك استويت ، وإليك أتيت ، وبك إلى خلقي تجليت ، فسبحانك ما أعظم شانك ، سلطانك سلطاني ، فكيف لا يكون عظيما ؟ ويدك يدي ، فكيف لا يكون عطاؤك جسيما ؟

لا مثل لك يوازيك ، ولا عديل يحاذيك ، أنت سر الماء ، وسر نجوم السماء ، وحياة روح الحياة ، وباعث الأموات ، أنت جنة العارفين ، وغاية السالكين ، وريحان المقربين ، وسلام أصحاب اليمين ، ومراد الطالبين ، وأنس المعتزلين المتفردين المنقطعين ، وراحة المشتاقين ، وأمن الخائفين ، وخشية العالمين ، وميراث الوارثين ، وقرة عين المحبين ، وتحفة الواصلين ، وعصمة اللائذين ، ونزهة الناظرين ،

وريّا المستنشقين ، وحمد الحامدين ، أنت درر الأصداف ، وبحر الأوصاف ، وصاحب الاتصاف ، ومحل الإنصاف ، وموقف الوصاف ، ومشرف الأشراف ، وسر الأنعام والأعراف ، طوبى لسر وصل إليك ، وخر ساجدا بين يديك ، له عندي ما خبأته وراء حدي ، وقد ناجيتك به في مشهد المطلع ، عند ارتقائك عن المحل الأرفع ،

عبدي أنت سري ، وموضع أمري ، هذا موقف تعريفك ، بعلوك على كل الموجودات وتشريفك ، أنت روضة الأزهار ، وأزهار الروضات ، ومغرب الأسرار ، وأسرار المغرب ، ومشرق الأنوار ، وأنوار المشرق ، لولاك ما ظهرت المقامات والمشاهد ، ولا وجد المشهود ولا الشاهد ، ولا حدّت المعالم والمحامد ، ولا ميّز بين ملك وملكوت ، ولا تدرع لاهوت بناسوت ، بك ظهرت الموجودات وترتبت ، وبك تزخرفت أرضها وتزينت ، عبدي لولاك ما كان سلوك ولا سفر ، ولا عين ولا أثر ، ولا وصول ولا انصراف ، ولا كشف ولا إشراف ، ولامكان ولا تمكين ، ولا حال ولا تلوين ، ولا ذوق ولا شرب ، ولا قشر ولا لب ، ولا عبد ولا رب ، ولا ذهاب ولا نفس ، ولا هيبة ولا أنس ، ولا نفس ولا قبس ، ولا فرس ولا جرس ، ولا جناح ولا رفرف ، ولا رياح ولا موقف ، ولا معراج ولا انزعاج ، ولا تحلي ولا تجلي ، ولا وجد ولا وجود ، ولا حمد ولا محمود ، ولا تداني ولا ترقي ، ولا تدلي ولا تلقي ، ولا هين ولا لين ، ولا غان ولا رين ، ولا كيف ولا أين ، ولا فتق ولا رتق ، ولا ختم ولا ختام ، ولا وحي ولا كلام ، ولا وميض ولا برق ، ولا جمع ولا فرق ، ولا إصاخة ولا استماع ، ولا لذة ولا استمتاع ، ولا سلخ ولا انخلاع ، ولا صدق ولا يقين ، ولا خفي ولا مبين ، ولا مشكاة ولا نور ،


ولا ورود ولا صدور ، ولا ظهر لصفاتي عين ، ولا تحقق وصل ولا بين ، ولا كان عرش ، ولا مهّد فرش ، ولا رفع غمام ، ولا أحرق اصطلام ، ولا كان فناء ولا بقاء ، ولا قبض ولا عطاء ، إلى غير ذلك من الأسرار ، ولا أشرقت الأنوار على الأسرار ، ولا جرت بحار الخلق على الأطوار ، لولاك ما عبدت ، ولا وحدت ، ولا علمت ، ولا دعوت ولا أجبت ، ولا دعيت ولا أجبت ، ولا شكرت ولا كفرت ، ولا بطنت ولا ظهرت ، ولا قدمت ولا أخرت ، ولا نهيت ولا أمرت ، ولا أعلنت ولا أسررت ، ولا أخبرت ولا أوضحت ، ولا أشرت ، أنت قطب الفلك ، ومعلم الملك ، رهين المحبس ، وسلطان المقام الأقدس ، أنت كيميائي ، وأنت سيميائي ، أنت إكسير القلوب ، وحياض روض الغيوب ، بك تنقلب الأعيان ، أيها الإنسان ، أنت الذي أردت ، وأنت الذي اعتقدت ، ربك منك إليك ، ومعبودك بين عينيك ، ومعارفك مردودة عليك ، ما عرفت سواك ، ولا ناجيت إلا إياك.

هذا كله في شرف الإنسان الكامل وإليه يشير ما جاء في الخبر

[ ابن آدم خلقت الأشياء من أجلك وخلقتك من أجلي ]

- يراجع الشرح في كتاب النجاة شرح كتاب الإسراء .


المراجع:

(4) الفتوحات ج 2 / 683 ، 616 - ج 1 / 57 - ج 4 / 361 - ج 2 / 616 - كتاب عقلة المستوفز - كتاب إنشاء الدوائر - كتاب الإسراء - كتاب النجاة

 

 

البحث في التفسير


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!