موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

إشارات في تفسير القرآن الكريم

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

مستخلصة من الفتوحات المكيّة وكتبه الأخرى

سورة النساء (4)

 

 


الآية: 59 من سورة النساء

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (59)

«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ» أي فيما أمركم به على لسان رسوله صلّى اللّه عليه وسلم مما قال فيه صلّى اللّه عليه وسلم : إنّ اللّه يأمركم ، وهو كل أمر جاء في كتاب اللّه تعالى ، ثم قال : «وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ» فميّز وعيّن وفرّق ، ففصل أمر طاعة اللّه من طاعة رسوله صلّى اللّه عليه وسلم . فلو كان يعني بذلك ما بلّغ إلينا من أمر اللّه تعالى لم تكن ثمّ فائدة زائدة ، فلا بد أن يوليه رتبة الأمر والنهي فيأمر وينهى

.فنحن مأمورون بطاعة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم عن اللّه بأمره .

وقال تعالى : (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ) ،وطاعتنا له فيما أمر به صلّى اللّه عليه وسلم ، ونهى عنه مما لم يقل هو من عند اللّه ، فيكون قرآنا . قال اللّه عزّ وجل (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) فأضاف النهي إليه صلّى اللّه عليه وسلم ، فأتى بالألف واللام في الرسول يريد بهما التعريف والعهد ، أي الرسول الذي استخلفناه عنا ، فجعلنا له أن يأمر وينهى زائدا على تبليغ أمرنا ونهينا إلى عبادنا ، فإن الخليفة لا بد أن يظهر فيما استخلف عليه بصورة مستخلفه وإلا فليس بخليفة له فيهم ، فأعطاه الأمر والنهي وسماه بالخليفة ، وجعل البيعة له بالسمع والطاعة في المنشط والمكره والعسر واليسر ، وأمر اللّه سبحانه عباده بالطاعة للّه ولرسوله والطاعة لأولي الأمر منهم ، فجمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم بين الرسالة والخلافة . فما كلّ رسول خليفة ؛ فمن أمر ونهى وعاقب وعفا ، وأمر اللّه بطاعته ، وجمعت له هذه الصفات ، كان خليفة . ومن بلّغ أمر اللّه ونهيه

ولم يكن له من نفسه إذن من اللّه تعالى أن يأمر وينهى ، فهو رسول مبلّغ رسالات ربه .

وبهذا بان لك الفرقان بين الخليفة والرسول . ولهذا جاء بالألف واللام في قوله تعالى (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ) ثم قال تعالى : «وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ» وهم الخلفاء ومن استخلفه الإمام من النواب ، فإن اللّه جعل خليفة عنه في أرضه ، وجعل له الحكم في خلقه ، وشرع له ما يحكم به ، وأعطاه الأحدية ، فشرع أنه من نازعه في رتبته قتل المنازع ، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم : [ إذا بويع لخليفتين ، فاقتلوا الآخر منهما ] وجعل بيده التصرف في بيت المال ، وصرف له النظر عموما ، وجعل اللّه للخليفة أن يستخلف كما استخلفه اللّه ، فبأيديهم العطاء والمنع والعقوبة والعفو ، كل ذلك على الميزان المشروع ، فلهم التولية والعزل . وأمرنا الحق بالطاعة له سواء جار علينا أو عدل فينا . والأئمة الذين استنابهم اللّه ، واستخلفهم على قسمين : قسم يعدلون بصورة حق ولا يتعدون ما شرع لهم ، والقسم الآخر قائلون بما شرع لهم غير أنهم لم يرجعوا ما دعوا إليه في المصارف التي دعاهم الحق إليها ، وجاروا عن الحق في ذلك ، وعلموا أنهم جائرون قاسطون ، فيمهلهم اللّه لعلهم يرجعون . وقد يقيم الحق منازعا في مقابلته يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم ، فإن ظهر مثل هذا فقد أوجب الحق على عباده القتال معه والقيام في حقه ونصرته والأخذ على يد الجائر ، ولا يزال الأمر على ذلك حتى يأتي أمر اللّه وتنفذ كلمة الحق . - الوجه الثاني - «وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ»

[ ليس لاولى الامر ان يشرعوا ]

وهم العلماء منّا بما أمر اللّه به ونهى عنه ، وهم الذين قدمهم اللّه علينا وجعل زمامنا بأيديهم .

ولم يكن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم يقدم في السرايا وغيرها إلا من هو أعلمهم ، وما كان أعلمهم إلّا من كان أكثرهم قرآنا ، فكان يقدمه على الجيش ويجعله أميرا ؛ فقال تعالى : «وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ» أي إذا ولّي عليكم خليفة عن رسولي أو وليتموه من عندكم كما شرع لكم ، فاسمعوا له ، وأطيعوا ولو كان عبدا حبشيا مجدع الأطراف ، فإنّ في طاعتكم إياه طاعة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم . ولهذا لم يستأنف في «أُولِي الْأَمْرِ» أطيعوا ، واكتفى بقوله «أَطِيعُوا الرَّسُولَ» ولم يكتف بقوله «أَطِيعُوا اللَّهَ» عن قوله «أَطِيعُوا الرَّسُولَ» ففصل لكونه تعالى ليس كمثله شيء ، واستأنف بقوله «وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ» فهذا دليل على أنه قد شرع له صلّى اللّه عليه وسلم أن يأمر وينهى ، وليس لأولي الأمر أن يشرّعوا شريعة ، إنما لهم الأمر والنهي فيما هو مباح لهم ولنا ، فإذا أمرونا بمباح أو نهونا عن مباح ، أوجب اللّه علينا طاعتهم فيما أمروا به ، وما لهم أمر

فينا إلا بما أبيح لنا ؛ فإن أطعناهم في ذلك أجرنا أجر من أطاع اللّه فيما أوجبه علينا من أمر ونهي ، فإنه ما بقي للأئمة إلا المباح ولا أجر فيه ولا وزر . فإذا أمرك الإمام المقدّم عليك الذي بايعته على السمع والطاعة بأمر من المباحات ، وجب عليك طاعته في ذلك ، وحرمت مخالفته ، وصار حكم ذلك الذي كان مباحا واجبا ؛ فنزل الإمام منزلة الشارع بأمر الشارع ؛ ومن أنزله الحق منزلته في الحكم تعيّن اتباعه . وعصيان أولي الأمر من معصية اللّه ، فإن في عصيانهم عصيان أمر اللّه ، وليس في عصيان اللّه عصيانهم إلا في الرسول خاصة ، فإن في عصيان اللّه عصيان رسول اللّه ، إذ متعلق المعصية الأمر والنهي ، ولا يعرف ذلك إلا بتبليغ الرسول وعلى لسانه . فطاعة السلطان واجبة ، فإن السلطان بمنزلة أمر اللّه المشروع ؛ من أطاعه نجا ، ومن عصاه هلك «فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ» حكما «وَإِلَى الرَّسُولِ» عينا ، فننظر ما اختلفوا فيه وتنازعوا ، فإن كان للّه أو لرسوله حكم فيه يعضد قول أحد المخالفين جعلنا الحق بيده ، فإنا أمرنا إن تنازعنا في شيء ، أن نرده إلى اللّه ورسوله ، إن كنا مؤمنين ، فإن كنا عالمين ممن يدعو إلى اللّه على بصيرة ، وعلى بينة من ربنا ، فنحكم في المسألة بالعلم ، وهو رد إلى اللّه تعالى من غير طريق الإيمان ، وليس لنا العدول عنه البتة - إشارة - من اتبع الخليفة أمن من كل خيفة ، وصارت الأسرار به مطيفة ، وحصل بالرتبة المنيفة –

[ الاتباع الذي يورث العصمة ]

يريد الاتباع الذي يورث العصمة - تفسير من باب الإشارة -[ «أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ» ] «وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ» من كان الحق سمعه وبصره ويده ولسانه هم أصحاب الأمر على الحقيقة ، فهم الذين لا يقف لأمرهم شيء ، لأنهم باللّه يأمرون كما به يسمعون كما به يبصرون ، فإذا قالوا لشيء : كن فإنه يكون ، لأنهم به يتكلمون - تحقيق - نحن اليوم أبعد في المعصية لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم من أصحابه إلى من دونهم إلينا . فنحن ما عصينا إلا أولي أمرنا في وقتنا ، وهم العلماء منا بما أمر اللّه به ونهى عنه . فنحن أقل مؤاخذة وأعظم أجرا ، لأن للواحد منا أجر خمسين ممن يعمل بعمل الصحابة . يقول صلّى اللّه عليه وسلم : [ للواحد منهم أجر خمسين يعملون مثل عملكم ] فاجعل بالك لكونه لم يقل منكم ، قال اللّه تعالى : «أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ» فذكر اللّه تعالى ، وذكر الرسول ، وذكرنا ، أعني أولي الأمر منا ، وهم الذين قدمهم اللّه علينا وجعل زمامنا بأيديهم.


المراجع:

(59) الفتوحات ج 1 / 3">263">3">263 - ج 2 / 34">471 - ج 1 / 3">263">3">263 - ج 3 / 31">475 - ج 4 / 3 ، 122 ، 125 - ج 1 / 3">263">3">263 - ج 3 / 1678">222 - ج 1 / 3">263">3">263 - ج 3 / 139 ، 59 -ح 4 / 34">471 - ج 3 / 167 - ج 1 / 446 - كتاب الإسراء وكتاب النجاة - الفتوحات ج 4 / 122

 

 

البحث في التفسير


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!