موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

إشارات في تفسير القرآن الكريم

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

مستخلصة من الفتوحات المكيّة وكتبه الأخرى

سورة البقرة (2)

 

 


الآيات: 39-40 من سورة البقرة

وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (39) يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (40)

«فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ» فالفاء جواب الشرط الأول ، وقوله «فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ» فالفاء جواب الشرط الثاني الذي هو من ، فمعنى الكلام اهبطوا فإن جاءكم مني هدى واتبعتموه فلا خوف عليكم ، والفاء في إما جواب الأمر ، وجاء بلفظة الشك مع تحقق إتيان الهدى عند اللّه ، لكن في نفس الأمر هو من الممكنات ، فيستوي بالنظر إليه الطرفان ، وجود الإتيان وعدمه ، وتارة يرد الخطاب بما هو الكائن في علم اللّه ، وتارة يرد الخطاب بما هو الأمر عليه في نفسه ، فيؤذن بأن ذلك الإتيان ليس بواجب على اللّه ، إذ لا يجب عليه شيء ، كما يقوله مخالفو أهل الحق ، مع أنّا لا ننكر أن يوجب على نفسه ، فمن جملة الهدى الذي جاء من عند اللّه تلقي الكلمات ، ولذلك الهبوط الثاني هو الهبوط الأول عينه ، ثم قال «فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ» أي من اتبع ما شرعت له على حد ما شرعت له ، ارتفع عنه خوف العذاب ولم يحزن «وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ» ولم يذكر الجنة ولا الخلود كما ذكر فيمن كفر وكذب بآياته ، لأن أهل السعادة على قسمين ، قسم يعملون لما يقتضيه حق الربوبية وهم الأعلون ، وقسم يعملون لأجل الجنة وهم دونهم ، ولهؤلاء خوف الحجاب ، ولهؤلاء خوف فقد النعيم وحزنه فذكر ارتفاع الخوف والحزن لكونه يعم الطائفتين ولم يذكر الجنة ، لئلا ييأس الأعلون من الطائفتين ، فتهمم الحقق بهم إذ كانوا الطبقة العليا ، والهدى هنا ما بينه لهم في التعريف المنزل المشروع لهم ، ثم قال (40) «وَالَّذِينَ كَفَرُوا» أي ستروا ، على ما تقدم في أول السورة في قوله (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) وقوله «وَكَذَّبُوا» يريد المعاندين وغير المعاندين «بِآياتِنا» أي بالعلامات التي جعلناها ونصبناها أدلة على القربة إلينا ومعرفتنا (وفي كل شيء له آية : تدل على أنه واحد) غير أن الآيات على قسمين : معتادة وغير معتادة ، فأرباب الفكر والمستبصرون

" وَأَوْفُوا بِعَهْدِي» أوفوا بما عاهدتكم عليه في الدنيا في موطن التكليف «أُوفِ بِعَهْدِكُمْ» في الدارين معا ، دنيا وآخرة وأدخلكم الجنة ، وهو حق عرضي لا ذاتي ، لأنه حق على اللّه أوجبه على نفسه لمن وفي بعهده ، ومن لم يف فليس له عند اللّه عهد ، إن شاء عذبه وإن شاء أدخله الجنة ، وأدخلنا تحت العهد إعلاما بأنا جحدنا عبوديتنا له ، إذ لو كنا عبيدا

من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
الموفقون هي عندهم سواء ، يتخذونها أدلة ، وما عدا هؤلاء فلا ينظرون إلا في الآيات غير المعتادة ، فيحصل لهم استشعار الخوف ، فيردهم ذلك القدر إلى اللّه ، قال تعالى (وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ) ثم إن الذين يتخذون غير المعتادة آية ، منهم من يخلصها دليلا على اللّه ، ومنهم من يشرك (وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) لمعرفتهم بالأسباب المولدة لتلك الآيات ، كالزلازل والكسوفات وما يحدث من الآثار العلوية ، واللّه ينور أبصارنا ويرزقنا التوفيق ، قال تعالى «أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ» باقون ، وقوله «أَصْحابُ النَّارِ» أي أهلها ، كما ورد في الصحيح (أما أهل النار الذين هم أهلها ، فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون) وقال في الذين يخرجون منها (ولكن ناس أصابتهم النار بذنوبهم ، أو قال بخطاياهم ، فأماتهم اللّه فيها إماتة) ثم ذكر خروجهم من النار - الحديث بكماله - فعمّ سبحانه بقوله «الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا» جميع الأشقياء ، وأما قوله «اهْبِطُوا» فحظي إبليس من هذا الهبوط لما تكبر وعلا عند نفسه ، لأن أصله من لهب النار ، ولهب النار يطلب العلو ، فلهذا تكبر ، ولما كان لهبا كان إذا جاءه الهواء من أعلاه عكس رأس اللهب إلى أسفل قسرا وقهرا ، كذلك إبليس لما جاءه هواه من تكبره على آدم لنشأته ، عكسه إلى الأرض ، فأهبط ، ولم يقف الأمر هنا ، بل أهبط إلى أسفل سافلين في دار الخزي والهوان ، فهواه أهبطه ، ولما كانت الملائكة نورا عمت جميع الجهات فلا أثر للهواء في النور ، ألا ترى النور الذي في الشمس والسراج وفي كل جسم مستنير نسبته إلى العلو والسفل والجنبات نسبة واحدة ، والملائكة مخلوقون من النور ، فلا أثر للهوى فيهم ، فلا يعصون اللّه ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ، ولما غلب على آدم في نشأته التراب وله السكون ، بخلاف لهب النار ، ثبت على عبوديته وتواضعه ، فسعد ، وكان هبوطه رجوعا إلى أصله ، وسيأتي الكلام على نشأته في موضعها إن شاء اللّه ، وكونه من حمأ مسنون ، ولهذا يتغير كل ما يحل فيه من الأطعمة والأشربة ويستحيل إلى الروائح القبيحة ، ويندرج في هذا الكلام النشأة الأخراوية ، واستحالة ما يحل فيها من الطعام والشراب إلى الروائح الطيبة ، وتحقيق ذلك في موضعه إن شاء اللّه ، قوله (41) «يا بَنِي إِسْرائِيلَ» الآية ، أضافهم إلى يعقوب ، فهو إسرائيل ، أي صفوة اللّه «اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ» وقد ذكر اللّه ما أنعم اللّه به على بني إسرائيل ، من

لم يكتب علينا عهده ، فإنا بحكم السيد ، فلما أبقنا بخروجنا عن حقيقتنا وادعينا الملك والتصرف ، والأخذ والعطاء ، كتب بيننا وبينه عقودا ، وأخذ علينا العهد والميثاق ، وأدخل نفسه معنا في ذلك ، والعبد لا يكتب عليه شيء ولا يجب له حق ، فإنه ما يتصرف إلا عن إذن سيده ، فإذا وفي العبد حقيقة عبوديته ، لم يؤخذ عليه عهد ولا ميثاق ، فمن أصعب آية تمر على العارفين كل آية فيها «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» أو العهود فإنها آيات أخرجت العبيد من عبوديتهم للّه . فإن قلت : كيف كلف الحق نفسه وقيدها ، مع أنه مطلق ، والمطلق ، لا يقبل التقييد بوجه من الوجوه ؟ قلنا : إن للمطلق أن يقيد نفسه إن شاء ، وأن لا يقيدها إن شاء ، فإن ذلك من صفة كونه مطلقا إطلاق مشيئة ، ومن هنا أوجب الحق على نفسه ، ودخل تحت العهد لعبده فقال في الوجوب: «كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ» أي أوجب فهو الموجب على نفسه ، ما أوجب غيره عليه ذلك فيكون مقيدا بغيره ، فقيد نفسه لعبيده رحمة بهم ولطفا خفيا ، وقال في العهد : «أَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ» فكلفهم ، وكلف نفسه ، لما قام الدليل عندهم بصدقه في قيله ، ذكر لهم ذلك تأنيسا لهم سبحانه وتعالى ، ولكن هذا كله أعني دخوله في التقييد لعباده من كونه إلها ، لا من كونه ذاتا ، فإن الذات غنية عن العالمين ، والملك ما هو غني عن الملك ، إذ لولا الملك ما صح اسم الملك ، فالمرتبة أعطت التقييد ، لا ذات الحق جل وتعالى - تنبيه - احذر أن تفي ليفي إليك ، أوف أنت بعهدك واتركه يفعل ما يريد ، فإنه من وفي بعهده ليفي له الحق بعهده ، لم يزده على ميزانه شيئا ، حيث ورد في الحديث «كان له عند اللّه عهدا أن يدخله الجنة» لم يقل غير ذلك ، وقد قال تعالى : «وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ» ولم يطلب الموازنة ولا ذكرها هنا أنه ليفي له بعهده ، وإنما قال : «فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً» وما عظمه الحق فلا أعظم منه ، فاعمل

من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:

المنّ والسلوى وتفجير الماء من الحجر ومشيهم على البحر وإنجائهم من عدوهم وتظليل الغمام وغير ذلك ، فإن اللّه يمن على عباده بما يمتن عليهم من المنن الجسام ، ولذا سميت مننا ، وليس للعباد أن يمتنوا ، لأن النعم ليست إلا لمن خلقها ، فلهذا كان المن من اللّه محمودا ، لأنه ينبه عباده بما أنعم عليهم ليرجعوا إليه ، وكان مذموما من العباد لأنه كذب محض ، قال تعالى (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا ، قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ ، بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ) ثم قال تعالى لهم «وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ» أي أوفوا بما أخذت عليكم من الميثاق ، فأخبرنا بذلك لنسمع

على وفائك بعهدك من غير مزيد ، فإن من طلب من الحق الوفاء ، فقد ناط به الجفا ، وليس برب جاف بلا خلاف

إشارة-[ الرب رب ، والعبد عبد ]

الرب رب ، والعبد عبد ، وإن اشتركا في العهد .
فلا تنظر لما عندي * فإن الأمر من عندك
ولا تطلب وفى عهدي * إذا ما خنت في عهدك
فوعدي صادق مني * إذا صدقت في وعدك
وما أتيت إلا من * فساد كان في عقدك


المراجع:

(40) الفتوحات ج 3 / 478 - ج 2 / 682 - ج 3 / 220 - ج 2 / 406 - ج 3 / 72 - ج 4 / 405 ، 351 ، 356 - ديوان / 182

 

 

البحث في التفسير


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!