موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

إشارات في تفسير القرآن الكريم

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

مستخلصة من الفتوحات المكيّة وكتبه الأخرى

سورة التوبة (9)

 

 


الآية: 112 من سورة التوبة

التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (112)

[ «التَّائِبُونَ» الآية ]

«التَّائِبُونَ» جمع تائب من رجال ونساء ، وهو الراجع إلى اللّه من عين المخالفة ، ولو رجع ألف مرة في كل يوم ، فما يرجع إلا من المخالفة . واللّه قابل التوب خاصة . «الْعابِدُونَ» هم أهل الفرائض خاصة ، منهم صاحب سبب ، ومنهم تارك سبب ، وهم صلحاء الظاهر والباطن ، قد عصموا من الغل والحسد والحرص والشره المذموم ، وصرفوا كل هذه الأوصاف إلى الجهات المحمودة . الثواب لهم مشهود ، والقيامة وأهوالها والجنة والنار مشهودتان ، دموعهم في محاريبهم ، شغلهم هول المعاد عن الرقاد ، ضمروا بطونهم بالصيام ، للسباق في حلبة النجاة . «الْحامِدُونَ» من الرجال والنساء ، تولاهم اللّه بعواقب ما تعطيه صفات الحمد ، فهم أهل عاقبة الأمور ، فالحمد إنما هو للّه خاصة ، بأي وجه كان ، فالحامدون الذين أثنى اللّه عليهم في القرآن ، هم الذين طالعوا نهايات الأمور في ابتدائها ، وهم أهل السوابق ، فشرعوا في حمده ابتداء بما يرجع إليه سبحانه وتعالى جل جلاله من حمد المحجوبين انتهاء ، فهم الحامدون على الشهود بلسان الحق ، ثبت في الصحيح عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم : لا شيء أحب إلى اللّه تعالى من أن يمدح ، واللّه تعالى قد وصف عباده المؤمنين بالحامدين ، وذم ولعن من ذم جناب اللّه ، ونسب إليه ما لا يليق به «السَّائِحُونَ» وهم المجاهدون في سبيل اللّه ، من رجال ونساء ، قال صلّى اللّه عليه وسلم : سياحة أمتي الجهاد في سبيل اللّه ، فالسياحة في هذه الأمة الجهاد ، والسياحة المشي في الأرض للاعتبار برؤية آثار القرون

الماضية ، ومن هلك من الأمم السالفة ، ولما كان المقصود من الجهاد إعلاء كلمة اللّه ، في الأماكن التي يعلو فيها ذكر غير اللّه ، ممن يعبد من دون اللّه ، جعل النبي صلّى اللّه عليه وسلم سياحة هذه الأمة الجهاد ، فإن الأرض وإن لم يكفر عليها ولا ذكر اللّه فيها أحد من البشر ، فهي أقل حزنا وهما من الأرض التي عبد غير اللّه فيها وكفر عليها ، وهي أرض المشركين والكفار ، فكانت السياحة بالجهاد أفضل من السياحة بغير الجهاد ، ولكن بشرط أن يذكر اللّه عليها ولا بد ، فإن ذكر اللّه في الجهاد أفضل من لقاء العدو ، فيضرب المؤمنون رقابهم ، ويضرب الكفار رقاب المؤمنين . وأما السياحة بالجولان في الأرض على طريق الاعتبار والقربة إلى اللّه ، لما في الأنس بالخلق من الوحشة ، فالسائحون من عباد اللّه يشاهدون من آيات اللّه ، ومن خرق العوائد ما يزيدهم قوة في إيمانهم ونفسهم ومعرفتهم باللّه ، وأنسا به ورحمة بخلقه ، وشفقة عليهم ، فيفتح لهم في بواطنهم في علوم إلهية لا ينالونها إلا في هذه المشاهدة ، وما يحصل لهم من خرق العوائد والاعتبار ، فهم يرون في الأرض من الآيات والعجائب والاعتبارات ما دعاهم إلى النظر فيما ينبغي لمالك الأرض ، فأنار اللّه قلوبهم بأنوار العلوم ، وفتح لهم في النظر في الآيات ، وهي العلامات الدالة على عظمة من انقطعوا إليه وهو اللّه تعالى . «الرَّاكِعُونَ» من رجال ونساء ، هم الذين وصفهم اللّه بالركوع ، وهو الخضوع والتواضع للّه تعالى من حيث هويته سبحانه ، ولعزته وكبريائه حيث ظهر من العالم ، لعلمهم بأنها صفة الحق ، لا صفة من تلبس بها ، فركعوا للصفة لا للعين ، ومن هنا تواضع العارفون للجبارين والمتكبرين من العالم للصفة لا لعينهم إذ كان الحق هو مشهودهم في كل شيء . «السَّاجِدُونَ» من الرجال والنساء ، تولاهم اللّه بسجود القلوب ، فهم لا يرفعون رؤوسهم ، لا في الدنيا ولا في الآخرة ، وهو حال القربة وصفة المقربين قال تعالى : «وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ» وقال تعالى لنبيه صلّى اللّه عليه وسلم : «فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ» يريد الذين لا يرفعون رؤوسهم ، ولا يكون ذلك إلا في سجود القلب . «الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ» من رجال ونساء ، هم الذين تولاهم اللّه بالأمر باللّه ، إذ كان هو المعروف ، فلا فرق أن تقول الآمرون باللّه أو الآمرون بالمعروف ، فهو المعروف الذي لا ينكر بلا خلاف في جميع الملل والنحل والعقول ، فالآمرون بالمعروف هم الآمرون على الحقيقة باللّه ، فإنه سبحانه إذا أحب عبده كان لسانه الذي يتكلم به ، والأمر من أقسام الكلام ، فهم الآمرون به لأنه لسانهم ،

فهؤلاء هم الطبقة العليا في الأمر بالمعروف ، وكل آمر بمعروف فهو تحت حيطة هذا الأمر «وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ» وأعلاهم طبقة الناهون عن المنكر بالمعروف ، والمنكر الشريك الذي أثبته المشركون بجعلهم ، فلم يقبله التوحيد ، وأنكره فصار منكرا من القول وزورا . «وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ» اعلم أن قوله تعالى : «الْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ» إطلاق في حقهم وهم على طبقتين : فمنهم من عرف الحدود الذاتية فوقف عندها ، وذلك العالم الحكيم المشاهد صاحب العين السليمة ، ومنهم من عرف الحدود الرسمية ، ولم يعلم الحدود الذاتية ، وهم أرباب الإيمان ، ومنهم من عرف الحدود الرسمية والذاتية وهم الأنبياء والرسل ومن دعا إلى اللّه على بصيرة من أتباع الرسول صلّى اللّه عليه وسلم ، فهؤلاء هم الأولى بأن يطلق عليهم الحافظون لحدود اللّه الذاتية والرسمية معا . «وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ» الصابرين على ذلك ، وهم الذين حبسوا نفوسهم عند الحدود ولم يتعدوها مطلقا .


المراجع:

(112) الفتوحات ج 2 / 32 ، 17 ، 33 - ج 1 / 530 - ج 2 / 33 ، 527 ، 23 ، 33 ، 392 ، 33 ، 34 ، 30

 

 

البحث في التفسير


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!