The Greatest Master Muhyiddin Ibn al-Arabi
The Greatest Master Muhyiddin Ibn al-Arabi

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

إشارات في تفسير القرآن الكريم

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

مستخلصة من الفتوحات المكيّة وكتبه الأخرى

سورة يوسف (12)

 

 


الآيات: 4-5 من سورة يوسف

إِذْ قالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ (4) قالَ يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ (5)

وذلك لما علم يعقوب عليه السلام من علم أبنائه بتأويل ما مثّل الحق ليوسف عليه السلام في رؤياه ، إذ ما كان ما رآه ومثل له إلا عين إخوته وأبويه ، فأنشأ الخيال صورة الإخوة كواكب ، وصورة الأبوين شمسا وقمرا ، وكلهم لحم ودم وعروق وأعصاب ، فانظر هذه النقلة من عالم السفل إلى عالم الأفلاك ، ومن ظلمة هذا الهيكل إلى نور الكوكب ، فقد لطف الكثيف ، ثم عمد إلى مرتبة التقدم وعلو المنزلة والمعاني المجردة فكساها صورة السجود المحسوس فكثف لطيفها ، والرؤيا واحدة ، ولولا قوة الخيال وجمعيته ما جرى ما جرى ثم برأ يعقوب عليه السلام أبناءه عن ذلك الكيد وألحقه بالشيطان ، وليس إلا عين الكيد ، فقال : «إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ» أي ظاهر العداوة

[ - الرؤيا - ]

-الرؤيا -اعلم أيدك اللّه أن للإنسان حالتين حالة تسمى النوم وحالة تسمى اليقظة ، وفي كلتا الحالتين جعل اللّه له إدراكا يدرك به الأشياء ، تسمى تلك الإدراكات في اليقظة حسا ، وتسمى في النوم حسا مشتركا ، فكل شيء تبصره في اليقظة يسمى رؤية ، وكل ما تبصره في النوم يسمى رؤيا مقصورا ، وجميع ما يدركه الإنسان في النوم هو مما ضبطه الخيال في حال اليقظة من الحواس ،وهو على نوعين :

إما ما أدرك صورته في الحس ،

وإما ما أدرك أجزاء صورته التي أدركها في النوم بالحس لا بد من ذلك ،

فإن نقصه شيء من إدراك الحواس في أصل خلقه ، فلم يدرك في اليقظة ذلك الأمر فقد المعنى الحسي الذي يدركه به في أصل خلقته ، فلا يدركه في النوم أبدا ، فالأصل الحسّ ، والإدراك به في اليقظة والخيال تبع في ذلك ، وقد يتقوى الأمر على بعض الناس فيدركون في اليقظة ما كانوا يدركونه في النوم ، وذلك نادر وهو للنبي والولي ، واعلم أن مبدأ الوحي الرؤيا الصادقة ، وهي لا تكون إلا في حال النوم ، قالت عائشة في الحديث الصحيح

[ أول ما بدئ به رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة ، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ]

وسبب ذلك صدقه صلّى اللّه عليه وسلم ، فإنه

ثبت عنه أنه قال أصدقكم رؤيا أصدقكم حديثا ، فكان لا يحدث أحدا صلّى اللّه عليه وسلم بحديث عن تزوير يزوره في نفسه ، بل يتحدث بما يدركه بإحدى قواه الحسية أو بكلها ، ما كان يحدث بالغرض ولا يقول ما لم يكن ، ولا ينطق في اليقظة عن شيء يصوره في خياله مما لم ير لتلك الصورة بجملتها عينا في الحس ، فهذا سبب صدق رؤياه ، وإنما بدئ الوحي بالرؤيا دون الحس لأن المعاني المعقولة أقرب إلى الخيال منها إلى الحس ، لأن الحس طرف أدنى ، والمعنى طرف أعلى وألطف ، والخيال بينهما والوحي معنى ، فإذا أراد المعنى أن ينزل إلى الحس فلا بد أن يعبر على حضرة الخيال قبل وصوله إلى الحس ، والخيال من حقيقته أن يصور كل ما حصل عنده في صورة المحسوس ، لا بد من ذلك ، فإن كان ورود ذلك الوحي الإلهي في حال النوم سمي رؤيا ، وإن كان في حال اليقظة سمي تخيلا أي خيل إليه ، فلهذا بدئ الوحي بالخيال ، ثم بعد ذلك انتقل الخيال إلى الملك من خارج ، فكان يتمثل له الملك رجلا أو شخصا من الأشخاص المدركة بالحس ، وقد ينفرد هذا الشخص المراد بذلك الوحي بإدراك هذا الملك ، وقد يدركه الحاضرون معه ، فيلقي على سمعه حديث ربه وهو الوحي ، وتارة ينزل على قلبه صلّى اللّه عليه وسلم فتأخذه البرحاء وهو المعبر عنه بالحال ، فإن الطبع لا يناسبه ، وانفرد الأنبياء في ذلك بالتشريع ، فقد يكون الولي بشيرا ونذيرا ولكن لا يكون مشرعا ، فإن الرسالة والنبوة بالتشريع قد انقطعت فلا رسول بعده ولا نبي ، أي لا مشرع ولا شريعة ،

ثبت عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم أنه قال : [ إن الرسالة والنبوة قد انقطعت فلا رسول بعدي ولا نبي ]

فشق ذلك على الناس فقال : [ لكن المبشرات ]

فقالوا : يا رسول اللّه ، وما المبشرات ؟

فقال : [ رؤيا المسلم ، وهي جزء من أجزاء النبوة ] هذا حديث حسن صحيح من حديث أنس بن مالك ،

وعن أبي هريرة وحذيفة وابن عباس وأم كرز ، أنه صلّى اللّه عليه وسلم أخبر أن الرؤيا جزء من أجزاء النبوة ، فقد بقي للناس من النبوة هذا وغيره ، ومع هذا لا يطلق اسم النبوة ولا النبي إلا على المشرع خاصة ، فحجر هذا الاسم لخصوص وصف معيّن في النبوة ، وما حجر النبوة التي ليس فيها هذا الوصف الخاص ، وإن كان حجر الاسم ، فنتأدب ونقف حيث وقف صلّى اللّه عليه وسلم بعد علمنا بما قال وما أطلق وما حجر ، فنكون على بينة من أمرنا ، وإذا علمت هذا فلنقل إن الرؤيا ثلاث ، منها بشرى ورؤيا مما يحدث المرء به نفسه في اليقظة ، فيرتقم في خياله ، فإذا نام أدرك ذلك بالحس المشترك لأنه تصوره في يقظته ، فبقي مرتسما

في خياله ، فإذا نام وانصرفت الحواس إلى خزانة الخيال أبصرت ذلك ، والرؤيا الثالثة من الشيطان ، عن أبي هريرة قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم : [ إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب ، وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثا ، ورؤيا المسلم جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة ،

والرؤيا ثلاث:فالرؤيا الصالحة بشرى من اللّه تعالى ، ورؤيا من تحزين الشيطان ، ورؤيا مما يحدث الرجل به نفسه ،وإذا رأى أحدكم ما يكره فليقم وليتفل ولا يحدث به الناس ] - الحديث - وفي حديث أبي قتادة عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم [ إذا رأى أحدكم شيئا يكرهه فلينفث عن يساره ثلاث مرات ، وليستعذ باللّه من شرها فإنها لا تضرّه ] وهو حديث حسن صحيح ،

وفي الحديث الصحيح عن النبي صلّى اللّه عليه وسلم [ إن رؤيا المسلم على رجل طائر ما لم يحدث بها فإذا حدث بها وقعت ]

واعلم أن للّه ملكا موكلا بالرؤيا يسمى الروح ، وهو دون السماء الدنيا ، وبيده صور الأجساد التي يدرك النائم فيها نفسه وغيره ، وصور ما يحدث من تلك الصور من الأكوان ، فإذا نام الإنسان ، أو كان صاحب غيبة أو فناء أو قوة إدراك لا يحجبه المحسوسات في يقظته عن إدراك ما بيد هذا الملك من الصور ، فيدرك هذا الشخص بقوته في يقظته ما يدركه النائم في نومه ، وذلك أن اللطيفة الإنسانية تنتقل بقواها من حضرة المحسوسات إلى حضرة الخيال المتصل بها ، الذي محله مقدم الدماغ ، فيفيض عليها ذلك الروح الموكل بالصور من الخيال المنفصل عن الإذن الإلهي ما يشاء الحق أن يريه هذا النائم أو الغائب أو الفاني أو القوي ، من المعاني متجسدة في الصور التي بيد هذا الملك ، فمنها ما يتعلق باللّه وما يوصف به من الأسماء ، فيدرك الحق في صورة ، أو القرآن أو العلم أو الرسول الذي هو على شرعه ، فهنا يحدث للرائي ثلاث مراتب أو إحداهن ،

المرتبة الواحدةأن تكون الصورة المدركة راجعة للمرئي بالنظر إلى منزلة ما من منازله وصفاته التي ترجع إليه ، فتلك رؤيا الأمر على ما هو عليه بما يرجع إليه ،

والمرتبة الثانيةأن تكون الصورة المرئية راجعة إلى حال الرائي في نفسه ،

والمرتبة الثالثةأن تكون الصورة المرئية راجعة إلى الحق المشروع والناموس الموضوع ، أي ناموس كان في تلك البقعة التي ترى تلك الصورة فيها ، في ولاة أمر ذلك الإقليم القائمين بناموسه ،وما ثم مرتبة رابعة سوى ما ذكرناه،

فالأولى وهي رجوع الصورة إلى عين المرئي فهي حسنة كاملة ولا بد ، لا تتصف بشيء من القبح والنقص ، والمرتبتان الباقيتان قد تظهر الصورة فيها بحسب الأحوال من الحسن والقبح

والنقص والكمال ، فلينظر إن كان من تلك الصورة خطاب فبحسب ما يكون الخطاب يكون حاله ، وبقدر ما يفهم منه في رؤياه ، ولا يعول على التعبير في ذلك بعد الرجوع إلى عالم الحس ، إلا إن كان عالما بالتعبير أو يسأل عالما بذلك ، ولينظر أيضا حركته أعني حركة الرائي مع تلك الصورة ، من الأدب والاحترام أو غير ذلك ، فإن حاله بحسب ما يصدر منه في معاملته لتلك الصورة ، فإنها صورة حق بكل وجه ، وقد يشاهد الروح الذي بيده هذه الحضرة وقد لا يشاهده ، وما عدا هذه الصورة فليست إلا من الشيطان إن كان فيه تحزين ، أو مما يحدث المرء به نفسه في حال يقظته ، فلا يعول على ما يرى من ذلك ، ومع هذا وكونها لا يعول عليها إذا عبّرت كان لها حكم ولا بد ، يحدث لها ذلك من قوة التعبير لا من نفسها ، وهو أن الذي يعبرها لا يعبرها حتى يصورها في خياله من المتكلم ، فقد انتقلت تلك الصورة من المحل الذي كانت حديث نفس أو تحزين شيطان إلى خيال العابر لها ، وما هي له حديث نفس ، فيحكم على صورة محققة ارتسمت في ذاته ، فيظهر لها حكم أحدثه حصول تلك الصورة في نفس العابر ، كما جاء في قصة يوسف مع الرجلين ، وكانا قد كذبا فيما صوراه ، ثم إن اللّه تعالى إذا رأى أحد رؤيا فإن صاحبها له فيما رآه حظ من الخير والشر بحسب ما تقتضي رؤياه ، أو يكون الحظ في ناموس الوقت في ذلك الموضع ، وأما في الصورة المرئية فلا ، فيصور اللّه ذلك الحظ طائرا وهو ملك في صورة طائر ، كما يخلق من الأعمال صورا ملكية روحانية جسدية برزخية ، وإنما جعلها في صورة طائر لأنه يقال طار له سهمه بكذا ، والطائر الحظ ، ويجعل الرؤيا معلقة في رجل هذا الطائر ، وهي عين الطائر ، ولما كان الطائر إذا اقتنص شيئا من الصيد من الأرض إنما يأخذه برجله لأنه لا يد له ، وجناحه لا يتمكن له الأخذ به ، فلذلك علق الرؤيا برجله ، فهي المعلقة وهي عين الطائر ، فإذا عبرت سقطت لما قيلت له ، وعندما تسقط ينعدم بسقوطها ، ويتصور في عالم الحس بحسب الحال التي تخرج عليه تلك الرؤيا ، فترجع صورة الرؤيا عين الحال لا غير ، ثم إن تسمية النبي صلّى اللّه عليه وسلم لها بشرى ومبشرة لتأثيرها في بشرة الإنسان ، فإن الصورة البشرية تتغير بما يرد عليها في باطنها مما تتخيله ، من صورة تبصرها أو كلمة تسمعها إما بحزن أو فرح ، فيظهر لذلك أثر في البشرة لا بد من ذلك ، فإنه حكم طبيعي أودعه اللّه في الطبيعة ، فلا يكون إلا هكذا . واعلم أن للرؤيا مكان ومحل وحال ، فحالها النوم ، وهو الغيبة عن

المحسوسات الظاهرة الموجبة للراحة ، لأجل التعب الذي كانت عليه في هذه النشأة في حال اليقظة من الحركة ، وإن كان في هواها ، فتعب الآلات والجوارح والأعضاء البدنية في حال اليقظة ، وجعل زمانه الليل وإن وقع بالنهار ، كما جعل النهار للمعاش وإن وقع بالليل ، ولكن الحكم للغالب ، فتنتقل هذه الآلات من ظاهر الحس إلى باطنه في النوم الذي يكون معه الرؤيا ، ليرى ما تقرر في خزانة الخيال الذي رفعت إليه الحواس ما أخذته من المحسوسات ، وما صورته القوة المصورة التي هي من بعض خدم هذه الخزانة ، لترى هذه النفس الناطقة التي ملّكها اللّه هذه المدينة ما استقر في خزانتها ، وعلى قدر ما كمل لهذه النشأة من الآلات التي هي الجوارح والخدام الذين هم القوى الحسية يكون الاختزان ، فثمّ خزانة كاملة لكمال الحياة ، وثمّ خزانة ناقصة كالأكمه ، فإنه لا ينتقل إلى خزانة خياله صور الألوان ، والخرس لا ينتقل إلى خزانة خياله صور الأصوات ولا الحروف اللفظية ، هذا كله إذا عدمها في أصل نشأته ، وأما إذا طرأت عليه هذه الآفات فلا ، فإنه إذا انتقل بالنوم إلى باطن النشأة ودخل الخزانة وجد صور الألوان التي اختزنها فيها قبل طرق الآفة ، وكذلك كل ما أعطته قوة من قوى الحس الذين هم جباة هذه المملكة ، فإذا ارتقى الإنسان في درج المعرفة علم أنه نائم في حال اليقظة المعهودة ، وأن الأمر الذي هو فيه رؤيا ، إيمانا وكشفا ، ولهذا ذكر اللّه أمورا واقعة في ظاهر الحس وقال (فَاعْتَبِرُوا) وقال : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً) *أي جوزوا واعبروا مما ظهر لكم من ذلك إلى علم ما بطن به وما جاء له ، قال عليه السلام : (الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا) ولكن لا يشعرون ، فمن اعتبر الرؤيا يرى أمرا هائلا ويتبين له ما لا يدركه من غير هذا الوجه ، ولهذا كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم إذا أصبح في أصحابه سألهم : هل رأى أحد منكم رؤيا ؟ لأنها نبوة ، فكان يحب أن يشهدها في أمته ، والناس اليوم في غاية الجهل بهذه المرتبة التي كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم يعتني بها ويسأل كل يوم عنها ، والجهلاء في هذا الزمان إذا سمعوا بأمر وقع في النوم لم يرفعوا به رأسا وقالوا : بالمنامات يريد أن يحكم ، هذا خيال ، وما هي إلا رؤيا ، فيستهونوا بالرائي إذا اعتمد عليها وهذا كله لجهله بمقامها ، وجهله بأنه في يقظته وتصرفه في رؤيا ، وفي منامه في رؤيا في رؤيا ، فهو كمن يرى أنه استيقظ في نومه وهو في منامه ، وهو قوله عليه السلام : [ الناس نيام ] وأما المكان والمحل ، فأما المحل فهو هذه النشأة العنصرية ، لا يكون للرؤيا محل غيرها ، فليس للملك رؤيا ، وإنما ذلك للنشأة

العنصرية الحيوانية خاصة ، وأما المكان فهو ما تحت مقعر فلك القمر خاصة ، وفي الآخرة ما تحت مقعر فلك الكواكب الثابتة ، وذلك لأن النوم قد يكون في جهنم في أوقات ، ولا سيما في المؤمنين من أهل الكبائر ، وما فوق فلك الكواكب فلا نوم ، وأعني به النوم الكائن المعروف في العرف . واعلم أن الإنسان إذا زهد في غرضه ورغب عن نفسه وآثر ربه ، أقام له الحق عوضا من صورة نفسه صورة هداية إلهية حقا من عند حق ، حتى يرفل في غلائل النور ، وهي شريعة نبيه ورسالة رسوله ، فيلقى إليه من ربه ما يكون فيه سعادته ، فمن الناس من يراها على صورة نبيه ، ومنهم من يراها على صورة حاله ، فإذا تجلت له في صورة نبيه فليكن عين فهمه فيما تلقي إليه تلك الصورة لا غير ، فإن الشيطان لا يتمثل على صورة نبي أصلا ، فتلك حقيقة ذلك النبي وروحه ، أو صورة ملك مثله عالم من اللّه بشريعته ، فما قال فهو ذاك ، فمن صبر نفسه على ما شرع اللّه له على لسان رسوله صلّى اللّه عليه وسلم فإن اللّه لا بد أن يخرج إليه رسوله صلّى اللّه عليه وسلم في مبشرة يراها أو كشف بما يكون له عند اللّه من الخير ، وإنما يخرج اللّه إليه رسوله صلّى اللّه عليه وسلم لأن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم لا يتصور على صورته غيره ، فمن رآه رآه لا شك فيه ، فالمبشرات وهي جزء من أجزاء النبوة إما أن تكون من اللّه إلى العبد ، أو من اللّه على يد بعض عباده إليه ، وهي الرؤيا يراها الرجل المسلم أو ترى له ، فإن جاءته من اللّه في رؤياه على يد رسوله صلّى اللّه عليه وسلم ، فإن كان حكما تعبد نفسه به ولا بد ، بشرط أن يرى الرسول صلّى اللّه عليه وسلم على الصورة الجسدية التي كان عليها في الدنيا ، كما نقل إليه من الوجه الذي صح عنده ، حتى إنه إن رأى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم يراه مكسور الثنية العليا ، فإن لم يره بهذا الأثر فما هو ذاك ، وإن تحقق أنه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم ورآه شيخا أو شابا مغايرا للصورة التي كان عليها في الدنيا ومات عليها ، ورآه في حسن أزيد مما وصف له ، أو قبح صورة أو يرى الرائي إساءة أدب في نفسه معه ، فذلك كله الحق الذي جاء به رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم ، ما هو رسول اللّه ، فيكون ما رآه هذا الرائي عين الشرع ، إما في البقعة التي يراه فيها عند ولاة الأمور من الناس ، وإما أن يرجع ما يراه إلى حال الرائي أو إلى المجموع ، غير ذلك لا يكون ، فيكون تغير صورته صلّى اللّه عليه وسلم عين إعلامه وخطابه إياه بما هو الأمر عليه ، في حقه أو حق ولاة العصر بالموضع الذي يراه فيه ، فإن جاءه بحكم في هذه الصورة فلا يأخذ به إن اقتضى ذلك نسخ حكم ثابت بالخبر المنقول الصحيح المعمول به ، وكل ما أتى به

من العلوم والأسرار مما عدا التحليل والتحريم فلا تحجير عليه فيما يأخذه منه ، لا في العقائد ولا في غيرها ، وذلك بخلاف حكمه لو رآه صلّى اللّه عليه وسلم على صورته ، فيلزمه الأخذ به ولا يلزم غير ذلك ، فإن اللّه يقول : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) هذا هو الفرقان بين الأمرين ، فقد يرى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم في الرؤيا أو في الكشف ، فيصحح من الأخبار ما ضعف بالنقل ، وقد ينفي من الأخبار ما ثبت عندنا بالنقل ، كما ذكر مسلم في صدر كتابه عن شخص أنه رأى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم في المنام ، فعرض عليه ألف حديث كان في حفظه ، فأثبت صلّى اللّه عليه وسلم من الألف ستة أحاديث وأنكر صلّى اللّه عليه وسلم ما بقي ، فمن رآه صلّى اللّه عليه وسلم في المنام فقد رآه في اليقظة ما لم تتغير عليه الصورة ، فإن الشيطان لا يتمثل على صورته أصلا ، فهو معصوم الصورة حيا وميتا ، فمن رآه فقد رآه في أيّ صورة رآه .


المراجع:

(5) الفتوحات ج 3 / 451 - كتاب فصوص الحكم - الفتوحات ج 2 / 375 - ج 3 / 70 - ج 4 / 184 ، 27

 

 

البحث في التفسير


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



Please note that some contents are translated Semi-Automatically!