موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

إشارات في تفسير القرآن الكريم

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

مستخلصة من الفتوحات المكيّة وكتبه الأخرى

سورة الرعد (13)

 

 


الآية: 3 من سورة الرعد

وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ وَأَنْهاراً وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (3)

[إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ]

وهو الاعتبار والنظر المأمور به شرعا «إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» فيما أخفاه من غامض حكمته في أحكامه ، فلو لا ما نصب اللّه الأدلة ما شرع للعقلاء التفكر ولا طالبهم ، وكذلك في معرفتهم به سبحانه ، فإذا تعدى بالفكر حدّه وفكر الإنسان فيما لا ينبغي له أن يفكر فيه عذب يوم القيامة بنار فكره ، ثم إنّ الإنسان يشغله الفكر فيما لم يشرع له التفكر فيه عن شكر المنعم على النعم التي أنعم اللّه عليه بها ، فيكون صاحب عذاب ، عذاب الفكر فيما لا ينبغي وعذاب عدم الشكر على ما أنعم به عليه ، فإن اللّه سبحانه قد شاء أن يبرز العالم في الشفعية لينفرد سبحانه بالوترية ، فيصح اسم الواحد الفرد ، ويتميز السيد من العبد ، فقال «وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» فإذا أخذت في الفكر والاعتبار في هذه الآية رأيت أن الإنسان من جملة الثمرات ، ينمو كنمائها ويتغذى كغذائها ، ثم ينتهي كنهايتها ، ويؤخذ منه

الفوائد كالأخذ منها ، ثم يأخذ في النقص كنقصانها ، ثم يهرم كهرمها ، ثم يموت كموتها ، ثم تراه يولد كتوليدها ، فيؤخذ بذر منها فيزرع فيحدث فيه الشباب كذلك حتى يصير إلى مثل حالها ، فقد يؤخذ منه كما أخذ منها وقد يترك فينقطع النسل من تلك الثمرة المعينة ، وكذلك الإنسان في التوالد والتناسل على ذلك المهيع ، فإن قلت : هذه شجرة ، فأين أختها التي تصح بها شفعيتها وإطلاق هذه الآية عليهما فكرا واعتبارا ؟ فإذا تتبعت وجود الحكمة في الإنسان وتفضيله على سائر الحيوان وتقصيت أسراره وحكمه ولطائفه ، رأيتها بأعيانها في العالم المحيط الأكبر قدما بقدم ، حتى تجده كأنه هو ، فتعلم أن الثمرة الواحدة العالم الكبير المحيط ، والثمرة الأخرى الإنسان الذي هو العالم الصغير ، وعلى ذلك نبه الكتاب العزيز بقوله : (وَفِي أَنْفُسِكُمْ فَلا تُبْصِرُونَ) وبقوله (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ)

فانظر نوّر اللّه بصيرتك إلى ما تفرق في العالم الأكبر تجده في هذا العالم الإنساني ، من ملك وملكوت «إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» اعلم أن اللّه تعالى ابتلى الإنسان الذي جعله خليفة في الأرض ببلاء ما ابتلى به أحدا من خلقه ، إما لأن يسعده أو يشقيه على حسب ما يوفقه إلى استعماله ، فكان البلاء الذي ابتلاه به أن خلق فيه قوة تسمى الفكر ، وكلف العقل معرفته سبحانه ليرجع إليه في اقتناء العلوم لا إلى غيره ، ففهم العقل نقيض ما أراد به الحق بقوله تعالى (وَلَمْ يَتَفَكَّرُوا) *" لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ "

*فاستند إلى الفكر وجعله إماما يقتدى به ، وغفل عن الحق في مراده بالتفكر أنه خاطبه أن يتفكر فيرى أن علمه باللّه لا سبيل إليه إلا بتعريف اللّه ، فيكشف له عن الأمر على ما هو عليه ، فلم يفهم كل عقل هذا الفهم إلا عقول خاصة اللّه من أنبيائه وأوليائه ، يا ليت شعري هل بأفكارهم قالوا بلى حين أشهدهم على أنفسهم في قبضة الذرية من ظهر آدم ؟

لا واللّه ، بل عناية إشهادهم إياه ذلك عند أخذه إياهم عنهم من ظهورهم ، ولما رجعوا إلى الأخذ عن قواهم المفكرة في معرفة اللّه لم يجتمعوا قط على حكم واحد في معرفة اللّه ، وذهبت كل طائفة إلى مذهب ، وكثرت القالة في الجناب الإلهي الأحمى ، واجترءوا غاية الجرأة على اللّه ، وهذا كله من الابتلاء الذي ذكرناه من خلقه الفكر في الإنسان ، فالخاصة افتقروا إليه فيما كلفهم من الإيمان به في معرفته ، وعلموا أن المراد منهم رجوعهم إليه في ذلك وفي كل حال ، فمنهم القائل ، سبحان من لم يجعل سبيلا إلى معرفته إلّا العجز عن معرفته ،

ومنهم من قال : العجز عن درك الإدراك

إدراك ، وقال صلّى اللّه عليه وسلم [ لا أحصي ثناء عليك ] وقال تعالى (وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً) فرجعوا إلى اللّه في المعرفة به وتركوا الفكر في مرتبته ووفوه حقه ، لم ينقلوه إلى ما لا ينبغي له التفكر فيه ، وقد ورد النهي عن التفكر في ذات اللّه ، فوهبهم اللّه من معرفته ما وهبهم ، وأشهدهم من مخلوقاته ومظاهره ما أشهدهم ، فعلموا أنه ما يستحيل عقلا من طريق الفكر لا يستحيل نسبة إلهية ، فالفكر لا يتعدى النظر في الإله من كونه إلها ، وفيما ينبغي أن يستحقه من له صفة الألوهية من التعظيم والإجلال والافتقار إليه بالذات ، وهذا كله يوجد حكمه قبل وجود الشرائع ، ثم جاء الشرع به مخبرا وآمرا ، فأمر به وإن أعطته فطرة البشر ، ليكون عبادة يؤجر عليها ، وليس للفكر حكم ولا مجال في ذات الحق لا عقلا ولا شرعا ، فإن الشرع قد منع من التفكر في ذات اللّه ، فالفكر يصيب العاقل به ويخطئ ، ولكن خطأه أكثر من إصابته ، لأن له حدا يقف عنده ، فمتى وقف عنده أصاب ولا بد ، ومتى جاوز حدّه إلى ما هو لحكم قوة أخرى يعطاها بعض العبيد قد يخطئ ويصيب ، عصمنا اللّه وإياكم من غلطات الأفكار .


المراجع:

(3) الفتوحات ج 2 / 556 ، 39 ، 620 - كتاب التدبيرات الإلهية - الفتوحات ج 1 / 126 - ج 2 / 230 ، 595

 

 

البحث في التفسير


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!