موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

إشارات في تفسير القرآن الكريم

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

مستخلصة من الفتوحات المكيّة وكتبه الأخرى

سورة الإسراء (17)

 

 


الآيات: 22-23 من سورة الإسراء

لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَخْذُولاً (22) وَقَضى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلاً كَرِيماً (23)

علماء الرسوم يحملون لفظ «قَضى» على الأمر ، ونحن نحملها على الحكم ، فقوله تعالى «وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ» أي حكم ، وقضاء الحق لا يردّ ، والعبادة ذلة في اللسان المنزل به هذا القرآن ، قال تعالى (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)

[ على الحقيقة ما عبد المشرك إلا اللّه ]

فإن العبادة ذاتية للمخلوق لا يحتاج فيها إلى تكليف ، فكما قال : (يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللَّهِ) ولم يذكر افتقار مخلوق لغير اللّه ، قضى أن لا يعبد غير اللّه ، فمن أجل حكم اللّه عبدت الآلهة ، فلم يكن المقصود بعبادة كل عابد إلا اللّه ، فما عبد شيء لعينه إلا اللّه ، وإنما أخطأ المشرك حيث نصب لنفسه عبادة بطريق خاص لم يشرع له من جانب الحق ، فشقي لذلك ،

فإنهم قالوا في الشركاء (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ) فاعترفوا به ، وأنزلوهم منزلة النواب الظاهرة بصورة من استنابهم ، وما ثم صورة إلا الألوهية فنسبوها إليهم ، ولهذا يقتضي الحق حوائجهم إذا توسلوا بها إليه ، غيرة منه على المقام أن يهتضم ، وإن أخطئوا في النسبة فما أخطئوا في المقام ،

ولهذا قال (إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها) أي أنتم قلتم إنها آلهة ، وإلا فسموهم ، فلو سموهم لقالوا : هذا حجر وشجر أو ما كان ، فتتميز عندهم بالاسمية ، إذ ما كلّ حجر عبد ولا اتخذ إلها ، ولا كل شجر ، ولا كل جسم منير ، ولا كل حيوان ، فلله الحجة البالغة عليهم بقوله (سَمُّوهُمْ) فكانت الأصنام والأوثان مظاهر له في زعم الكفار ، فأطلقوا عليها اسم الإله ، فما عبدوا إلا الإله ، وهو الذي دل عليه ذلك المظهر ، فقضى حوائجهم وسقاهم ، وعاقبهم إذ لم يحترموا ذلك الجناب الإلهي في الصورة الجمادية ، فهم الأشقياء وإن أصابوا أو لم يعبدوا إلا اللّه ، فكان قوله تعالى : «وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ» من الغيرة الإلهية حتى لا يعبد إلا من له هذه الصفة ، فكان من قضائه أنهم اعتقدوا الإله ، وحينئذ عبدوا ما عبدوا ، مع أنهم ما عبدوا في الأرض من الحجارة والنبات والحيوان ، وفي السماء من الكواكب والملائكة ، إلا لاعتقادهم في كل معبود أنه إله ، لا لكونه حجرا ولا شجرة ولا غير ذلك ، وإن أخطئوا في النسبة فما أخطئوا في المعبود ، فعلى الحقيقة ما عبد المشرك إلا اللّه ، وهي المرتبة التي سماها إلها ، لأنه لو لم يعتقد الألوهة في الشريك ما عبده ، فإنه ما عبد ما عبد إلا بتخيل الألوهة فيه ، ولولاها ما عبد ، ولذلك قال تعالى «وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ» فما عبد أحد سوى اللّه ، حتى المشركون ما عبدوه إلا في الهياكل المسماة

شركاء ، فما عبدت إلا الألوهية في كل من عبد من دون اللّه ، لأنه ما عبد الحجر لعينه ، وإنما عبد من حيث نسبة الألوهة له ، فإن المشرك ما عبد شيئا إلا بعد ما نسب إليه الألوهة فما عبد إلا اللّه ، فالألوهية هي المعبودة من كل معبود ، ولكن أخطئوا النسبة فشقوا شقاوة الأبد ، وغار الحق لهذا الوصف فعاقبهم في الدنيا إذ لم يحترموه ، ورزقهم وسمع دعاءهم ، وأجابهم إذا سألوا إلههم في زعمهم ، لعلمه سبحانه أنهم ما لجئوا إلا لهذه المرتبة وإن أخطئوا في النسبة ، فشقوا في الآخرة شقاء الأبد ، حيث نبههم الرسول على توحيد من تجب له هذه النسبة فلم ينظروا ولا نصحوا نفوسهم ، ولهذا كانت دلالة كل رسول بحسب ما كان الغالب على أهل زمانه ، لتقوم عليهم الحجة ، فتكون للّه الحجة البالغة - تحقيق - قوله تعالى «وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ» قضاء صحيحا (وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ)

فإن الآثار لا تكون إلا للألوهة ، وبها ظهرت الآثار عن الأكوان كلها في الأكوان ، ولولا هذا السريان الدقيق ، والحجاب العجيب الرقيق ، والستر الأخفى ، ما عبدت الألوهية في الملائكة والكواكب والأفلاك والأركان والحيوانات والنباتات والأحجار والأناسي ، إذ الألوهية هي المعبودة من الموجودات ، فأخطئوا في الإضافة من وجه لا غير ، ولكن كان في ذلك الوجه شقاوة الأبد ، فالمحقق تحقق ذلك الوجه ورفع الخطأ من جهة العقل لا من جهة الحكم ، فإن النظر الإلهي كان تمكنه من هؤلاء المعبودين أكبر من غيرهم ، فربط الآثار بهم فظهرت عندهم ، ليضل من يشاء ويهدي من يشاء ، وربما ارتفعت طائفة عن مدرج نسبة الألوهية لهم مطلقا ولحظت الوجه الخفي فقالت (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى) فاتخذوهم حجبة ووزراء نعوذ باللّه ، ولكن هي أشبه من الأولى ، ولو رأت هذه الطائفة هذا الوجه من أنفسها ما عبدت الألوهية في كون خارج عنها ، بل كانت تعبد نفسها ، ولكن أيضا لتحققها بها ووقوفها مع عجزها وقصورها وإتلافها لم يتمكن لها ذلك ، ولو لاح لها ما ذكرناه ما اختصت بعبودة الألوهية في كون بعينه ، ومحصول ما قلناه أن الألوهية هي المعبودة على الإطلاق لا الأكوان ، ولهذا قال (وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ)

وقال «وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ» وقضاؤه غير مردود ، فمن وقف على هذه الوجوه الإلهية من الأكوان فما يصح عنده أن يعبده كون أصلا ، ومن لم يعرفها ولا يشاهدها تعبده وجه الحق في الكون لا الكون ، وبهذا القدر يعاقب ويطلق عليه اسم الشرك «وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ

الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيماً» لما كانت الأخلاق تختلف أحكامها باختلاف المحل الذي ينبغي أن يقابل بها ، احتاج صاحب الخلق إلى علم يكون عليه حتى يصرف في ذلك المحل الخلق الذي يليق به عن أمر اللّه ، فيكون قربة إلى اللّه ، فلهذا نزلت الشرائع لتبيّن للناس محال أحكام الأخلاق التي جبل الإنسان عليها ، فقال اللّه في مثل ذلك «فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ» لوجود التأفف في خلقه ، فأبان عن المحل الذي لا ينبغي أن يظهر فيه حكم هذا الخلق ، ثم بيّن المحل الذي ينبغي أن يظهر فيه هذا الخلق فقال (أُفٍّ لَكُمْ وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ) ومن الناحية الفقهية اعتبر أهل القياس هذه الآية دليلا على تحريم ضرب الرجل أباه بالعصا أو بما كان ، فقال أهل القياس : لا نص عندنا في هذه المسألة ، ولكن لما قال تعالى «فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما» [ مقارنة بين استخراج الحكم بالقياس وبين استخراجه بالنص ]

قلنا : فإذا ورد النهي عن التأفف وهو قليل ، فالضرب بالعصا أشد ، فكان تنبيها من الشارع بالأدنى على الأعلى ، فلا بد من القياس عليه ، فإن التأفف والضرب بالعصا يجمعهما الأذى ، فقسنا الضرب بالعصا المسكوت عنه على التأفف المنطوق به ، وقلنا نحن : ليس لنا التحكم على الشارع في شيء مما يجوز أن يكلف به ولا التحكم ، ولا سيما في مثل هذا لو لم يرد في نطق الشرع غير هذا لم يلزمنا هنا القياس ولا قلنا به ولا ألحقناه بالتأفيف ، وإنما حكمنا بما ورد وهو قوله في الآية «وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً» فأجمل الخطاب ، فاستخرجنا من هذا المجمل الحكم في كل ما ليس بإحسان ، والضرب بالعصا ما هو من الإحسان المأمور به من الشرع في معاملتنا لآبائنا ، فما حكمنا إلا بالنص وما احتجنا إلى قياس ، فإن الدين قد كمل ولا تجوز الزيادة فيه كما لم يجز النقص منه ، فمن ضرب أباه بالعصا فما أحسن إليه ، ومن لم يحسن لأبيه فقد عصى ما أمره اللّه به أن يعامل به أبويه ، ومن رد كلام أبويه وفعل ما لا يرضي أبويه مما هو مباح له تركه فقد عقهما ، وقد ثبت أن عقوق الوالدين من الكبائر .


المراجع:

(23) الفتوحات ج 3 / 117 - ج 1 / 405">405 - ج 4 / 100 ، 101 - ج 1 / 405">405 - ج 3 / 117 - ج 2 / 661 - ج 1 / 589 ، 328 - ج 2 / 326 ، 92 ، 591 - ج 4 / 415 - إيجاز البيان الفاتحة آية 5 - الفتوحات ج 1 / 328 - كتاب المسائل - الفتوحات ج 1 / 146 ، 371

 

 

البحث في التفسير


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!