وأنهارها وأنهار ذلك المحل وهو كناية عن الأسرار المودعة فيها و(حَ) اشتد الريح الغربي لأنه أنفع الرياح وألقحها وهي كنايات عن الواردات الربانية فتموجت بسبب الريح المذكور بحارها أي بحار محل الإلهام وقد عرفت فدخل الموج بعضه على بعض لشدة هيجانه وترادفه وقد عرفت معنى الموج و(حَ) أسرع إلى ما أبرمه المبرم أي وسارع إلى ما أخفاه من الأسرار من درر الأستار (فحَ) فلا تبصر إلا سحاباً مركوما مطبقاً وموجاً مجنوناً لشدة تموجه حال كونه ] فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ [ [النور:40] ولجة البحر وسطه وقوته ] يَغْشَاهُ [ [النور:40] يعلوه ] مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ [ [النور:40] وإثبات هذه الصفات للمبالغة في هيجان البحر فكذلك الإنسان الكامل إذا أسفر عن هذه المعاني كان بمثابة هذا البحر المتموج لا يعقل إلا من ركب سفينة هذا البحر وقد أمن من أرياحها المثيرة لهيجان الموج الذي قد عمّ السفينة أعلاها وأسفلها من ذلك التموج بحيث خشي الغرق وإليه الإشارة بقوله: ] ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ [ [النور:40] من شدة السحاب المتراكم ولم تزل الأمواج حافة به حتى بقي على ظهر البحر أي بحر الحقيقة والعرفان فكذلك بحري أي يجر الحقيقة لشدة الأمواج المتراكمة فأمسكوا (حَ) عن الجريان والنـزول لهذا الميدان صيانة للجنان ومخالفة للفرقان فلم ترى (حَ) على ظهر هذا البحر سفن تجري (91/ب)

ولا ظهر في جو فلك يسري لأنه وصل إلى مقام الفناء وسكن عن الاضطراب والتموج وإليه الإشارة بقوله إلى أن لطف المغيب سبحانه فسكن من الريح ما اشتد منه من الأمواج وكر الموج بالساحل والساحل طرف البحر الخالي عن الماء فالقلب في بحر القلوب بسبب ريح الشوق والمحبة تسوق أمواج الأنوار حتى ألقتها بساحل النفس فجذبتها يد العناية إلى ناحية بحر القلوب ومعدن الغيوب فلما دخلته امتزجت به فصار الجميع بحراً كليا محتوياً على جواهر ولألئ هن من حكمة الباري وامتد ذلك الموج بالساحل فرمى بزبده بقوله على سفينة زبد مخيض على صفة زبد المخيض لوضيع الوقت وشريفه أي ذلك الزبد صالح لوضيع الوقت وهو لمُقصِر ولشَرِيف الوقت وهو العارف الكامل ] قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ [ [البقرة:60] وذلك على قدر اللائق بهم في أزلية قسمته وحكمته وحققوا طريقهم ومذهبهم على وفق أرادته لهم فذلك الزبد قدر ما خرج من بحر قلوب العارفين ويتفاوت الزبد بتفاوت أحوالهم على قدر تموج رياح المحبة في بحر قلوبهم (فحَ) تظهر نتيجة الزبْد على ظاهرهم إلى الخلق فيعرفونهم بسيماهم من تلجلج لسانهم وصفرة أبدانهم وخفي ألحانهم ولا يعرف قدره إلا صاحب ذوق لأنه أمر ذوقي من لم يذق لم يَدْر وهذا الكتاب المحفوظ من طوارق