موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر

وهو منتخب من كتاب لواقح الأنوار القدسية المختصر من الفتوحات المكية

تأليف الشيخ عبد الوهاب الشعراني

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


المبحث الأربعون: في مطلوبية برّ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ووجوب الكف عن الخوض في حكم أبوي نبينا محمد صلى اللّه عليه وسلم وحكم أهل الفترتين بين نوح وإدريس وبين عيسى ومحمد صلى اللّه عليه وسلم وبيان أنهم يدخلون الجنة وإن لم يكونوا مؤمنين بكتاب ولا

اعلم أنه يستحب بر الأنبياء كلهم والدعاء لهم بأن اللّه يزيد في درجاتهم رجاء رضاء اللّه عز وجل عنا، وقد قال الشيخ محيي الدين في الباب السابع والخمسين وأربعمائة: اعلم أنه ينبغي لكل مؤمن بر أجداده وآبائه المسلمين وغير آبائه من أكابر الأولياء من آدم إلى أبيه الأقرب قال الشيخ: ولقد اعتمرت مرة عن أبينا آدم عليه السلام وأمرت أصحابي بذلك فوجدنا أبواب سماء الدنيا التي فيها آدم عليه السلام، قد فتحت تلك الليلة وعرجت ملائكة لا يحصي عددهم إلا اللّه ونزلت ملائكة كذلك وتلقونا بالترحيب والتسهيل إلى أن بهتنا منهم وذهلنا من كثرتهم لأجل صلة أبينا آدم عليه السلام، تلك الليلة وذلك لأن رحم آدم عليه السلام مقطوعة عند أكثر الناس قال: " ولقد ألهمني اللّه تعالى صلتها فوصلتها ووصلت بسببي أيضا ". وكان ذلك عن توقيف إلهي لم أر لأحد في ذلك قدما أمشي عليه، وما قال الحق تعالى في غير موضع من القرآنيا بَنِي آدَمَ [الأعراف: 26] إلا ليذكرنا تعالى بأبينا آدم عليه السلام، لنصله ومع هذا فلم يتنبه أحد لهذه الأبوة ولا للوفاء بحقها وما أشبه هذه الذكرى من اللّه تعالى بقوله لمريم: يا أُخْتَ هارُونَ [مريم: 28] ، وأين زمن هارون من مريم. وأما وجوب الكف عن الخوض في حكم أبوي النبي صلى اللّه عليه وسلم في الآخرة، فللشيخ جلال الدين السيوطي رحمه اللّه في هذه المسألة ست مؤلفات، وقد طالعته كلها فرأيتها ترجع إلى أن الأدب مع رسوله صلى اللّه عليه وسلم واجب، وأن من آذاه فقد آذى اللّه وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً(57) [الأحزاب: 57] . وفي القرآن العظيم: وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا [الإسراء: 15] . ومن طالع فيما نقله أهل السير من كلام عبد المطلب لما أراد نحر عبد اللّه في قصة حفر بئر زمزم شهد له بالتوحيد، وصاحب التوحيد سعيد بأي وجه كان توحيده كما سيأتي قريبا في حكم أهل الفترات. قال الجلال السيوطي: وقد ورد في الحديث " أن اللّه تعالى أحيا أبويه صلى اللّه عليه وسلم حتى آمنا به " وعلى ذلك جماعة من الحفاظ منهم الخطيب البغدادي وأبو القاسم ابن عساكر وأبو حفص بن شاهين والسهيلي والقرطبي ومحب الدين الطبري وابن المنير وابن سيد الناس والصفدي وابن ناصر الدمشقي وغيرهم رضي اللّه عنهم أجمعين، ولفظ السهيلي بعد إيراد حديث الحاكم وصححه عن ابن مسعود قال: " سئل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، عن أبويه فقال: ما سألتهما ربي فيعطيني فيهما وإني القائم يومئذ المقام المحمود ". قال: ففي هذا الحديث تلويح بأنه صلى اللّه عليه وسلم، يشفع فيهما في ذلك المقام ليوقف للطاعة عند الامتحان الذي يقع يوم القيامة كما ورد في عدة أحاديث قال المحب الطبري: واللّه تعالى قادر على أن يحيي أبويه صلى اللّه عليه وسلم، حتى يؤمنا به ثم يموتا ويكون ذلك مما أكرم اللّه تعالى به سيد الأولين والآخرين. انتهى. وقال القرطبي: ليس إحياؤهما وإيمانهما به صلى اللّه عليه وسلم بممتنع لا عقلا ولا شرعا، فقد ورد في القرآن إحياء قتيل بني إسرائيل حتى أخبر بقاتله انتهى.

(قلت): وعلى القول بصحة إحيائهما بعد موتهما فيكون ذلك الإحياء مثل إحياء من قال لهم اللّه موتوا ثم أحياهم أي: إلى تكملة آجالهم وعلى ذلك فما آمن أبوا النبي صلى اللّه عليه وسلم، إلا في زمن تكليفهما فكأنهما آمنا به قبل أن يموتا كما قال بعض المحققين في سجدة أهل الأعراف من أن ميزانهم ترجح بتلك السجدة يوم القيامة ثم يدخلون بها الجنة فلو لا أن هذه السجدة نفعتهم وسعدوا بها لم يدخلوا الجنة مع أنها ما وقعت إلا بعد موت فيوم القيامة برزخي له وجه إلى الدنيا ووجه الآخرة إلى الآخرة واللّه أعلم. وكان الإمام أبو بكر بن العربي المالكي الفقيه المحدث يقول: ما عندي أحد أشد أذى لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، ممن يقول: إن أبويه في النار. وفي حديث مسلم: " لا تؤذو الأحياء بسبب الأموات فيحرم جزما أن يقال: إن أبوي النبي صلى اللّه عليه وسلم، في النار ". انتهى قال الشيخ جلال الدين السيوطي: خاتمة حفاظ مصر رحمه اللّه: وقد صرح جماعات كثيرة بأن أبوي النبي صلى اللّه عليه وسلم، لم تبلغهما الدعوة واللّه تعالى يقول: وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا [الإسراء: 15] . وحكم من لم تبلغه الدعوة أنه يموت ناجيا ولا يعذب ويدخل الجنة. قال: وهو مذهبنا لا خلاف فيه بين المحققين من أئمتنا الشافعية في الفقه والأشاعرة في الأصول ونص على ذلك الإمام الشافعي رضي اللّه عنه وتبعه على ذلك الأصحاب. قال الجلال السيوطي رحمه اللّه: ومما يوضح لك أنهما لم تبلغهما الدعوة أنهما ماتا في حداثة سنه صلى اللّه عليه وسلم، وصحّح العلائي وغيره أن والد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عبد اللّه، عاش من العمر ثمان عشرة سنة ووالدته ماتت في حدود العشرين ومثل هذا العمر لا يسع الفحص على المطلوب في التوحيد على القول بأن اللّه تعالى لم يحيهما حتى آمنا به مع أن ذلك الزمان الذي كانا فيه كان زمانا قد عم فيه الجهل والفترة انتهى. ولنذكر لك جملة من أحكام أهل الفترتين ليدخل أبو النبي صلى اللّه عليه وسلم، في أشرف أقسامهم فنقول: وباللّه التوفيق: اعلم أن الموحد سعيد بأي وجه كان توحيده وإن لم يكن مؤمنا بكتاب ولا رسول ويدخل الجنة وذلك أن متعلق الإيمان إنما هو الخبر الذي يأتي به الأنبياء عن ربهم عز وجل وليس بين ظهري أهل الفترتين كتاب ولا رسول حتى يؤمنوا بهما، وحينئذ يصح أن يلغز بذلك فيقال لنا: شخص مات على غير الإيمان ويدخل الجنة وهو من وحد اللّه بنور وجده في قلبه ومات على ذلك. وقد قسم الشيخ محيي الدين أهل الفترتين في الباب العاشر من "الفتوحات" إلى ثلاثة عشر قسما وحكم لستة أقسام منهم بالسعادة والأربعة بالشقاء والثلاثة بأنهم تحت المشيئة:

(فأما) السعداء فقسم وحّد اللّه تعالى بنور وجده في قلبه كقس بن ساعدة وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل فإن قسا كان إذا سئل هل لهذا العالم إله يقول: البعرة تدل على البعير وأثر الأقدام على المسير إلى آخر ما قال، وأما سعيد ابن زيد فكان يسجد ويقول: إلهي إله إبراهيم وديني دين إبراهيم كما في صحيح البخاري وكان يقول أيضا: إني لأنتظر نبيا من ولد إسماعيل من بني عبد المطلب ولا أراني أدركه وأنا أؤمن به وأصدقه وأشهد أنه نبي، ومن طالت به مدة ورآه مرة فليقرئه مني السلام انتهى. ذكره ابن سيد الناس في سيرته: قال الشيخ محيي الدين: ويسمى من وحد اللّه تعالى مثل قس صاحب دليل ممتزج بفكر وذلك لأنه ذكر المخلوقات واعتباره فيها ولذلك كان يبعث أمة وحده كما ورد لا تابعا ولا متبوعا.

(وقسم): وحّد اللّه تعالى بما تجلّى لقلبه من النور الذي لا يقدر على دفعه من غير فكر ولا روية ولا نظر ولا استدلال فهذا على نور من ربه خالص غير ممتزج بفكر في كون من الأكوان ويحشر هذا يوم القيامة مع الأصفياء الأبرياء.

(وقسم): ألقى في نفسه واطلع من كشفه لشدة نوره وصفاء سره وخلوص يقينه على منزلة محمد صلى اللّه عليه وسلم، وسيادته وعموم رسالته باطنا من زمن آدم عليه السلام، إلى زمن هذا المكاشف فآمن به في عالم الغيب على شهادة منه وبينة من ربه وهو قوله تعالى: أَ فَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ [هود: 17] . ويتلوه شاهد منه. أي: يشهد له في قلبه بصدق ما كوشف له فهذا يحشر يوم القيامة في ضياء من خلفه وفي باطنية محمد صلى اللّه عليه وسلم.

(وقسم): اتبع ملة حق ممن تقدمه كمن تهود أو تنصر واتبع ملة إبراهيم أو من كان من الأنبياء حين علم وأعلم أنهم رسل اللّه تعالى يدعون إلى اللّه تعالى طائفة مخصوصة فتبعهم وآمن بهم وسلك سنتهم فحرم على نفسه ما حرم ذلك الرسول وتعبد نفسه بشريعته وإن كان ذلك ليس هو بواجب عليه إذ لم يكن ذلك الرسول مبعوثا إليه فهذا يحشر مع من تبع ذلك النبي يوم القيامة، ويتميز في زمرته في ظاهريته إذا كان شرع ذلك النبي قد تقرر في الظاهر.

(وقسم): طالع في كتب الأنبياء فعرف شرف محمد صلى اللّه عليه وسلم، وشرف دينه وثواب من اتبعه فآمن به وصدق على علم وإن لم يكن دخل في شرع نبي قط ممن تقدم لا سيما إن كان قد أتى بمكارم الأخلاق كحكيم بن حزام وأضرابه فهذا يحشر يوم القيامة مع المؤمنين بمحمد صلى اللّه عليه وسلم، لا في العاملين بشريعته ولكن في ظاهرية محمد صلى اللّه عليه وسلم.

(وقسم): آمن بنبيه الذي أرسل إليه وأدرك رسالة محمد صلى اللّه عليه وسلم، وآمن به فله أجران فهؤلاء ستة أقسام: كلهم سعداء عند اللّه يوم القيامة لتوحيدهم، وإن لم يتصفوا بالإيمان. (وأما): الأشقياء (فقسم): عطل لا عن نظر بل عن تقليد فذلك شقي مطلق (وقسم):

أشرك لا عن استقصاء نظر فذلك شقي (وقسم): عطل بعد ما أثبت لا عن استقصاء نظر أو تقليد فذلك شقي (وقسم): أشرك عن تقليد محض فذلك شقي.

(وأما): من هو تحت المشيئة (قسم): عطل فلم يقر بوجود عن نظر قاصر ذلك القصور بالنظر إليه لضعف في مزاجه عن قوة غيره فهو تحت المشيئة (وقسم): أشرك عن نظر أخطأ فيه طريق الحق مع بذل المجهود الذي تعطيه قوته فذلك تحت المشيئة (وقسم): آخر عطل بعد ما أثبت عن نظر بلغ فيه أقصى القوة التي هو عليها مع ضعفه بالنسبة لمن فوقه فهو تحت المشيئة.

(فهذه): أقسام أهل الفترات التي بين إدريس ونوح وبين عيسى ومحمد صلى اللّه عليه وسلم، فإياك أن تحكم على أهل الفترات كلهم بحكم واحد من غير هذ التفصيل فتخطىء طريق الصواب فرحم اللّه تعالى الشيخ محيي الدين ما كان أوسع اطلاعه فإن هذا التقسيم لم تجده لغيره واللّه أعلم.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!